لم تعد غزة مُجَـرّد عنوان للقضية الفلسطينية فحسب، بل تحوّلت إلى مرآة تعكس صدقَ المواقف وعمق المبادئ، وكاشفة فاضحة لكل مدّعٍ يلوّح بالدِّين والوطنية والشرف كذبًا وزورًا.

ففي زمن تتعالى فيه الأصوات وتتداخل فيه الشعارات، لا يزال موقف الناس من غزة يمثل ميزانًا دقيقًا لفرز الناس عن الأدعياء، والمبادئ عن الزيف، والحق عن الباطل.

فليس غريبًا أن يتعمد البعض تشويه كُـلّ من يقف مع غزة، ويجتهدون في وصمه بالإرهاب أَو التطرف أَو الخيانة، لمُجَـرّد أنه عبّر عن إنسانيته، وأدى واجبه الأخلاقي والديني تجاه قضية العرب والمسلمين الأولى.

لقد بات التقييم الصادق للمواقف، وربطها بموقف صاحبها من غزة، أمرًا يزعج هؤلاء.

لأن غزة اليوم لم تعد مُجَـرّد جغرافيا محاصَرة، بل تحوّلت إلى امتحان يومي للعقيدة والضمير والرجولة. ولهذا فإنهم يجرّمون كُـلّ من يتخذ من غزة معيارًا، لأن هذا المعيار ببساطة يفضحهم، ويفضح زيف مواقفهم.

إن غزة، في جراحها وصمودها، أبانت سوءاتهم، وكشفت قبحهم، وأسقطت الأقنعة عن وجوه طالما ادعت التدين والعروبة والشرف. لكنها في المحك، تبيّن أنها وجوهٌ خاوية من كُـلّ ذلك. وجوه تخلّت عن المروءة، وتنصّلت من الدين، وفقدت الحمية، وتخلّت عن القبيلة، وتبرأت من الرجولة. لقد أسقطت غزة ورقة التوت عن أدعياء الدين وأشباه القادة وتجار الشعارات.

إن ما يحدث اليوم هو انقلاب على القيم، حين يصبح الانحياز للمظلوم تهمة، ومناصرة المقاومة جريمة، والصمت عن المجازر حكمة، والخيانة وجهة نظر. لكن رغم ذلك، تبقى غزة شاهدًا لا يكذب، مقياسًا أخلاقيًّا لا يخطئ.

فمن نصرها فقد شرف، ومن خذلها فقد سقط في قاع العار.

ليس الغرض من ذلك التوصيف جلدُ أحد، بل هو دعوةٌ للتبصّر والوعي.

دعوة للرجوع إلى البُوصلة الحقيقية التي لا تحيد: غزة، التي تقف في خط النار؛ دفاعًا عن كرامة الأُمَّــة. فإما أن نكونَ مع الحق وأهله، أَو نترك الصمت يأكل وجوهَنا، حتى لا نجدَ في النهاية إلا العار، ولا نصيبَ لنا إلا في خزي التاريخ.