الاستيطان استراتيجية خطيرة للكيان الإسرائيلي.. واقع وإشكاليات
موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية || الوقت التحليلي
لقد حاول الکيان الإسرائيلي، خلال فترة احتلاله للأراضي الفلسطينية، بأن يستخدم المستوطنات كاستراتيجية طويلة الأمد، لكي يحتل الكثير من الأراضي الفلسطينية ويجعلها مناطق يهودية. وتجدر الإشارة هنا إلی أن الکيان الإسرائيلي كان يقوم باختيار المناطق الهامة والاستراتيجية التي تمتلك الكثير من الموارد الطبيعية (كالمياه والتربة الخصبة والجيدة للزراعة والموقع الاستراتيجي والمناطق القريبة من الموانئ البحرية والطرق الإقليمية وأيضا تلك المناطق التي تحظى بمكانة دينية وما إلى ذلك)، ويقوم ببناء الكثير من المستوطنات الإسرائيلية عليها وتوسيعها ونقل المهاجرين اليهود إليها. ويعتبر الكيان توطين اليهود المهاجرين في هذه المستوطنات المحتلة، أمراً نهائيا لا رجعة فيه.
تاريخ بناء المستوطنات والدافع وراء ذلك
بصفة عامة، يمكن النظر إلى المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية وقطاع غزة من منظور “أيديولوجي” و”استراتيجي” على السواء. فمن المنظور الأيديولوجي يُعد الاستيطان أحد أهم المقومات الأيديولوجية التي قامت عليها الحركة الصهيونية منذ نشأتها، فلقد اعتمد الکيان الإسرائيلي على الاستيطان كسياسة ذات أولوية في نهجه وسلوكه الداخلي والخارجي وفي علاقاته الدولية، لكي يحقق أهدافه وغاياته المتمثلة في إقامة وطن قومي لليهود على أرض فلسطين من خلال توطين اليهود في فلسطين، والاستيلاء على كافة الأراضي الفلسطينية وإقامة المستوطنات اليهودية عليها. وهكذا فقد شهدت الأراضي الفلسطينية منذ احتلالها من قِبل “إسرائيل” عام 1948 على عملية استيطانية ممنهجة ومخطط لها بعناية من قِبل هذا الكيان، بهدف فرض وقائع مادية ملموسة على أرض الواقع تؤكد السيادة الإسرائيلية على فلسطين ولاسيما مدينة القدس، واتخاذها عاصمة لـ”إسرائيل”.
ومن المنظور الاستراتيجي اتبعت الحكومات الإسرائيلية أساليب وطرق متعددة بهدف تهويد مدينة القدس بعد عام 1967، ولم تكن سياسة الاستيطان الوسيلة الوحيدة التي لجأت إليها “إسرائيل” لتحقيق هذا الهدف، فإلى جانب ذلك عملت على زيادة عدد المستوطنين اليهود فيها، فضلاً عن التضييق على المواطنين الفلسطينيين في المدينة. وتجدر الإشارة هنا إلی أن لهذه المستوطنات الإسرائيلية عدة وظائف، فهي تُعتبر في البداية عائقا أمام الهجمات العسكرية المفاجئة التي قد تقوم بها بعض جماعات المقاومة العربية، ولهذا فقد كان لهذه المستوطنات مخيمات شبه عسكرية في السبعينات “1970”، وأصحبت تلك المستوطنات مدناً مليئةً بالسكان في مطلع الثمانينيات “1980”. وصُممت هذه المستوطنات بطريقة تسمح لها باستيعاب عدد كبير من اليهود، وتسمح لها أيضا بقطع الطرق التي تؤدي إلى البلدات والقرى الفلسطينية. وبسبب كل هذه الخصائص التي تمتلكها هذه المستوطنات، فمن الواضح انه تم بناؤها بشكل يتعارض مع القوانين الدولية.
الأهداف من بناء المستوطنات
إن الهدف من بناء المستوطنات كان الاستيلاء على الكثير من الأراضي وتهيئة بيئة أمنية حيوية وكانت هذه الأهداف مستمدة من الأفكار الكلاسيكية الجيوسياسية. وتعتبر الجيوسياسية، التي تتناول قضايا السياسة الخارجية القائمة على المعلومات والآراء والتقنيات الجيوسياسية، شكلاً من أشكال الجغرافيا السياسية العملية. وتناقش الجغرافيا السياسية الظواهر السياسية في داخل البلد، والتي تشمل مفاهيم مثل الحدود والأمة والدولة والأرض.
الجدير بالذكر هنا أن لهذه المستوطنات مكانة مهمة في قائمة الإستراتيجيات الطويلة الأجل للکيان الإسرائيلي، فعلى الرغم من جهود المجتمع الدولي وحتى الولايات المتحدة لوقف الاستمرار والتوسع في بناء المزيد من المستوطنات، إلا أن هذا الكيان لم يرضخ لكل تلك الجهود، بل على العكس استمر في بناء المزيد من هذه المستوطنات. ونظرا لهذا فقد اتسعت رُقعة التوترات في العلاقات بينه وبين الكثير من الدول ومن بينها الولايات المتحدة. وهذه الاستراتيجية الصهيونية تعني الاستمرار في نقل يهود العالم وتوطينهم في أراضي فلسطين المحتلة.
إدانات دولية
إعتبرت الأمم المتحدة وكثير من دول العالم أن المستوطنات الإسرائيلية غير شرعية وتخلق الكثير من العقبات أمام كل المحاولات التي تسعى إلى إحلال السلام في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وقد اصدر مجلس الامن الدولي يوم الجمعة “3 ديسمبر” قراراً بالتوقف الفوري للاستمرار في بناء مستوطنات الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية، بأغلبية 14 صوتا مقابل صوت واحد، كما حذر الاتحاد الأوروبي من أن قرار “إسرائيل” ببناء آلاف الوحدات السكنية في الأراضي المحتلة، سيُضعف جميع تلك المحاولات التي تسعى لحل جميع المشاكل بين الدولتين، وقد صرح الاتحاد الأوروبي في تقرير له قائلاً: “من المؤسف أن تواصل إسرائيل انتهاج هذه السياسة (الاستمرار في بناء المستوطنات) على الرغم من المخاوف والاحتجاجات الدولية المستمرة والخطيرة التي تم طرحها على جميع المستويات،” وجاء أيضا في هذا التقرير: إن الاستمرار في بناء المستوطنات، يُعد خلافاً “لسياسات الاتحاد الأوروبي طويلة الأمد”. الاتحاد الأوروبي، كالأمم المتحدة، يؤيد ويدعم جميع الجهود الدبلوماسية التي تسعى إلى إحلال السلام بين الفلسطينيين والکيان الإسرائيلي. كما جاء أيضا في هذا التقرير أن “التفاوض على حل وفصل الدولتين هو السبيل الوحيد للوفاء بالمطالب المشروعة لكلا الجانبين وتحقيق السلام الدائم بينهما”.
بناء المستوطنات من وجهة نظر القانون الدولي
من وجهة نظر قانون الحروب والقانون الدولي، فقد احتل الکيان الإسرائيلي الكثير من الأراضي الفلسطينية التي أكدت الأمم المتحدة في عام 1967 علی أنها مناطق خاضعة لدولة فلسطين. واستنادا إلى هذه الحقوق، فقد قام الكيان بسلسلة من الجرائم كالتعدي على الكثير من المواطنين الفلسطينيين واحتلال بلداتهم ومنازلهم، واقدم المسؤولون الإسرائيليون على عدم الاعتراف بالقوانين والمعاهدات الدولية المختصة بالأراضي المحتلة، وأوجدوا الكثير من التغييرات فيها واستمروا ببناء الكثير من المستوطنات الإسرائيلية بشكل غير قانوني. والجدير بالذكر هنا أن هذه الأعمال الاستيطانية التي قام بها الکيان الإسرائيلي لا تتمتع بأي حماية قانونية أو دعم في المحافل الدولية ومنظمات حقوق الإنسان وحقوق الحروب، ونتيجة لهذا كله فقد انتهك الصهاينة من خلال بناءهم هذه المستوطنات، كل القوانين والمعاهدات والاتفاقيات الدولية.
وفي سياق متصل تنص المادة 46 من “قانون لاهاي” لعام 1907 بأنه: لا يمكن لحكومة الاحتلال مصادرة جميع الممتلكات التي استولت عليها، كما تنص المادة 49 من “اتفاقية جنيف” الرابعة بأنه: لا يجوز لأي دولة أن تنقل مواطنيها إلى الأراضي التي احتلتها بالقوة ولا يجوز لها أن تتخذ تدابير لتغيير التركيبة السكانية فيها، واتهم قرار مجلس الأمن رقم 446 الصادر في عام 1979، الکيان الإسرائيلي بانتهاك القانون الدولي ببنائه المستوطنات، وطلب منه تنفيذ الأحكام التي صدرت في “اتفاقية جنيف” حول هذا الصدد.
تجاهل الکيان الإسرائيلي للمواثيق والمعاهدات
إن من أهم أسباب إهمال وتجاهل هذا الكيان لجميع المواثيق والمعاهدات، هو وجود خلل في منظومة الأمم المتحدة المرتبطة بمصالح مالية مع اللوبي الصهيوني. فعندما استخدم الکيان الإسرائيلي نفوذه وعلاقاته القوية، استطاع إن يستمر في قتل الابرياء من الفلسطينيين لمدة 68 عاماً في صمتٍ من تلك المنظمة، وهنا كيف ينبغي لمجلس الأمن، الذي يُعد أحد أنظمة الأمم المتحدة الفرعية، أن يتخذ قراراً للضغط على هذا الكيان بأن يوقف عملياته الاستيطانية.
وتجدر الإشارة هنا إلی أن حكومة ترامب توافق على جميع الإجراءات التي يقوم بها الکيان الإسرائيلي على الرغم من أن إدارة أوباما امتنعت عن الموافقة على القرار المصري بشأن المستوطنات الإسرائيلية، إلا أن مراكز الإعلام التابعة لترامب وأعضاء حكومته، أظهرت إلى أي مدى سوف تكون الإدارة الأمريكية الحالية متفقة وداعمة لسياسات هذا الكيان.
التحديات
على الرغم من الجهود التي يبذلها الکيان الإسرائيلي لبناء وتوسيع المستوطنات في الأراضي المحتلة، إلا أن هذه الحركة الإسكانية قد واجهت مشكلة كبيرة، وهي: عدم وجود مهاجرين ورفض اليهود الهجرة إليها. وهذا في الوقت الذي حظيت فيه الحركة الصهيونية بدعم كبير من خلال هجرة اليهود السوفيات. ويشير هذا الوضع إلى أنه على الرغم من الدعم المادي السخي الذي تقدمه الحكومة الإسرائيلية للمستوطنين، إلا أن هنالك الكثير من اليهود لا يرغبون بالهجرة والاستيطان في هذه المستوطنات وذلك لأنهم يعتقدون بأن المهاجر اليهودي الذي جاء من الاتحاد السوفياتي أو من أماكن أخرى إلى الأراضي العربية المحتلة لم يأت إلى فلسطين للقتال أو من اجل أن يكافح ليحقق غرضاً معيناً، وإنما جاء لكي يتمتع بحياة اقتصادية مزدهرة.
ويشير تقرير القنصلية الأمريكية في القدس (أيار / مايو 1997) إلى أن 25 في المائة من المنازل في المستوطنات الإسرائيلية الواقعة في الضفة الغربية و 56 في المائة من تلك الواقعة في قطاع غزة و 28 في المائة من تلك الواقعة في الجولان، لا يسكن فيها احد. وكشف هذا التقرير أيضا عن ندرة وتناقض المعلومات عن المستوطنات والهجرة. ووفقا للإحصاءات الرسمية الإسرائيلية التي نُشرت في قانون الإحصاءات السنوي لعام 1996، كان هنالك 610 33 منزلاً في المستوطنات الإسرائيلية في عام 1995، ، حيث كان منها ما يقارب 4066 منزلا، أي ما يعادل 12 في المائة، فارغا.
النتيجة
ليس من المبالغة أن نقول إن الکيان الإسرائيلي لديه الكثير من التوترات مع معظم دول العالم وذلك بسبب مطالباته المستمرة في بناء مستوطنات غير شرعية. فقد أقدمت الكثير من الحكومات الأوروبية والأمريكية، على مطالبة هذا الكيان بعدم الاستمرار في انتهاج مثل هذه السياسات ودعت الکيان الإسرائيلي إلى وقف هذه الأعمال الاستيطانية، ولكن في السنوات الماضية، لم يولِ هذا الکيان أي أهمية لهذه المطالب، بل استمر في بناء الكثير من المستوطنات بشكل مكثف.
وفي هذا الوقت، كان من الواضح أن بعض الحكومات العربية كان لها دور واضح وخفي في هذه المؤامرات الصهيونية وكانت تلك الحكومات توافق أيضا على تلك السياسات العدوانية التي كان ينتهجها الكيان وكانت مواقفهم هذه تُعد خيانة واضحة للشعب الفلسطيني. وكان هنالك أيضا صمت من قِبل المنظمة الدولية ومنظمة حقوق الإنسان، على هذه الجرائم التي كان يقوم بها الکيان، وهذا في حين أنه كان يجب على هذه المنظمات أن تتصرف وفقا لواجبها، لوقف بناء هذه المستوطنات اليهودية في الأراضي المحتلة.
إن الوحدة الإسلامية والمحافظة على الأراضي الفلسطينية تعتبر من اهم القضايا الرئيسية للعالم الإسلامي والتي يجب عليه التقدم للدفاع عن الشعب الفلسطيني والقضاء على الظاهرة الشريرة للإرهاب المنظم في المنطقة واستعادة حقوق شعب فلسطين والقضاء أيضا على الورم الخبيث للصهيونية في المنطقة.