إنسانية مسلمي أمريكا تروّض عنجهية ترامب

موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية || الوقت التحليلي

الوثائق التاريخية تثبت أن وجود المسلمين في أمريكا قديم بقدم نشوء الدولة التي هاجر إليها سكانها من كل حدب وصوب، ومن هؤلاء المهاجرين كان العبيد المسلمين من أفريقيا وغيرها. أما اليوم باتت هذه الفئة تشكل وفقاً لآخر الإحصاءات الرسمية 3,3 مليون نسمة أي ما يوازي 1% من سكان أمريكا والعدد في تزايد مستمر.

 

ومع عودة إنتشار ثقافة اليمين المتطرف المعادي للمهاجرين ككل وللإسلام بشكل خاص والترويج الهائل للإسلاموفوبيا، صعد هذا اليمين إلى السلطة في عدد من البلدان الغربية وأهمها أمريكا التي يتربع على عرشها اليوم أحد أكثر الرؤساء تطرفاً وعداءاً للإسلام والمسلمين، رغم أن الإسلام بمفهوم هذه الفئة من المسلمين إنفتاحي أكثر من باقي مسلمي العالم لتأثرهم ببعض العادات والمفاهيم الأمريكية، فالغالبية العظمة منهم تنبذ التيارات المتطرفة بأشكالها، وتدعو للمساوة بين الجنسين وغيرها من أفكار قد لا نجدها في مجتمعات إسلامية آخرى. فما هي أسباب عداءه هذا؟ وكيف جابه مسلمو أمريكا ذلك؟

 

من المؤكد أن عداء ترامب وتهجمه المستمر على المسلمين والخطوات التي قام بها لمنع دخول المسلمين لأمريكا والتضييق على الموجودين هناك، خطوات مصلحية ظرفية، لأن ترامب رجل المصلحة يجري خلفها أينما تسير، فهو المعروف سابقاً بعلاقاته الطيبة مع الكثير من المستثمرين المسلمين ورؤساء العالم الإسلامي كما أنه لم يكن يمينياً في السابق، إذن مواقفه هذه استجدت مع ترشحه للإنتخابات الرئاسية ووصلوه للسلطة، وفيما يلي بعض أسباب هذا العداء:

 

أولاً، يعتقد مستشارو ترامب بوجوب ركوب حملة محاصرة الإسلام للإضاءة على حملته الإنتخابية إبان ترشيحه للرئاسة، متسلقاً بذلك الحملة اليمينية العالمية المتطرفة اتجاه الإسلام. وحالة العداء والرعب التي سببها خروج داعش وباقي التنظيمات المتطرفة في الغرب.

 

ثانياً، من مصلحة ترامب إظهار وجه التغيير عن الإدارة السابقة التي إحتضنت التيارات الإسلامية وخاصة المتطرفة منها كالإخوان وداعش في العراق وسوريا وغيرهم. وإتهامات ترامب المتكررة للإدارة السابقة بهذا الشأن يفسر الأمر بشكل أوضح.

 

ثالثاً، استغل ترامب الحوادث الإرهابية لتدشين قوانين جديدة ضد المسلمين بهدف رفع شعبيته عالمياً وداخلياً على أنه المحارب الأول للإرهاب.

 

ولكن المفارقة أن مسلمي أمريكا ظلموا في خضم هذا كله، فلا ناقة لهم في الوضع الأمني في الشرق الأوسط ولا جمل، فما كانت ردود فعلهم؟ وكيف إستطاعوا إقناع المجتمع الأمريكي بخطأ وجهة نظر ترامب إتجاههم؟ وكيف تعامل المسلمون مع ترامب ودعواته العنصرية؟

 

من المفارقات الغريبة في ردة فعل المسلمين على دعوات ترامب المتطرفة ضدهم هي أن جزءاً لا بأس به منهم دعم وانتخب الأخير في الإنتخابات الرئاسية بأمريكا وساهموا في وصوله إلى سدة الرئاسة. وحملات مقاطعة ترامب والتنديد بتصريحاته معظمها كان فاعلاً خارج أسوار أمريكا كبريطانيا وباقي أوروبا والشرق.

 

ومؤخراً ذهب مسلمو أمريكا أبعد من ذلك في تفهمهم وتسامحهم مع عنجهية ترامب ومؤيديه ضدهم، إذ ضجت صحف أمريكية وعالمية بأخبار حملات الإغاثة الضخمة التي نظمها المسلمون وإحتضنتها المساجد وجمعيات المسلمين الخيرية في هيوستن والمناطق المتضررة جرّاء إعصارات إرما وهارفي.

 

فالمجتمع في ولاية تكساس كان شديد الحساسية إتجاه المسلمين قبل هذه الأعاصير التي جعلتهم يعدلون عن وجهة نظرهم وهذا ما جاء في وصف أحد المواطنين الأمريكيين “من الجيد أننا مجتمع متعدد فيه مسلمون”. إذ فتحت المساجد كمأوى للهاربين من الإعصار، ونظم المسلمون الولائم وقدموا أنواع الحلوى وأمّنوا الخدمات الطبية وغيرها الكثير. الأمر الذي جعل طبيعتهم الإنسانية محط أنظار المجتمع الأمريكي ككل، والذي سبق أن انساق في فترة من الفترات خلف عصبيته وحملة التشويه العالمية التي ترأسها ترامب.

 

ولم تكن حادثة هيوستن هي الأولى، إذ شهدت عدة مناطق أمريكية حوادث فردية قام فيها مسلمون بأداء دورهم الإجتماعي والإنساني بكل تضحية ووفاء لأبناء وطنهم هناك، وكذلك حصل في بريطانيا عندما شبّت النيران ببرج جرينفيل منتصف يونيو الماضي، حيث كان المسلمون أول من اكتشف الحريق الذي اندلع في ساعة متأخرة من الليل، نظرا لاستيقاظهم استعدادا لتناول السحور، وبدأوا بإيقاظ الجميع وإخراجهم من منازلهم وجنّبوا لندن كارثة كبرى.

 

طبيعة إنصهار المسلمين في المجتمع الأمريكي وتعاملهم معهم على أساس أهم المبادئ الإسلامية: (الناس صنفان: إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق)، جعل دورهم في هذا البلد مطلوباً لا بل محبباً من هذا المجتمع، الذي فهم كُنه هذه البيئة وفصلها عن بعض التيارات المتطرفة التي ما انكفأت تشوّه صورة الإسلام والمسلمين. فهل يدرك ترامب أن تطرفه اتجاه هذه الفئة بات أمراً في غير مصلحته؟ أم أن المجتمع الأمريكي سيقف بوجه ترامب في حال استمر في إضطهاده لهؤلاء؟

قد يعجبك ايضا