“انتفاضة القدس” مستمرة في إطارها الفردي الفاعل

موقع أنصار الله  || صحافة عربية ودولية || وكالة القدس للأنباء

 

وسط حالة قدّرت فيها قيادات العدو الأمنية أن “انتفاضة القدس” قد ذابت، وأن حالة هدوء تعيشها مدينة القدس، عادت العمليات الفدائية إلى الواجهة، من خلال عملية قطنة البطولية التي نفذها مقدسي على مدخل مستوطنة “هار أدار” شمال غرب القدس المحتلة، وانتهت بمقتل ثلاثة من جنود العدو، وإصابة رابع بجراح خطيرة.

 

جاءت العملية بعد انخفاض وتيرة العمل الفدائي في القدس والضفة المحتلة، لتثبت أن الانتفاضة التي أصبحت على أعتاب عامها الثالث، لا تزال مستمرة ولن تتوقف في القريب العاجل. ففي كل مرحلة من مراحل انتفاضة القدس، تُفاجأ المستويات الأمنية والعسكرية والسياسية الصهيونية بنوعية العمليات الفلسطينية، التي لا تزال تحتفظ بطابعها الفردي في التخطيط والتنفيذ.

 

الاعتقاد السائد في المحافل الصهيونية بأن الانتفاضة الحالية ستخبو سريعاً يعود للبيئتين الفلسطينية والإقليمية السائدتين؛ إلا أن ذلك لم يحصل، وقد أدى تصاعدها النسبي منذ انطلاقتها، وطغيان السمة الفردية لمفاعيلها، إلى إرباك الوسطين السياسي والأمني للعدو.

 

ما يثير غرابة الكيان، وحتى جنونه، هو أن هذه العمليات الفردية، تخرج بين الفينة والأخرى وكأن هناك تدبير خفي يحركها، ولكنها حتى اللحظة لم تتحول إلى انتفاضة جماهيرية مباشرة نتيجة الظروف المعقدة التي تعصف بالفلسطينيين إقليمياً وداخلياً، كما أن الفصائل الفلسطينية لم تستطع مواكبة هذه الانتفاضة بشكل ممنهج، وأن تستغل تحرك هؤلاء الشباب وتضحياتهم بحيث تتحول لانتفاضة شعبية توجع العدو.

 

ولعل أكثر ما يمنع تحوّلها لانتفاضة شعبية، وخاصة في الضفة المحتلة، التضييقات التي تقوم بها أجهزة السلطة التي تمنع التحركات الشعبية، يرافقها التشديدات الأمنية المهووسة من قبل شرطة العدو، ودليل ذلك ما يكشف عنه يومياً من إعتقال خلايا مقاومة في الضفة المحتلة تعمل على تطوير أسلحة يؤكد على أن هناك من يعمل تحت الأرض، وفي الخفاء، لتصعيد الانتفاضة وتطويرها في فِعل المقاومة.

 

ورغم تأرجح وتيرة الانتفاضة، إلا أنها أوقفت تنفيذ عدة مشاريع صهيونية، ووضعت حكومة العدو في حالة من التخبط؛ إذ لا تزال أحزابها منقسمة في موقفها من الانتفاضة؛ فأحزاب اليمين المتطرف داخل الحكومة، ترى ضرورة الاستمرار في الاستيطان وبرنامج تقسيم الأقصى بالموازاة مع وأد الانتفاضة.

 

حزب الليكود، بدا منقسماً تجاه الانتفاضة إلى حدّ ما، لكن زعيمه بنيامين نتنياهو يسعى لاحتواء الانتفاضة عبر المواجهة بوتائر منخفضة تتضمن أساليب العقاب الجماعي، وتغيير قواعد إطلاق النار للجنود الذين يحتكون بالفلسطينيين، واتباع سياسة فرق تسد مع المناطق الفلسطينية، بمكافأة المناطق الهادئة، وعقاب المناطق التي يخرج منها ناشطون.

 

أما أحزاب المعارضة، فإن حزب “المعسكر الصهيوني” بزعامة هيرتسوغ ينتقد أداء نتنياهو في مواجهة الانتفاضة، ويدعو إلى التوجه لتسوية سياسية بمشاركة إقليمية بغية الانفصال عن الفلسطينيين لإبعاد شبح الدولة ثنائية القومية؛ فيما حزب المعارضة الآخر “يوجد مستقبل” بزعامة يائير لبيد يتهم نتنياهو بالعجز في مواجهة الانتفاضة، ويدعو كذلك لتشغيل مسار التفاوض. أما حزب “إسرائيل بيتنا”، وبخاصة زعيمه أفيغدور ليبرمان، فيتهم نتنياهو بالضعف، ويطالب بالعودة إلى سياسة الاغتيالات المركزة.

 

لا شك في أن هذه الانتفاضة المباركة ترتب عليها الكثير من النتائج السياسياً المباشرة؛ أولها وقف برنامج تقسيم المسجد الأقصى، ومنع الوزراء وأعضاء “الكنيست” من اقتحام المسجد لتنفيس الاحتقان، كما أسقطت جدوى استراتيجية اليمين الصهيوني القاضية بإدارة الصراع دون حله، وزادت الضغوط على نتنياهو بضرورة تشغيل المسار السياسي من جهات مختلفة بما فيها أجهزة الأمن.

 

يضاف إلى ذلك أنها أربكت حسابات حكومة نتنياهو اليمينية، وأوجدت تباينات شديدة داخلها في ما يخص أسلوب التعامل مع الطرف الفلسطيني،  وزادت من حدة التباين بين المستوى السياسي والأمني بشأن التعاطي مع الجانب الفلسطيني، فتعاظمت حدة الاتهامات بالعجز بين الطرفين في ما يتعلق بمعالجة الانتفاضة والملف الفلسطيني برمته.

 

ولعل ما يثار في الإعلام العبري حول دراسة المستوى السياسي تقديم تسهيل تنفيذ مشاريع بنية تحتية في مناطق السلطة، متعطلة منذ زمن بعيد، لم تكن نيته تحسين ظروف الفلسطينيين في تلك المناطق، بل يأتي في إطار طرح العدو خيارات لمعالجة الانتفاضة.

 

ومع عدم وجود غطاء مالي وسياسي للانتفاضة من قبل السلطة الفلسطينية، وفي ظل شدة الإجراءات الصهيونية التي اتبعت أسلوب العقوبات الجماعية، يبقى الرِهان في استمراريتها على إرادة الشعب الفلسطيني، ولا سيما الشباب، ومدى تمسكه بالدفاع عن حقه بالطريقة التي يجد فيها جدوى.

قد يعجبك ايضا