الاتفاق النووي؛ مواقف متباينة للدول الست الكبرى وابرز التداعيات عليها
موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية || الوقت التحليلي
مفاوضات الاتفاق النووي هي اتفاقية أجُريت بين إيران والدول الخمس الأعضاء في مجلس ألامن الدولي بالإضافة إلى ألمانيا والاتحاد الأوربي في عام 2015. وبطبيعة الحال، فإن أي وثيقة أو معاهدة دولية هي نِتاج عملية معينة ولا يمكن اعتبارها ظاهرة تم الحصول عليها بشكل مفاجئ. وهنا تجدر الإشارة بأن الاتفاق النووي غير مستثناه من هذه القاعدة، ولقد تأثر هذا الاتفاق بعوامل مختلفة فُرضت عليه من قِبل الأطراف اللاعبة في هذه المفاوضات حتى تم الاتفاق والتوقيع عليه. وفي الوقت نفسه، اثر هذا الاتفاق النووي الذي اصبح احد قرارات مجلس ألامن المعترف بها، على تلك آلأطراف المذكورة. وبالنظر إلى أهمية هذا الموضوع، فمن الضروري دراسة اهم المواقف التي لعبتها تلك آلأطراف في هذه المفاوضات النووية ومعرفة ابرز تداعيات هذه المفاوضات عليها.
ابرز المواقف والأهداف لكل طرف أساسي على حداه في سير عملية إبرام مفاوضات الاتفاق النووي:
بدأت المفاوضات النووية الإيرانية مع الغرب في عام 2003. وفي ذلك الوقت، كانت البلدان الثلاث “إنجلترا وفرنسا وألمانيا” هي الطرف المباشر الذي يقوم بتلك المفاوضات مع إيران. وفي نهاية المطاف، نظراً إلى انضمام روسيا والولايات المتحدة والصين إلى تلك الدول الثلاث، فلقد تم تشكيل مجموعة “5+1”. تتألف مجموعة “5+1” من خمسة أعضاء دائمين في مجلس الأمن (أمريكا وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا) بالإضافة إلى ألمانيا، وتقوم تلك المجموعة بالتنسيق مع إيران لبحث المفاوضات النووية الخاصة ببرنامجها النووي.
الولايات المتحدة:
يكثر الحديث على الصعيد الإعلامي والدولي، حول الفوائد التي تجنيها جمهورية إيران الإسلامية من هذه المفاوضات النووية التي تُجريها مع الولايات المتحدة. ولكننا هنا سوف نتطرق إلى تلك الفوائد والمكاسب التي جنتها وتجنيها أمريكا من عملية التفاوض هذه:
إيجاد غطاء شرعي يبرر تواجد الولايات المتحدة في المنطقة: تُعد منطقة الشرق الأوسط واحدة من أهم المناطق الاستراتيجية والجيوسياسية في العالم والتي كانت ولا تزال مركز للعديد من الأحداث الدولية وتُعد أيضا مصدراً لأكبر احتياطيات النفط والغاز في العالم ويمكن القول بأن خطوط أنابيب النفط الموجودة في هذه المنطقة، تُعد بمثابة شريان للحياة الصناعية والعسكرية في العالم. ولقد كان هدف تأمين مصالح الطاقة الأمريكية في هذه المناطق الغنية بالنفط، دائما أحد الأهداف الرئيسية للسياسة الخارجية الأمريكية على مدى العقود الخمسة الماضية.
الرد على المطالب الاجتماعية من أجل إيجاد حل سلمي للمحادثات النووية الإيرانية: لا يمكن أن ننسى أنه خلال السنوات الخمس الأولى لرئاسة أوباما، كانت إحدى تعهداته الواعدة للشعب الأمريكي، هي إيجاد حل سريع لقضية المفاوضات النووية مع إيران، ولكن نظراً لفشل عملية المفاوضات هذه خلال السنوات القليلة الماضية ووصولها إلى طريق مسدود، فأن اوباما يكون بهذا قد أخفق في الوفاء بوعوده الانتخابية تلك.
إقناع الأوساط المحلية والدولية ببدء استراتيجيات رادعة ضد إيران: استنادا إلى تحليل المعلومات المقدمة من الأوساط المحلية داخل الولايات المتحدة، فإن اليمين المتطرف الأمريكي أشار بأن هذه المفاوضات ما هي إلا إنذار أخير لأيران. ففي رأي هذا المجموعة المتطرفة، التي تلعب دوراً مهماً في ميدان السياسة الخارجية الأمريكية، بأنه في حالة أجُريت مفاوضات مباشرة بين البلدين، فأن تلك المفاوضات لن تخرج بأي نتائج ملموسة ولهذا فأنه ينبغي وضع خيارات أكثر صرامة ضد إيران، كتوجيه ضربة عسكرية ضدها.
خلق الشعور بالإحباط بين شعوب العالم المضطهدة: تسعى الحكومة الأمريكية إلى تضخيم قضية التفاوض بين الحكومتين الأمريكية والإيرانية ونشر الأهداف المرجوة من هذه المفاوضات المباشرة التي تم الاتفاق عليها خلال اتصال هاتفي بين “أوباما” و”روحاني” وإظهار شعورها الصادق والأخوي تجاه إيران، مما قد يتسبب في انتشار موجة من الإحباط بين المسلمين في إيران والعالم.
الضغط على المواطنين ليتقبلوا التيارات السياسية التي تسعى إلى إيجاد تسوية: صرحت صحيفة “نيويورك تايمز”، بأن الفائدة الكبرى التي تسعى الولايات المتحدة أن تجنيها من عملية التفاوض مع إيران، هي: ” الولايات المتحدة وإلى جانبها إسرائيل يمارسون الكثير من الضغوطات على الشعب والنظام الإيراني وذلك من اجل الوصول إلى غايتهم المرجوة بإعادة الإصلاحيين بقوة في إيران إلى الواجهة السياسية.
إحياء الهيمنة الفاشلة لإسرائيل على عملية التفاوض مع إيران: أن الولايات المتحدة تعرف جيدا أن السياسات العسكرية والعدوانية الإسرائيلية فشلت في المنطقة ونظراً للوضع الحالي لإسرائيل، فأنه من الممكن أن يقوم المجتمع الإسرائيلي باحتجاجات واسعة فيها. ولهذا السبب، فإن الولايات المتحدة تسعى إلى تعويض هزيمة إسرائيل في مختلف المجالات السياسية والعسكرية، بإدخالها في عملية المفاوضات مع إيران.
روسيا:
تُعد روسيا هي الدولة الوحيدة التي تعاونت بشكل صريح مع إيران منذ بداية التسعينات وحتى الآن فيما يخص القضايا النووية. غير أن الولايات المتحدة وجهت انتقادات شديدة لها بسبب تعاونها في المجال النووي مع إيران. ولهذا فأن القادة الروس يطمحون إلى إيجاد تقارب سياسي واقتصادي مع دول العالم الغربي ومن ناحية أخرى، تحتاج روسيا أيضا إلى أصدقائها واسواقهاالتقليدية من اجل عدم إخراجها من المنافسة الاستراتيجية. لقد كانت سياسة روسيا تجاه البرنامج النووي الإيراني هي في الواقع محاولة للحفاظ على مصالحها في خضم الاستقرار الاستراتيجي والمنافسة الاستراتيجية.
بريطانيا:
بالنظر إلى تاريخ العلاقات بين البلدين منذ انتصار الثورة الإسلامية في إيران في فبراير عام 1979 وحتى آلآن، فأن تلك العلاقات كانت مليئة بالتوترات وبعدم الاستقرار والشيء الأكثر وضوحا هنا هو أن الحكومة البريطانية دائما كانت وما زالت تعمل تبعاً لمصالحها التجارية. لقد كان هذا البلد في يوم من الأيام زعيما لنظام التجارة العالمي. وفيما يتعلق بمصالح وأهداف بريطانيا من المشاركة في المفاوضات النووية مع إيران، يمكن القول بأن سياساتها الدولية على مدى العقد الماضي، تماشت بشكل غير مسبوق مع الولايات المتحدة.
فرنسا:
كانت فرنسا دائما احد اللاعبين الرئيسيين في المحادثات النووية. فلقد قام وزير الخارجية الفرنسي السابق “دومينيك دويلون” وبموافقة من الرئيس الفرنسي السابق “جاك شيراك” للمرة الأولى أثناء تلك الفترة التي دخلت فيها الولايات المتحدة الحرب ضد العراق في عام 2003، بتشكيل ائتلاف أوروبي للتفاوض مع إيران ولقد كان الغرض من هذا العمل هو إثبات أنه ليس من الضروري الدخول في حروب مع بعض الدول لمكافحة انتشار أسلحة الدمار الشاملة، كما فعلت الولايات المتحدة التي غزت العراق بحجة وجود مثل هذه الأسلحة، فإن هنالك وسائل سلمية يمكن أن تمنع تلك الدول من الحصول على تلك الأسلحة الخطرة.
ألمانيا:
لقد كانت المواقف الألمانية في المفاوضات النووية مع إيران، مبتنية على إيجاد حلول سلمية لتلك القضة. ونظرا لهذا، فلقد اتهم الكيان الصهيوني في وسائل إعلامه لعدة مرات، ألمانيا بأنها تسعى لكسب الود الإيراني من اجل الوصول إلى أسواقها الداخلية. وفي هذا الصدد كتبت الصحيفة الإسرائيلية “جيروزاليم بوست”: لقد كان أداء الجانب الألماني في المفاوضات النووية بين إيران والدول الغربية، ضعيفاً جداً وهذا يدل بأنها تسعى إلى كسب والتفرد بالسوق الإيرانية وأضافت هذه الصحيفة بأن برلين قامت بتقليل ضغوطاتها على إيران ومن المحتمل أن يخلق هذا الأداء اتفاق “سيئ” بين البلدين.
تجدر الإشارة هنا أن الدول الأوربية على مدى السنوات القليلة الماضية، خسرت الكثير من الأموال وذلك بسبب العقوبات الأمريكية التي فرضتها ضد إيران، وذلك لأن إيران والدول الأوروبية كانوا شركاء تجاريين وعندما أصرت أمريكا على فرض عقوبات على إيران، فقدت تلك الدول الأوروبية فرصة الاستفادة من السوق الإيرانية ونظرا للظروف الاقتصادية في أوروبا، فإن تلك الدول ليس بمقدورها تحمل تكاليف اُخرى ولذلك فهي تسعى للحفاظ على السوق الإيرانية والاستفادة منها.
الصين:
اتخذت إيران قرارها بالتوجه إلى الأسواق الآسيوية وذلك عندما ازدادت العقوبات الأوروبية والأمريكية المفروضة عليها وعلى الرغم من وجود جهود ترمي إلى إبعاد “طهران” عن “بكين”، فلقد اُضطرت واشنطن إلى إعفاء الصين من العقوبات التي كانت مفروضة عليها وبذلك تمكنت الصين من مواصلة استيراد نفطها من إيران. في الواقع، وفقا لوكالة الطاقة الدولية (إيايا)، فلقد بلغت حجم صادرات إيران النفطية إلى الصين في يناير 2014، ما يقارب 1.32 مليون برميل يوميا، بزيادة 32٪ عن تلك التي تم الاتفاق عليها في نوفمبر عام 2013 بين إيران ومجموعة “5+1”.
المواقف والمصالح لكل اللاعبين الدوليين في الحفاظ وتنفيذ مفاوضات الاتفاق النووية:
لقد وصف ترامب منذ بداية حملته الانتخابية، هذا الاتفاق النووي بأنه “صفقة سيئة” ولقد تحدث مراراً وتكراراً عن انسحاب أمريكا من هذا الاتفاق العالمي. ولكن بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، أصبحت لهجته معتدلة إلى حدٍ ما، بحيث انه اكد على تعليق العقوبات النووية المفروضة على لمدة 90 يوما وذلك نظرا لتأكيده على التزام إيران ببنود هذا المعاهدة النووية.
الجدير بالذكر هنا بأن مواقف الدول الاُخرى التي تتفاوض مع إيران، كانت تختلف عن تلك المواقف الأمريكية. فلقد تحدثت وسائل الأعلام البريطانية بأن الاجتماع الذي جمع رئيسة الوزراء البريطانية بالرئيس ترامب على هامش قمة مجموعة العشرين، اثبت بأن هنالك جدل وخلافات بين الرئيس الأمريكي ورئيس الوزراء البريطانية حول قضية الاتفاق النووي الإيرانية
الخلاصة:
لقد عُقدة المفاوضات النووية في 14 يوليو 2015 بين إيران والدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن بالإضافة إلى ألمانيا وتم الاتفاق عليها. وتُعد هذه المفاوضات النووية بمثابة اتفاق عالمي جمع العديد من الأطراف المؤثرة على تلك المفاوضات والمتأثرة بها. وفي نهاية المطاف، فأن مصير هذا الاتفاق الذي تم التوصل إليه بعد عناء طويل، هو الالتزام ببنود هذه المفاوضات وإيجاد أرضية للتعامل البناء بين جميع آلأطراف وأي إهمال لهذه المبادئ، يمكن أن يُعيد تلك المفاوضات إلى بدايتها.
الجدير بالذكر هنا بأن إيران قد اتخذت بالفعل خطوات حازمة من اجل المشاركة البناءة بهدف تحقيق أهداف مشتركة في إطار هذه المفاوضات النووية. إلا أن الولايات المتحدة لم تلتزم بتلك المفاوضات ولم ترفع تلك القيود والعقوبات التي فرضتها في وقت سابق على الاقتصاد والتجارة الإيرانية، بل على العكس من ذلك فلقد فرضت حواجز جديدة حلت محل الحواجز السابقة.