ماذا كشفت معركة “الساعات التسعة” في استعادة كركوك؟
موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية || الوقت التحليلي
بعد انتهاء المهلة التي منحتها الحكومة العراقيّة للبيشمركة بغية مغادرة مواقع عسكريّة في كركوك، حسم الجيش العراقي المعركة خلال ساعات قليلة كانت كفيلة باستعادة القوّات الاتحاديّة للسیطرة على مرافق استراتيجية.
المرافق الاستراتيجية التي تمّت السيطرة عليها بدأت بالقواعد العسكرية والمطار وعدّة أبار نفطيّة مهمّة، باي حسن، بابا كركر والدبس ، لينتهي الأمر بدخول مبنى محافظة كركوك وسط المدينة، ورفع العلم العراقي على مبنى المحافظة.
لم يكن ليتصوّر أحد أن تنتهي المعركة بهذه السرعة، رغم محاولة رئيس إقليم كردستان إضفاء بعض طائفي ومذهبي عليها عبر التركيز على الحشد الشعبي متجاهلاً قوات الجيش العراقي والشرطة الاتحاديّة التي ستتولّى إدارة الملف الأمني داخل المدينة عبر وزارة الداخليّة العراقيّة.
المعركة التي بدأت صباحاً وانتهت عصراً طوت صفحة ثلاثة سنوات استغلّت فيها قوّات البييشمركة سقوط الموصل بأيادي تنظيم داعش الإرهابي للاستيلاء على المرافق الحيوية في المحافظة، إلا أنّها كشفت في الوقت عينه استراتيجيات عامّة للمشهد العراقي، الأولى تتعلّق بالأكراد أنفسهم، والثانية تتعلّق ببغداد.
المشهد الكردي
ينقسم المشهد الكردي الحالي إلى ثلاثة عناوين رئيسيّة، تبدأ بالانقسام الكردي، لتمرّ عبر محاولات البارزاني استخدام أوراق طائفيّة وتنتهي باستخدام ورقة حزب العمال الكردستاني من قبل أربيل في إطار تحقيق اهدافها.
فيما يتعلّق بالانقسام الكردي، فجّرت معارك كركوك خلافات بين الأحزاب الكردية وتبادل تهم بالخيانة، ففي حين شنّت القيادية في الاتحاد الوطني الكردستاني آلا الطالباني، هجوما لاذعا على الحزب الديمقراطي الكردستاني، متهمة إياه بسرقة آبار النفط طيلة الفترة الماضية، أكد رئيس جهاز مكافحة الإرهاب في إقليم كردستان العراق، لاهور طالباني، أن الأكراد لن يرسلوا أولادهم للموت دفاعا عن كرسي مسعود البارزاني الذي وصفه برئيس الاقليم المنتهية ولايته. في المقابل اتهمت قيادة البيشمركة التابعة لبارزاني “بعض مسؤولي الاتحاد الوطني بالتعاون في هذه المؤامرة ضد شعب كردستان وارتكبوا خيانة تاريخية كبرى ضد كردستان والشهداء الذين ضحوا بأرواحهم من أجل كردستان تحت راية الاتحاد الوطني”. هناك معلومات أن المشهد الكردي يسير نحو الانقسام أكثر فأكثر إلى حدّ إعلان السليمانيّة عودتها إلى بغداد.
وأمّا البارزاني الخاسر الأكبر من المعارك الأخيرة، حاول استغلال حضور الحشد الشعبي لإضفاء طابع طائفي ومذهبي على المعركة رغم مشاركة كافّة القوات العراقية التي كانت تحضر في مواجهة تنظيم داعش الإرهابي لاستعاد السيادة العراقيّة، كما يحصل اليوم. رهان البارزاني كان خاسراً بامتياز حيث شكّل التعاون مع قوّات البيشمركة التابعة للاتحاد الوطني الكردستاني صفعة كبرى لقوّاته اثر انسحابها من بعض المواقع وتسليمها للجيش العراقي.
النقطة الأخرى التي لا تقلّ أهمية عن النقطتين السابقتين تتمثّل في استعانة البارزاني بحزب العمّال الكردستاني لتمرير مشاريعه السياسيّة في العراق. وقد وصل الأمر بقيادة الكردستاني المصنّف على لوائح الإرهاب للتهديد باستهداف بغداد بالتفجيرات في حال تعرّضت البيشمركة لأي إطلاق نار من الجانب العراقي.
المشهد العراقي
وأمّا فيما يتعلّق بالمشهد العراقي فالأمر مختلف تماماً حيث كشفت المعركة الأخيرة الهيبة التي باتت تتمتّع بها القوّات العسكرية العراقيّة من الجيش والشرطة والحشد حيث يمكن القول أن المشهد العسكري العراقي اليوم هو الأقوى منذ عشرات السنين.
فرغم تهديدات قادة الأحزاب الكردية المختلفة ومن بينهم محافظ مدينة كركوك (المقال) نجم الدين كريم، بتحشيد الشارع في كركوك ضد دخول “الحشد الشعبي” والجيش العراقي إلى المدينة، وتحويل المدينة إلى مقبرة جماعية لمن يدخلها، شكّل حضور ثلاثي الجيش والحشد والشرطة ضربة قاضيّة لهذه القوّات التي ارتأى بعضها الانسحاب دون مواجهة، في حين أن القوات التي أصرّت على البقاء والمواجهة اضطرت خلال ساعات قليلة للحاق بالقوّات المنسحبة.
المعركة تعدّ انتصار لبغداد على اربيل بكل ما تعينه الكلمة من معنى، بل إن تحرير كركوك وإعادتها إلى كنف الحكومة يعدّ صفعة جديدة لدعاةالتقسيم الأمر الذي وصفه البعض ببداية النهاية للمشاريع والطموحات الانفصاليّة.
تبعات هذا الأمر ستكون كبيرة جدّاً، اهمّها إيقاف تصدير النفط عبر خطوط النفط المارة بإقليم كردستان العراق، إلى ميناء جيهان التركي، خاصّة أن قرابة ثلثي الصادرات النفطيّة للإقليم تبدأ من حقول كركوك الغنية، وتنتهي بميناء جيهان التركي. لن يكون العامل الاقتصادي يتيماً، رغم أنّه سيقصم ظهر البارزاني داخلياً بسبب سوء الأوضاع الاقتصاديّة، بل إن الانقسام الكردي هو العنوان الأبرز للمرحلة القادمة.
في الخلاصة، يبدو أن الاستفاء الذي أراده مسعود بارزاني لتكريس زعامته على الأكراد، قد ينهي حياته السياسيّة في الإقليم، لاسيّما مع ارتفاع الأصوات من داخله برفض الخطوات الإنفصالية المطروحة بعد ما حصل اليوم في كركوك.