آل سعود: باسم الدّين غزوا.. وبه يبرّرون التطبيع

موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية || علي مراد / العهد الاخباري

تتسارع نشاطات التطبيع الخليجي مع العدو الاسرائيلي في الآونة الأخيرة المُمارس من قبل كل من الإمارات والبحرين وتتصدّره السعودية. المصالح المتقاطعة بين الرياض و”تل أبيب” موجودة على غير صعيد في منطقتنا، والمتابعون يحاولون تلمّس التوقيت الذي ستختاره السعودية لإعلان التطبيع رسميًا. لكن يبرز عامل أساس تعمل الرياض على حلّ إشكاليته حاليًا، وهو عامل يلازم الحياة السعودية اليومية، كون آل سعود لطالما وظّفوه لخدمة مصالحهم، إنه “الدين”.

 

قد يبدو للمراقبين أن السعودية تمرّ اليوم في طورٍ جديد تخلع فيه ثوب الدين وتنطلق في سياساتها في الإقليم على أسس مصلحية غير مرتبطة بالأيديولوجيا. قد تنطلي على البعض خدعة محاربة التطرف ونبذه والإقلاع عن توظيف الدين لخدمة المصالح السياسة، التي يحاول ولي العهد السعودي محمد بن سلمان تمريرها، بالتزامن مع حملة دعائية هائلة، تدفع الرياض عشرات ملايين الدولارات شهرياً لتغذيتها للحصول على النتيجة المطلوبة. إلّا أنّ سردية محاربة التطرف داخل السعودية وفي العالم التي يقول ابن سلمان إنه قرر اعتمادها، لا يمكن أن تنفصل بأيّة حال من الأحوال عن التوجّه السعودي الرسمي الذاهب باتجاه التطبيع مع كيان العدو. استراتيجية ولي العهد السعودي في تهيئة الأرضية لإظهار العلاقة مع الصهاينة يُعمل عليها على الصعد السياسية والاقتصادية والأمنية والأهمّ من كل ذلك “الدينية”.

 

مهما بالغت الماكينة الإعلامية السعودية في تبرير التطبيع الرسمي مع الصهاينة بحجج سياسية واقتصادية وأمنية، فإنها لن تبلغ هدفها دون وجود تبرير ديني له، لأن المجتمع السعودي في طبيعته “محافظ” ويُقيم وزنًا لرأي المؤسسة الدينية، مع الأخذ بعين الاعتبار أن “اسرائيل” عدوّ لا يمكن التصالح معه في وجدان غالبية الشعوب العربية.

 

صحيحٌ أن رأس هذه المؤسسة في جيب محمد بن سلمان، إلّا أن إضفاء مباركتها لخطوة التطبيع مع العدو بشكل مفاجئ لن يستسيغها المجتمع هكذا دفعة واحدة. لذا، وضع صانع القرار السعودي مسارًا جدّيًا من شأنه التدرج في فرض المقبولية الدينية الوهابية لفكرة التطبيع مع العدو. هنا لا بدّ من الإشارة إلى أن المفتي السابق للمملكة عبد العزيز ابن باز كان قد هيّأ الحجة أو القاعدة الأساسية التي سوف يُبنى عليها اليوم في عملية تبرير المؤسسة الدينية السعودية للتطبيع، ففي تسعينيات القرن الماضي أصدر فتوى 1 تجيز لـ”ولي الأمر مصالحة العدو إذا رأى في ذلك مصلحة للدولة”.

 

أواخر تموز عام 2016، ضجّ العالم العربي بأخبار زيارة وفد سعودي برئاسة اللواء المتقاعد أنور عشقي إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة  واجتماعه بشخصيات إسرائيلية. انشغل المتابعون في شكل الزيارة وغاب عن الكثيرين أن عشقي حينها، إضافة إلى اجتماعه بشخصيات سياسية صهيونية، التقى حاخامًا صهيونيًا.

الحاخام هو ميخائيل ملكيور، النائب السابق في الكنيست وقد شغل مناصب سابقة عديدة أهمها نائب وزير الخارجية و”وزير شؤون الشتات اليهودي”، بالإضافة إلى كونه يشغل حاليًا منصب حاخام النرويج. يطرح “ملكيور” منذ عام 2002 مبادرة يسميها “المبادرة الدينية للسلام”، ويقول في مقابلاته الصحافية وعلى موقعه الخاص على الانترنت أن مبادرته يشترك فيها علماء دين مسلمون من فلسطين وأكثر من دولة عربية.

 

بعد لقاء ملكيور – عشقي بأيّام، نشر “مركز التواصل والابحاث الإسرائيلي البريطاني” تقريرًا  أرفق فيه تسجيلًا صوتيًا لمقابلة مع ميخائيل ملكيور، يشرح فيه للمركز ما دار من نقاش بينه وبين أنور عشقي. يقول ملكيور إنه سبق له الاجتماع بالعديد من الوزراء في الحكومة السعودية ورجال الدين السعوديين في الماضي، وإنه يستغرب أن لقاءه بعشقي أحدث ضجة كبيرة.

 

يشرح ملكيور أن “اللغة المستَخدمة في “المبادرة العربية للسلام” هي لغة علمانية، وتغيب عنها روح الدين الذي هو أمر أساس لدى شعوب المنطقة”، وذكر أنه ناقش مع عشقي “صلح الحديبية” بين المسلمين واليهود وتفاجأ عندما علم بأن كتابات “رائد بدير” – شريكه في المبادرة – عن صلح الحديبية قرأها مشايخ كبار في السعودية وأُعجبوا بما جاء فيها. المهمّ أن يقول ملكيور في مقابلته إنه قرر بأن يبقى على تواصل دائم مع عشقي، وختم حديثه بأن الوقت الذي سنزور فيه السعودية كإسرائيليين سيكون أقرب ممّا كنّا نحلم به، وقد أصبح وشيكًا جدًا”.

 

قد يذهب البعض إلى التقليل من أهميّة ما قاله ملكيور عن لقائه بعشقي، أو أن الحاخام الصهيوني لا يمثّل شريحة كبيرة في كيان العدو كونه يأتي من شخصية حريدية، لكن يتّضح أن هناك شخصيات صهيونية أخرى لعبت دورًا أساسيًا في صياغة اتفاقات تسوية يؤيّدون ما يقوم به ملكيور.

 

على سبيل المثال، يقول “يائير هيرشفيلد”  أحد مهندسي “اتفاقية أوسلو” الصهاينة إن ما يقوم به ملكيور “عمل هامّ جدًا”، وهو يؤيّده في رأيه بأنّ اتفاقات السلام مع العرب لم يتجح كما يجب لأن “العامل الديني تمّ استبعاده من هذه الاتفاقات، وعلى القيادة الدينية اليهودية أن تتحاور مع القيادة الدينية الاسلامية”.

 

يدّعي الحاخام ملكيور في أحد مقابلاته مع صحيفة “يديعوت أحرونوت”  أنه لعب دورًا كبيرًا بالاشتراك مع “مركز آدم لحوار الحضارات” (يديره القيادي الأسبق في “حماس” عماد الفالوجي) لنزع فتيل الهبّة الأخيرة التي حصلت عند أبواب المسجد الأقصى أواخر تموز الماضي، ويرفض الإفصاح عن الدور الذي قام به هو ومن معه في مبادرته المزعومة للضغط على قيادات الأوقاف الإسلامية في القدس، التي يقول إنّ نزعة ثورية تسلّلت إليها عقب اندلاع الأزمة الأخيرة.

 

 

 

بالتوازي مع تواصل ملكيور – عشقي، برزت مؤشرات عديدة تشي بأنّ القيادة السعودية أعطت الضوء الأخضر لمشايخها بالتقرّب من رموز يهودية وصهيونية. أواخر أيار 2016 عُقد في العاصمة السلوفاكية “براتيسلافا” منتدى حول حوار الأديان 7، شارك فيه شخصيات عربية كالسفير المصري عمرو الحناوي وممثّل “رابطة العالم الاسلامي” السعودية في فيينا هشام المحروقي. جلس المحروقي الى جانب “شاي هيرمش” رئيس “الكونغرس اليهود العالمي”، “تسفي فابني” سفير “تل أبيب” في سلوفاكيا، و”يعقوب مارغي” عضو الكنيست الصهيوني، ودار الحوار عن “تلاقي الأديان ولا سيما اليهودية والإسلام”، و”استغلال المشتركات لإحلال السلام في المنطقة”.

 

وفي الأول من نيسان الماضي، نظّمت “رابطة العالم الإسلامي” السعودية مؤتمرًا في مدينة “ديربن” في جنوب أفريقيا تحت عنوان “التنوع والتعايش” حضرته شخصيات من كل الأديان بينها الحاخام “هيلل أفيدان”. في 17 أيلول الماضي نظّمت رابطة العالم الإسلامي السعودية أيضًا مؤتمراً في نيويورك بعنوان “التواصل الحضاري بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي”. جلبت الرابطة التي يرأسها محمد بن عبد الكريم العيسى شخصيات من الأزهر في مصر، ومشايخ من الإمارات والسودان والمغرب وغيرها ودعت شخصيات مسيحية ويهودية لحضور المؤتمر.

 

انتشرت صور رئيس الرابطة محمد العيسى ورئيس هيئة شؤون الحرمين السعودية عبد الرحمن السديس مع شخصيات يهودية تعتمر القلنسوة اليهودية. ذكرت وسائل إعلام أمريكية 8 أن العيسى قام بدعوة “المجتمع اليهودي” في نيويورك للمؤتمر، وقام بعد انعقاده بزيارة “مالكولم هوينلن” رئيس “مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الأمريكية الكبرى” وبحث معه “سبل تعزيز حوار الأديان ومكافحة قوى التطرف”. ليختتم رئيس الاستخبارات السعودية الأسبق الأمير تركي الفيصل الأحد الماضي مسلسل اللقاءات بشخصيات دينية يهودية، بلقائه في “كنيس سيناء” في مدينة لوس انجلوس مع الحاخام “ديفيد وولب” المعروف بسلطته داخل منظمة “أيباك” الصهيونية في الولايات المتحدة.

 

على المقلب الآخر، شهد الشهر الأخير انتشار صور على مواقع التواصل الاجتماعي لشخصيات يهودية وهي تزور السعودية. على سبيل المثال، نشر رئيس الكونغرس اليهودي الأمريكي “جاك روزن” صورته على حسابه على موقع “تويتر” في 26 تشرين الأول الماضي، معلنًا أنه في الرياض، وكاشفًا عن رغبة السعوديين في تطوير علاقة تجارية مع الإسرائيليين.

 

 

وفي تعبير عن حجم انعطافة مشايخ السعودية فيما يخصّ تعاملهم مع اليهود خاصة – بناء على توجّه عام من قبل السلطة – انتشرت أخبار زيارة اليهودي “أفرام غلايزر” رئيس نادي “مانشستر يونايتد” الى مسجد المحيسن في الرياض، وحضوره صلاة الجمعة 9. إمام المسجد الداعية “عادل الكلباني” كان قد عبّر في السابق عن رفضه دخول غير المسلمين مساجد الرياض، لكن أمرًا ما على ما يبدو صدر، وألغي مفعول الرأي الأول، وتحجّج بأن غلايزر “كان يرغب بالتعرف إلى الإسلام”، وقد بدا ذلك واضحًا من خلال السماح له بأخذ صور السيلفي من على منبر المسجد.

 

عندما أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن زيارته الأولى الى خارج أمريكا بعد استلامه مهامه في البيت الأبيض في مؤتمر صحفي شهير أوائل أيار الفائت، كان لافتًا أنه أراد لجولته أن تشمل “المهد الأول للديانات السماوية الثلاث” (السعودية، فلسطين المحتلة، الفاتيكان). ربما أراد ترامب حينها التعبير عن التوجّه العام والتعويذة التي على أساسها سوف تبرّر السعودية تطبيعها مع كيان العدو عبر البوابة الدينية: “تعايش أبناء الأديان السماوية الثلاث بسلام في منطقة الشرق الأوسط” (وهي عبارة دأب على ترديدها عبد العزيز مؤسس السعودية قبيل تأسيس كيان الصهاينة).

 

ترامب أعلن تدشينه هذا التوجّه رسميًا عندما طارت طائرته الرئاسية للمرة الأولى علنًا وبشكل مباشر من الرياض الى “تل أبيب”، ويبقى التأكيد على أنّ مهمّة التبرير لن تكون صعبة، كون المؤسّسة الدينية جاهزة للمصادقة وإخراج صكّ “جواز الخطوة شرعًا” للشعب، لكن محمد بن سلمان (أو من يشور عليه) يفضّل التمهيد خطوة خطوة، بالتزامن مع إيحائه أنه بصدد “تدمير التطرّف” والنهوض التنموي بالبلاد، وهذا يمكن تفسيره على أنه للتقليل من حجم ردات الفعل.

قد يعجبك ايضا