دليل الحائرين لنيل رضا ابن سلمان!
موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية ||
إيهاب شوقي*/ العهد الاخباري
المتابع لوضع المنطقة حاليا يستطيع أن يلمح ضجيجا يشبه ضجيج الأسواق الشعبية، حيث النداء على البضائع والاشتباك بين بعض البائعين بسبب الأحقية في مكان عرض البضائع، وتزاحم الزبائن وأصوات المعارك بين سماسرة كبار التجار بعد تطور الصراع من مجرد نكاية وتلاعب بالأسعار الى اشتباكات لنيل الاحتكارات وكل ما يمكن أن يكون في سوق كبير.
إلا أن سائر الزبائن، من صغار التجار وعامة المواطنين يسمعون الضجيج ويتأذون من صوته دون معرفة بما يجري في كواليس السوق والاسباب الجوهرية التي تفجر هذا الضجيج.
قد تكون هناك تفسيرات من ذوي الخبرة بالأسواق وقوانينها ومصادر توليد الصراعات بها، وكذلك خبرة مكتسبة لدى الجمهور من طول فترة ارتياد السوق والتعرض الدائم لضجيجه، إلا أن ذلك لا يعني صحة التفسيرات دوما بشكل دقيق لأن هناك مسافة بين الضجيج ومصدره، ولا يعني تفسير الضجيج وتوصيفه بدقة ان هناك تفسيرا وتوصيفا لأسبابه، طالما غابت المعلومة الدقيقة ولم يمض الوقت الكافي لتسريبها أو لإعلانها.
هذه مقدمة نظرية صغيرة وهي بمثابة دعوة متواضعة لكل من يتصدى للكتابة والنشر ان يتواضع قليلا في اطار عرضه وتصديه لقضايا المنطقة بالا يطلق أحكاما أو تفسيرا في صورة اكتشاف، وانما يجب ان يكون التفسير دائما في عالم الاجتهاد لا في عالم الحقيقة طالما غابت المعلومة.
ولا ينبغي تفويت الفرصة دون ادانة من يخترع المعلومات باعتبارها معلومات موثوقة يتبين خطأها، لان ذلك يبتعد بالكتابة عن عالم التحليل الى عالم التضليل!
ولعلنا كي نأخذ بالأحوط، فالأفضل أن نرقب مآلات الأمور التي خلفتها الأوضاع الفعلية على الأرض والتي لا تحتاج للمعلومة الغائبة ونحاول قراءتها والاجتهاد في التعامل مع الوضع على هذا الأساس.
والمراقب يرى أننا في مرحلة القيادة السعودية (البائسة) للعرب ولا يشذ سوى لبنان وقطر والعراق والجزائر وعمان، ولكل دولة ظروفها وخلفياتها وأسباب عدم انقيادها.
واجتماع وزراء الخارجية الأخير بالقاهرة كاشف لهذه القيادة ولهذا الشذوذ عن الانقياد، لأنه يأتي في مرحلة حاسمة ومفصلية، عنوانها التحول التام لحقبة صهيونية تستبدل عنوان العداء بين العرب والصهاينة لعنوان آخر هو العداء بين العرب و(الفرس).
ولا يعني أن هناك معسكرًا يشذ عن الانقياد للسعودية أنه معسكر متجانس او انه معسكر للمقاومة، بل الدول ذاتها التي تشذ عن الانقياد ليست متجانسة في داخلها.
فلا يمكن ان نجمع بين لبنان وقطر داخل معسكر المقاومة، كما لا يمكن أن نقول إن لبنان بمجملها مقاومة ولكنها بمجملها خارجة عن الانقياد، وكذلك الوضع في العراق، بينما قطر لها اجندات اخرى متمايزة وكذلك عمان والجزائر ينأون بأنفسهم وللجزائر دوما مسافة من الانحراف العربي العام عن ثوابت الصراع.
كذلك المعسكر التابع للسعودية، هو ايضا متباين الأسباب وليس متجانسا داخليا ايضا.
ولا يخلو التطابق الظاهر بين الامارات والسعودية من تناقضات كبيرة قد تنفجر في أية لحظة، بينما التبعية التامة في دولة مثل البحرين تعود لضعف شديد، ووضع يشبه الوصاية التامة.
اما مصر، فهي المدان الأكبر، لانها القيادة الطبيعية ولا يغفر لها ابدا التحفظ او عدم التماهي في بعض الاشواط لنهاياتها، لان مجرد ترك القيادة للسعودية هو جريمة في حق العرب والاقليم، ولان الظروف الاقتصادية ليست مبررا لترك القيادة والتي تتطلب مؤهلات اخرى قد تكون اهم من الاقتصاد وهو ما حققته مصر جمال عبد الناصر، ولهذا نرى هذه الحرب عليه وتشويهه من أنصار معسكر التبعية والارتزاق والاستسهال.
ما نودّ قوله ألا نستهلك انفسنا طويلا في مصير الحريري وعودته وتفسير وجوده في فرنسا واسباب زيارته مصر وأرجائها لأن هناك تفسيرات اخرى اقتصادية يمكن ان تكون هي الأهم، خاصة بعدما تسرب من محاولات فرنسا لانقاذ الحريري اقتصاديا بسبب مصالحها الاقتصادية معه وكذلك بالتأمل لخطوات ابن سلمان وسلوكه والذي يشبه سلوك ترامب، مع الفارق في انه مطلق اليد وليس مقيدا كترامب!
فكلاهما لا يريد ان ينفق فيما لا يكون له مردود مباشر وسريع، وبينما ترامب مقيد بتوازنات وملفات متشابكة نرى ابن سلمان مطلق اليد في المنح والمنع لأن له هدفًا وحيدًا وهو العرش.
المراقب لما أعلنه ابن سلمان من مشروع اقتصادي قائم على الخصخصة واتباع نمط الاقتصاد الحر وادبيات صندوق النقد يمكن ان يستكشف كثيرا من التفسيرات لافعاله.
فالأمير يقدم نفسه للعالم وفقا لعمودين رئيسيين وهما الاقتصاد الحر وأمن اسرائيل، وهما العمودان اللذان يسعى حكام العرب المتملقون للغرب والساعون للحصول على شرعية دولية دون العبء بالشرعية الشعبية للالتزام بهما.
ورغم أن العرش في المملكة لا يحتاج لهذه الشرعية لأن المملكة بالأساس كيان وظيفي مهما كانت سياستها فهي (بقرة حلوب) وفقا لتعبير ترامب، الا ان ابن سلمان بحاجة لذلك كي يتخطى من هم أحق منه بالعرش وفقا لادبيات ال سعود، فهو يقدم مميزات إضافية لسيرته الذاتية ومشروعه كنوع من أنواع دراسات الجدوى، ويبدو أنها حظيت مع بعض الرشاوى على تصديق أمريكي.
ومعضلة ابن سلمان هي ان التقشف والذي قد يكون ملازمًا للاقتصاد الحر قد يخلق مشكلات داخلية في حين انه بحاجة لترضية الداخل، ويبدو انه اختار خيار القوة والمواجهة، عبر قمع الداخل وعبر مصادرة أموال أساطين الاقتصاد لتمويل مشروعه ووضعها في الصندوق السيادي الطامح لتشكيله دون الحاجة لاجراءات غير شعبية كبيرة تفتح عليه أبوابا لا يستطيع سدها.
وكذلك إقليميا فهو بحاجة لتقليل النفقات على مشروعات فاشلة، وقد اكتشف بعد هزيمة المشروعات الارهابية السعودية بالخارج مثل داعش والقاعدة وغيرها انها مصروفات لا تجلب عائدا وبالتالي لا بأس من توفيرها واستغلال الفرصة في الترويج لنفسه بأنه لا يمول الإرهاب بل ينتقد ممولي الارهاب وانه مصلح اقتصادي ورجل سلام!
ومشروع الحريري بالنسبة له من هذا القبيل، فهو إنفاق في غير محله بعد ان فرضت المقاومة معادلة جديدة في لبنان واثبتت انها مقاومة وطنية لا طائفية وانها حققت مصلحة لبنانية عظمى لا مصالح حزبية، ما جعل الشذوذ عنها ومعاداتها هو الطائفية بعينها.
ابن سلمان وبالتالي السعودية متفرغة الآن لتسليم الحكم وقطع الارتباطات مع مشروعاتها الفاشلة التي لا تحقق اهدافها وهذه الاهداف تعني الانصياع التام للمشروع السعودي، والذي يمكن تلخيصه في “امن اسرائيل” و”خصخصة الاقتصاد”، ومن اللحظة وصاعدا فأن اي تابع مخلص للسعودية يعلم جيدا أنها لن ترضى بالمساعدة المادية إلا لمن يؤمن بمشروعها حرفيا ويعمل من أجل أمن الصهاينة بكل السبل الممكنة، وإلا ستفترق السبل بينه وبين أمير لا يرى إلا العرش امامه وعلى استعداد لعمل اي اجراء داخلي او خارجي في سبيل الوصول اليه.
الامور واضحة من شواهدها ومآلات الوضع، أما المعلومات الغائبة في حين تكشفها فقد تفرض تحليلات اخرى لا نمتلكها حاليا!
(*) كاتب عربي مصري