اميركا تتجه لإعادة تحريك الازمة الاوكرانية
موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية ||
صوفيا ـ جورج حداد/ موقع العهد الاخباري
مضت حوالى السنة منذ انتخاب الرئيس الاميركي المثير للجدل دونالد ترامب. وفي البداية سارت المظاهرات وقامت حملة واسعة في اميركا ضد انتخابه. ووضع الكثيرون علامات استفهام: الى أين يمكن لترامب ان يأخذ اميركا؟. ولكن اذا صرفنا النظر عن الحركات الكراكوزية لترامب، فقد جاءت الوقائع لتؤكد ان اميركا تقودها ما يسمى “حكومة عميقة” تقف خلف المؤسسات الدستورية (بما فيها مؤسسة الرئاسة الاميركية) وهي تمثل مراكز القوى الامبريالية ـ اليهودية العليا في اميركا. وهذه “الحكومة العميقة” هي التي ترسم السياسة العامة لاميركا في جميع المجالات. ولم تكن ادارة ترامب شذوذا بل تأكيدا لهذه القاعدة.
وللمثال فإن ترامب جعجع قليلا في بداية عهده ضد داعش والارهاب، لكسب بعض الشعبية ولابتزاز ملوك وشيوخ النفط العرب. ولكن على ارض الواقع فإن اميركا واصلت سياسة افشال التعاون الروسي ـ الاميركي ضد داعش، وسياسة اللعب بورقة داعش والدعم السري والعلني لشتى المنظمات الارهابية، وسياسة “الفوضى البناءة” لتمزيق سوريا والعراق ولبنان. وهي تتابع هذه السياسة الهدامة حتى الان، بموافقة ترامب او بعدم اخذ رأيه اصلا.
وقد تلقت السياسة الاميركية صفعة قوية بنتيجة الهزيمة النكراء التي حلت بمشروعها الداعشي في سوريا ولبنان والعراق، على ايدي الجبهة التي تجمع المقاومة الوطنية الاسلامية بقيادة حزب الله في لبنان والجيش العربي السوري والجيش الوطني وقوات الحشد الشعبي في العراق والمتطوعين الثوريين الايرانيين والقوات الجوية الروسية. وامام صلابة هذه الجبهة كانت تركيا قد تراجعت عن سياستها السابقة في الدعم المكشوف للمنظمات الارهابية، وانضمت الى الجهود السلمية، الى جانب روسيا وايران، لحل الازمة في سوريا. وكل ذلك شكل نكسة اضافية للنفوذ الاميركي في الشرق الاوسط.
ولكن بالطبع ان اميركا لن تستسلم بسهولة لان من مصلحتها الإبقاء على اجواء الحرب الباردة الجديدة مع روسيا، لانها تستفيد من هذه الاجواء لاجل جني الارباح من تجارة الاسلحة وخاصة عبر توريد الاسلحة لعملائها و”اصدقائها” المعادين لروسيا.
والان، في حين تنشغل روسيا، بالاشتراك مع ايران وتركيا، في ايجاد حل سلمي للازمة السورية، تنتقل اميركا نحو اعادة تحريك الازمة الاوكرانية بوجه روسيا.
وفي هذا السياق، تقول وسائل الاعلام الاميركية والاوكرانية، إن اميركا تنوي تقديم منحة لاوكرانيا قيمتها 47 مليون دولار تتمكن بموجبها من شراء اسلحة “دفاعية” اميركية. وكما اذاعت منذ ايام قناة ABC News فإن القرار بهذا الشأن اتخذ في مجلس الامن القومي، وأرسل الى دونالد ترامب للتوقيع عليه. فاذا صادق الرئيس على القرار، فإن الجيش الاوكراني سوف يحصل، الى جانب اسلحة اخرى، على منظومة صواريخ Javelin.
وبهذه المناسبة، صرح وزير الخارجية الاوكراني بافل كليمكين، بالقول: “انني مقتنع انه في المستقبل سوف نحصل على المزيد من الاسلحة الدفاعية والتجهيزات العسكرية. لا استطيع ان احدد تاريخا، ولكننا نعمل لاتمام ذلك”. واوضح للصحفيين ان توريدات منظومة صواريخ Javelin هي احدى نقاط التعاون.
ونشرت وسائل الاعلام الاوكرانية انه في عداد لائحة الاسلحة ستكون ايضا اجهزة الرادار للدفاع الجوي، ومعدات الرصد فوق سطح البحر، والمنظومات الخاصة بالالغام، وزوارق حراسة الشواطئ. وعلق وزير الخارجية بافل كليمكين على ما نشرته وسائل الاعلام الاوكرانية بالقول: “نحن نحتاج الى كل هذه التجهيزات وكذلك الى الدعم اللوجستي والخبراء لتدريب مقاتلي القوات المسلحة الاوكرانية”.
ومنحة الـ47 مليون دولار ستؤخذ من ميزانية وزارة الدفاع الاميركية. وقد اعلن “مركز الابحاث العسكرية الاوكراني” انه في مطلع شهر تشرين الثاني الجاري وافقت اللجان ذات الصلة في مجلسي الكونغرس الاميركي على (National Defense Authorisation Act) (قانون تفويض الدفاع الوطني) الذي يحدد ميزانية البنتاغون للسنة المالية المقبلة: ويلحظ هذا القانون تخصيص 4،6 مليارات دولار للدفاع عن حلفاء واشنطن الاوروبيين بمواجهة ما يسميه “العدوان الروسي”. ويلاحظ هذا “المركز الاوكراني” انه لهذه الغاية سوف يخصص لاوكرانيا 350 مليون دولار، ولكن قبل تطبيق “الاصلاحات” في اوكرانيا فإن هذا المبلغ سوف يخفض الى النصف اي 175 مليون دولار.
ويرى بعض الخبراء ان اميركا تريد ان تعيد اوكرانيا الحوار مع روسيا حول شكل بعثة حفظ السلام فى دونباس. وكما هو معلوم، فإن الولايات المتحدة تؤيد مطالبة كييف بأن قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة يمكنها الوصول إلى كامل أراضي دونباس ومراقبة الحدود مع الفيدرالية الروسية. اما رئيس مقاطعة دونيتسك المنفصلة عن اوكرانيا، بافل جيبريفسكي، فقد صرح للقناة 5 الروسية، ان تطبيق هذا الاقتراح يفصل مقاطعتي دونيتسك ولوغانسك المستقلتين عن الحدود الروسية. واذا اتخذ مثل هذا القرار، فإن روسيا سوف تنشر قواتها النظامية على الحدود، وحينذاك فإن المرتزقة الاوكرانيين سيفرون “كالفئران”.
وصرح الرئيس بوتين ان روسيا تؤيد نشر مراقبي الامم المتحدة على الحدود بين مقاطعتي دونيتسك ولوغانسك وبين اوكرانيا، ولكن ليس على الحدود مع روسيا، وان تشارك وحدات روسية في قوة الرقابة الاممية. وهذا يعني ان روسيا ترفض الاقتراحات الاوكرانية. ولهذا من غير المحتمل ان يتبدل الوضع في الدونباس في وقت قريب.
ويشير خبراء “المركز الاوكراني للابحاث العسكرية” الى ان مهمات بعثة المراقبين الامميين ومستقبل الدونباس تتم مناقشتها في المباحثات الروسية ـ الاميركية. في حين يرى محللون حياديون انه من المستبعد ان تبدأ مثل هذه المحادثات قبل اجراء الانتخابات الرئاسية في روسيا في اذار 2018 القادم. وخلال هذه الفترة ستعمل اميركا على اعادة توتير الاجواء بين اوكرانيا وروسيا لاضعاف استثمار روسيا للنصر الذي حققته في الشرق الاوسط ضد المنظمات الارهابية المدعومة من قبل الولايات المتحدة الاميركية.