الوجود الأميركي المُقنّع بـ«قوات سوريا الديموقراطية»: الرقة تحت الاحتلال

موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية || فراس الهكار/الاخبار اللبنانية

مضت السنة الخامسة على مأساة مدينة الرقة، ولعلّ أصعب فصولها هو آخرها الذي دمرها بشكل كامل، بذريعة «تحرير» المدنيين من «داعش» الذي غادر مسلحوه مع عائلاتهم «مُعززين مُكرمين» بعدما أنهوا المهمة الموكلة إليهم، ورسّخوا قواعد الاحتلال الأميركي في أرجاء المحافظة المدمرة

فشلت التجربة «الديموقراطية» في الرقة على مرّ تاريخها المعاصر، وبقيت المحافظة محكومة بعلاقات اجتماعية عشائرية بالدرجة الأولى. ولم تنجح «الكوتا» العشائرية في إدارتها، لأن العشائر الكبيرة كانت ولا تزال تنفرد بالمناصب البارزة وتتحكّم بالقرار في المحافظة.

سقطت الرقة في يد «جبهة النصرة» و«أحرار الشام» في عام 2013، وتكشّفت بعدها هشاشة مشروع المعارضة، وخابت آمال من ثاروا لـ«إسقاط النظام»، وخاصة «الائتلاف» المعارض الذي لم يستجب لدعواتهم لإدارة شؤون المحافظة، وهو ما شكل فراغاً أتاح لـ«الإسلاميين» السيطرة على المحافظة. لم يُجمع أهل الرقة يوماً على شخص يلتفون حوله، أو هيئة يتوافقون عليها بالإجماع، شأنهم شأن بقية المناطق التي خرجت عن سيطرة الحكومة السورية. ومهّد ذلك إلى ترسيخ وجود القوات الأميركية تحت مظلة «قوات سوريا الديموقراطية».

«أصدقاؤنا الأمريكان»

تداعى عشرات الشباب من أبناء الرقة وعموم المنطقة الشرقية، وتسلّلوا إلى العراق قبيل الاحتلال الأميركي في عام 2003. دافعوا عن بغداد مع أهلها حتى الرمق الأخير، ولم يَعُد منهم إلا القليل، أما البقية فقد عادت جثامينهم في توابيت إلى ذويهم، بعد سنوات من احتلال العراق عبر الهلال الأحمر. لم يكتفِ الأهالي بمتابعة أخبار معارك المقاومة العراقية ضد القوات المحتلّة عبر القنوات الفضائية، إنما انتشرت أقراص مدمجة في الأسواق توثّق عمليات المقاومة ضد الاحتلال، مرفقة بأغانٍ ثورية عراقية شهدت إقبالاً كبيراً. كان الرقيّون يشترون هذه الأقراص ويشاهدونها مراراً، ولم يكونوا يرون في الوجود الأميركي حينها سوى محتل غاشم يجب قتاله.
اليوم، يتجول جنود الاحتلال الأميركي في الشطر الشمالي من محافظة الرقة، وداخل أحياء المدينة المدمرة. ولم يغادر مبعوثو وزارة الخارجية الأميركية المحافظة المنكوبة، منذ أن سيطرت الميليشيات الكردية على مدينة تل أبيض وبلداتها المحيطة. يعقدون اجتماعات دورية بعيداً عن وسائل الإعلام، تليها تصريحات مقتضبة وتأكيدات من قادة «قسد» (قوات سوريا الديموقراطية) على أن «نظام الأسد» لن يعود إلى تلك المناطق مجدداً، بناء على تطمينات «التحالف» الأميركي.
وتوضح مجريات الأحداث المتسارعة في الرقة نجاح الخطة الأميركية في دعم «داعش» عسكرياً والتغاضي عن تنكيلها بالمدنيين لسنوات، للظهور أخيراً على الساحة بشكل صريح ولعب دور «المُخلّص» لا المُحتل. حلَّ «الأمريكان» في الرقة ضيوفاً مُرحّباً بهم من قبل أعوانهم، يتجولون آمنين مطمئنين، وتُقام على شرفهم الولائم والمناسف، ويتسابق المنتفعون لدعوتهم إلى حلقات الدبكة وبناء علاقات قوية معهم.

«مجلس قسد المدني»

أثمرت الزيارات المكوكية للقيادي الكردي عمر علوش، والمحامي عبدالله العريان، بين القاعدة الأميركية في بلدة رأس العين ومدينة الحسكة، قبل أشهر من بدء معركة «تحرير الرقة»، بإقناع شيخ قبيلة الولدة، محمود البورسان، والمتحدر من الرقة، بتولي رئاسة «مجلس مدني» في الرقة، بالتشارك مع المهندسة الكردية ليلى مصطفى. وأعلنت «قسد» بحضور ممثلين عن وزارة الخارجية الأميركية، تأسيس «المجلس» (نيسان 2017)، لغرض إدارة شؤون المحافظة بعد «التحرير» المزعوم. واقتصر الإعلان على أسماء عضوي الرئاسة المشتركة، فيما لم تُفصح «قسد» عن أسماء رؤساء أربع عشرة لجنة ضمها المجلس. اقتصر ظهور البورسان كممثل عن المكون العربي في الرئاسة المشتركة على اجتماع التأسيس، ولم يظهر بعدها نهائياً، ما أثار الكثير من التساؤلات حول حقيقة دوره في المجلس، وخاصة أنه يُقيم في الحسكة بينما «المجلس» في الرقة. وأكدت مصادر مقربة من البورسان أنه «طلب الاستقالة من المجلس، إلا أن ذلك قوبل برفض أميركي، ويمكن اعتباره تنصلاً من المسؤولية، لذلك اعتكف الشيخ في منزله في محافظة الحسكة». في المقابل، يظهر عمر علوش، كرئيس فعلي لـ«المجلس»، فهو المسؤول عن كل الاتفاقيات والتنسيق مع التحركات الأميركية في المنطقة.
وعلى الأرض، جمّدت «قسد» الفصائل العربية القوية التي يتحدر قادتها ومقاتلوها من محافظة الرقة مثل «لواء ثوار الرقة»، وقصف الطيران الأميركي لاحقاً أهم فصيل عربي شارك في «تحرير» مدينة الطبقة، وقتل أبزر قادته، قبل أن يزعم أن ذلك حصل «بطريق الخطأ». وأدرك الجميع أن الأكراد (المحسوبين على حزب «الاتحاد الديموقراطي») هم أصحاب الكلمة الفصل في المنطقة، فانخرطوا في مشروعهم «الفيدرالي»، لأنه لا خيار آخر أمامهم.

«هيئة وطنية فيسبوكية»

أعاد «الأكراد» تقسيم مناطق الرقة وفق «النظام الفيدرالي» الذي يسعون إلى إقامته، وعيّنوا شخصيات صورية في رئاسة هذه الأقاليم والمناطق، وأقاموا أخيراً انتخابات شكلية للمجالس المحلية وضعوا قوائمها بأنفسهم بحيث تبقى تحت سيطرتهم الفعلية. واستبعدوا كل الشخصيات المؤثرة التي رفضت الإغراءات المادية والانخراط في مشروعهم التقسيمي. وسُربت وثيقة مكتوبة باللغة الإنكليزية تضمنت نحو مئة اسم لأشخاص من الرقة، قدمتها «قسد» للولايات المتحدة بوصفها أسماء يمكن استغلالها في تمكين المشروع الأميركي في الرقة. ويرى الأكراد أن خروجهم من الرقة «خيانة لدماء مقاتليهم الذين قُتلوا على أرضها»، وهذا يُخالف ادعاءاتهم السابقة قبل دخولها، بأنهم سيسلمونها لأهلها ويرحلون.

أعاد «الأكراد» تقسيم مناطق الرقة وفق «النظام الفيدرالي» الذي يسعون إلى إقامته، وعيّنوا شخصيات صورية في رئاسة هذه الأقاليم والمناطق، وأقاموا أخيراً انتخابات شكلية للمجالس المحلية وضعوا قوائمها بأنفسهم بحيث تبقى تحت سيطرتهم الفعلية. واستبعدوا كل الشخصيات المؤثرة التي رفضت الإغراءات المادية والانخراط في مشروعهم التقسيمي. وسُربت وثيقة مكتوبة باللغة الإنكليزية تضمنت نحو مئة اسم لأشخاص من الرقة، قدمتها «قسد» للولايات المتحدة بوصفها أسماء يمكن استغلالها في تمكين المشروع الأميركي في الرقة. ويرى الأكراد أن خروجهم من الرقة «خيانة لدماء مقاتليهم الذين قُتلوا على أرضها»، وهذا يُخالف ادعاءاتهم السابقة قبل دخولها، بأنهم سيسلمونها لأهلها ويرحلون.

 

قد يعجبك ايضا