الاستراتيجية الأميركية، حروب بلا انقطاع
موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية ||
مع إقرار الاستراتيجية الأميركية الجديدة بشقّيها؛ التعامل مع الدول الصديقة، والتعامل مع الدول المصنَّفة كأعداء، لا بد من النظر إلى عمق تلك الاستراتيجية المعلَنة دون مواربة على أنها استراتيجية حروب، وذلك بالتوازي مع المجاهرة بتطوير الأسلحة النووية وزيادتها، ما يؤشّر إلى إطلاق سباق تسلُّح جديد، وهي بلا أدنى شك تتعامل مع الدول المصنفة صديقة على أنها مجرد توابع للسياسة الأميركية، وبالتالي عليها تنفيذ ما ترتئيه واشنطن من مصالح تخصها حصراً، دون الأخذ بالاعتبار حتى أدنى مصالح الأصدقاء، ومن هنا بالذات يمكن فهم شعار الرئيس الأميركي دونالد ترامب “أميركا أولاً”، وعلى الأصدقاء أن يساهموا في تمويل الرؤى الأميركية، ولو كانت تتعارض مع مصالحهم الوطنية؛ باعتبار أن واشنطن تقدّم لهم الحماية من الأعداء، وعلى رأس أولئك روسيا والصين، وكذلك كوريا الشمالية.
وعليه، انتفضت ألمانيا، وناكفت فرنسا، ولم تتمكن اليابان، رغم الموقف الرسمي الممالئ لواشنطن وإعلان أن اليابان ستواصل تعاونها الوثيق مع الولايات المتحدة في التقدم نحو نزع السلاح النووي بشكل ملموس، من أن تثير العقيدة النووية الأميركية الجديدة جدالاً في الأوساط اليابانية، وقد عبّر عن ذلك اتحاد منظمات ضحايا القصف النووي على هيروشيما وناكازاكي،مبيّناً القلق والاستياء في آن من العقيدة النووية الأميركية الجديدة التي تستظل النشاط الكوري الشمالي الهادف إلى الدفاع بمواجهة التهديدات الأميركية المتواصلة.
ويرى اليابانيون أن سعي الولايات المتحدة الأميركية إلى توسيع انتاج السلاح النووي وتحديثه يقضي على أي أمل في إزالة هذا السلاح من كوكب الأرض.
إن العقيدة الأميركية النووية الجديدة تركز على روسيا بشكل أساسي، باعتبار أن الأخيرة تعمل على تحديث ترسانتها النووية، وكذلك مجمل أنظمتها الاستراتيجية، مستخلصة أن موسكو بذلك تعمل على العودة إلى مجابهة “القوى العظمى”، وهذا يعني أن الولايات المتحدة تستعدّ لحرب مع روسيا، حتى على المستوى النووي، ولو كان ذلك سيدمر الكوكب الذي تعيش عليه البشرية، إذا كان هناك من سيحاول الوقوف في وجه السياسة الاستعمارية الأميركية، وقد قال وزير الدفاع الأميركي بهذا الصدد إن السبب الذي دفع واشنطن للتركيز على روسيا في العقيدة أن “هذا رد على تنمية القدرات الروسية وطبيعة استراتيجيتها وعقيدتها.. لقد عادت روسيا بالتأكيد إلى منافسة القوى العظمى”.
في الواقع، بدأت الولايات المتحدة تحضّر المسرح الدولي، وتجلّى التصعيد الأكبر حتى اللحظة في إدراج 220 شخصية روسية على قائمة العقوبات الأميركية، وسمّتها “قائمة الكرملين”، بينهم رئيس الوزراء ووزير الخارجية، وكل مجلس الوزراء، وقادة عسكريون وأمنيون ومتمولون كبار، ولم يستثنَ عملياً سوى الرئيس فلاديمير بوتين، الذي امتعض من عدم إدراج اسمه في القائمة وقال: “الكلاب تنبح والقافلة تسير.. وعلى روسيا الاهتمام بالقضايا الداخلية”.
إن تمرير القانون على عجل، دون ترك مجال أومخرج آخر يعني أن واشنطن تريد كسر العلاقات مع روسيا نهائياً، أو ترك الأمر كسيف ابتزاز مسلَّط، سيما أنه يأتي عشية الانتخابات الرئاسية الروسية، وكذلك فإن الاستهداف المباشر من العقوبات يطال قطاع صناعة النفط، باعتبارها المورد الرئيسي لإيرادات الخزينة، والقطاع المصرفي الذي يعني العلاقة بين الاقتصاد الروسي والاقتصاد العالمي، الأمر الذي تراهن واشنطن باعتقاد واهم أن ذلك سيؤدي إلى استياء شعبي قبيل الانتخابات الروسية، أي التأثير على مسار هذه الانتخابات.
إن روسيا التي تعاملت مع الأمر بسخرية قالت على لسان مستشار مجلس الاتحاد الروسي اندره بلاتكرمنا:إن إدارة ترامب تجهل التاريخ، ولا تفقه بالسياسة، والقيادة الروسية تدرس مختلف الخيارات للردّ على العقوبات التي لوّحت بها واشنطن ضد أبرز رموز القيادة الروسية.
لكن هناك شيء غريب حدث بموازازة التصعيد التوتيري، إذ إن مدير المخابرات الروسية سيرغي ناريشكين، المدرَج على قائمة العقوبات، كان يجري في واشنطن مع وفد استخبارتي محادثات مع مدير المخابرات الأميركية المركزية مايك بومبيو، الأمر الذي أثار حفيظة “الديمقراطيين”، ما دفع بومبيو للإعلان عن أن اللقاء الذي كشفت عنه موسكو عمداً “هدفه الحفاظ على أمن الأميركيين”، وهذا الأمر دفع البعض للقول إن “طيف الكي جي بي” يطوف في أروقة الكونغرس.
IUVM Arabic