ثورة فبراير اليمنية: جفاف مراتع آل سعود
موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية ||الوقت التحليلي- الأوطان لا تموت من ويلات الحروب، ولكنها تموت من خيانة أبنائها وتعصبهم الأعمى، هكذا يؤكد اليمنيون، ويضيفون: الوطن ليس فندقا نغادره حين تسوء خدماته، ولا مطعما نذمه حين لا يروق لنا طعامه، ويختمون: الوطن شرف وعزة وانتماء وولاء وتضحية. بهذه الفلسفة الضاربة في دبيب دماء الأوردة، وبهذا الحب القاطن في جنبات الأفئدة للوطن اليمني الحبيب، يستقبل ملايين اليمنيين الذكرى السابعة لثورة التغيير، وكلهم أمل في جني ثمار أهدافها، وكشف المزيد من أقنعة مواقف الأشقاء، وإرتزاق وخيانة تكوينات الداخل، يستقبلونها بتواصل أسطورة الصمود، وفدائية المجاهدين، وبسالة المهاجمين الواثبين، يستقبلونها والسنتهم تلهج بوحي السماء “فتح من الله ونصر قريب”.
بداية الثورة
في العام 2011م، لم تكن اليمن بمنأى عن رياح التغيير التي عصفت بالمنطقة العربية فتفاعلت معها قطاعات واسعة من فئات الشعب ومكوناته المختلفة رغبة في التغيير الحقيقي، واشتعلت ثورة الـ 11 فبراير الشبابية مدفوعة بحلم التخلص من بؤس الحاضر المختنق بالفساد، واحتكار السلطة والثروة، والسعي نحو بناء دولة المؤسسات، والارتقاء بالاقتصاد الوطني وزيادة دخل الفرد، إلى جانب حزمة من الأحلام التي ترسمها الثورات في مراحل التكوين على المستوى النظري قبل الخوض الفعلي فيها وفي مساراتها، والإنصدام المفاجئ بمعوقي الثورات وفيروساتها.
تعليلات الإنطلاق
كان شباب الثورة يدركون حجم الخسائر التي مني بها الشعب بعد أن أضاع حكامه فرصا ذهبية للخروج باليمن من ضيق الجغرافيا إلى آفاق الوطن، ومن دولة الفرد إلى دولة المؤسسات، ومن الفردية المستبدة إلى الديمقراطية العادلة…فالوحدة اليمنية التي تعد التحول المفصلي الأهم في تاريخ اليمن المعاصر لبناء الدولة اليمنية المنشودة ضاعت هي الأخرى كفرصة تاريخية بفعل الاستئثار بالسلطة، والتحالفات المشبوهة لإقصاء الآخر كما فعل حزبا المؤتمر الشعبي العام والتجمع اليمني للإصلاح بالحزب الاشتراكي اليمني بعد انخراط اليمنيين في وحدة إندماجية جاء بها مايو في العام 1990م، فعاد الوطن من جديد إلى مرحلة الفردية المستبدة والحزب الواحد الذي يستأثر بالتحكم في سلطته قلة قليلة من النافذين.
تدخلات مملكة الشر
أولى نكسات ثورة فبراير الشبابية الغير محسوبة كانت بفبركة وتخطيط سعوديين، تم من خلالها توجيه الانضمام إليها من قبل ضلعي مثلث النظام الحاكم على مدى أكثر من ثلاثة عقود زمنية، وتبعا لهذا الانضمام تحولت هتافات الشباب في ساحات الثورة من “الشعب يريد إسقاط النظام” إلى “الشعب يريد إسقاط الرئيس”، وبذلك تقلصت أهدافها من ثورة نقية شاملة على نظام فاسد متخلف إلى ثورة انتقائية محددة، تهدف إلى الانتقام من شخص أو أشخاص محددين، وإقصائهم عن الحكم لصالح أشخاص يمتلكون نفس الثقافة، ويمارسون نفس الممارسة، وإذا بهم يقلعون “بصل” ويغرسون “ثوم” كما هو مجسد بعمق في مثل شعبي يمني دارج.
الإصلاح يسرق الزمام
كانت هذه الخطوة مؤشرا خطيرا على انتقال زمام قيادة الثورة من أيدي شباب ساحات الثورة وميادينها إلى أيدي الطارئين عليها، فأصبح نصف النظام السابق هم من يقود الثورة ضد نصفه الآخر معتمدا على قاعدة شبابية داعمة، ونتج عن هذا انقسام المؤسسة العسكرية لتحدث تكافؤ بين طرفي النزاع اليمني، وطمس معطيات الثورة ومعاييرها لتصبح أزمة بدلا من ثورة، ثم تلت ذلك أحداث تفجير جامع النهدين التي اصطبغت بسيناريوهات إرهابية لا صلة لها بالثورة السلمية الشبابية، وأخيرا جاءت المبادرة الخليجية التي ضمنت بقاء أضلاع مثلث النظام السابق وشرعنت استيلاءها على السلطة من جديد مؤكدة بقاء الاستبداد والارتهان للوصاية الخارجية وإقصاء جماهير الشعب اليمني الثائر عن القرار الوطني والتأثير عليه، و”كأننا يا بدر لا سرنا ولا جينا” -في مثل شعبي يمني أيضا-، وساعد على ذلك غياب المشروع السياسي البديل للقوى السياسية المناوئة للنظام، وفساد النخب الحزبية في قيادات أحزاب اللقاء المشترك التي سارعت إلى تقاسم السلطة وإقصاء شباب الساحات.
إختطاف الثورة وأهدافها
أدرك اليمنيون أن ثورتهم خطفت منهم، لكن شرارتها لم تنطفئ بعد. وعرفوا حجم المؤامرة حين أجبرتهم دول الجوار التي تشكل اليوم عدوان بربري غاشم على البلاد، على إنتخاب رئيس توافقي مفروض دون منافس، وبعدها حكومة محاصصة لتقاسم السلطة والمال بين الأحزاب التي توشحت بقداسة الثورة كذبا وزيفا، دون الإلتفات لمطالب الشعب الذي خرج مطالبا بها، لذلك كان لا بد من حوار وطني شامل يشمل كل فئات الشعب دون إستثناء، وهو ما أعطى اليمنيون بصيص أمل للخروج بنتائج منصفة لمظلومية الشعب، وخطوات تلبي طموحه وشغفه في التغيير الواسع والشامل.
تصحيح مسار الثورة
جاءت ثورة الـ 21 من سبتمبر لتضع النقاط على الحروف، وتزيح تلك المنظومة الفاسدة التي صارت أداة بأيدي الخارج، وتنظف فيروسات النسيج الإجتماعي اليمني من خلال إزالة النافذين والمتسلطين الجاثمين على صدر الشعب، الناهبين لثروته، والمحتكرين لسلطته، والخاطفين لأحلامه في التغيير بعد أن قدم خيرة الشهداء في سبيل ذلك. كانت ثورة سبتمبر حدثا فارقا، ويكفيها أنها كشفت أدوات الوصاية الخارجية في الداخل التي تهشمت وتمزقت، مما أضطر بالخارج للتدخل عسكريا لإنقاذ أدواته والثأر لها من كل اليمنيين الثائرين والتواقين للتغيير، بحرب دخلت عامها الثالث، بالتوازي مع حصار مطبق جوا وبرا وبحرا.
الشرفاء أمام تحدٍ خطير
التحدي الخطير الذي يواجه اليوم ثوار فبراير، وثوار سبتمبر، ومعهم شرفاء الوطن ونخبه الفكرية والسياسية الوطنية هو تحقيق السلام الداخلي بين اليمنيين على قاعدة الوطن يتسع للجميع، والتلاحم صفا واحدا لإيقاف العدوان الظالم ورفع الحصار الجائر ومن ثم إعادة بوصلة الثورة إلى اتجاهها الصحيح لتحقيق الأحلام الثورية التي ضحى من أجلها اليمنيون كثيرا، وبناء دولة العدالة والمساواة، التي تستمد شرعيتها من اختيار الشعب، وبدون ذلك سوف تستمر حلقة الصراع البيني الذي لا يخدم سوى أنظمة خارجية تعمل على تحقيق أجندتها الاستعمارية في ظل تشجيع الاقتتال الداخلي وما ينتج عنه من تقسيم اليمن إلى أجزاء متناحرة، وضياع الوحدة والسيادة والديمقراطية وكل الأحلام الجميلة التي ظل اليمنيون يحلمون بها منذ ثلاثينيات القرن الفائت حتى اليوم. وهذه هي الارضية التي تقف عليها اليوم كل قوى الداخل للدخول في اي حل سلمي ينهي مآلات الحرب الدامية عن طريق حوار جاد لا يكرر سيناريوهات جنيف ومسقط المفروضتين.