العلاقات الأميركية ـ الروسية من سيِّئ الى أسوأ

موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية ||صوفيا ـ جورج حداد/ العهد الاخباري
يبلغ تعداد سكان روسيا أقل من نصف تعداد سكان أميركا، وحجم اقتصادها وميزانيتها الحربية والمخابراتية أقل بكثير من حجمها لدى الولايات المتحدة الاميركية؛ وهي ـ بعد انهيار الاتحاد السوفياتي ـ لم تعد تدعو إلى إقامة نظام اجتماعي مختلف عن النظام الرأسمالي (كالصين)؛ كما أنها ليست دولة ثورية دينية متميزة (كإيران)؛ وهي ليست دولة قومية تفوقية تدعو الى سيطرة الجنس أو العرق الروسي على العالم (كما كانت ألمانيا النازية)؛ ومع ذلك فإنها تمثل “سن الرمح” في مواجهة أميركا ونزعتها الامبريالية الشوفينية للهيمنة على العالم.
لماذا تضطلع روسيا بهذا الدور التاريخي المميز، ولصالح الإنسانية جمعاء؟
هناك إجابة “علمية!” مزيفة وحيدة يمكن التوقف عندها ومناقشتها، وهي أن روسيا “تدافع عن مصالحها الخاصة”، ويذهب بعض المثقفين “اليساريين!” وحتى “الماركسيين!” الى القول إنها دولة “امبريالية” تتنافس مع أميركا على المصالح لا أكثر ولا أقل.
وهذه الإجابة هي على درجة من السطحية والسخافة انها لا تستحق حتى رميها في المزبلة، لأنها توسخ “المزبلة” ذاتها.
ولكن البحث عن إجابة لهذه المسألة تبقى قائمة وضرورية، تحتاج الى وقفة خاصة ودراسة معمقة، تماما كالبحث الضروري عن “طائفية!” حزب الله و”اسلامية” الثورة الإيرانية.
وفي هذه العجالة نحن لا نبحث في هذه المسألة، ولكننا نلقي ضوءًا خاطفا على مسار العلاقات الاميركية ـ الروسية وتطورها من السيئ الى الأسوأ.
واذا نظرنا الى الوضع في سوريا، وخاصة بعد مشاركة شركة روسية (الى جانب شركتين فرنسية وايطالية) في توقيع اتفاقية مع لبنان للتنقيب عن النفط والغاز في القطاعات البحرية اللبنانية، مما يضع روسيا وجها لوجه ضد “اسرائيل” (الحليفة الاستراتيجية لاميركا)، ـ نقول انه اذا نظرنا الى الوضع في سوريا نجد ان القوات المسلحة للدولتين الموجودة على الأرض السورية تقف على طرفي نقيض تماما وتكاد تصطدم ميدانيا، لولا وجود قرارات مركزية فوقية بعدم التدهور مرحليا الى درجة اشعال الحرب النووية الرهيبة بين الدولتين. ولهذا فإنهما تقتصران على الحرب الميدانية بواسطة الحلفاء، وعلى الحرب الدبلوماسية، التي تبلغ حدتها الى درجة تبدو وكأنها الشغل الشاغل لوزارتي خارجية البلدين، وفي الكثير من الحالات يقتضي التدخل المباشر من قبل رئيسي البلدين.
ولم يقتصر الأمر على الاختلافات الحادة في الشؤون الدولية المطروحة، والأزمات المحلية في مختلف زوايا العالم، بل إن السلطات الاميركية وضعت نصب أعينها التدخل في الشؤون الداخلية الروسية، ولا سيما في الانتخابات الرئاسية الروسية التي ستجري هذا الشهر. و”تحلم” السلطات والأجهزة الأميركية الخاصة بـ”تطيير” فلاديمير بوتين وإمكانية وصول “يلتسين” ثانٍ الى الرئاسة الروسية، والا فإنها ستجنح نحو تحريك جيش العملاء الغربيين في روسيا واثارة القلاقل على طريقة “الربيع العربي”، بحجة الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الانسان.
وقد مهدت لذلك الدوائر الاميركية ولا سيما اليهودية، منذ شهور، بالادعاء ان روسيا تدخلت في الانتخابات الرئاسية الاميركية الاخيرة، وهذا التدخل هو الذي جاء بالمهرج ترامب الى البيت الابيض.
وفي هذه الاجواء العكرة تصاعدت حدة التصريحات المتعادية، على ارفع المستويات.
ومن ذلك تفاقم النقاشات، المنشورة في وسائل الاعلام، والمتعلقة بالتدخل الاميركي في الشؤون الداخلية الروسية، بين ممثلي السلطات الروسية والسفير الاميركي في موسكو جون هانتسمان. وحسب تعبير هذا الدبلوماسي الاميركي يقول “احيانا اخشى ان يؤدي هذا التبادل للتصريحات الى تصعيد زائد عن اللزوم”. ومثل هذا القلق هو مفهوم، ولكن على هذا الصعيد فإن واشنطن تسبق موسكو بأشواط بعيدة.
وفي هذا السياق نذكر ان ممثلة وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا صرحت مؤخرا ان الولايات المتحدة الاميركية تحاول التدخل في الانتخابات الرئاسية الروسية لعدة اسباب احدها الوضع داخل الولايات المتحدة ذاتها. وقالت ان انتخاباتنا هي مهمة لهم لسببين:
الاول ـ استمرار الخلافات الداخلية الاميركية التي تزداد حدة.
والثاني ـ هو النزعة الاميركية المتأصلة للتدخل في الشؤون الداخلية لجميع بلدان العالم لفرض الهيمنة العالمية لاميركا.

وتوقفت وسائل الإعلام الروسية عند تصريح ناطق باسم وزارة الخارجية الاميركية بأن اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية في روسيا رفضت الترشيح المقدم من قبل ألكسي نافالني، واتخاذ ذلك مؤشرا للطعن مسبقا بنزاهة الانتخابات وشفافيتها. وفي لقائه مع رؤساء وسائل الاعلام الروسية في شهر كانون الثاني الماضي، سئل الرئيس بوتين عن هذه المسألة فأجاب: هناك اشخاص آخرون استبعدتهم اللجنة العليا للانتخابات لعدم استيفائهم الشروط الضرورية، فلماذا لم يذكر الاميركيون سوى هذا الشخص (ألكسي نافالني)؟ هذا يدل على أنه مرشحهم. وقد قالت لجنة الانتخابات كلمتها فيه. (وتذكر بعض وسائل الاعلام انه كانت توجد ضد نافالني بعض دعاوى سوء الائتمان والاختلاس). واضاف بوتين “انه من الافضل للاميركيين ان يصمتوا”.
وقد بلغ التصعيد بين البلدين لدرجة ان بعض الدوائر المخابراتية الاميركية أعلنت ان التدخل الروسي المزعوم في الانتخابات الرئاسية الاميركية يوازي إعلان الحرب، وانه أشبه بعملية “بيرل هاربر” واحداث “11 ايلول 2001”.
ومعلوم ان الولايات المتحدة ردت على هجوم “بيرل هاربر” بضرب اليابان بالقنبلتين الذريتين في هيروشيما وناغازاكي في نهاية الحرب، وردت على احداث “11 ايلول 2001” بعملية “الربيع العربي” المستمرة الى الآن.
فهل تفكر قيادات الولايات المتحدة بارتكاب أية حماقة عسكرية او انقلابية ضد روسيا؟
اذا حدث ذلك فإنها تغامر بأن تدفع وجودها بالذات ثمنا لأي حماقة.

 

قد يعجبك ايضا