محمد بن سلمان في أحضان دونالد ترامب
موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية || العهد الاخباري
يتضح يوما بعد يوم أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أصبح يمسك بيديه أكثر فأكثر بزمام السلطة في المملكة العربية السعودية. وعلى ما يبدو ـ في الظاهر على الأقل ـ أنه استطاع حتى الآن تطويع أمراء العائلة المالكة في الحملة التي شنها على الأمراء وأغنياء المملكة تحت شعار الإصلاح ومكافحة الفساد.
ويحاول ابن سلمان ان يحيط نفسه بهالة، خاصة أن لديه برنامجا جديدا لحكم المملكة تحت مسمى غامض هو “رؤية 2030”. والأفكار الأساسية في هذه “الرؤية” هي: “السعودية ما بعد النفط”، “الاسلام المعتدل!” و”السعودية زعيمة العالم العربي والاسلامي” وطبعا بزعامة محمد بن سلمان.
ولتأكيد جدة وجدية “رؤيته” حاول الأمير محمد بن سلمان تسويق نفسه دوليا بالاجتماع عدة مرات في السنة الماضية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والبحث معه في التعاون واسع النطاق بين المملكة وبين الاتحادية الروسية، باعتبار ان التقرب من روسيا يؤكد “استقلالية” “النهج الجديد!” للمملكة، لا سيما على صعيد “نفي!” التبعية المطلقة للمملكة الى المعسكر الامبريالي الاميركي والتواطؤ الضمني، السري او العلني، مع الصهيونية العالمية و”اسرائيل”.
وقد استجابت الرئاسة الروسية مع “إعلان نوايا!!!” الامير بالتعاون الواسع مع المملكة (بما في ذلك فكرة بناء المفاعلات النووية السلمية لانتاج الطاقة الكهربائية الرخيصة لعهد ما بعد النفط)، انطلاقا من الاستراتيجية الاوراسية الروسية التي تقضي بالتقارب والتعاون مع العالم العربي والاسلامي بصرف النظر عن الاختلافات السياسية والقومية والايديولوجية والدينية والمذهبية. ولكن الامير اصطدم في روسيا مع واقع هو ان روسيا ترفض رفضا قاطعا ان تكون فكرة العلاقات الايجابية والبناءة بين المملكة وروسيا على حساب العلاقات الاستراتيجية الوطيدة بين روسيا والجمهورية الاسلامية الايرانية ومع الشرعية السورية ومع المقاومة الوطنية الاسلامية بقيادة حزب الله في لبنان.
ولكن الامير نجح في استخدام ورقة التقارب المظهري مع روسيا لرفع اسهمه في بورصة العلاقات مع اميركا واسرائيل والصهيونية العالمية. وقد توج هذا النجاح في الزيارة “المطنطنة” التي قام بها دونالد ترامب برفقة زوجته ميلانيا وابنته ايفانكا الى السعودية في ايار من السنة الماضية، والتي حصد فيها مئات مليارات الدولارات بصيغة دفعات مباشرة وصفقات تجارية وتسليحية. وهذا غير المستور.
وحصلت المملكة على الدعم الأميركي لسياستها المعادية لإيران والحرب الظالمة التي تشنها لإبادة المدنيين وتطويع الشعب اليمني المظلوم وللدور التخريبي والتآمري الذي تضطلع به في العراق وسوريا ولبنان والبحرين.
ومن اجل تنسيق المواقف والخطوات العملية الآنية والمستقبلية قام الامير محمد بن سلمان بزيارة الى المملكة البريطانية في مطلع الشهر الجاري، وعقد صفقات بنحو مئة مليار جنيه استرليني، ثم قام بزيارته الحالية الى الولايات المتحدة الاميركية، حيث كان دونالد ترامب قد حضّر له وجبة دسمة من العقود الضخمة بمئات مليارات الدولارات اهمها صفقات التسليح وبناء المفاعلات النووية لعهد “ما بعد النفط”.
وبهذا الارتماء في أحضان أميركا وكتلتها الغربية يريد الامير محمد بن سلمان ان يحدد بشكل اكثر وضوحا الفحوى الحقيقية لـ”رؤية 2030″، وهي انه يريد ان يكون نسخة مكررة وحديثة عن جده الملك عبدالعزيز آل سعود. اي انه اذا كان الملك عبدالعزيز آل سعود قد قام بربط “عهد النفط” السعودي بأميركا، فإن الامير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود يريد ان يربط “عهد ما بعد النفط” السعودي بأميركا اياها. وهذا هو كل مغزى التغيير والاصلاح الذي ينادي به الامير محمد بن سلمان.
يقول الشاعر العراقي الكبير محمد مهدي الجواهري في وصف عملاء الاستعمار “المتحمسين”:
وعلام يوغل في الحماسة راقص
بأشد مما ينفخ الزمـّار؟
وهذا ينطبق تماما على الامير محمد بن سلمان. فهو يزايد على الأمبرياليين الأميركيين والاوروبيين انفسهم.
ففي اعقاب زيارته الاخيرة لبريطانبا قامت رئيسة الوزراء تريزا ماي بشن حملتها الشعواء ـ والغبية تماما اولا واخيرا ـ ضد روسيا، الصديق الوفي للشعب الفلسطيني والشعب السوري والشعب اللبناني والشعوب العربية والاسلامية. وهو ما لا يريده محمد بن سلمان.
وفي زيارته الحالية إلى أميركا فهو يدعو ترامب الى تنفيذ قراره بنقل السفارة الأميركية إلى القدس واعلان “اسرائيل” “دولة يهودية خالصة”، والى تشديد حملة ترامب ضد ايران والاتفاق النووي معها والى إلغاء او تغيير الاتفاق وفرض العقوبات عليها، ويهدد بأن السعودية ستعمل لصنع السلاح النووي لمجابهة ايران اذا امتلكت السلاح النووي. اما ان تمتلك “اسرائيل” السلاح النووي منذ عشرات السنين، فهذا “لا شأن” للسعودية به وهو يتعلق بـ”السيادة” الاسرائيلية.
كما يدعو ابن سلمان اميركا لتشديد دعمها للسياسة الاقليمية للسعودية. أي حرب الابادة ضد الشعب اليمني المظلوم، والتمويل والتسليح والحماية للمنظمات الارهابية والتكفيرية وحلفائها في العراق وسوريا ولبنان، والتواطؤ مع “اسرائيل” لمنع لبنان من دخول “عصر النفط والغاز” ومنعه من استغلال حقوقه المشروعة على هذا الصعيد، والحؤول دون اعادة بناء سوريا ومهاجمتها عسكريا بتهمة ان الجيش العربي السوري “سوف!” يستخدم الاسلحة الكيماوية ضد المدنيين في الغوطة الشرقية وربما في “ضواحي لندن”!.
ويتوقع بعض المحللين أن تؤدي زيارة الامي السعودي الى اميركا الى ارتفاع اسعار النفط، لتمكين السعودية من دفع مئات جديدة من مليارات الدولارات الى اميركا.
ويؤكد المحللون وجود صلة وثيقة بين النهج المتشدد لمحمد بن سلمان ولجوء دونالد ترامب الى تغيير عناصر ادارته لجهة ابعاد العناصر شبه المعتدلة واحلال “الصقور” مكانهم.
كما ان هذه السياسة المتشددة الاميركية ـ السعودية تشجع “اسرائيل” على تشديد حملاتها القمعية ضد الشعب الفلسطيني تمهيدا لاعلان “صفقة القرن” المتمثلة في صلح شامل عربي ـ اسرائيلي على حساب القدس والقضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني وعلى حساب دفن قضية التحرر العربية برمتها.