محضر سرّي للنقاش الذي دار بين علي عبدالله صالح والرئيس الأمريكي جورج بوش في عام 2007: هكذا رقص صالح مع ثعبان البيت الأبيض ونفث سمومه على قضية فلسطين
موقع أنصار الله || صحافة محلية || المسيرة: إبراهيم السراجي
عرضت قناةُ المسيرة الجزءَ الثاني من الفيلم الوثائقي “خلف الستار” الذي يتناوَلُ وثائقَ عُثر عليها في أحد منازل زعيم فتنة ديسمبر علي عبدالله صالح، والتي أظهرت جانباً من تقارُبِ الأخير مع الإسرائيليين وقبوله العمل مع الأمريكيين، سواء في إدخالهم إلى اليمن أَوْ في الانخراط بالمشروع الأمريكي؛ لتصفية القضية الفلسطينية تدريجياً.
الوثائقُ الرئيسية التي اعتمد عليها فيلم خلف الستار في الجزأين عبارةٌ عن محاضرَ رسميةٍ للسكرتارية الخَاصَّة برئاسة الجمهورية، للقاء صالح مع رؤساء الجاليات اليهودية عام 2000م وهي التي عرضت في الجزء الأول، ومحضر لقاء صالح مع الرئيس الأمريكي جورج بوش في مايو 2007م في البيت الأبيض.
بمرور سبعة أعوام بين الوثيقتين يظهر أن صالح اعتقد أنه قد قطع شوطاً كبيراً في إقناع الإدَارَة الأمريكية بالاعتماد المباشر عليه وعدم حصر علاقته بها عن طريق السعوديّة، إلا أن تلك لم تكن قد زالت بعدُ، وفي الفترة ذاتها احتفظ صالح بأهدافه أَوْ بالمعادلة التي وضعها لنفسه لحماية عرشه عبر الأمريكيين، وهي المعادلة التي قالها بنفسه لرؤساء الجاليات اليهودية فيما يخُصُّ التطبيعَ مع إسرائيل والتي تقول “كل شيء بثمنه”.
أطراف اللقاء
توضّح الورقة الأولى من محضر لقاء صالح مع بوش، الشخصيات التي حضرت اللقاء إلى جانب الاثنين، وهم في الجانب الأمريكي نائب الرئيس آنذاك ديك تشيني ووزير الدفاع روبرت غيتس ومستشار الأمن القومي ستيفن هادلي ونائب وزير الخارجية نيفرولونتي والسفير الأمريكي لدى اليمن في ذلك الحين، توماس كرابيسكي، أمّا في الجانب اليمني فحضر كُلٌّ من عبدالكريم الأرحبي نائب رئيس الوزراء وزير التخطيط في تلك الفترة ووزير الخارجية أبوبكر القربي وأمين عام رئاسة الجمهورية عبدالله حسين البشيري وسكرتير رئاسة الجمهورية عبده بورجي وسفير اليمن لدى أمريكا عبدالوهاب الحجري.
صالح لم يتخلص من العُقدة
في بداية اللقاء وفقاً للمحضر الرسمي، بدا أن صالح ما يزال محتفظاً بجزء من عُقدة احتكار السعوديّة للملف اليمني وإدارتها له مع الولايات المتحدة، فقد كان الرجلُ يريدُ أن يؤديَ الدورَ المطلوبَ منه ولكن من خلال الاعتراف الأمريكي به؛ ولذلك كان أول ما قاله في اللقاء الذي جرى في البيت الأبيض أن تحدّث للرئيس الأمريكي عن نائبه تشيني قائلاً “هو زار المنطقة ولم يُزر اليمن، إذَا كان السبب هو الملبس نحن مستعدون أن نلبس مثل الملابس السعوديّة، الدشداشة من أجل أن يزورنا”.
أمَّا الحصولُ على الدعم المالي فاستمر كما هو، حيث كرّر صالح الحديثَ للرئيس الأمريكي مطالباً إياه بتقديم المالي له نظير ما يقول إنه دعم للديموقراطية ومحاربة الإرهاب، لكن الرئيس الأمريكي كان يصر أن أولوية التعاون الاستخباراتي ومحاربة الإرهاب، فالعلاقة الاستخباراتية وفقاً لكلام بوش أهم من المال.
صديقُ الاستخبارات الأمريكية
الرؤساءُ الأمريكيون مجرَّد أفراد لا يبقون في مناصبهم والأهم هو إقامة العلاقات مع المؤسسات الأمريكية، وهذه كانت نصيحة رئيس مجلس الجاليات اليهودية لعلي عبدالله صالح في اللقاء الذي تم بينهما في عام 2000م، وبدا أن صالحَ استوعب تلك النصيحة خلال السنوات التي لحقت ذلك العام، ولذلك تحدث الرئيس الأمريكي بوش مخاطباً صالح “أقدر جهودكم تجاه مكافحة الإرهاب، وإذا كنت محلكم لَكنت أشد صرامة مع الإرهابيين؛ لأنهم لا يريدونك ولا يريدون كُلّاً منا”. ويضيف بوش “نصيحتي أن تقتل أكبر عدد ممكن (الإرهابيين)، ونريد أن نساعدَك ونتفق على تعزيز التعاون الاستخباراتي، وأنا أعلم أن علاقتكم مع CIA (وكالة الاستخبارات الأمريكية) جيدة”.
مع حديثِ بوش عن مكافحة الإرهاب، بدا أن صالح جدّد مطالبته بالدعم المادي ليكون أكثر جدية في محاربة ما يسمى الإرهاب، لكن بوش كان يصر على أن الأجدى هو التعاون الاستخباراتي من الدعم المالي؛ ولذلك علّق صالح مازحاً أن الأمريكيين “بخلاء”.
في محطة أُخْرَى من النقاش، يقول صالح إنه سعيدٌ بزيارة أمريكا: “نتحدث سوياً حول الهم المشترك لنا ولكم وهو الإرهاب وعلى ما أعتقد حقّقنا نتائج مرضية لنا ولكم من خلال التنسيق الأمني وتم إلقاءُ القبض على عدد من الإرهابيين”.
الاتّفاق على تبادل الأكاذيب
في المحضر ذاته، يورد أن الرئيس الأمريكي أخبر صالح أنه سيدعو الصحافة للدخول بعد 40 دقيقة، وكانت هذه إشارة على أن يتم البدء بما سيتم قوله للصحفيين، فقال بوش “أنا سأقول شيئاً طيباً عنكم، شخصياً أهنئكم على الانتخابات كانت مفتوحة ومنظّمة (يقصد الانتخابات الرئاسة 2006) ومثّلت نموذجاً قوياً”.
أما صالح فيعبر عن سعادته بالتهنئة وقال إن اتصالَ بوش له ليهنئه “كانت سعادة كبيرة جداً وهذا ليس غريباً من صديق”، ثم يضيف معبراً عن ارتياحه بزيارة الولايات المتحدة لمناقشة الهموم المشتركة.
طعن القضية الفلسطينية
قبلَ الاستمرار في تناول محضر لقاء صالح وبوش، يجدر التنويه أن اعتراف الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني ليس إلا ضمن سلسلة حلقات تآمرية على القضية الفلسطينية انخرط بها الرؤساء والملوك العرب من تحت الطاولة، فيما كان يسمح لهم كسب الجماهير من خلال إلقاء الخطابات الجماهيرية التي تتحدث عن تحرير فلسطين.
وعلى سبيل المثال إلى ما قبل عام 2000م كان الموقف العربي الغالب هو رفضُ الاعتراف بإسرائيل ووجودها، لكن في ذلك العام وقّع الرؤساء وبينهم صالح والملوك في القمة العربية في بيروت على ما سمّي “المبادرة العربية” التي تنص على الاعتراف بإسرائيل مقابل إقامة دولة فلسطينية بحدود 67 في ذلك الوقت كانت إسرائيل تعتبر المبادرة نصراً كبيراً لها ولكنها اليوم لم تعد تقبَلُ بها ويقول رئيسُ وزرائها حالياً نتنياهو إن المبادرة ليست قابلة للنقاش، فيما الرئيس ترامب يؤكد أن أية مفاوضات للحل لا يجبُ أن تتطرَّقَ للقدس التي يؤكد أنها عاصمة إسرائيل.
ولكن كيف خرجت المبادرة العربية الانهزامية؟ والمبادرات والاتّفاقات التي سبقتها؟ والإجابة أن تلك الاتّفاقات كانت تجري من تحت الطاولة بين الرؤساء والإدَارَة الأمريكية، كما سيظهر في محضر لقاء بوش مع صالح، لكن في العلن وفي الخطابات الجماهيرية الاستهلاكية كان الرؤساء ومنهم صالح يتظاهرون بعكس ذلك في بعض الأحيان.
وصف مقاومة إسرائيل بالاحتلال
في لقائه مع بوش، اقتنص صالح الفرصة ليعزز مكانته لدى الولايات المتحدة ليكون من بين أقوى الحلفاء لها في المنطقة، ولذلك، وفقاً لمحضر، قدم صالح وصفته لإطفاء ما وصفها الحرائق في المنطقة التي اعتبر أن أهم أسبابها بقاء القضية الفلسطينية دون حل، لكنه يعتبر مقاومة إسرائيل إرهاباً يمكن إيقافه بمنح دولة للفلسطينيين وفقاً للرؤية الأمريكية والاعتراف بحق إسرائيل في الوجود.
كما أن صالح الذي اشتهر بقوله إن حكم اليمن كالرقص على رؤوس الثعابين، بدا في لقائه مع بوش كمن يريد أن يطور الرقصة لتصبح مع ثعابين أمريكا وإسرائيل.
وينقل المحضر عن صالح قوله إن “المفتاح الأول هو نطفئ بؤر التوتر في جنوب لبنان والعراق وأفغانستان والصومال واليمن، “أنا استطيع أن أجزم أن 70% يمكن اطفاؤه هو مفتاح القضية الفلسطينية الإسرائيلية”. هنا وضع صالح الدول التي تشهد احتلالاً أمريكياً وهي العراق وأفغانستان، والدول التي تحتلها أَوْ تحتل جزء منها إسرائيل مثل جنوب لبنان، وبالتالي فإن ما تشهده تلك الدول من مقاومة للاحتلال يرى فيها صالح “بؤر توتر”.
ثم يكيل صالح المديح للرئيس بوش قائلاً إنه “الرجل الشجاع الذي أعلن إقامة الدولة الفلسطينية” ثم يروج للمبادرة العربية الانهزامية ويقول “الآن أمامنا المبادرة العربية تتبناها الولايات المتحدة لتخرج إلى الواقع”.
ولا يرى صالح أن المبادرة تنهي معاناة الفلسطينيين بل تخلّص الاحتلال من المقاومة التي وصفها صالح بـ “الإرهاب”، حيث واصل عرضَه للمبادرة، مبدياً أسبابَ أهميتها قائلاً “لأن الإرهابيين الإيرانيين والسلفيين سنسحب منهم هذا السلاح؛ لأنهم يجندوا الشباب والأطفال تحت لافتة القضية الفلسطينية، وتقول للشارع العربي والإسلامي انظروا لأمريكا لا تساوي بينكم وبين إسرائيل”.
والغريبُ هو أن أمريكا بالفعل لا تساوي العربَ مع الإسرائيليين وتعلن ذلك، وبالتالي فإن فصائل المقاومة عندما تقول للشارع العربي فهي لا تكذب، لكن صالح يرى أنها مجرد مزايدة.
ينتقل صالح لكشف حجم اندفاعه قائلاً “أنا مستعدٌّ أقيمُ علاقة مع إسرائيل غداً إذَا قامت الدولة الفلسطينية وليس لدي تحفظ مذهبي أَوْ ديني” فرد بوش قائلاً “هذا موقف قوي” لكنه يقول إنه لا بد أولاً من الاعتراف بإسرائيل أولاً قبل القبول بالمبادرة.
بوش أيضاً لم يُبدِ قبوله بالمبادرة لكنه وصفها أنها “وسيلة هامة لكن شيئين يجب أن يحدثا قبل ذلك وهما أولاً الاعتراف بإسرائيل قبل أن تقبل إسرائيل بالمبادرة، وثانياً حماس عليها أن تعترف علناً بحق إسرائيل في الوجود ولقد قام عباس (الرئيس الفلسطيني) بذلك، ونحن نوافق أن المبادرة وسيلة مهمة”.
رَدَّ صالح على بوش بثقة عالية قائلاً “اتركوا حماس وهي ستأتي، خلّونا نتبّنى المبادرة العربية وحماس هي مزايدة وهم مستعدين يقيمون علاقة مع إسرائيل أفضل من حركة فتح، لكنها تزايد على الشارع، لا تنزعجوا من موقف حماس”.
حان وقت الكذب
أدرك الرئيس الأمريكي أن ضيفَه مندفعٌ ليقدم الخدمات للأمريكيين، تلك الاندفاعة قللت من قدر صالح وقيمته لدى بوش كما سيظهر في المشهد الختامي للقاء الذي نورده كما جاء:
بوش: لندعو الصحافة.
صالح: نخلي الصحافة أريد منكم الدعم العسكري والأمني لمكافحة الإرهاب والدعم الاقتصادي. بعد ساعة ونصف نأخذ الصحفيين.
بوش: أنا أريد التحدث للصحافة، أنا مجنون صحافة يمكن أن نتحدث فيما بعد الغداء.
صالح: أنا سأتحدث لأشكرك وعموميات.
بوش: سأتحدث عن الانتخابات ودورك في مكافحة الإرهاب.
صالح: أنا سأتحدث عن بوش وأنه أول من صرّح بقيام الدولة الفلسطينية.
لقد بدا المشهدُ الختامي مسرحياً، لرجلين تحدثا عن الاعتراف بإسرائيل أولاً قبل الاعتراف بقيام فلسطين، اتفقا على شرعنة الاحتلال ومنحه الحقَّ في الوجود دون أي وجه حق، ثم اتفقا أن يَخرُجا للصحافة وأن يكذبا، فالرئيسُ الأمريكي سيتحدث عن نزاهة انتخاب صالح في انتخابات غير نزيهة في الواقع، وصالح سيتحدّثُ عن شجاعة بوش كأول رئيس أمريكي يعترفُ بقيام دولة فلسطين، فيما الواقعُ وبعيداً عن الإعلام كان بوش صريحاً في أنه يبحَثُ عن الاعتراف بإسرائيل وليس بفلسطين، وهكذا سار كُلّ الرؤساء الأمريكيين المتعاقبين وسار وراءهم رؤساء وزعماء وملوك عرب حتى وصلنا اليوم إلى صفقة القرن برعاية الرئيس الأمريكي ترامب وتواطؤ النظامَين السعوديّ والإماراتي، وهي الصفقة التي لم تعد تبحَثُ عن اعتراف بإسرائيل بل إنهاء وجود فلسطين.