خيبة في ’تل أبيب’: بقينا وحدنا في مواجهة محور المقاومة

موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية || جهاد حيدر / العهد الاخباري

لم تكن تعليمات رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو لوزرائه بالامتناع عن التعليق على العدوان الثلاثي ضد سوريا، ومن ثم اصداره بيان مدروس في مضمونه ومفرداته، سوى محاولة لضبط ردود أفعالهم التي قد تكشف مستوى الخيبة والاحباط السائد في “تل أبيب”، وبهدف وضع سقف وضوابط لمواقفهم اللاحقة.

 

كما هو متوقع، عبَّر نتنياهو عن دعمه الكامل للعدوان على سوريا، لكن التدقيق في البيان يكشف أيضا، عن عمق الخيبة التي حضرت بقوة لدى صناع القرار، وتكفّل في التعبير عنها الخبراء والمعلقون على شاشات التلفزة ومختلف وسائل الاعلام. فقد عبَّر نتنياهو عن دعمه في المساحة المشتركة مع توجهات ترامب، لجهة أصل العدوان، وضرورة “ردع الأسد عن استخدام الاسلحة الكيميائية”، (انسجاما مع الخطاب الدعائي المطلوب تعميمه اسرائيلياً وأميركيا)، وعلى هذه الخلفية أتت اشارة نتنياهو بأن الرئيس ترامب يقرن أقواله بالافعال. في المقابل، ختم نتنياهو بيانه، بالتشديد على أنه “يجب أن يكون واضحا للرئيس الأسد أن جهوده المستمرة لحيازة أسلحة الدمار الشامل واستخدامها، وازدراءه غير المقبول للقانون الدولي وسماحه لإيران وحلفائها بالتمركز عسكريا في سورية يعرض سورية للخطر”، وفق تعبيره.

 

يُلاحظ أن حديث نتنياهو عن اقتران أقوال ترامب بأفعاله، وردت في سياق الأسلحة الكيميائية، من دون أن ينسحب ذلك على ضرورة إشعار الرئيس الأسد بأنه يعرض سوريا للخطر، في حال سماحه لايران وحلفائها بالتمركز عسكريا في سوريا. وهو موضع الانتقاد الاسرائيلي، ومكمن قلقه من كون العدوان لم يتناول هذه القضية الملحة بالنسبة لـ”الأمن القومي الاسرائيلي”. ولذلك اكتفى نتنياهو بالاشارة الى هذه الضرورة من دون أن يشير الى أن ترامب لم يُقحم هذه القضية في عدوانه، لا على مستوى الاستهداف العسكري، ولا على مستوى الرسائل، ولا على مستوى الخطاب السياسي المواكب للعدوان.

 

برز هذا الاستياء الاسرائيلي، أيضاً، فيما كشفه نتنياهو خلال جلسة الحكومة عن اتصاله برئيسة الوزراء البريطانية، تريزا ميي، بالقول إن “الطرف الذي يقوِّض الشرق الأوسط أكثر من أي طرف آخر هو ايران، وأن على الرئيس الأسد أن يفهم بأنه في حال سماحه بالتمركز العسكري لايران في سوريا، فإنه يعرض سوريا للخطر، والاستقرار في المنطقة كلها للخطر”.

 

بالطبع لم يكن هذا الانكفاء الاميركي، أمراً عفوياً، ولا هو نتيجة غفلة أو لكونه بنظر ترامب، ليس ضرورة ملحة للمصالح الاميركية، أو لـ”الأمن القومي الاسرائيلي”. بل، كما حرص البنتاغون على التأكيد عليه بأن هذا المستوى من العدوان كان ضمن السقف الذي لا يؤدي الى تصعيد. وهو اقرار ضمني بمردوعية أطراف العدوان الثلاثي في مقابل تحالف محور المقاومة مع روسيا.

 

هنا بالذات يكمن منبع القلق الاستراتيجي لـ”تل ابيب”، لأن أحد أهم عناصر قوة الردع الاسرائيلية، تكمن في قوة الردع الأميركية، وأي تراجع في الأخيرة سيؤدي بالضرورة الى تراجع في قوة الردع الاسرائيلية. فكيف عندما يواجه الطرفان الاسرائيلي والأميركي، قوة ردع مضادة تكبح جموحهم، وتحول دون مغامراتهم.

 

وهكذا، يصح القول أن العدوان الذي شهدته الساحة السورية كرس الفصل بين العناوين والشعارات التي حددتها الادارة الاميركية، (الاسلحة الكيميائية) وبين القضايا الاكثر الحاحا، (تمركز محور المقاومة في سوريا)، بنظر القيادتين السياسية والاأمنية في “تل أبيب”. وهو ما رأى فيه رئيس معهد أبحاث “الامن القومي” في كيان العدو اللواء عاموس يادلين، مؤشراً بأن على “اسرائيل” أن تعمل لوحدها في مواجهة تحدياتها الاستراتيجية.

 

ويمكن الاستناد الى مضمون ما أورده يادلين، ايضا، في تحديد هذه التحديات، التي تواجه الكيان ما بعد العدوان الثلاثي، في نتائجه ورسائله:

 

– رد ايران على استهداف عناصرها وعتادها في قاعدة التيفور، وهو ما وصفه أمين عام حزب الله سماحة السيد حسن نصر الله أول أمس بفتح مواجهة مباشرة بين “إسرائيل” وإيران. وتوقع يادلين أن تتلقى “اسرائيل” الرد في الفترة القريبة، من سوريا أو من ساحة أخرى.

 

–  بات على “اسرائيل” أن تواجه مواصلة تمركز ايران في سوريا، الذي يشكل تهديداً متصاعداً على أمن الكيان. وهنا يدور صراع بين تصميم إيران على مواصلة هذا الجهد، وبين تصميم كيان العدو على كبحه، واستعداد الطرفين لدفع أثمان مقابل ذلك والمخاطرة بتصعيد وبين قدراتهما العملانية للعمل في الساحة.

 

– باتت حرية عمل “اسرائيل” في سوريا، تواجه مخاطر تصعيد مع ايران و”النظام” السوري، اضافة الى تحذيرات روسية من زعزعة اضافية للاستقرار، ويحضر في هذا السياق، إمكانية تحسين تشكيل الدفاع الجوي السوري، إذا اختار الروس تزويد السوريين بأنظمة صواريخ أرض – جو متطورة.

– وتوقف يادلين عند امكانية، التغيير، بل التحول ايضا، في وضع البرنامج النووي الإيراني، في إطار الأزمة التي تقودها إدارة ترامب حول الاتفاق النووي في الشهر القادم. أزمة كهذه يمكن ان تضع كيان العدو أمام تحدّ أكثر أهمية، إذا اختارت إيران استئناف التخصيب.

 

ورأى يادلين أنه في حال انسحب ترامب من الاتفاق النووي، وعادت إيران إلى التخصيب، أو انسحبت من معاهدة منع الانتشار النووي – عندها سيتطلب الأمر، عملية مشتركة لوقف تقدمها نحو النووي. وهنا ستكون “إسرائيل” بحاجة لدعم صديقتها الأكبر والأهم من الجميع، الولايات المتحدة الأميركية.

قد يعجبك ايضا