العدوان الصاروخي الغربي على سوريا ومستقبل المعادلات الدولية والإقليمية

موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية || الوقت التحليلي

تعتبر منطقة الشرق الأوسط من أكثر المناطق في العالم التي شهدت نزاعات مسلحة خلال العقود الماضية، ما يدلل على خصوصية هذه المنطقة في التأثير على المعادلات الإقليمية والدولية.

 

ويعتقد المراقبون بأن أي قوة إقليمية أو دولية تتمكن من السيطرة على مقدرات الشرق الأوسط يمكنها أن تتفوق على باقي القوى في شتى المجالات.

 

وما يعزز هذا الاعتقاد هو التنافس الشديد بين القوى الكبرى لتعزيز وجودها العسكري والسياسي في هذه المنطقة.

 

وخلال السنوات الأخيرة تحولت سوريا إلى مركز للتنافس بين كل القوى المؤثرة إقليمياً ودولياً، ومن المؤكد أن مستقبل الأزمة السورية سيترك آثاراً مهمة على مستوى المنطقة والعالم.

 

وبناءً على ذلك يمكن اعتبار الهجمات الصاروخية التي شنّتها أمريكا وبريطانيا وفرنسا على عدد من المدن السورية بما فيها العاصمة دمشق قبل عدّة أيام من الحوادث المهمة التي من شأنها أن تترك آثاراً مباشرة وغير مباشرة على المعادلات الإقليمية والدولية.

 

تمحور الغرب مقابل روسيا والصين

 

بعد المزاعم التي أطلقتها عدد من الدول الغربية ضد الحكومة السورية بشأن استخدام أسلحة كيمياوية في مدينة “دوما” بالغوطة الشرقية تعمق الخلاف بين الغرب بقيادة أمريكا من جهة، وروسيا والصين من جهة أخرى إلى درجة جعلت العديد من المسؤولين في أمريكا وروسيا يصفون هذا الخلاف بأنه من أسوأ الخلافات التي كانت قائمة بين محوري الشرق والغرب إبّان فترة الحرب الباردة التي امتدت من نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى انهيار الاتحاد السوفيتي السابق مطلع تسعينات القرن الماضي.

 

وظهر الخلاف بين محوري “الغرب بقيادة واشنطن” و”الشرق بقيادة موسكو” بشكل واضح أيضاً في استخدام الفيتو لأكثر من مرّة ضد مشاريع القرارات التي طُرحت في مجلس الأمن الدولي بشأن المزاعم حول استخدام الأسلحة الكيمياوية في دوما، وهذا إنْ دل على شيء فإنما يدل على عمق الخلاف بين الجانبين.

 

بالإضافة إلى ذلك أظهر التوتر الواضح في التصريحات السياسية والتصعيد المتبادل في الاتهامات بين واشنطن وموسكو والذي وصل إلى ذروته عندما هددت الأخيرة بالرد على أي هجوم عسكري غربي يستهدف سوريا؛ عمق الأزمة بين الجانبين، وبالعودة إلى التصريحات التي أطلقها كل من الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” ورئيسة الوزراء البريطانية “تيريزا ماي” والرئيس الفرنسي “ايمانوئيل ماكرون” والتي قوبلت بتصريحات قوية من جانب المسؤولين الروس وفي مقدمتهم الرئيس “فلاديمير بوتين” يتبين بشكل جلي إلى أي مدى وصل الخلاف بين المعسكرين الغربي والشرقي بشأن الأزمة السورية.

 

وما تجدر الإشارة إليه أنّ روسيا والصين أبدتا رغبة متقابلة لتعزيز العلاقات فيما بينهما في مختلف المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية ردّاً على السياسات التي تبناها الرئيس الأمريكي “ترامب” وحلفاؤه في “الناتو” والتي تسعى لتقليص نفوذ بكين وموسكو في شتى الميادين بمناطق متعددة من العالم خصوصاً في الشرق الأوسط، وهذا الأمر أدّى أيضاً إلى تشديد الخلاف بين المعسكرين الشرقي والغربي والذي من شأنه أن يؤدي كذلك إلى تغيير المعادلات الإقليمية والدولية على كل الأصعدة وعلى المديين القريب والبعيد.

 

تعزيز دور محور المقاومة في المنطقة

 

قبل العدوان الصاروخي الغربي الأخير على سوريا كانت بعض الدول الإقليمية وفي مقدمتها السعودية تراهن على إمكانية إسقاط حكومة الرئيس السوري بشار الأسد وإضعاف دور إيران ومحور المقاومة في المنطقة، إلّا أن هذه المراهنة باءت بالفشل، وقد ظهر ذلك بشكل واضح في التأييد والدعم الشعبي الكبير الذي حصل عليه محور المقاومة بقيادة إيران بعد الانتصارات الباهرة التي حققها على الجماعات الإرهابية في العراق وسوريا، وكذلك الدعم الشعبي الواضح الذي حصل عليه الجيش السوري نتيجة الصمود الذي أبداه مقابل الهجوم الغربي وتمكنه من اعتراض وإسقاط عدد كبير من الصواريخ التي استخدمت في هذا الهجوم.

 

ومن المؤكد أن ترامب وحلفاءه الغربيين كانوا متيقنين من أن الهجوم الصاروخي على سوريا لا يمكن أن يزعزع قدرة الجيش السوري ومحور المقاومة، إلّا أنهم شنّوا الهجوم لأنهم كانوا قد قبضوا ثمنه المادي من السعودية خلال الزيارات التي قام بها ولي عهدها “محمد بن سلمان” إلى لندن وباريس وواشنطن الشهر الماضي.

 

ويؤكد الكثير من المراقبين بأن الغرب بقيادة أمريكا لم يعد قادراً على مواجهة محور المقاومة بقيادة إيران، وهذا ما أثبتته الوقائع والأحداث في العديد من المواقع، وهزيمة الإرهابيين على يد محور المقاومة خير دليل على قوة واقتدار هذا المحور في التصدي للمشروع الصهيوأمريكي الذي يستهدف تمزيق المنطقة والاستحواذ على مقدراتها والتحكم بمصيرها.

 

زيادة اقتدار القوات السورية

 

أفرزت الأحداث والتطورات الميدانية التي شهدتها سوريا خلال الأشهر الأخيرة حقيقة مهمة وهي أن الجيش السوري والقوى الوطنية الداعمة له تمكنوا من رفع مستوى اقتدارهم في الدفاع عن البلد والسعي لحفظ وحدته وسيادته على كامل أراضيه، وهذا الأمر ظهر أيضاً بشكل واضح في نجاح القوات السورية باستعادة الكثير من المناطق المهمة والحساسة التي كانت تحت سيطرة الإرهابيين المدعومين من قبل دول غربية وإقليمية في مقدمتها أمريكا والسعودية بالإضافة إلى الكيان الصهيوني.

 

ومن المقرر أن تزود روسيا القوات السورية بأنظمة دفاع صاروخية متطورة جداً، ما يعزز قدرة هذه القوات في التصدي للهجمات الغربية والجماعات الإرهابية، وهو ما تخشاه واشنطن وتل أبيب والعواصم الغربية والإقليمية الحليفة لهما.

قد يعجبك ايضا