هلع سعودي كبير من احتمال انسحاب الجيش السوداني من اليمن وحدود المملكة

موقع أنصار الله || صحافة محلية || المسيرة: إبراهيم السراجي

 

يعيشُ النظامُ السعودي ودولُ تحالف العدوان حالةً من الإنكار الكبير للواقع، الأمر الذي حملها على تجاهل مواقف الدول والشعوب تجاه عدوانها على اليمن وسط حالة من الرعب والخوف من انفراط عقد تحالف العدوان بعد أَكْثَـر من ثلاثة أعوام على العدوان والهزيمة في الوقت ذاته، وهو ما ظهر في تغطية وسائل الإعلام الرسمية السعودية والإماراتية لإفصاح السودان عن إجرائه مراجعات لدور قُـوَّاته في العدوان على اليمن، بالتزامن مع دعوات برلمانية وشعبية واسعة تدعو للانسحاب من اليمن وإنقاذ حياة من تبقى من الجنود السودانيين.

 

يوم الأربعاء الماضي قال الفريق أول على سالم وزير الدولة بوزارة الدفاع السودانية في تصريحات للصحفيين في البرلمان: “نحن هذه الأيّام نعكف على دراسات وتقييم عن مشاركة القُـوَّات السودانية في اليمن، وتشمل جوانب مختلفة سلبيات وإيجابيات المشاركة ومن ثم يتم اتخاذ قرار يعود لمصلحة البلد واستقراره”.

 

هذا التصريح الرسمي جاء بعد أيّام من تسريب أخبار عبر وسائل إعلام مقربة من النظام السوداني تحدثت عن قرار نهائي تم اتخاذه بالانسحاب من اليمن وكذلك بعد أيّام من أَكْبَـر دعوة سياسية في السودان تمثلت في بيان كتلة التغيير التي تضم 39 نائباً في البرلمان السوداني الذي طالب بانسحاب القُـوَّات السودانية من اليمن.

 

وفي هذا السياق نشرت صحيفة “رأي اليوم” اللندنية خبراً وصفته بالحصري وقالت: إن الحكومة السودانية أبلغت السعودية بصفة رسمية أنها لا تنوي تجديد القُـوَّات العسكرية السودانية التي تشارك بالتحالف ضد اليمن في شهر يونيو المقبل وفقاً للبروتوكول العسكري المتفَق عليه في غرفة العمليات.

 

ورغم أن الخبرَ يعني نيَّــةَ السودان الحفاظ على ما تبقى من جنوده في اليمن، ولكن دون إرسال قُـوَّات إضافية كما كان الاتّفاق، لكنه يعني وجود تغير حقيقي في الموقف السوداني من العدوان على اليمن.

 

وفقاً لكثير من السياسيين والمراقبين بينهم سودانيون، فإن القرار السوداني يتعلق بشعور نظام البشير بأن النظامين السعودي والإماراتي لم يقدما المالَ الكافي الذي يماثل حجمَ مشاركة السودان في العدوان في وقت يعاني الاقتصاد السوداني في شتى الجوانب مشاكل غير مسبوقة، ومن جانب آخر يأتي الابتعادُ السوداني عن المحور السعودي الإماراتي في سياق تأثير الأزمة الخليجية وقرب النظام السوداني من نظيرَيه القطري والتركي في مواجهتهما مع النظامين السعودي والإماراتي.

 

 

 

رعب سعودي من الانسحاب السوداني

التوجه السوداني نحو الانسحاب من اليمن والحدود السعودية أثّر بشكل كبير على النظام السعودي وأظهر أنه يعيش حالة رعب من احتمال أن ينسحب السودان فعلاً، فأوعز لمختلف وسائله الإعلامية الرسمية والخاصة بتنفيذ حملة إعلامية واسعة غرضها “التطبيل” للجيش السوداني والإشادة به، وهو ما يحمل مؤشراً آخر بأن النظام السعودي في طريقه للاستجابة لما يوصف بأنه “ابتزاز سوداني” للحصول على المزيد من الأموال، خصوصاً أن سياسيين سودانيين مقربين من نظام البشير تحدثوا عن إمكانية الانسحاب مبدين انزعاجهم من أن الدعم السعودي للسودان لا يتناسب مع حجم “تضحيات” الأخير في اليمن.

 

ورغم أن الحكومة السودانية -عبر وزير الدولة في وزارة الدفاع- صرحت رسمياً أنها تجري مراجعة لمشاركتها في العدوان على اليمن، وأنها ستعلن نتيجة تلك المراجعة فور الانتهاء منها، إلا أن النظام السعودي وانطلاقاً من حالة الهلع التي يعيشُها وخوفه من تأثير تلك الأخبار على معنويات جنوده في الحدود أَوْ مرتزقته في اليمن، جعلته يتخطّى كُـلّ الأعراف ويعلنُ بنفسه بقاء القُـوَّات السودانية ضمن تحالف العدوان.

 

وفي هذا السياق أذاعت قناة الإخبارية الرسمية السعودية خبراً يقول: إن “السودان تعلن استمرار مشاركتها في التحالف” دون أن تورد مصدر الخبر الذي نفاه مصدر بالحكومة السودانية في تصريح لصحيفة محلية.

 

أما في سياق “التطبيل” السعودي للقُـوَّات السودانية لإقناعها بالبقاء، فقد أضافت الإخبارية السعودية قائلة إن “القُـوَّات السودانية تعتبر ركيزةً هامة للتحالف وتأتي مشاركتها ضمن دورها في مكافحة الإرْهَاب ضمن تحالف تقوده المملكة كأحد أبرز شواهد للعلاقات القوية التي تربط البلدين تأريخياً”، بحسب قولها.

 

كما زعمت القناة أن “الآلاف من المواطنين اليمنيين تفاعلوا على وسائل التواصل الاجتماعي مع الدعم الكبير الذي تقدمه القُـوَّات السودانية في اليمن”. وفشلت القناة في أن تعرض منشوراً واحداً لأي يمني في مواقع التواصل يثبت صحة الخبر الذي اختلقته ونسبته لليمنيين للتغطية على الرعب السعودي من التخلي السوداني.

 

وشاركت قناة العربية السعودية حملة “التطبيل” وقامت على نحو غير مسبوق ببث “فلاشات” للقُـوَّات السودانية على مدار الساعة، قبل أن تستدعي خطاباً للرئيس السوداني عمر البشير وهو يقول إن مشاركة بلاده في العدوان على اليمن “فرضتها قيمنا الدينية، وموروثاتنا الأَخْلَاقية في مناهضتنا للإرْهَاب” وهو الخطاب الذي ألقاه البشير في بداية العدوان، لكن القناة السعودية وجدت فيه مخرجاً لإزالة القلق وتخفيف الرعب الذي طرأ على النظام السعودي وطمأنة قُـوَّاته في الحدود حتى لا ينعكس خبر نوايا الانسحاب على معنويات الجيش السعودي.

 

كما بثت القناة خبراً آخر اعتقدت أن استدعاء أسطوانة “حماية الحرمين” وتذكير البشير بها يمكن أن يشكلَ ضغطاً على السودان؛ كي لا يظهر أنه “تخلى عن الحرمين”، حيث أشارت العربية إلى أن البشير أكّـد أَكْثَـر من مرة أن “الجيش السوداني باقٍ حتى تعود الأمور إلى نصابها؛ لأنَّ خطر ميليشيات الحوثي يطال السعودية أيضاً، والسعودية خط أحمر نحنا بنحارب؛ دفاعاً عن أرض الحرمين هناك”، بحسب قوله.

 

في الصحافة السعودية الورقية، شاركت الصحفُ السعودية في حملة “التطبيل” والتذكير بمتانة العلاقة بين السعودية والسودان، وراحت تصف أن الحديث عن الانسحاب السوداني من العدوان مجرد حملة يقف وراءها كُـلٌّ من قطر والإخوان المسلمين والحوثيين.

 

وخصصت صحيفة “الحياة ” السعودية صفحة كاملة تضمنت خمسة مواضيع كلها للسودان، ومنها أن الصحيفة رصدت 692 ألف منصة إعلامية، وهو رقم خيالي، قالت إنها تداولت خبر انسحاب السودان من العدوان وقالت إن تلك المنصات التي تقترب من 700 ألف منصة تقف وراءها قطر والحوثيين، هذا الرقم الذي تجاوز الخيال والذي يصعب على صحيفة أن ترصده في يومين كما زعمت بنفسها، يؤكّـد مستوى الهلع والقلق الذي يشعر به النظام السعودي.

 

كما تناولت الصحيفة ما وصفته “العلاقات السعودية السودانية شراكة قائمة وممتدة” لتسهب في الحديث عن جوهر تلك العلاقات وبعدها الديني ومحاولات استهدافها لكنها لم توضح عمّا إذَا كان تصريح الدفاع السودانية عن مراجعة دور السودان في العدوان على اليمن يعد ضمن الحملة القطرية وحملة من تصفهم الحوثيين؟، خصوصاً أن النظام السعودي لم يعد يعترف بمواقف الدول ويقوم هو بإعلان المواقف نيابة عنها.

 

 

 

إبادة فرق سودانية في اليمن

بغض النظر عمّا إذَا كان الإفصاح السوداني عن مراجعة دور قُـوَّاتهم في اليمن ينطلق من قناعة حقيقية بضرورة تقييم الموقف أَوْ بغرض ابتزاز النظامين السعودي والإماراتي، إلا أن ثمة معطياتٍ أُخْــرَى قد تجعل السودان مجبراً على الانسحاب من اليمن والحدود السعودية وليس مخيراً، لسببين رئيسيين أولهما تنامي المعارضة السياسية والشعبية في السودان لمشاركة قُـوَّاتهم في العدوان على اليمن والثاني حجم خسائر القُـوَّات السودانية المتنامي في اليمن.

 

في هذا السياق يقولُ القيادي في حركة تحرير السودان “كمال كمبال” في مداخلة مع قناة روسيا اليوم إن “الخسائر التي يمنى بها الجيش السوداني في اليمن محزنة”، وأضاف أن “عدداً من البرلمانيين السودانيين أكّـدوا أن الحوافز المالية التي يحصل عليها السودان من التحالف لا تساوي حجم الخسائر التي يتكبدها الجيش السوداني”.

 

وأشار كمبال إلى أنه على سبيل المثال “الفرقة التاسعة مظليين التابعة للجيش السوداني قتلت بكامل أفرادها في المعارك الأخيرة باليمن”.

 

والحقيقةُ أن خسائرَ الجيش السوداني في اليمن وحدود السعودية ومقتل وإصابة الآلاف من الجنود السوداني الذين ينتمون لآلاف الأسر السوداني انعكس وعياً على المجتمع السوداني الذي بات ينظر بعين الخطر تجاه ما يحدث لأبنائه في اليمن، وبالتالي سيكون النظام السوداني أن يختار بين الموقف الشعبي وبين أموال دول الخليج التي لا يمكن أن تدوم وهو ما أثبتته الأيّام من خلال الأزمة الاقتصادية التي ضربت السودان بشكل غير مسبوق رغم أنه يساند العدوان منذ أَكْثَـر من ثلاثة أعوام.

قد يعجبك ايضا