السعوديّة: المشاريع “النائمة” والتحدّيات الاقتصاديّة

موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية || الوقت التحليلي

لا تبدو الرياض في أحسن أحوالها سياسيّاً واقتصاديّاً، المملكة النفطيّة التي يتزّعمها الأمير الشاب محمد بن سلمان تسير اقتصادياً، وفق أغلب التقارير الغربيّة، بخطا غير ثابتة تتشابه إلى حدّ بعيد مع الخطوات السياسيّة الجريئة وغير المحسوبة للأمير ابن سلمان.

 

ما زادّ طينة الوضع بلّة هو ما كشفه الرئيس الفرنسي فرانسوا ماكرون مؤخراً حول ملابسات اعتقال رئيس الحكومة اللبناني سعد الحريري وإجباره على الاستقالة، كلام ماكرون ينطوي على رسائل سياسيّة وأخرى اقتصادية.

 

بعيداً عن الرسائل السياسية، يعززّ كلام ماكرون الواقع المتراجع للاقتصاد السعوديّ، ويزعزع ثقة من تبّقت لهم ثقة بهذا الاقتصاد بغية الاستثمار. الضعف الاقتصادي، وبعيداً عن عشرات المليارات من العجز في الموازنة، وكذلك إلغاء مشاريع بمئات المليارات وفساد يوازي هذا الرقم، تبدو المشاريع السعودية المنجزة نائمة حسب وصف صحيفة الفايننشال تايمز.

 

الصحيفة المتخصّصة في الشؤون الاقتصاديّة تحدّثت في أحدث تقاريرها عن المدينة التي أطلقت قبل عقد من الزمن كجزء من مشروع بقيمة ثلاثين مليار دولار، معتبرةً أنها لم تصل إلى حدّ التوقعات، توضح الصحيفة أن المدينة لم تنجح في جذب الاستثمارات الأجنبية ولم تنجح أيضاً في إحداث 1.3 مليون وظيفة وكذلك لم تنجح في إضافة 150 مليار دولار إلى الناتج المحلي الإجمالي، نعم ما نجحت به هو خروجها بمدينة الملك عبد الله الهادئة والفارغة بعدد سكان لا يتجاوز سبعة آلاف نسمة، بينما كان هدفها أن تستقبل مليوني نسمة عام 2035.

 

التقرير الاقتصادي يعيد إلى الذهان حجم الانتقادات المتعلّقة برؤية 2030، وكذلك مشروع نيوم فإذا كانت التحديات السعودية أقلّ بكثير في المشروع السابق، وإذا كان حجم المشروع لا يقارن بمشروع نيوم وفشلت الرياض في تحقيق أهدافها، فماذا عن هذه المشاريع الضخمة؟

 

هناك مشكلة تعاني منها المشاريع السعوديّة بشكل عام حيث لا تتعدّى على أرض الوقع واحداً من عشرة عن تلك الأرقام التي على الأوراق أو حتى التي يتم تداولها في وسائل الإعلام، يلعب الإعلام السعودي الحكومي بالكامل دوراً في تضخيم حجم هذه المشاريع، وعوائدها الاقتصاديّة لأهداف سياسيّة، ابن سلمان رفع مستوى تطلعاته أكثر بكثير من تلك التي أقدم عليها أسلافه للبدء بمشروع المدينة النائمة، وبالتالي حجم الفجوة قد يبدو أكبر بكثير أيضاً.

 

أضف إلى ذلك أنّه منذ قدوم ابن سلمان إلى الحكم، وجميع الأحاديث المتعلّقة بتنوع مصادر الدخل والاعتماد على النفط، لم تطبّق على أرض الواقع عدا تلك الأموال التي نجح ابن سلمان في الحصول عليها من المعتقلين.

 

القطاع الخاص والاستثمارات الأجنبيّة

 

لا يختلف اثنان على احتواء رؤية 2030 تطلعات كبرى، ولكن تنتظرها في الوقت عينه تحدّيات أكبر حيث تشير كل الظروف الاقتصاديّة السعوديّة، مدعومةً بعشرات التقارير الاقتصاديّة التي هاجمت رؤية 2030 وغيرها من طموحات ابن سلمان، إلى تعويل حكومي على دور القطاع الخاص الذي يحتاج إلى ضمانات أساسيّة من جانب الحكومة وفق الخبير بالاقتصاد السياسي للدول الخليجية في كلية لندن للاقتصاد، ستيفن هيرتوغ.

 

في الحقيقة إحدى الحلقات الشائكة في رؤية ابن سلمان تتعلّق بالقطاع الخاص والاستثمارات الأجنبيّة، ولعلّ هذه الحلقات قد زادت تعقيداتها بعد جملة من التصرفات التي أقدم عليها ابن سلمان سياسياً، ولكنها كانت مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالأمن الاقتصادي للاستثمار.

 

القطاع الخاص حتى بعد حصوله على ضمانات اقتصاديّة يخشى من تكرار تجربة اعتقال الأمراء ورجال الأعمال في قصر “ريتز كارلتون”، وبالتالي خسارتهم جميع أموالهم بتهم بعضها قد يكون صحيحاً، والآخر ملفّقاً. المشكلة أن محاكمة هؤلاء لا تتم بصورة علنية أو سرية، حيث لا يتمّ عرضهم على قضاء مستقلّ، ويكونون أمام خيارين لا ثالث لهما، إما التنازل عن كلّ ممتلكاتهم أو البقاء في السجن إلى أجل غير مسمّى، ضعف القطاع الخاص يمكن ملاحظته بشكل جيّد في طفرة الشركات السعودية التي باتت تعاني من ركود اقتصادي وإجراءات تقشف حكومية.

 

وأما الاستثمارات الأجنبية التي تبدو أقلّ اندفاعاً من تلك الداخليّة، تُضاف إلى خشيتها من عمليات الطرد التعسّفي والسياسي الذي تعرّض إليه الكثيرون، ولاسيّما في العامين الماضيين، أدرك ابن سلمان واقع التطلّعات في رؤية 2030 وهو ما دفعه لإجراء بعض التعديلات وتأجيل بعض المشاريع وإلغاء بعض الآمال، فقد أظهرت المجموعات الأجنبية تردداً في الاستثمار خارج قطاع الطاقة، العديد من الشركات المستثمرة مدعومةً سياسياً للحؤول دون أي هجوم غير متوقّع من ولي العهد السعودي.

 

هناك مشكلة أخرى تتعلّق بالاستثمارات الخليجية حيث كشفت الأزمة القطرية جانباً إضافياً للمستثمرين الخليجيين الذين يخشون من الوقوع بين مطرقة ابن سلمان وسندان دولهم.

 

في الخلاصة، ورغم أن أهم التحدّيات لرؤية 2030 وكلّ المشاريع التنموية تتعلّق بالشقّ الاقتصادي، وابتعادها عن الواقع نوعاً ما، إلا أنّه لا يمكن التغافل عن التحدّيات السياسية التي تعدّ عائقاً بارزاً أمام تطلّعات ابن سلمان، بلومبرغ اختصر المسألة حول رؤية 2030 بكلمتين: “ستصطدم بالواقع”.

قد يعجبك ايضا