حسابات ابن سلمان وتعلّم دروس القمع من الإمارات

موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية || الوقت التحليلي

 

عادة ما يكون شهر رمضان المبارك في السعودية شهراً للعفو والمغفرة، ولكن عوضاً عن إصدار أحكام عفو عن السجناء مع بداية الشهر الفضيل، أرسل ولي العهد محمد بن سلمان أكثر من 1000 شخص إلى السجن منذ سبتمبر / أيلول الماضي.

 

ومع بداية شهر رمضان تسرّبت للإعلام أخبار من المملكة تتحدث عن اعتقال 17 ناشطاً حقوقياً بينهم نساء شاركن في أول حملة لرفع الحظر عن قيادة المرأة للسيارات قبل عقدين، وتم سجنهن بسبب تحديهن للسلطات.

 

وكان لافتاً أن الاعتقال جاء قبل حوالي شهر من سريان مفعول القرار الذي أصدره محمد بن سلمان والذي سمح من خلاله للمرأة بقيادة السيارة، ورأت صحيفة “نيويورك تايمز” أن لا تفسير لحملة الاعتقالات القاسية الأخيرة في السعودية، إلا كونها محاولة من ولي العهد محمد بن سلمان لنسب الإصلاحات التي ينفذها إلى نفسه لا إلى النشطاء أو إلى ضغوط غربية.

 

وكانت منظمتا هيومن راتيس ووتش والعفو الدولية، أصدرتا بيانات أدانتا فيها السلطات السعودية بعد اعتقالها لهؤلاء النشطاء.

 

حاول ابن سلمان إظهار نفسه على أنه مصلح اقتصادي – اجتماعي يريد أن يحرّر المجتمع من القيود ويزيد من حجم الاستثمارات في البلاد، لكن باعتقاله نحو 200 من رجال الأعمال والمسؤولين الأثرياء، واحتجازهم في فندق الريتز كارلتون، وإجبار الكثير منهم على دفع مبالغ كبيرة للإفراج عنهم، فضلاً عن اعتقال النشطاء، يكون ابن سلمان قد شوّه صورته أمام المجتمع الداخلي والرأي العام العالمي، وأبعد المستثمرين عن بلاده عوضاً عن جذبهم.

 

أما حملات الاعتقال فقد كان لها نتائج سلبية على الداخل السعودي، حيث يخشى المواطنون اليوم استخدام أجهزة الهاتف للحديث عن أي موضوع سياسي، وعوضاً عن ذلك يستخدمون شبكات اجتماعية خاصة وخدمات اتصالات مشفّرة، ومع ذلك بدأ بعضهم بحذف حساباته على موقع “تويتر” خوفاً من الملاحقة أو الاعتقال.

 

وهكذا، في أقل من عام، تولّى محمد بن سلمان السيطرة على جميع وسائل الإعلام والمؤسسات والأعمال، وبدأ يعطي لهم ما يريد وما يشاء بحسب تطلعاته الشخصية، وفي نفس الوقت قام بإزاحة جميع رجال الدين والأمراء الذين كانوا تحت تصرفه.

 

ومن هنا يمكننا أن نتلمّس بأن ابن سلمان يسعى لأن يقود بلاده على الطريقة الإماراتية التي تقول ” طالما أنّ الناس لا يتحدثون بالسياسة، امنحهم المزيد من الحريات الاجتماعية”.

 

وبحسب مصادر مطّلعة فإن محمد بن سلمان أعاد تشكيل قوات الأمن من جديد على مستوى القيادات وقام بتجنيد ضباط مصريين سابقين لمتابعة المعارضين، ويستخدم ولي العهد أي وسيلة لتبديد أو تشويه الخصوم والناشطين، وقد تمّ توظيف العديد من الشركات الغربية المتخصصة في العمليات النفسية والمساهمة في تكوين الرأي العام في هذا الصدد.

 

ومن بين هذه الشركات، نذكر شركة “كامبريدج أناليتيكا” شركة فرعية تابعة للمجموعة المشتركة “SCL”، والتي كان لها دور في فوز دونالد ترامب في انتخابات عام 2016.

 

وقبل الإعلان عن الإصلاحات التي أجراها محمد بن سلمان، أجرت “SCL” العديد من الاستطلاعات التي تركز على المواطنين السعوديين العاديين، ونتيجة الاستطلاعات أعطت أدلة كثيرة على عدم الرضا على نطاق واسع من قبل الشعب عن النظام الملكي وطريقة تعامل النظام السعودي معه.

 

استراتيجية العزم

 

انعقد قبل ثلاثة أيام الاجتماع الأوّل لمَجلس التَنسيق السعوديّ الإماراتيّ في مدينة جدّة، وتمخّض الاجتماع على الخروج بـ “استراتجية العزم” والتي تم من خلالها التوقيع على 60 اتِّفاقاً لإقامَة 44 مَشروعاً استراتيجياً مُشتركاً للبُنى التحتيّة في مَجالات الأمن والصناعات العَسكريّة والنفط والغاز والاستثمارات الداخليّة والخارجيّة لتَحقيق التَّكامُل بين البَلدين، ومن المقرر أن تستمر آلية العمل المشتركة هذه خلال السنوات الخمس المقبلة بين البلدين من خلال مجموعة من المشاريع النوعية ضمن المجالات ذات الأولوية لكلا البلدين، حيث استغرق التنسيق حوالي 12 شهراً تقريباً، وستستغرق 60 شهراً للتنفيذ.

 

هذه الاستراتيجية توحي إلى حد كبير بأن ابن سلمان يسعى لنقل تجربة الإمارات إلى بلاده، ولكن إلى أيّ مدى يمكنها أن تعيش في المملكة، وهل سيتقبّلها المجتمع المحافظ داخل البلاد؟!

 

ومن الدلالات الأخرى لمجلس التنسيق الجديد والذي تزامن اجتماعه الأول مع الذكرى السنوية الأولى للأزمة الخليجية، والتي على ما يبدو أن السعودية ماضية في إشعالها من جديد، من خلال محاصرة قطر واستبعاد جميع الدول التي كانت على الحياد من هذا التنسيق وكذلك الدول الضعيفة، لتشكيل حلف جديد قوي مادياً إلى أبعد الحدود، ولكنه ومع ذلك لم ينجح في حصار قطر ولم ينجح في تحقيق ما يريده من اليمن، ولا تخلو تجربة اليمن من مشكلات خفيّة بين الإمارات والسعودية، تخفيها المصالح المشتركة في الوقت الحالي، ومنها محاربة “ايران” ومنعها من النفوذ في المنطقة، ولكن ومن سوء حظ ابن سلمان وابن زايد أنهما كلما دخلا في حرب جديدة لإثبات نفسيهما وطموحهما الشاب يعودان بالخذلان، لأن الطموح الذي يبحثان عنه بعيد عن الواقع ولا يمكن تحقيقه في ظل عدم وجود استراتيجية واضحة ومنطقية مبنية على العوامل “الجيوسياسية والسياسة” للدول التي يقومان بمحاربتها.

قد يعجبك ايضا