دعوات «مُبهَمة» إلى التحقيق: من ينصف أطفال صعدة؟

|| صحافة عربية ودولية || الأخبار اللبنانية

تسارعت، أمس، الدعوات الدولية إلى التحقيق في مجزرة ضحيان التي أودت بحياة 51 طفلاً. دعوات لا تبدو ترجمتها على الأرض قابلة للتحقق، في ظل وقوف مجلس الأمن والأمم المتحدة في صفوف المطالِبين لا المبادرين إلى الفعل

 

في اليوم التالي للمجزرة التي ارتكبها تحالف العدوان في محافظة صعدة، وجدت السعودية نفسها محاصَرةً بوابل من المواقف المُندّدة والداعية إلى التحقيق في مذبحة ضحيان. مواقف لا يُعلم، إلى الآن، إن كانت ستسهم في الدفع بالمسار السياسي قدماً، وسط حديث عن «احتمال حقيقي» لقيام الكونغرس بتقييد التدخل الأميركي في اليمن. لكن التجارب السابقة التي خَبِرها اليمنيون عقب كل فاجعة كانت تلمّ بهم، لا تبشّر بتحوّل السخط الدولي على الضربات العشوائية السعودية إلى قوة ضاغطة باتجاه إنجاح جهود المبعوث الأممي، والتي لا يبدو حتى الساعة أنها دخلت طوراً جدياً يمكن من خلاله التوطئة لإنهاء الحرب.

وأعلنت وزارة الصحة في حكومة الإنقاذ، أمس، وصول الحصيلة غير النهائية لمجزرة ضحيان إلى 51 قتيلاً بينهم 40 طفلاً، و79 جريحاً بينهم 56 طفلاً. وأشار وزير الصحة، طه المتوكل، في مؤتمر صحافي، إلى أن الحصيلة مُرشَّحة للارتفاع بسبب وجود مجهولين ومفقودين «لم يتمّ التعرف إليهم»، عازياً ذلك إلى «تناثر أشلاء الضحايا فوق أسطح المنزل وفي الأماكن المجاورة لمسرح الجريمة، واختلاط الأشلاء مع بعضها». ولفت مدير مكتب الصحة في صعدة، يحيى شايم، من جهته، إلى أن «وقت الجنازات لم يتحدّد بعد»، مُرجِعاً التأخير إلى أن «هناك أشلاء كثيرة ومتناثرة. وما زلنا نتحقق من الهويات». لكن رئيس «اللجنة الثورية العليا»، التابعة لـ«أنصار الله»، محمد علي الحوثي، أورد سبباً آخر هو إفساح المجال أمام بدء تحقيق في الجريمة. وقال الحوثي، في تغريدات على «تويتر»، إنه «تم التواصل مع آباء الأطفال والشهداء وذويهم للتريث في الدفن»، بهدف «ترك فرصة أمام دعوة الأمين العام للأمم المتحدة والمبعوث الأممي والمنظمات الدولية التي دعت إلى التحقيق».

أعلنت السعودية فتح تحقيق في ما سمّتها «الأضرار الجانبية» لعملية ضحيان

وكان الأمين العام للمنظمة الدولية، أنطونيو غوتيريش، دعا، إلى «إجراء تحقيق فوري ومستقل» في مذبحة ضحيان. وهو ما رحّبت به «أنصار الله»، مُبدِيةً «استعدادها للتعاون»، ومُتوجِّهةً كذلك بالشكر إلى «كل من السويد وبوليفيا وهولندا وبيرو وبولندا على التفاعل الإنساني، بقيامها بالدعوة إلى جلسة مغلقة لمجلس الأمن». جلسة أسفرت، وفقاً لما أعلنته المندوبة البريطانية لدى الأمم المتحدة كارين بيرس مساء أمس، عن الدعوة إلى «تحقيق نزيه وشفاف»، ذهب باتجاه الحضّ عليه أيضاً وزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط، أليستر برت، الذي طالب «كل الأطراف بالتعاون مع الأمم المتحدة للتوصل إلى حل سياسي دائم». وحثّ الاتحاد الأوروبي، من جهته، «كافة الأطراف على التركيز على استئناف المفاوضات تحت قيادة المبعوث الأممي، مارتن غريفيث»، الذي شدد بدوره على ضرورة «بذل المزيد من الجهود لإنهاء النزاع». وجاءت تلك التصريحات بعدما دعت الولايات المتحدة، حليفتها السعودية، إلى «إجراء تحقيق معمّق وشفاف» في ما سمّته «هجوماً تسبّب في مقتل مدنيين».

اللافت في ما تقدم من دعوات ومطالبات هو طغيان طابع العمومية والفضفضة على أغلبها، وهو ما يجعلها أقرب إلى «رفع العتب» منها إلى الموقف الجاد. إذ ليس ثمة طرف محايد ومستقل تُوجّه إليه الدعوة بالتحقيق، بل إن الأمم المتحدة التي يُفترض بها أن تلعب هذا الدور وضعت هي الأخرى نفسها موضع الطرف غير القادر على الفعل. أما الولايات المتحدة فكانت الأكثر صراحة بتحديدها «التحالف» وحكومة عبد ربه منصور هادي المسؤولَين عن التحقيق، مع ما يعنيه ذلك من نتيجة محسومة سلفاً لن تفارق حالة التنصل التي اعتادتها السعودية في كل المواقف المشابهة. تنصّل مهّدت له الرياض، أمس، بتوصيفها مجزرة ضحيان بأنها «أضرار جانبية» جراء «إحدى عمليات قوات التحالف المشتركة في محافظة صعدة»، الأمر الذي يشي بأن السعودية ستكرّر – عقب «التحقق من ظروف العملية» – سرديتها التضليلية حول آثار «غير مقصودة» تسببت بها الإغارة على «هدف عسكري مشروع»، مُحمِّلةً الطرف اليمني المناوِئ لها المسؤولية.

مع ذلك، يقرأ مراقبون غربيون في موجة الإدانة الدولية لمجزرة ضحيان مؤشراً إلى أن «الحرب تصبح على نحو متزايد غير شعبية لدى المجتمع الدولي»، وفقاً لما يرى مثلاً الخبير في شؤون الشرق الأوسط سيغورد نيوباور، في حديث إلى «فرانس برس». لكن يبقى العنصر المرجِّح في مآل تلك الموجة هو الموقف الأميركي، الذي يبدو منقسِماً بين البيت الأبيض والكونغرس حيث «الاستياء تجاه السعودية آخذ بالتنامي» بحسب ما يعتقد بيري كاماك من «مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي»، مُتحدثاً عن «احتمال حقيقي لأن يتحرك الكونغرس بطريقة هادفة لتقييد تدخل الجيش الأميركي في الحرب اليمنية». تحرك لن يكون الأول من نوعه؛ إذ سبقته خطوات مماثلة سرعان ما أُجهِضت بفعل ضغوط المجموعات الداعمة لاستمرار الحرب، بوصف الأخيرة فرصة تكسّب. ومن هنا، تتضاءل إمكانية المراهنة على بروز تطورات داخل الولايات المتحدة يمكن أن تلجم جماح إدارة دونالد ترامب، أقلّه قبيل الانتخابات النصفية المقرّرة في تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل.

قد يعجبك ايضا