العدوان السعودي على اليمن

موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية || الوقت التحليلي

 

شكّل العدوان السعودي على الشعب اليمني أسوأ كارثة إنسانيّة في القرن الواحد والعشرين، وأسس لبروز قوّة عسكريّة يمنية صاعدة نجحت بإخراج صنعاء من الفناء الخلفي للرياض، وفق ما كانت تعتقد الأخيرة، اللافت فشل الضغوط الدولية في وقف العدوان على اليمن في ظل الدعم الأمريكي المتمثل بالغطاء السياسي مقابل صفقات السلاح التي تقدّر بمئات المليارات من الدولارات في ظل غياب الأرقام الدقيقة، نسعى في هذا الملف إلى تقدير صورة عامّة عن أبرز المحطّات التي شهدها العدوان على اليمن منذ انطلاقته مع الإشارة إلى جولات المفاوضات التي لم تسجّل أي تقدّم ملحوظ يساعد على الحدّ من معاناة الشعب اليمني.

 

عاصفة الحزم

 

أعلنت السعوديّة بتاريخ 25 آذار/مارس 2015 بدأها العدوان على اليمن تحت مسمّى عاصفة الحزم، لتتغير التسمية بتاريخ 21 أبريل 2015 إلى” إعادة الأمل” ودن أن يتغيّر أي شيء على الأرض سواء من الناحية الميدانية، أم من الناحية الإنسانية والأوضاع الصعبة التي عانى منها اليمنيون.

 

نجح الشعب اليمني في صدّ العدوان السعودي دون أن يحقّق الأخير أيّاً من أهدافه المذكورة، بل بدأت القوات اليمنية برسم المعادلات التي انطلقت مما وراء الحدود ووصلت اليوم إلى ما بعد الرياض عبر ترشيح معادلة شاملة برّاً وبحراً وجوّاً.

 

لم تلقَ المطالبات الدوليّة للرياض بوقف العدوان واللجوء إلى المفاوضات آذاناً سعوديّة صاغيّة، لتبدأ القوات اليمنية بتاريخ 8 يونيو/ حزيران 2015 برسم المعادلات فكان عنوان المرحلة الأولى “العمق الاستراتيجي السعودي”، القوات اليمنية التي استخدمت سياسة التصعيد التدريجي تنفيذاً لمقولة “الصبر الاستراتيجي” في وجه العدوان، زجّت بصواريخ سكود بعد حوالي شهرين ونصف على الحرب وإعلان التحالف السعودي عن تدمير القدرات الصاروخية للجيش اليمني قراراً مفاجئاً لقوات التحالف فضلاً عن كونه ينذر بتحوّل خطير للسعودية نظراً لامتلاك الجيش اليمني المئات منها في تلك المرحلة التي حملت في طياتها رسائل ما فوق استراتيجية عبر استهداف قاعدة خالد بن عبد العزيز الجوية في مدينة “خميس مشيط” جنوب السعودية والتي تعتبر من أهم القواعد الجوية، وتكون حتى ذلك الوقت علامةً فارقة في مجرى الحرب.

 

الاستهداف اليمني كشف فشل العدوان السعودي من ناحية، وفضح الادعاءات السعودية التي أعلنها المتحدث باسم التحالف العميد أحمد العسيري حول تدمير القدرة الصاروخية للجيش اليمني وأنصار الله إبان انتهاء ما يسمى بعاصفة الحزم من ناحية أخرى، ليكون الصمت سيّد الموقف في الإعلام السعودي قبيل إعلان أنصار الله عن استهداف القاعدة الجوية، ولكن السعودية ما لبثت أن أعلنت تدمير الصاروخ اليمني عبر صواريخ باتريوت بعد مقطع الفيديو الذي نشره الإعلام الحربي لأنصار الله.

 

معادلة العمق السعودي وجنيف 1 (يونيو/حزيران 2015)

لطالما حاولت السعودية إبعاد الجبهة الداخلية عن آثار الحرب مستفيدةً من عزم أنصار الله على تحييد المدنيين واقتصار ردّه على المنشآت العسكرية الحدودية، لكن استخدام صواريخ أرض ـ أرض من مديات مختلفة قادرة على تحقيق إصابات مدمرة في البنى التحتية العسكرية والمدنية والنفطية، شكّل ورقة ضغط قويّة على الرياض وفرض واقعاً جديداً يحتّم على السعودية القبول بالمفاوضات بين المكونات اليمنية دون أي شروط مسبقة، وقد ظهرت بالفعل نقمة السعودية إزاء هذه المعادلة الجديدة حيث باشرت القوات السعودية فور استهداف قاعدة الخميس الجوّية بارتكاب المجازر بطريقة أكثر وحشية من ذي قبل ما أسفر عن سقوط 25 ضحية على الأقل، وذلك بعد ساعات فقط على إطلاق صاروخ السكود.

 

بعد أيّام على المرحلة اليمنية الجديدة، والأفول الميداني الواضح للتحالف السعودي، ووسط ارتفاع لأصوات المنظمات الدولية المعترضة على الأوضاع الإنسانيّة للشعب اليمني، رضخت السعوديّة لخيار المفاوضات بعد أن كان مرفوضاً بالمطلق، لتبدأ جولة المفاوضات الأولى غير المباشرة في 16 يونيو 2015، عبر مؤتمر جنيف بشأن اليمن الذي كان أوّل مؤتمر دولي تدعمه الأمم المتحدة للمفاوضات بين الأطراف اليمنية، ويفتتح الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون محادثات السلام اليمنية في جنيف بالدعوة إلى وقف إطلاق النار لأسباب إنسانية.

 

المفاوضات التي كان من المقرّر أن تنطلق في 14 يونيو تأجلت حوالي 48 ساعة بسبب عرقلة السعوديّة لرحلة وفد صنعاء الذي توجّه إلى جيبوتي، لتنطلق في 48 ساعة على وقع استمرار الغارات الجوية لتحالف العدوان، وتنتهي على وقع الغارات نفسها دون التوصّل إلى أيّ نتيجة، وقد قال وزير الخارجية في حكومة هادي في 19 يونيو “إن المفاوضات انتهت دون التوصل لأي اتفاق” بين وفد هادي من جهة ووفد صنعاء من جهة أخرى الذي تضمّن أعضاء من أنصار الله والمؤتمر الشعبي العام والحراك الجنوبي وحزب الحق وحزب البعث وحزب الكرامة.

 

عادت السعوديّة للميدان بعد تخدير المنظمات بالمفاوضات محاولة إلقاء اللوم على الجانب اليمني، لتحقّق المزيد من المجازر، ولم يعلو أي صوت على صوت الصواريخ والطائرات، وبدأت الرياض تعزف على سمفونيّة “تحرير” صنعاء منذ ذلك الحين.

 

مفاوضات مسقط (اغسطس/اب 2015)

 

انتهت مفاوضات جنيف اليمنية دون تحقيق مبتغاها، ودون التوصل إلى هدنة رمضانية على الأقل، فضلاً عن الفشل في تحقيق حلّ واستقرار سياسي يمني، لتتصدّر عُمان المشهد عبر إجراء مفاوضات سرية حضر فيه الجانب الأمريكي بقيادة آن باترسون مساعدة وزير الخارجية، المبادرة العمانيّة حينها قامت على نقطتين أساسيتين: أولهما إقناع طرفي النزاع بـ “هدنة إنسانية” تبدأ بعدها مفاوضات “وقف دائم لإطلاق النار”، والنقطة الثانية أن تستضيف مسقط جولات المفاوضات بمشاركة أممية وأوربية وأمريكية وضمانات دولية.

 

وبعد أخذ وردّ، وفشل السعودّية في تحقيق أهدافها الميدانيّة، وفي أغسطس/اب 2015، بدأت المفاوضات في سلطنة عمان الرامية إلى إيجاد حل سياسي، لكن ما لبثت أن توقّفت بعد الخرق الكبير الذي حققته قوى العدوان بالتعاون مع عملائها المحليين في مناطق الجنوب، يومها تصرفت السعودية ومعها قوى أخرى، بينها الإمارات، على أنه لا حاجة إلى المفاوضات، وأن الحملة العسكرية ستستمر وصولاً إلى استعادة السيطرة على صنعاء، وإخراج الحوثيين، وقد تولى الرئيس الفار عبد ربه منصور هادي التفسير الواضح بقوله للمبعوث الدولي إسماعيل ولد شيخ، إن الحملة سوف تستمر حتى تجريد «أنصار الله» من سلاحهم بصورة تامة، حينها تأكد وفد أنصار الله أنّه لا جدوى للمفاوضات في ظل عدم الالتزام السعودي، وقرر وفد صنعاء المكوّن من “أنصار الله” ومن حزب المؤتمر، الاستعداد للعودة إلى اليمن من سلطنة عمان، وأبلغوا ولد شيخ قرارهم، وكذلك أبلغوا المبعوثين: البريطاني والأوروبي والأمريكي، وغادر بعدها ولد شيخ إلى بلده، رافضاً العودة إلى السعودية، وإن برر سفره بأنه يريد عيادة والده المريض، لكنه كان قد عبّر لمن التقاه عن إحباطه من الموقف السعودي.

إثر ذلك، سارع الأمريكيون إلى التواصل مع عواصم معنية مباشرة بالأزمة اليمنية، بينها طهران وموسكو إلى جانب أبوظبي ولندن وبرلين، وتقرر في ضوء الاتصالات أن يجري الأمريكيون الاتصالات السريعة بالقيادة السعودية بغية عدم إقفال الباب أمام الحل السياسي.

في هذه الأثناء، تمنّت سلطنة عمان على وفد صنعاء عدم المغادرة، بينما لعب السفيران الأمريكي والبريطاني دوراً مباشراً في إطلاق محادثات، بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي، أفضت إلى طلب عودة ولد شيخ إلى المنطقة، واستفاد الأمريكيون من مناخات متقلبة داخل القيادة السعودية، أبرزها ظهور الخلافات بين ولي العهد محمد بن نايف وولي ولي العهد محمد بن سلمان حول طريقة التعامل في المرحلة المقبلة، حيث يصرّ ابن سلمان على مواصلة الحرب، بينما أعرب ابن نايف عن خشيته من تدهور يتجاوز الساحة اليمنية.

وبحسب المصادر، فإن وفد صنعاء، ومع قرار البقاء في مسقط، كان قد تبلغ من قيادته في اليمن أن مرحلة المواجهات العسكرية سوف تشهد تطورات مختلفة عن السابق، وحصل أن باشر الجيش واللجان الشعبية هجمات نوعية وواسعة النطاق داخل الأراضي السعودية، مع حصول مواجهات قاسية في مناطق قريبة جداً من مدن مأهولة بالسكان، أبرزها نجران وجيزان، وترافق ذلك مع لجوء الجانب اليمني إلى استخدام صواريخ بعيدة المدى، مع درجة عالية من الدقة في الإصابات التي استهدفت مواقع ومطارات ومحطة للكهرباء.

 

الفشل كان مصير مفاوضات مسقط، التي جاءت في الأساس استجابة للضغوط الدولية لإنجاز تسوية سياسية للأزمة، لاسيّما في ظل رفع السعوديّة لسقف المطالبات، هذا الفشل الذي ترافق مع فشل ميداني كبير إثر ضربة مأرب التي أودت بحياة المئات عندما أعلنت وزارة الدفاع اليمنية أن أفراداً من الجيش نفذوا عملية نوعية بإطلاق صاروخ باليستي من نوع “توشكا” على معسكر بمنطقة صافر لتعلن القيادة العامة للقوات المسلحة الإماراتية ارتفاع عدد قتلاها في اليمن إلى 45 جندياً خلال يوم الجمعة 4 أيلول/سبتمبر.

 

جنيف 2 (ديسمبر/ كانون الأول 2015)

 

مجدّداً ارتفع صوت الميدان، فوق كل الأصوات، واعتقدت السعوديّة أنها بسيطرتها على مدينة عدن ستحقّق أهدافها غافلة عن الظروف الميدانية والبيئة الجنوبية التي استغلت الدعم السعودي لتحقيق أهدافها لا الأهداف السعوديّة، لكن المجازر السعوديّة من ناحية وصلابة القوات اليمنية من ناحية أخرى أجبرت الرياض على العودة إلى المفاوضات لكن هذه المرّة بالرضوخ للهدنة ولو إعلامياً، بدأت الاستعدادات الدولية والإقليمية لإنجاح جنيف 2 في ضوء توجهات العواصم الكبرى نحو ضرورة تسريع الحل السياسي في اليمن بسبب تزايد انتقاد المنظمات الدولية للعمليات الحربية وتأثيرها على المدنيين وتفاقم الأوضاع الإنسانية والقلق. الأمم المتحدة ومبعوثها إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد كثّفا جهودهما لتهيئة الأجواء لإنجاح مفاوضات جنيف 2 من خلال ممارسة كل وسائل الضغط على الأطراف اليمنية.

 

وقبيل انطلاق مفاوضات سويسرا في منتصف ديسمبر/كانون الأول 2015،وجّهت قوات الجيش واللجان الشعبية في اليمن ضربة قاضية لقوى العدوان حيث قتل وأصيب مئات العسكريين من تحالف العدوان على اليمن ومرتزقته جراء صاروخ باليستي من نوع توشكا أطلقه الجيش اليمني واللجان اليمنية على مركز قيادة عمليات العدوان بباب المندب غربي اليمن، وقد أكد مصدر عسكري حينها وصول 146 جثة إلى عدن أغلبها متفحمة، مشيراً إلى التعرف على جثث 23 سعودياً و9 إماراتيين و7 ضباط مغاربة بينهم قيادات و42 عنصراً من شركة بلاك ووتر الأمنية الأمريكية، وتعترف الإمارات حينها بمقتل قائد قواتها في العدوان على اليمن سلطان محمد علي الكتبي، وكذلك تعترف السعودية بمصرع قائد القوة الخاصة السعودية.

 

أرادت صنعاء تلافي ما حدث في جنيف واحد ومسقط عبر التوهم السعودي بضعف أنصار الله وحضورهم مرغمين على طاولة المفاوضات، لتنفّذ طفرة بالستية عبر استهداف القوة الصاروخية للجيش واللجان مطار جيزان الإقليمي بصاروخ من نوع القاهر واحد، وبالتالي تكون المرّة الأولى منذ بدء العدوان التي تستخدم فيها قوات الجيش واللجان الشعبية خلال 24 ساعة 3 صواريخ بالستية، السعودية من جانبها، وكما في كلّ مرّة، استبقت بدء الهدنة بمجازر عدّة ففي محافظة حجة شمال اليمن قصفت الطائرات منازل مواطنين وسوقاً ما أدّى إلى استشهاد 19 شخصاً، وأفاد سكّان قرية الحجاورة في حجة، بأنَّ غارات جوية عدّة أسفرت عن مقتل 12 شخصاً داخل منازلهم، وإصابة 30 آخرين، فيما أسفر هجوم على سوق في حي قباطــية إلى مقتل سبعة مدنيين.

 

في بيل بسويسرا ظلت الوفود مجتمعة لمدة أسبوع وكان السفير الأمريكي حاضراً في هذه المفاوضات وكان الوفد اليمني في الرياض (وفد منصور هادي) يطلب من وفد صنعاء تسليم الأسرى من دون أن يسلم وفد منصور هادي الأسرى الذين لديه، ومن اليوم الثاني لمفاوضات “بيل” بدأ التحالف بتنفيذ زحف بري واسع على صحراء الجوف وأدى ذلك إلى سقوط العديد من المواقع بيد التحالف رغم الهدنة التي ما زالت معلنة، واعتبرت الشرعية أن التقدم الذي حصل لمصلحتها في الجوف لم يكن بعلم الشرعية، لم يرّد أنصار الله على نقض التحالف للهدنة وقبلوا بتبرير الشرعية وقبلوا بالعودة إلى الهدنة من جديد.

 

وبعدها جاء السفير الأمريكي في نهاية شهر ديسمبر وأخبر وفد صنعاء بعدم تجديد بقاء الوفود المتفاوضة للأسبوع الأخير من ذلك الشهر، غير أن السلطات السويسرية أكدت حينها أنه يمكن أن تجدد بقاء الوفود واستمرار استضافتها لما فيه مصلحة اليمنيين وكان وفد صنعاء ووفد الرياض والأمم المتحدة موافقون على استمرار المفاوضات إلا أن السفير الأمريكي رفض الاستمرار في المفاوضات وتحجج بأعياد رأس السنة الميلادية.

 

المفاوضات التي كان من المقرّر أن تستمر لمدّة أسبوع انتهت قبل وقتها، وتحديداً في 20 ديسمبر/ كانون الثاني، ليتمّ إرجاء محادثات جنيف2 إلى منتصف يناير/كانون ثاني المقبل، وهو ما اعتبر فشلاً واضحاً للمفاوضات التي انتهت في سويسرا كما بدأت، دون التوصل إلى تسوية لحل الأزمة المتصاعدة منذ 9 أشهر، هذه المرّة كما في المرات السابقة حقّقت الرياض تقدّماً لم يستمر طويلاً في فرضة نهم في صنعاء، لتنسف المفاوضات، ولكن ما لبث أن عاد الوضع الميداني إلى ما كان عليه، ولكن بعد أن نسفت المفاوضات.

 

عقب فشل المفاوضات، بدأت الأنظار تتجه مجّدداً إلى جبهات القتال تارة، وإلى المجاز السعوديّة تارة أخرى، في هذه الفترة بدأت الخلافات غير المباشرة بين السعودية والإمارات تطفو على السطح وفشلوا في تقديم نموذج ناجح للشعب اليمني في عدن، سواءً بسبب الأوضاع الأمنية، أم بسبب الخلافات السياسيّة التي أنتجت حكومات جديدة يعلنها هادي تستثني رجالات الإمارات، مقابل ضرب قرارات هادي عرض الحائط من المحسوبين على الإمارات، ناهيك عن الخلافات المسلّحة، ومنع هادي من العودة إلى مدينة عدن التي أعلنها هادي عاصمة مؤقتة.

 

مفاوضات الكويت (إبريل/نيسان 2016)

 

اقتنع الجانب السعودي بفشل خياراته في اليمن، وبدأ طموح ولي العهد السعودي حينها الأمير محمد بن سلمان يفوق المسألة اليمنية، إلا أنه لا يريد أن يسلّم بهزيمة مشروعه في اليمن، لتكون المفاوضات اليمنية أكثر مفاوضات يمكن التعويل عليها، وقد قال حينها وسيط الأمم المتحدة إلى اليمن اسماعيل ولد الشيخ أحمد أمام مجلس الامن “لم نكن قريبين يوماً إلى هذا الحد من السلام”، وأكد أن “المفاوضات ستبدأ في 18 نيسان” في الكويت ، محذراً من أن “النجاح يتطلّب تسويات صعبة” من أطراف النزاع، ليتجدّد السؤال القديم ألّا وهو هل يمكن أن تقدم هذه المفاوضات حلًّا ينهي الأزمة اليمنية؟

 

بعد تهديد بتطيير الجولة وتأجيل استمر ثلاثة أيّام، بدأت في الكويت، الجولة الثالثة لمفاوضات السلام اليمنيّة، انطلقت جلسة مفاوضات مباشرة بين الأطراف اليمنية في الكويت (قصر بيان الأميري) صباح السبت 30 إبريل 2016 برعاية الأمم المتحدة لتبنى عليها آمال كبيرة لإنهاء الحرب السعوديّة المتواصلة منذ آذار 2015، والدفع بعجلة الحلّ السياسيّ، وانطلقت الجلسة الافتتاحيّة لمباحثات السلام برعاية الأمم المتحدة، بعد تأخيرها ثلاثة أيام بسبب امتناع وفد “أنصار الله” و “المؤتمر الشعبي العام” عن الحضور، مشترطاً الحصول على ضمانات بتثبيت الهدنة التي بدأت في العاشر من الشهر نفسه، وفي حين طالب الوفد الوطني إلى مفاوضات الكويت بالتوافق على سلطة تشاركية تقوم بمهام المرحلة الانتقالية وإدارة شؤون الدولة ومتابعة ملف الدمار الذي خلفه العدوان والحفاظ على سيادة البلد من أي انتهاكات أو تدخلات خارجية، إضافة إلى تقديم الوفد رؤية واضحة تضمنت مهام المرحلة الانتقالية، وإمكانية تشكيل لجان أمنية وعسكرية منبثقة عن السلطة التوافقية تشرف على انسحاب كل الأطراف واستلام السلاح الثقيل، وتتولى مهاماً أخرى بخصوص بند الجانب الإنساني وبالأخص رفع الحصار عن اليمن، ومناقشة ملف الأسرى والمعتقلين، أصر وفد الرياض على شروطه السابقة رغم العجز الميداني الواضح.

 

مفاوضات الكويت شهدت حراكاً دبولماسياً كبيراً لوفد صنعاء، رسّخ للأطراف الغربية تعاونهم وعزمهم على الحل السياسي وإنهاء معاناة الشعب اليمني، وقد التقى الوفد الوطني سفراء الـ5+1 وسفيرة الاتحاد الأوروبي في اليمن في قصر بيان الأميري وتم خلال اللقاء بين السفراء ووفد القوى الوطنية استعراض سير المشاورات خلال الأيام الماضية والعقبات العالقة، والتي لا تزال تحول دون التقدم في المشاورات والخوض في الموضوعات الأخرى والمتمثلة في عدم تقيد الطرف الآخر بتثبيت وقف إطلاق النار، لاحقاً التقى الوفد اليمني في فندق جميرا في الكويت مع سفراء الدول الثمانية عشرة في اليمن، وضمنهم سفراء الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي وسفراء الدول الخليجية والاتحاد الأوروبي وألمانيا، واستعرض وفد القوى الوطنية مع السفراء الأوضاع الاقتصادية التي خلفها العدوان والقيود المفروضة على الشعب اليمني، ولا سيما ما يتعلق بعرقلة حركة السفن والتجارة ومعاملات البنك المركزي اليمني، وأكد وفد القوى الوطنية في اللقاء على “ضرورة الوقف الحقيقي لإطلاق النار وكل الأعمال العسكرية”، كما أكد أن الوضع في اليمن يحتاج إلى “حل سياسي عاجل وعلينا ألّا نغفل عن الوضع الاقتصادي والأمني”، وذكر بأن الوضع السياسي قبل الحرب لم يكن “مستقراً”، وأن اليمن “محكوم بالتوافق”، مطالباً بعودة التوافق إلى مجراه الصحيح، معتقداً أن “الذهاب بمسار عسكري دون حلول سياسية سيكرر السيناريو الليبي في اليمن”.

مجلس الأمن بدا متفائلاً بمفاوضات الكويت ليؤكد في بيان رئاسي صدر بإجماع أعضائه الـ15 انه “يرحب” بالهدنة السارية في اليمن منذ 11 نيسان/ابريل وبمفاوضات السلام التي انطلقت في الكويت حول اليمن، داعياً المتفاوضين إلى إبداء ليونة وحسن نية وتقديم تنازلات.

 

الوفد الوطني كان واضحاً في الرؤية الوطنية التي قدّمها للحل السياسي والأمني وسلّمها لولد الشيخ وتم عرضها في الجلسة الصباحية المباشرة، بينما طالب الطرف الآخر بمهلة لتقديم رؤيته للحل السياسي في اليمن، لكن هذه المهلة انتهت بعد يومين عبر تعليق وفد الرياض مفاوضاته المباشرة مع الوفد الوطني بعد فشله في تقديم ورقة موحدة للحل السياسي على عكس ما فعله الوفد الوطني.

 

المتحدثُ الرسمي باسمِ أنصارِ الله محمد عبد السلام قال إنَ مَن لا يريد السلام يخلق مبررات وأعذار واهية للتعطيل، مؤكداً أنَ الوفد الوطني قدم رؤية وطنية شاملة تجمع ولا تفرق، وتحترم الشراكةَ والتوافق.

 

السلام لم يكن قريباً كما توقّع ولد الشيخ، فوفد الرياض لم يقدّم أي تنازلات وتعمّد تعطيل عمل لجنة الأسرى، بالتزامن مع مواصلة السعودية انتهاكها للهدنة، ليعلن وفد الرياض انسحابه، ويشكّل هذا الامر أكبر تعبير عن “إفلاسهم وافتقارهم للحجج المقنعة، وتعبيراً عن رغبتهم باستمرار الحرب متجاهلين معاناة الشعب”، وفق تعبير رئيس الوفد الوطني إلى مفاوضات الكويت محمد عبدالسلام.

 

اقتنع الجانب اليمني بضرورة رفع السقف السياسي ليفرز التناغم القائم بين الوفد اليمني تشكيل المجلس السياسي الأعلى وذلك بعد إلقاء الحجة في الكويت، لتشكّل خطوة المجلس السياسي الأعلى قفزة نوعيّة في المشهد السياسي اليمني.

 

لاحقاً، وبعد حوالي 3 أشهر على المفاوضات، أعلن المبعوث الأممي إلى اليمن، اسماعيل ولد الشيخ، (يوم السبت 6 أغسطس/آب 2016) انتهاء مفاوضات السلام اليمنية في الكويت وتعليق مشاورات السلام إلى أجل غير مسمى، مشيراً إلى أن الوفود اليمنية المشاركة في المفاوضات ستغادر الكويت.

 

المفاوضات التي نجحت في إجلاس الأطراف على طاولة واحدة، فشلت في إنهاء معاناة الشعب اليمني التي بدأت قبل 16 عشر شهراً، الرياض عادت كعادتها للمجازر، ومنعت الوفد الوطني من العودة من مسقط إلى صنعاء لمدّة 3 أشهر، وبدأت بارتكاب المجازر، لاسيّما مجزرة الصالة الكبرى في صنعاء في الثامن من تشرين الأول عام 2016. عصر ذلك اليوم، تناثرت أشلاء 750 من الشهداء والجرحى في كل مكان، فيما وصلت المئات من الجثث المتفحمة إلى مستشفيات العاصمة، التي تعالت منها نداءات استغاثة للمواطنين تدعوهم إلى التبرع بالدم للجرحى، بضعة صواريخ استهدفت المعزين، ثمّ المسعفين والجرحى العالقين تحت الأنقاض، كانت كافية لتحويل “الصالة الكبرى” إلى الشاهد “الأكبر” على وحشية تحالف العدوان.

 

واصلت السعوديّة، التي دخلت في القائمة السوداء للأمم المتحدة وخرجت منها بعد تهديد الأمن العام بقطع المساعدات التي تقدّمها، واصلت عدوانها مستفيدة من اقتراب ولاية الرئيس الأمريكي باراك أوباما من نهايتها وانشغال الرأي العام الإقليمي والعالمي بجملة من الأحداث السياسية والميدانية، وارتكبت مئات المجازر التي راح ضحيّتها عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى فضلاً عن تفشي أمراض الكوليرا بين اليمنيين، اللافت  الأبرز في هذه الفترة إضافةً إلى المجازر والأوضاع الإنسانيّة الصعبة هي الخلافات الواضحة بين المحسوبين على السعوديّة والمحسوبين على الإمارات، مقابل دخول الطائف، ولاحقاً الرياض وبعدها أبوظبي ودبي في معادلة الردع اليمنية التي كرّست معادلة شاملة.

 

بدت الاستراتيجية السعودية واضحة في تلك المدّة “أنا أضرب إذن أن موجود”، لتتوالى الانتقادات الدوليّة لها بسبب المجازر، غابت المفاوضات لفترة طويلة وحضر الميدان لفترة أطول، لم تنجح الرياض في تحقيق أي من أهدافها، ظلت تردّد سمفونية “تحرير” صنعاء، ظهر اليأس السعودي من معركة صنعاء، أشار محمد بن زايد على محمد بن سلمان بضرورة التوجّه إلى الحديدة، تلك المحافظة التي استشهد فيها رئيس المجلس السياسي الأعلى صالح الصماد في نيسان العام الحالي، أراد السعوديون من خلال السيطرة على الحديدة وقف ما تبقى من مساعدات إنسانية تصل لليمنين، بعدما أوقفوا رواتب الموظفين ونقل البنك المركزي إلى مدينة عدن، فشلوا في معركة الحديدة مرّة تلو الأخرى، راهنوا مجدداً عليها، فشلوا مجدداً.

 

جنيف 3 التي لم تبدأ

 

وبعد وقف المفاوضات لمدة سنتين، جنيف مرة أخرى أصبحت مستضيفةً للمفاوضات في 5 أيلول/سبتمبر 2018 كما أعلن المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن، مارتن غريفيث.

 

ولكن لم يكن المبعوث الأممي إلى اليمن “مارتن غريفيث” أوفر حظاً من سابقيه، فتجربة غريفيث سقطت قبل أن تبدأ بعد أن رفضت السعودية تقديم ضمانات للوفد بالعودة الآمنة إلى صنعاء، تماماً كما حصل مع الوفد اليمني بعد مفاوضات الكويت عام2016، ففي المفاوضات اليمنية السابقة سواء في جنيف أم الكويت جرت العادة أن تتكرر هذه السيناريوهات مع كل مغادرة، ويظل الوفد اليمني عالقاً في الخارج لأشهر مع تعسف تحالف العدوان في عدم السماح لطائرة الأمم المتحدة بالهبوط في مطار صنعاء الدولي لإعادة الفريق المفاوض رغم الضمانات التي يحصلون عليها أممياً قبيل انطلاق أي مفاوضات، وهذا هو السبب المباشر والرئيس الذي أجبر وفد صنعاء على البقاء فيها وتمسكهم بشرطهم السابق في أن تكون مغادرتهم عبر طائرة عمانية ترخص لها الأمم المتحدة وتتواصل مع الجهات ذات العلاقة لتهيئتها في الوقت والمكان المحددين، لكن المبعوث الأممي فشل في الحصول على هذه الضمانة حتى.

 

بعد فشل مشاورات جنيف التي عملت قوى العدوان في اليمن على عرقلتها وتأجيلها إلى أجل غير مسمى بمنعها وفد صنعاء من المغادرة بطائرة عمانية، أرادت الرياض وأبو ظبي أن تعودا مجدداً إلى معركة الحديدة لتثبت أن تأجيل حسم تلك المعركة كان بسبب إتاحة الفرصة للحل السياسي الذي ترعاه الأمم المتحدة، فهي تحمّل حكومة صنعاء فشل المشاورات، وفي الوقت نفسه تحمّلها أيضاً تبعات التعثر في إشارة للعودة للخيار العسكري الذي لم يتوقف أصلاً بفعل المشاورات أو التحضير لها طوال الفترة السابقة.

 

يبدو واضحاً من خلال هذا السير التاريخي للعدوان على اليمن جملة من النقاط:

 

أولاً: فشل العدوان في تحقيق أهدافه السياسية والعسكرية التي أعلنها في آذار/مارس 2015.

 

ثانياً: اللجوء إلى خيار المفاوضات بعد التعثر الميداني، وتركها في حال حصول أي تقدّم عسكري، إضافة إلى استغلال هذه المفاوضات لتحقيق تقدّم عسكري.

 

ثالثاً: استخدام المفاوضات كفرصة للمناورة وتخفيف الضغط الدولي عبر وضع شروط مسبقة، وإلقاء الكرة في ملعب صنعاء.

 

رابعاً: إصرار الجانب السعودي على استهداف المدنيين وارتكاب المجازر بحق الشعب اليمني.

 

خامساً: عدم وجود رؤية واضحة لدى السعوديّة، وكذلك عدم قدرتها على ضبط الأوضاع في المناطق التي تقع تحت سيطرتها في ظل خلافات كبيرة مع الجهات المحسوبة على الإمارات من جهة، وسكان تلك المناطق كالمهرة وعدن من ناحية أخرى.

 

الجرائم

 

ترى الأمم المتحدة في الوضع اليمني أسوأ كارثة إنسانية في القرن الواحد والعشرين، في ظل استهداف المدنيين، لاسيما النساء والأطفال، وبالتالي لا بدّ من الإشارة ولو باختصار إلى هذا الجانب المظلم. فقد نشر المركز القانوني للحقوق والتنمية إحصائيات كاملة للجرائم الإنسانية والمباني الخاصة والعامة والمؤسسات الاقتصادية والبنى التحتية التي دمرها العدوان السعودي خلال ثلاث سنوات بحربه الهمجية على اليمن (بين 25 آذار/ مارس 2015 و25 آذار/ مارس 2018).

قد يعجبك ايضا