الإنسحاب الأميركي والرحيل الذليل ..
موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية || موقع المنار: أمين أبوراشد
اعتادت أميركا ومعها العالم، على سياسة “دونكيشوط” التي يعتمدها الرئيس دونالد ترامب، لكن أن تتفاجأ المؤسسة السياسية الأميركية منذ ساعات بقراره سحب القوات الأميركية من سوريا، ضمن سيناريو باهت أن أميركا قد حقَّقت النصر على داعش، فهذه مشكلة الأميركيين معه، وهذا الإنسحاب جاء بعد سبع سنواتٍ بالتمام والكمال على انسحاب القوات الأميركية من العراق، حيث عبرت آخر عربات مدرعة تابعة للفرقة الثالثة في الجيش الأمريكي الحدود البرية، من الأراضي العراقية باتجاه الكويت يوم الأحد في 18/12/2011.
أميركا غادرت العراق يومذاك بهدايا تذكارية غريبة: مرحاض كان يستعمله صدام حسين في الزنزانة، وقطعة من خلفية تمثاله البرونزي، وتم إيداع الهديتين في المتحف العسكري الأميركي بواشنطن، إضافة إلى الهدية الثالثة التي حملها جورج بوش الإبن على وجهه من فردتيّ حذاء منتظر الزيدي، ومع ذلك، يبدو الرحيل الأميركي من سوريا أذلّ وأقسى، لوعُدنا بالذاكرة والوثائق الى العام 2013.
في آب أغسطس من ذلك العام، أقدم السيناتور الجمهوري الراحل جون ماكين، على تهديد رئيس الأركان بعدم التجديد له في منصبه، إذا لم يقدّم للرئيس أوباما خطة عسكرية للتدخّل في سورية، تحت ذريعة استعمال أسلحة كيماوية أو غازات سامة من قبَل النظام، فسارعت رئاسة الأركان الأميركية لإعداد أكثر من خطة وضعتها على طاولة الرئيس، وحرَّكت القطع البحرية في المتوسط بانتظار قرار أوباما الذي كان ينتظر بدوره “فذلكة” تهمة الهجوم بالغاز السام على الغوطة الشرقية، ليكون “أخلاقياً في التحرّك وفق القانون”، خصوصاً أنه هو من انتقد ما فعله سلفه بوش في العراق، ومع ذلك، أغرق أوباما نفسه بسيناريو العدوان عبر “غُرفة عمَّان”، وعَقَد رؤساء أركان “الناتو” ونظرائهم الخليجيين اجتماعات ماراتونية في العاصمة الأردنية عمّان، درسوا فيها خطط التدخّل في سورية وآليات التحرّك، ومن ضمنها ما سرّبته صحيفة “لو فيغارو” الفرنسية عن هجوم برّي وجويّ على دمشق بقيادة ضباط أردنيين وأميركيين و”إسرائيليين” انطلاقاً من الأراضي الأردنية لإسقاط العاصمة دمشق، ولكن، نتيجة الحذر الأردني من التورُّط بحرب حدودية مباشرة، وعدم جدوى كل الضربات الجوية ضدّ سوريا، والإنتصارات العظيمة التي حققها الجيش السوري والحلفاء في مناطق الغُوطة، سقطت “غُرفة عمَّان” التي كانت تضمّ أيضاً ضباطاً إسرائيليين وأُعلِن عن إقفالها لاحقاً.
أمام إدعاءات ترامب اليوم، بأنه هو مَن حقَّق النصر على داعش، نستعيد اليوم أحداث العام 2013، لأن ردود الفعل على تشكيل “غرفة عمَّان” لإسقاط دمشق جاءت قاسية، عبر صدور إعلان روسي بأن أي مغامرة في سورية ستكون نتائجها كارثية، إضافة الى لُغَة القوَّة التي حذّر بها يومذاك نائب رئيس الأركان الإيراني، وقدَّرت أميركا عواقب إبعاد روسيا عن المياه الدافئة السورية، وردّة الفعل الإيرانية في حال نشوب حرب إقليمية شاملة، مع توقعات بأن الصواريخ سوف تنهمر على “إسرائيل” من إيران وحلفائها إضافة الى احتمال إغلاق مضيق هرمز، ما كان سيرفع سعر برميل النفط الى مشارف 250 دولاراً أميركياً كَحَدِّ أدنى.
لا ننكر أن الخيبة الكبيرة نتيجة قرار الإنسحاب الأميركي في سوريا، تنسحب من الشمال السوري حيث مناطق الأكراد، الى الجنوب السوري حيث بنيامين نتانياهو يعيش الصدمة، ويُشاركه بها “حلفاؤه الخليجيين”، وإذا كان البعض يتخوَّف من أن أميركا سوف تُخلِّف وراءها مجموعات إرهابية نائمة تُهدِّد سلامة سوريا فهو مُخطىء، لأن اللعبة قد انتهت، ونصر سوريا قد أعلِن منذ إسقاط “غرفة عمَّان” لعدم جدواها، ولم يتبقَّ للجيش السوري وحلفاؤه سوى “خلايا نائمة” من أصل عشرات آلاف الإرهابيين القادمين من ثمانين دولة، سقطوا على أرض سوريا وسقطت معهم أميركا وأدواتها، ومهما وصَّفنا الخيبة الأميركية في هذا الإنسحاب فالكلام قليل، أمام الرحيل الذليل…