عطاء الشهادة
موقع أنصار الله || تقارير ||
يجسد الشعب اليمني “شعب الإيمان والحكمة” اليوم بمشروعه القرآني وثقافة الجهاد والاستشهاد المعنى الحقيقي للإسلام، ومنهجه الجهادي فتمكن بتأييد من الله القوي العزيز، ورغم إمكانياته العسكرية الضئيلة من دحر التحالف الكوني المتسلح بأحدث المعدات العسكرية الأمريكية والغربية الفتاكة المتطورة والمحرمة دولياً، وكسر بتضحياتهم غطرسة الظالمين ومن معهم من شذاذ الافاق, واسقطوا المشروع الأمريكي في اليمن, حتى أصبح على درجة كبيره من اليقين الواعي بأن جهاده واستشهاد أبنائه في سبيل الله وحده في ظل المشروع القرآني غايته أن تكون كلمة الله هي العليا، وأن يرتفع الظلم والجور ويتحقق العدل.
ان ثقافة الشِّهَـادَة والاستعداد العالي للتضحية هي التي تحمي الأُمَّــة وهي سر الصمود الأسطوري للشعب اليمني وانتصاراته في وجه هذا العدوان التي ترجمها الشعب على أرض الواقع فكسروا بإرادتهم وصمودهم عنجهية وغرور المعتدين، وكانت دماء الشهداء المباركة هي من صنعت كل هذا الثبات والصمود أمام غطرسة التحالف الكوني لقوى الاستكبار العالمي، لتكونَ تلك البطولات الخالدة عنوان النصر القادم بحول الله وقوته.
الشهداء تحركوا لإقامة الحق وازهاق الباطل
منذ الوهلة الأولى من بدء العدوان الأمريكي السعودي الاماراتي على اليمن، الذي أمعن في ارتكاب أبشع المجازر الوحشية بحق الشعب اليمني، وسارع في تدمير البنية التحتية، وفرض حصار برياً وبحرياً وجوياً لم يقف الشعب اليمني مكتوف الايدي بل هب أبناؤه المجاهدين إلى ميادين الجهاد للدفاع عن دينهم ووطنهم، وسقط الكثير من الشهداء في ميادين الشرف لتظل تضحياتهم مدرسة خالدة تنهل منها الأمم معنى السمو والعزة والكرامة، ومعين لا ينضب لكل من يعشق الحرية.
وكما يقول السيد القائد فان هؤلاء الشهداء العظماء لم يقفوا مكتوفي الأيدي يتفرَّجون على واقع الظلم والإجرام والفساد من حولهم، بل سعوا وتحركوا لإقَـامَة الحَـقّ والعدل، يدافعون عن المستضعفين، وقدّموا حياتَهم وهم منشَدُّون نحوَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أولاً، يُدرِكون مسئوليتَهم تجاهَ الآخرين، وثانياً انطلقوا بقيم عظيمةٍ وعزيزة إنْسَـانية عالية لديهم من المشاعر الإنْسَـانية والأحاسيس الإنْسَـانية ما جعلتهم يتألمون حينما يرَون الظلمَ حينما يشاهدون الطغيانَ.
وبكل عزيمة تحرك الشهداء للجهاد في سبيل الله، وانطلقوا إلى ميادين الجهاد، متزودين بالثقافة القرآنية، ومتسلحين بسلاح الايمان وسلاح الحديد، متوكلين على الله ومستمدين قوتهم منه عز وجل، وبأن الله أكبر من كل قوة في هذا الكون , فكانوا ممن باعوا من الله انفسهم بأن لهم الجنة مقابل التضحية بالنفس ونيل الشهادة في سبيل الله تعالي, وهو ما جعلهم يحققون ما كان يعتبر مستحيل عن اغلب جيوش العالم المزودة بالمعدات الحديثة، فكانوا الدرع الحصين ومدرسة نتعلم منها معنى الإيمان بالله والثقة به، وأن النصر ليس بالعدد مهما كَثُر، ولا بالعتاد العسكري مهما كانت قوته وفتكه، وانما النصر يأتي من عند الله وحده.
ولأنهم استمدوا قوتهم من قوة الله، فبطشوا بأعدائهم ببطش الله الشديد، وتقهقر أمام قوتهم كُلَّ جبّارٍ عنيد، فكانوا عنوان للعطاء والتضحية في سبيل الله، يعطون كل غالي في سبيل نصرة الحق ويضحون بحياتهم لأجل حياةِ الآخرين، ويتوجون هذا العطاء أخيراً بدمائهم الزكية وأرواحهم العطرة، لأنهم عشقوا الموت في سبيل الله فوهب لهم الحياة.
وتبقى تضحياتهم الكبيرة ودماؤهم الزكية شاهدة على عظم المأساة وحجم المظلومية، لاسيما وأن تحركهم كان في سبيل الله ونصرة المستضعفين من منطلق استشعارهم بالمسئولية تجاه قضيتهم الحقّة العادلة، فكان تحركهم بحجم مظلومية أبناء بلدهم وبحجم القيم والمبادئ العظيمة التي انطوت عليها سرائرهم.
الثقافة القرآنية عنوان البذل والعطاء
لقد كانت وما زالت نعمة الله وفضله ورحمته كبيرة وواسعة على اليمن وشعبه حينما حماه الله وحصنه بانطلاقة المشروع القرآني الثقافي التوعوي للشهيد القائد السيد/ حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه، الذي قدم للشعب اليمني ولشعوب الأمة منهجا عمليا لتحصينها ولتحريكها بما يجعلها قادرة على مواجهة الخطر الكبير على دينها وعلى وجودها.
واستطاع الشهيد القائد بفضل الله من خلال الثقافة القرآنية التي تدعوا الى البذل والعطاء، أن يجعل المجتمع يخرج من حالة البخل والخوف إلى حالة التضحيات والانفاق والعطاء والدليل الواقع الذي نعيشه اليوم كشعب يمني في مواجهة العدوان الأمريكي السعودي الإماراتي فهذا الصمود الأسطوري وهذا الوعي والبصيرة التي يتمتع بها شعبنا لم تأتي من فراغ بل جاءت نتيجة وعيه ونتيجة ثقافة قرانيه امن الناس بها في قلوبهم وعملوا بها في واقعهم.
الحكمة في استثمار الموت
عندما سارع الشهداء للجهاد في سبيل الله فذلك كان من منطلق أن ذلك حكمة لهم في أن يستثمرون موتهم، حيث يبين الشهيد القائد أن القتال في سبيل الله يعني استثمار الموت، حيث يقول في درس (سورة البقرة، الدرس الثامن):”{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ}(البقرة:153-154) لو تأتي إلى مسألة: أن تقتل في سبيل الله تجدها في الأخير تعتبر من الحكمة بالنسبة لك ومن الخير الكبير بالنسبة لك لأنه عندما ترى أنه في الأخير أنت ستموت، أليس كل إنسان سيموت، أليس من الأفضل لي أليس من الحكمة أن استثمر موتي ويضيف بالقول: “إذاً فالموقف الحكيم والخير الكبير عندما تقتل في سبيل الله تعتبر أنت استثمرت موتك الذي لا بد منه ثم تكون في الواقع أفضل لك من أن تموت فتكون في عالم اللا شيء إلى يوم القيامة تكون أحياء، أحياء”.
وفي سياق ذلك، يبين الشهيد القائد نتيجة استثمار الموت في ان الشهداء يبقون احياء من اول لحضه يفارقون فيها هذه الحياة، حيث يقول: “ويبدو أن الشهداء يبقون أحياء من أول لحظة يفارق فيها هذه الحياة فيصبحون أحياء فعلاً، ففي آيات أخرى عندما يقول الله عن أحداث القيامة: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ}(الزمر: من الآية68) تبين أن هناك فئة أو شيئا من مخلوقاته حية لا تتأثر بتلك الأشياء مع أن الشهيد يموت اسما، اسما هكذا أنت تراه لكن في الواقع يصبح حياً فقط ألقى [بذلة] خلع البذلة التي عليه ذلك [البودي] الذي له هذا الهيكل وأصبح حياً {عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}(آل عمران: من الآية169) لم يعد هناك موت بالنسبة لهم {لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ}(الدخان:56) تأمل في كثير من الآيات التي تتحدث عن أحداث القيامة فيها حالة استثناء {إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ}(الزمر: من الآية68)”.
الشهادة: مشروع حياة أبدية
يدرك الشعب اليمني اليوم بإيمانه أن الجهاد في سبيل الله منهج للحياة الأبدية الخالدة، ومسار الى الحياة الكريمة والعزيزة التي أرادها الله لعباده أن يعيشوها وأن يحيوها في الدنيا قبل الآخرة، وإن الشهادة كرامةٌ وفضلٌ لا يؤتيه الله تعالى إلا لمن يصطفي من عباده، فالشهيدُ لا يـموتُ أبداً، بل هو حيٌّ يُرزق عند ربه، ويفرح بـما أعدَّ الله تعالى له، حيث إن من عظمة الشهادة هي نيل الشهيد الحياة الأبدية، وهنا يؤكد الشهيد القائد أن الشهداء هم أحياء عند ربهم، الله يرزقون، يقول في درس (سورة آل عمران ، الدرس السادس عشر):”{وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ}(آل عمران: من الآية169) هم أحياء ما يقال لهم أموات ولا تظن بأنهم ماتوا، هم أحياء بما تعنيه الكلمة عند ربهم، الله أعلم في أي مكان، في الجنة، أو في كوكب آخر الله أعلم أين، المهم أنهم في مكان، وبالطبع عندما يقول: {عِنْدَ رَبِّهِمْ}(آل عمران: من الآية169) أنه مكان رفيع، ومكان يعني قد تكون الجنة أو شيء كالجنة، إذا قلنا الجنة قد خلقت أو ما خلقت كما يقول البعض، {يُرْزَقُونَ}(آل عمران: من الآية169) على ما يبدو أنها حياة كاملة، حياة حقيقية، يرزقون، {فَرِحِيْنَ}(آل عمران: من الآية170) {وَيَسْتَبْشِرُوْنَ}(آل عمران: من الآية170) أليست هذه عبارات تدل على الحياة الحقيقية؟”
ويبين الشهيد القائد في درس (محياي ومماتي لله) أن الخسارة الحقيقة هي أن يكون الإنسان متهرباً من الحياة الأبدية، يقول: “فالمسألة إذاً: الله سبحانه وتعالى قد منح الشهيد الحياة الأبدية منذ أن تفارق روحه جسده عندما قال سبحانه وتعالى: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} (آل عمران:169). إذاً فالخسارة الحقيقة هي: أن يكون الإنسان متهرباً من الحياة الأبدية، إذا كنت تخاف من الموت؛ فإن المفترض منك هو أن تكون ممن يحرص على أن يكون حياً فلا يدخل في غيبوبة مطلقة من بعد أن تفارق روحه جسده، ستكون حياً”.
الذكرى السنوية للشهيد:
في الـ13 من شهر جمادي الأولى من كل عام يحيّي الشعب اليمني مناسبة مهمة هي الذكرى السنوية للشهيد، حيث تشهد جميع المحافظات والمناطق والقرى والعزل أنشطة وفعاليات متنوعة اكراماً واعتزازاً بالشهداء الذين تحقق بدمائهم الزكية وارواحهم الطاهرة للشعب اليمني العزة والكرامة.
إن في إحياء هذه المناسبة تخليد للشهداء، واستذكار مناقبهم وتضحياتهم، وتكريس لثقافة الاستشهاد التي نجح الأعداء في تغييبها عن الأمة عقوداً من الزمن، وتتجلى أهمية المناسبة في أن تكون ثقافة الشهادة حاضرة في وعي الأمة، وأن غيابها يعني افتقاد الأمة لجانب إيماني مهم تغيب معه كل معاني الثقة بالله ونصره والتوكل عليه، وأن يتم تربية الأجيال على أن يكونوا مثلهم، ويخطوا خطاهم والسعي لتعزيزِ روح الاستعداد العالي للتضحية والإصرار على الحياة الكريمة أَوْ الشِّهَـادَة بكرامة.
وتأتي الذكرى السنوية للشهيد هذا العام بالتزامن مع الاستبسال والانتصارات التي يسطرها أبطال الجيش واللجان الشعبية الذي يتوجون اعلى معاني التضحية في سبيل الله لمواجهة عدوان همجي شارف على إنهاء عامه الرابع, قدمت خلالها الألاف من الشهداء الابرار الذين صدقوا ما عاهدا الله علية, وسط اعتزاز وافتخار من اهليهم وشعبهم , قل له نظير في هذا العالم.