صناعة خوان غوايدو: كيف صنعت الولايات المتحدة قائد الانقلاب في فنزويلا

|| صحافة عربية ودولية ||

كتب الصحافيان الاستقصائيان ماكس بلومنتال ودان كوهين تحقيقاً طويلاً في موقع “ذا غراي زون” عن كيف صنعت الولايات المتحدة الأميركية خوان غوايدو وجعلت منه قائداً للمعارضة الفنزويلية ونصبته أخيراً رئيساً مؤقتاً لفنزويلا. والآتي ترجمة كاملة لنص التحقيق:

 

قبل يوم 22 كانون الثاني – يناير المشؤوم، كان أقل من واحد من كل خمسة فنزويليين قد سمع بخوان غوايدو. قبل بضعة أشهر فقط، كان الشاب البالغ من العمر 35 عاماً شخصية غامضة في مجموعة يمينية متطرفة هامشية من الناحية السياسية، ترتبط ارتباطاً وثيقاً بأعمال مروّعة من أعمال العنف في الشوارع. وحتى في حزبه، كان غوايدو شخصية متوسطة المستوى في الجمعية الوطنية (البرلمان) التي تهيمن عليها المعارضة، والتي أصبحت الآن تحت الإزدراء وفقاً لدستور فنزويلا.

 

ولكن بعد مكالمة هاتفية واحدة من نائب الرئيس الأميركي مايك بينس، أعلن غوايدو نفسه رئيسًا لفنزويلا. وقد تمت تسميته كقائد لبلده من قبل واشنطن، وكان سابقاً في القاع السياسي ولم يكن معروفاً وقد قفز إلى المسرح الدولي كزعيم تم اختياره من قبل الولايات المتحدة لأمة ذات أكبر احتياط للنفط في العالم.

 

ردد مجلس تحرير صحيفة “نيويورك تايمز”، إجماع واشنطن على غوايدو، باعتباره “منافسًا ذا مصداقية” للرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو “بأسلوب منعش ورؤية للمضي بالبلاد قدمًا إلى الأمام”. وأشاد به مجلس تحرير موقع “بلومبرغ نيوز” الأميركي لسعيه إلى “استعادة الديمقراطية”، وأعلنت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية أنه “زعيم ديمقراطي جديد”. في هذه الأثناء، اعترفت كندا، والعديد من الدول الأوروبية، و”إسرائيل”، وتكتل حكومات أميركا اللاتينية اليمينية المعروفة باسم مجموعة “ليما”، بغوايدو بأنه الزعيم الشرعي لفنزويلا.

 

وبينما بدا أن غوايدو قد خُلق من العدم، فقد كان في الواقع نتاج أكثر من عقد من الاستمالة الحثيثة من قبل نخبة مصانع تغيير النظام التابعة للحكومة الأميركية. فجنباً إلى جنب مع كوادر من الناشطين الطلابيين اليمينيين، تم زرع غوايدو لتقويض حكومة فنزويلا الاشتراكية المنحى، وزعزعة استقرار البلاد، والاستيلاء على السلطة في يوم واحد. وعلى الرغم من أنه كان شخصية ثانوية في السياسة الفنزويلية، فقد أمضى سنوات بهدوء أثبت جدارته في قاعات السلطة في واشنطن.

 

وقال ماركو تيروغي، وهو باحث علم اجتماع أرجنتيني وخبير بارز في السياسة الفنزويلية، لـموقع “ذا غراي زون”: “خوان غوايدو هو الشخصية التي تم إنشاؤها لهذا الظرف. إنه منطق المختبر – غوايدو هو مثل خليط من عناصر عدة تخلق شخصية، بكل صدق، تتأرجح بين كونها مضحكة ومقلقة”.

 

دييغو سيكويرا، الصحافي والكاتب الفنزويلي في موقع التحقيق “ميسيون فيرداد”، وافق على أن غوايدو “هو أكثر شعبية خارج فنزويلا من داخلها، وخاصة بين النخبة في رابطةIvy  (التي تضم 8 جامعات أميركية) ودوائر واشنطن”. ولاحظ سيكويرا قائلاً  لـموقع “ذا غراي زون”، “إنه شخصية معروفة هناك، وهو يميني معروف، ويعتبر مخلصًا للبرنامج “.

 

وبينما يتم اليوم تسويق غوايدو على أنه وجه استعادة ديمقراطية، فإنه قد أمضى حياته المهنية في أكثر فصيل عنيف بين أحزاب المعارضة الراديكالية في فنزويلا، حيث وضع نفسه في مقدمة حملات لزعزعة الاستقرار في حملة تلو الأخرى. وقد فقد حزبه مصداقيته على نطاق واسع داخل فنزويلا، وهو مسؤول جزئياً عن تفتيت معارضة شديدة الضعف.

 

كتب لويس فيسينتي ليون، رائد الاستطلاعات في فنزويلا، يقول “إن هؤلاء القادة الراديكاليين لا يملكون أكثر من 20 في المائة في استطلاعات الرأي”. ووفقاً لليون، فإن حزب غوايدو لا يزال معزولاً لأن غالبية السكان “لا يريدون الحرب. ما يريدونه هو الحل.”

 

لكن هذا بالتحديد هو سبب اختيار غوايدو من قبل واشنطن: فهو ليس متوقعاً أن يقود فنزويلا نحو الديمقراطية، بل إلى إنهيار بلد كان خلال العقدين الماضيين حصناً لمقاومة الهيمنة الأميركية. ويشير صعوده غير المتوقع إلى ذروة مشروع دام عقدين من الزمن لتدمير تجربة اشتراكية قوية.

تدريب مجموعة طلاب في بلغراد على “تغيير النظام”

منذ انتخاب هوغو تشافيز رئيساً لفنزويلا عام 1998، حاربت الولايات المتحدة لاستعادة السيطرة على فنزويلا وعلى احتياطياتها النفطية الهائلة. ربما كانت برامج شافيز الاشتراكية قد أعادت توزيع ثروة البلاد وساعدت في انتشال الملايين من الفقر، لكنها أيضًا جعلته هدفًا يتم ضربه.

 

في عام 2002، أطاحت المعارضة اليمينية في فنزويلا مؤقتاً بشافيز بدعم من الولايات المتحدة واعتراف منها، قبل أن يستعيد الجيش رئاسته بعد التحرك الشعبي الجماهيري المؤيد له. خلال عهود إدارات الرئيسين الأميركيين جورج دبليو بوش وباراك أوباما، نجا شافيز من العديد من مؤامرات الاغتيال، قبل موته بمرض السرطان في عام 2013. وقد نجا خلفه، نيكولاس مادورو، من ثلاث محاولات اغتيال هددت حياته.

 

رفعت إدارة ترامب فورًا فنزويلا إلى قمة قائمة أهداف تغيير النظام في واشنطن، واصفة إياها بزعيمة “ترويكا الاستبداد”. في العام الماضي حاول فريق ترامب للأمن القومي تجنيد أعضاء من القادة العسكريين الفنزويليين لتشكيل المجلس العسكري، ولكن هذه الجهود قد فشلت.

 

ووفقًا للحكومة الفنزويلية، فإن الولايات المتحدة متورطة أيضًا في مؤامرة، يطلق عليها اسم “عملية الدستور”، للقبض على مادورو في قصر ميرافلوريس الرئاسي، وبمؤامرة أخرى، تسمى “عملية هرمجدون”، لاغتياله في عرض عسكري في يوليو / تموز 2017. بعد مرور أكثر من عام، حاول قادة المعارضة المنفيون قتل مادورو من خلال استهدافه بالقنابل من طائرة بدون طيار خلال عرض عسكري في كاراكاس، وقد فشلوا في ذلك.

 

قبل أكثر من عقد على هذه المؤامرات، تم اختيار مجموعة من طلاب المعارضة اليمينيين من قبل نخبة من أتباع أكاديمية تغيير النظام الممولة من قبل الولايات المتحدة للإطاحة بحكومة فنزويلا واستعادة النظام النيوليبرالي.

 

في 5 تشرين الأول – أكتوبر 2005، مع بلوغ شعبية شافيز ذروتها وتخطيط حكومته لبرامج اشتراكية واسعة، وصل خمسة “قادة طلابيين” فنزويليين إلى بلغراد، عاصمة صربيا، لبدء التدريب على الانتفاضة.

 

وقد وصل الطلاب من فنزويلا إلى مركز العمل والاستراتيجيات اللاعنفية CANVAS. ويتم تمويل هذه المجموعة إلى حد كبير من خلال “الصندوق الوطني للديمقراطية”، وهو عبارة عن واجهة لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي أيه) ويعمل بمثابة الذراع الرئيسية للحكومة الأميركية لتشجيع تغيير النظام، وهناك فروع أخرى مثل “المعهد الجمهوري الدولي” و”المعهد الديمقراطي الوطني للشؤون الدولية”. ووفقًا لرسائل البريد الإلكتروني الداخلية التي تم تسريبها من معهد ستراتفور، وهو شركة استخبارات تُعرف باسم “ظل السي آي إيه”، فإن مركز “كانفاس” “CANVAS” ربما يكون قد تلقى أيضًا تمويلاً وتدريبًا من وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية خلال النضال ضد الرئيس اليوغوسلافي سلوبودان ميلوسيفيتش في عامي 1999 – 2000″.

 

“كانفاس” هو عبارة عن مجموعة من جماعة “أوتبور” Otpor، وهي جماعة احتجاج صربية أسستها سرغيا بوبوفيتش في عام 1998 في جامعة بلغراد. كانت “أوتبور”، التي تعني “المقاومة” في اللغة الصربية، هي المجموعة الطلابية التي اكتسبت شهرة دولية – وتم الترويج لها على مستوى هوليوود – من خلال تعبئة الاحتجاجات التي أطاحت في نهاية المطاف بسلوبودان ميلوسيفيتش.

 

كانت هذه الخلية الصغيرة من أخصائيي تغيير النظام تعمل وفقًا لنظريات الراحل جيني شارب Gene Sharp، الذي أطلق عليه “كلاوزفيتز للنضال اللاعنفي” في إشارة إلى استراتيجيات وتكتيات الحرب للمؤرخ الحربي البروسي كارل فون كلاوزفيتز (1780 – 1831). عمل شارب مع المحلل السابق في وكالة الاستخبارات العسكرية، العقيد روبرت هيلفي، لإعداد مخطط استراتيجي جعل الاحتجاج شكلاً من أشكال الحرب الهجينة، وصوّبه إلى الدول التي قاومت هيمنة واشنطن الأحادية القطبية.

 

وقد تم دعم “أوتبور” Otpor من قبل “الصندوق الوطني للديمقراطية”، والوكالة الأميركية للتنمية الدولية، ومعهد ألبرت أينشتاين التابع لشارب. وقال سينيسا سايكمان، أحد المدربين الرئيسيين لدى “أوتبور”، ذات مرة، إن المجموعة تلقت تمويلاً مباشراً من “السي آي إيه”.

 

ووفقًا لرسالة إلكترونية تم تسريبها من أحد موظفي مركز “ستراتفور”، بعد أن خرج ميلوسيفيتش من السلطة، “لقد كبر الأطفال الذين أقاموا في أوتبور”  OTPOR، وحصلوا على بدلات وصمموا “كانفاس” CANVAS … أو بعبارة أخرى مجموعة” تصدير الثورة “التي زرعت بذور عدد من الثورات الملوّنة. فهم ما زالوا مدمنين على التمويل الأميركي ويذهبون إلى جميع أنحاء العالم في محاولة للإطاحة بالدكتاتوريين والحكومات الاستبدادية (تلك التي لا تحبّها الولايات المتحدة)”.

 

وكشف “ستراتفور” أن “CANVAS” حوّلت انتباهها إلى فنزويلا في عام 2005، بعد تدريب حركات المعارضة التي قادت عمليات تغيير النظام الموالية لمنظمة حلف شمال الأطلسي في جميع أنحاء أوروبا الشرقية. وأثناء مراقبة برنامج تدريب CANVAS، حدد “ستراتفورد” أجندة تمرده بلغة حادة بشكل مدهش: “النجاح ليس مضمونًا بأي حال، والحركات الطلابية هي فقط في بداية ما يمكن أن يكون جهدًا طويلًا لإطلاق ثورة في فنزويلا، ولكن المدربين أنفسهم هم الأشخاص الذين يقطعون أسنانهم عند “جزار البلقان”. لديهم مهارات جنون. عندما ترى طلاباً في خمس جامعات فنزويلية يقومون بتظاهرات متزامنة، ستعرف أن التدريب قد انتهى وأن العمل الحقيقي قد بدأ”.

 

خلق كوادر تغيير النظام.. “الجيل 2007”

“العمل الحقيقي” بدأ بعد ذلك بعامين، في عام 2007، عندما تخرج غوايدو من جامعة أندريه بيلو الكاثوليكية في كاراكاس، وانتقل إلى واشنطن العاصمة للالتحاق ببرنامج إدارة الحكم والسياسة في جامعة جورج واشنطن، تحت إشراف الاقتصادي الفنزويلي لويس إنريكي بريزبيتيا، أحد كبار الاقتصاديين النيوليبراليين في أميركا اللاتينية. بريزبيتيا هو المدير التنفيذي السابق لصندوق النقد الدولي (IMF) الذي أمضى أكثر من عشر سنوات في قطاع الطاقة الفنزويلي، في ظل نظام حكم الأوليغارشية القديم الذي أطاح به شافيز.

 

في ذلك العام، ساعد غوايدو في قيادة التجمعات المناهضة للحكومة بعد رفض الحكومة الفنزويلية تجديد ترخيص تلفزيون راديو كراكاس Radio Caracas Televisión (RCTV). هذه المحطة المملوكة للقطاع الخاص قد لعبت دوراً قيادياً في انقلاب عام 2002 ضد هوغو شافيز. وساعدت هذه القناة في حشد المتظاهرين المناهضين للحكومة، وزيّفت المعلومات التي وجهت اللوم إلى مؤيدي الحكومة بسبب أعمال العنف التي قام بها أعضاء المعارضة، وحظرت التقارير الموالية للحكومة وسط الانقلاب. تم تأريخ دور قناة RCTV  وغيرها من المحطات التي يملكها الأوليغارشيون في قيادة محاولة الانقلاب الفاشلة في الفيلم الوثائقي الشهير المعنون “لن يتم تغطية الثورة تلفزيونياً” (The Revolution Will Not Be Televised).

 

في العام نفسه، ادعى الطلاب أنهم يثنون على استفتاء شافيز الدستوري من أجل “اشتراكية القرن الواحد والعشرين” التي وعدت “بوضع الإطار القانوني لإعادة التنظيم السياسي والاجتماعي للبلاد، وإعطاء السلطة المباشرة للمجتمعات المنظمة كشرط مسبق لتنمية نظام اقتصادي جديد “.

 

من الاحتجاجات حول قناة RCTV والاستفتاء الدستوري، ولد كادر متخصص من نشطاء تغيير النظام من الطبقة المدعومة من الولايات المتحدة. لقد أطلقوا على أنفسهم اسم “الجيل 2007”.

 

حدد مدرّبو مركزي ستراتفور Stratfor وكانفاسCANVAS  لهذه الخلية الحليفة لغوايدو منظّم الشارع يدعى يون غويكويشيا Yon Goicoechea “كعامل أساسي” في هزيمة الاستفتاء على الدستور. وفي العام التالي، تم تكريم غويكويشيا على جهوده بجائزة ميلتون فريدمان للحرية المتقدمة التي يقدمها معهد كاتو، إلى جانب جائزة قدرها 500 ألف دولار، استثمرها على الفور في بناء شبكة  “العدالة أولاً” (بريميرو جوستيسيا) السياسية الخاصة به.

 

كان فريدمان، بطبيعة الحال، هو الأب الروحي لصبيان شيكاغو النيوليبراليين سيئي السمعة الذين استوردهم إلى تشيلي زعيم المجلس العسكري الدكتاتوري أوغستو بينوشيه لتنفيذ سياسات “التقشف المالي” المتطرف. ومعهد كاتو هو مؤسسة بحثية ليبرالية مقرها واشنطن العاصمة، أسسها الأخوان كوش، وهما من كبار المتبرعين للحزب الجمهوري، واللذين أصبحا من المؤيدين العدائين للجناح اليميني في أميركا اللاتينية.

 

نشر موقع “ويكيليكس” بريدًا إلكترونيًا من عام 2007 يعود للسفير الأميركي في فنزويلا، وليام براونفيلد، أرسل إلى وزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي ووزارة الدفاع الأميركية، والقيادة العسكرية الجنوبية التي أشادت بـ”الجيل 2007″ لقيامها “بإجبار الرئيس الفنزويلي، المعتاد على وضع الأجندة السياسية، على رد فعل بصورة مبالغة فيها”. وكان من بين “القادة الناشئين” الذين حددهم براونفيلد، فريدي غيفارا ويون غويكويشيا. وأشاد السفير بالشخص الأخير باعتباره “واحداً من الطلاب الأكثر دفاعاً بوضوح عن الحريات المدنية”.

 

بعد تدفق الأموال النقدية من الأوليغارشية الليبراليين ومجموعات القوة الناعمة في حكومة الولايات المتحدة، أخذ الكوادر الفنزويليون المتطرفون تكتيكات “أوبتور” Optor إلى الشوارع، بالإضافة إلى نسخة من شعار المجموعة.

 

إثارة القلاقل العامة لتوظيفها ضد شافيز

في عام 2009 ، قام نشطاء “الجيل 2007” من الشباب بتظاهراتهم الأكثر استفزازاً، وقاموا بإسقاط بناطيلهم في الطرق العامة وتثبيت تكتيكات مسرح “حرب العصابات” الفاضحة التي رسمها جين شاربGene Sharp  في دليل تغيير النظام. كان المحتجون قد “حشدوا ضد اعتقال حليف من مجموعة أخرى من الشباب الجدد تسمى “جافو” JAVU. هذه المجموعة اليمينية المتطرفة “جمعت الأموال من مجموعة متنوعة من مصادر الحكومة الأميركية، الأمر الذي سمح لها بكسب الشهرة بسرعة مثل الجناح المتشدد من حركات الشوارع المعارضة”، وفقاً لكتاب جورج سيكارييللو ماهر، المعنون بـ”بناء الكومونة”.

 

في حين أن فيديو الاحتجاج غير متوفر، فإن العديد من الفنزويليين قد حددوا غوايدو كأحد المشاركين الرئيسيين. في حين أن الادعاء غير مثبت، فمن المؤكد أنه مقبول. كان المتظاهرون العاريون أعضاءً في النواة الداخلية “للجيل 2007” والتي ينتمي إليها غوايدو، وكانوا يرتدون ملابسهم الخاصة المكتوب عليها: “إلى المقاومة فنزويلا” Resistencia! Venezuela) (.

 

في تلك السنة، عرض غوايدو نفسه للجمهور بطريقة أخرى، حيث أسس حزباً سياسياً للاستيلاء على الطاقة المعادية لشافيز التي زرعها “الجيل 2007”. أطلق على الحزب اسم “الإرادة الشعبية”، وقاده ليوبولدو لوبيز، وهو من الجناح اليميني وخريج جامعة برنستون الأميركية، وهو متورط بقوة في برامج “الصندوق الوطني للديمقراطية” الأميركي، وانتُخِب رئيسًا لبلدية مقاطعة كاراكاس التي كانت واحدة من أغنى البلديات في البلاد. كان لوبيز صورة لأرستقراطية فنزويلية، ينحدر مباشرة من أول رئيس لبلاده. كما كان إبن عم ثور هالفورسن، مؤسس مؤسسة حقوق الإنسان التي تتخذ من الولايات المتحدة مقراً لها، والتي تعمل كمركز دعاية فعلي للناشطين المناهضين للحكومة المدعومين من الولايات المتحدة في البلدان التي تستهدفها واشنطن لتغيير النظام فيها.

 

على الرغم من أن اهتمامات لوبيز تتماشى بدقة مع اهتمامات واشنطن، فقد أبرزت البرقيات الدبلوماسية الأميركية التي نشرها موقع “ويكيلياكس” الاتجاهات المتعصبة التي ستؤدي في نهاية المطاف إلى تهميش حزب “الإرادة الشعبية”. وقد عرّفت برقية أميركية لوبيز بأنه “شخصية مثيرة للانقسام داخل المعارضة … وغالباً ما يوصف بأنه متعجرف، ومنتقد، ومتعطش للسلطة”. وأبرزت برقيات آخرى هوسه بالمواجهات في الشارع و”نهجه المتصلب” كمصدر للتوتر مع قادة المعارضة الآخرين الذين أعطوا الأولوية للوحدة والمشاركة في المؤسسات الديمقراطية في البلاد.

 

بحلول عام 2010، تحرك حزب “الإرادة الشعبية” وأنصاره الأجانب لاستغلال أسوأ موجة جفاف ضربت فنزويلا خلال عقود. وقد ضربت البلاد نقصاً هائلاً في الكهرباء بسبب قلة المياه، التي كانت مطلوبة لتشغيل محطات الطاقة الكهرومائية. تسبب الركود الاقتصادي العالمي وانخفاض أسعار النفط في تفاقم الأزمة، مما أدى إلى استياء الرأي العام في فنزويلا.

 

قام كل من معهدي ستراتفور Stratfor وكانفاس CANVAS – المستشارين الرئيسيين لغوايدو وكادره المناهض للحكومة – بوضع خطة مثيرة للسخرية لغرس خنجر في قلب الثورة البوليفارية. راهن هذا المخطط على انهيار النظام الكهربائي في البلاد بنسبة 70٪ بحلول نيسان – أبريل 2010.

 

وقالت مذكرة “ستراتفور” الداخلية: “هذا يمكن أن يكون حدثًا فاصلاً، حيث أن هناك القليل الذي يمكن لشافيز فعله لحماية الفقراء من فشل هذا النظام. من المحتمل أن يكون لهذا الأمر تأثير الاضطرابات العامة بطريقة لا يمكن لأي مجموعة معارضة أن تأمل في توليدها. في هذه المرحلة الزمنية، من الأفضل استخدام مجموعة معارضة للاستفادة من الوضع وتدويره ضد تشافيز وتلبية احتياجاتهم”.

 

عند هذه النقطة، كانت المعارضة الفنزويلية تتلقى ما يتراوح بين 40 و50 مليون دولار سنوياً من منظمات حكومية أميركية مثل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) والصندوق الوطني للديمقراطية، وذلك وفقاً لتقرير صادر عن معهد الأبحاث الإسباني، معهد فريد FRIDE. كانت لديها أيضاً ثروة هائلة للاستفادة من حساباتها الخاصة، والتي كانت في معظمها خارج البلاد.

 

في حين أن السيناريو الذي تم تصوّره من قبل “ستراتفور” لم يؤتِ ثماره، فإن نشطاء حزب “الإرادة الشعبية” وحلفاءهم وضعوا جانباً أي تظاهر غير عنيف وانضموا إلى خطة راديكالية لزعزعة استقرار البلاد.

 

عند هذه النقطة، كانت المعارضة الفنزويلية تتلقى ما يتراوح بين 40 و50 مليون دولار سنوياً من منظمات حكومية أميركية مثل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) والمنظمة الوطنية للديمقراطية، وفقاً لتقرير صادر عن معهد الأبحاث التابع للمعهد الأسباني. كان لديها أيضاً ثروة هائلة للاستفادة من حساباتها الخاصة، والتي كانت في معظمها خارج البلاد.

 

نحو زعزعة استقرار فنزويلا

في تشرين الثاني – نوفمبر 2010، وذلك وفقاً لرسائل البريد الإلكتروني التي حصلت عليها الأجهزة الأمنية الفنزويلية والتي قدمها وزير العدل السابق ميغيل رودريغز توريس، تلقى غوايدو، وغويكويشيا والعديد من النشطاء الطلاب الآخرين تدريباً سرياً لمدة خمسة أيام في فندق “فيستا مكسيكانا” Fiesta Mexicana في مكسيكو سيتي، عاصمة المكسيك. وقد أُدير التدريب من قبل مجموعة “أوتبور”، المدربين على تغيير نظام الحكم بدعم من الحكومة الأميركية، ومقرهم واشنطن. وبحسب ما تم نقله، تلقى الاجتماع بركة أوتو رايش، وهو مناهض كوبي لكاسترو منفي ويعمل في إدارة جورج دبليو بوش، ومن الرئيس الكولومبي السابق اليميني ألفارو أوريبي.

 

وذكرت رسائل البريد الإلكتروني أنه في فندق “فيستا مكسيكانا”، وضع غوايدو وزملاؤه النشطاء خطة للإطاحة بالرئيس هوغو شافيز عن طريق توليد فوضى من خلال اضطرابات طويلة المدة من عنف الشوارع.

 

وزعمت الرسائل أن ثلاثة شخصيات في صناعة البترول، هم غوستافو تورار، وإيليجيو سيدينو، وبيدرو بوريلي، قد غطوا الكلفة التي تبلغ 52 ألف دولار لعقد الاجتماع. تورار هو “ناشط في مجال حقوق الإنسان” و”مثقف” وشقيقه الأصغر رينالدو توفار أرويو هو ممثل فنزويلا في شركة النفط والغاز المكسيكية الخاصة “بتروكيميكا ديل غولفو”، التي لديها عقد مع الدولة الفنزويلية.

 

أما سيدينو فهو رجل أعمال فنزويلي هارب طلب اللجوء في الولايات المتحدة الأميركية، وبيدرو بوريلي المدير التنفيذي السابق لبنك “جيه بي مورغان”، والمدير السابق لشركة النفط الوطنية الفنزويلية، “بترول فنزويلا  (PDVSA).

 

غادر بوريلي في عام 1998 عندما تولى هوغو شافيز السلطة، وهو عضو في اللجنة الاستشارية لبرنامج القيادة في أميركا اللاتينية في جامعة جورجتاون. وأصر بوريلي على أن رسائل البريد الإلكتروني التي تفصّل مشاركته في هذا الاجتماع قد تم تلفيقها، بل إنه استأجر محققًا خاصًا لإثبات ذلك. وأعلن المحقق أن سجلات “غوغل” قد أظهرت أن رسائل البريد الإلكتروني المزعومة لم يتم نقلها أبدًا.

 

ومع ذلك، لا يخفي بوريلي اليوم رغبته في رؤية رئيس فنزويلا الحالي، نيكولاس مادورو، قد أطيح به – بل أن يتم جرّه في شوارع البلاد وإعدامه “على خازوق”، كما جرى مع الزعيم الليبي معمر القذافي على يد رجال ميليشيا كان يدعمهم حلف شمال الأطلسي.

وينسب التقرير إلى مؤامرة فندق “فيستا مكسيكانا” المزعومة خطة أخرى لزعزعة استقرار فنزويلا كشفت في سلسلة من الوثائق التي تنتجها الحكومة الفنزويلية. ففي أيار – مايو 2014، أصدرت كاراكاس وثائق توضح بالتفصيل مؤامرة اغتيال الرئيس نيكولاس مادورو. وحددت التسريبات هوية ماريا كورينا ماتشادو ومقرها ميامي كقائدة لهذه الخطة. كانت ماتشادو متشددة ولها ميل للخطب المتطرفة، وهي تعمل كحلقة وصل دولية للمعارضة، وقد زارت الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش في عام 2005.

 

“أعتقد أن الوقت قد حان لتوحيد الجهود، إجراء المكالمات الضرورية، والحصول على تمويل لإبادة مادورو، والباقي سينهار”، كتبت ماتشادو في رسالة بالبريد الإلكتروني إلى دييغو أريا، الدبلوماسي الفنزويلي السابق، في عام 2014.

 

وفي رسالة إلكترونية أخرى، زعمت ماتشادو أن المؤامرة العنيفة كانت بمباركة السفير الأميركي في كولومبيا، كيفن ويتاكر. وقالت: “لقد اتخذت قراري بالفعل وستستمر هذه المعركة حتى يتم إسقاط هذا النظام ونقدمه لأصدقائنا في العالم. إذا ذهبت إلى سان كريستوبال وعرّفت نفسي أمام منظمة الدول الأميركية، فأنا لا أخشى شيئًا. وقد أكد كيفن ويتاكر بالفعل دعمه وأشار إلى الخطوات الجديدة. لدينا دفتر شيكات أقوى من النظام لكسر حلقة الأمن الدولية من حوله”.

 

 

 

غوايدو يتجه إلى المتاريس

 

في شهر شباط – فبراير 2014، قام المتظاهرون الطلاب الذين يعملون كقوات صدمية للأوليغارشية المنفية بإقامة الحواجز العنيفة في جميع أنحاء البلاد، ليحوّلوا الأحياء التي تسيطر عليها المعارضة إلى قلاع عنيفة تعرف باسم “غواريمباس” guarimbas. في حين صوّرت وسائل الإعلام الدولية الاضطرابات باعتبارها احتجاجًا عفويًا ضد حكم مادورو ذي القبضة الحديدية، كان هناك دليل كبير على أن حزب “الإرادة الشعبية” كان يقوم بتنظيم هذا العرض.

 

وقال أحد المشاركين في مجموعات “غواريمباس” في ذلك الوقت: “لم يكن أي من المتظاهرين في الجامعات يرتدي قميصه الجامعي، وكانوا جميعهم يرتدون قمصان “تي شيرتات” حزب “الإرادة الشعبية”   Popular Will  أو “العدالة أولاً” Justice First . وأضاف:  “ربما كانوا مجموعات طلابية، لكن مجالس الطلاب تابعة لأحزاب المعارضة السياسية وهم مسؤولون أمامهم”.

 

وعندما سُئل مشارك في “غواريمباس”عمن هم قادة العصابة، أجاب: “حسناً إذا كنت صادقاً تماماً، فهؤلاء هم النواب الآن”.

 

قُتل حوالي 43 شخصًا خلال أعمال شغب “غواريمباس” في عام 2014. بعد ثلاث سنوات، اندلعت الأعمال الشغب مجدداً، مما تسبب في تدمير شامل للبنية التحتية العامة، وقتل مؤيدي الحكومة، وموت 126 شخصاً، وكثير منهم كانوا مؤيدين للتشافيزية. وفي حالات عدة، أُحرق أنصار الحكومة وهم على قيد الحياة من قبل العصابات المسلحة.

 

شارك غوايدو مباشرة في أعمال شغب “غواريمباس” لعام 2014. في الواقع، قام بالتغريد على توتير بفيديو يظهر نفسه فيه مرتديًا خوذة وقناع غاز، ومحاطًا بعناصر مقنعة ومسلّحة أغلقت طريقًا سريعًا حيث كانوا يشتبكون في صدام عنيف مع الشرطة. وفي إشارة إلى مشاركته في “الجيل 2007″، أعلن غوايدو قائلاً: “أتذكر في عام 2007، لقد أعلنا:(أيها الطلاب! “الآن، نهتف: مقاومة! مقاومة!)”.

وقد حذف غوايدو التغريدة لاحقاً، مما يدل على قلق واضح من تأثيرها على صورته كبطل للديمقراطية.

 

في 12 شباط – فبراير 2014، خلال ذروة أعمال “غواريمباس” في ذلك العام، انضم غوايدو إلى لوبيز على المنصة في تجمع لحزب “الإرادة الشعبية” وحركة “العدالة أولاً”. وخلال خطبة طويلة ضد الحكومة، حض لوبيز الحشد على السير إلى مكتب المدعي العام لويزا أورتيغا دياز. بعد فترة وجيزة، تعرض مكتب دياز للهجوم من قبل العصابات المسلحة التي حاولت حرقه كاملاً. وقد نددت دياز بما وصفته “بالعنف المخطط والمتعمد”.

 

في ظهور متلفز في عام 2016، رفض غوايدو إحصائيات الوفيات الناجمة عن “غواياس” guayas – وهو تكتيك لمجموعة “غواريمباس” التي تشمل مدّ أسلاك الفولاذ عبر الطريق من أجل إصابة أو قتل سائقي الدراجات النارية، ووصف ذلك بـ”الأسطورة”. تعليقاته حاولت تبييض صورة تكتيك قاتل قتل مدنيين مثل سانتياغو بيدروزا وقطع رأس رجل يدعى ألفيس دوران، من بين آخرين كثيرين.

 

هذا التجاهل القاسي للحياة البشرية سيحدد صورة حزب “الإرادة الشعبية” في عيون الكثير من الجمهور، بمن في ذلك العديد من معارضي مادورو.

 

صعود حزب “الإرادة الشعبية”

مع تصاعد العنف والاستقطاب السياسي في جميع أنحاء البلاد، بدأت الحكومة الفنزويلية في التحرك ضد قادة حزب “الإرادة الشعبية” الذين ساعدوا في تأجيج أعمال الشغب.

 

كان فريدي غيفارا، نائب رئيس الجمعية الوطنية والثاني في قيادة حزب “الإرادة الشعبية”، قائدًا رئيسيًا في أعمال الشغب في الشوارع في عام 2017. وفي مواجهة محاكمة لدوره في أعمال العنف، لجأ غيفارا إلى السفارة التشيليّة حيث لا يزال هناك.

 

كان “ليستر توليدو”، وهو نائب عن حزب “الإرادة الشعبية” من ولاية زوليا، مطلوبًا لدى الحكومة الفنزويلية في أيلول – سبتمبر 2016 بتهمة تمويل الإرهاب والتآمر التنفيذ اغتيالات. وقيل إن الخطط تُدبر مع الرئيس الكولومبي السابق، آلافارو أوريبي. فرّ توليدو من فنزويلا وذهب في العديد من جولات التحدث مع منظمة “هيومن رايتس ووتش”، و”فريدوم هاوس” الذي تدعمه الحكومة الأميركية، والكونغرس الإسباني، والبرلمان الأوروبي.

 

كارلوس غريف، وهو عضو آخر من “الجيل 2007” المدربين من قبل منظمة “أوتبور” والذي قاد حزب “الإرادة الشعبية”، اعتقل في يوليو- تموز 2017. وبحسب الشرطة الفنزويلية، وُجدت في حوزته حقيبة مليئة بالمسامير ومتفجرات من نوع “سي فور” C4 ومفجر. وتم الإفراج عنه في 27 كانون الأول – ديسمبر 2017.

 

ليوبولدو لوبيز، زعيم حزب “الإرادة الشعبية” لفترة طويلة، هو الآن تحت الإقامة الجبرية، ومتهم بلعب دور رئيسي في وفاة 13 شخصاً أثناء أعمال شغب “غواريمباس” في عام 2014. واعتبرت “منظمة العفو الدولية” لوبيز بأنه “سجين رأي” وانتقدت نقله من السجن إلى الإقامة الجبرية في المنزل، معتبرة الأمر “غير جدي بشكل كافٍ”. في غضون ذلك، قدم أفراد عائلة ضحايا “غواريمباس” عريضة لتوجيه مزيد من التهم ضد لوبيز.

 

يون غويكويشيا، المرتبط بالأخوين كوش ومؤسس حركة “العدالة أولاً” المدعومة من الولايات المتحدة، أُلقي عليه القبض في عام 2016 من قبل قوات الأمن التي ادعت أنها عثرت على كيلو من المتفجرات في سيارته. وفي مقالة افتتاحية لصحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، احتج غويكويشيا على هذه الاتهامات ووصفها بأنها “ملفقة” وادعى أنه قد تم سجنه ببساطة بسبب “حلمه بمجتمع ديمقراطي، خال ٍمن الشيوعية”. وتم إطلاق سراحه في تشرين الثاني – نوفمبر 2017.

ديفيد سمولانسكي، وهو أيضًا عضو في “الجيل 2007” المدرّب من قبل منظمة “أوتبور” الأصلية، أصبح أصغر عمدة في فنزويلا على الإطلاق عندما تمّ انتخابه في عام 2013 في ضاحية “إل هاتيلو” الراقية. ولكن تم تجريده من منصبه وحكمت عليه المحكمة العليا بالسجن لمدة 15 شهراً بعد أن وجدته مذنباً بإثارة أعمال “غواريمباس” العنيفة.

 

وفي مواجهة الاعتقال، حلق سمولانسكي لحيته، وارتدى نظارته الشمسية، وانزلق إلى البرازيل متنكراً في زي كاهن، حاملاً “الكتاب المقدس” ومسبحة حول عنقه. وهو يعيش الآن في واشنطن العاصمة، حيث تم اختياره من قبل سكرتير منظمة الدول الأميركية لويس ألماغرو لقيادة الفريق المعني بأزمة المهاجرين واللاجئين الفنزويليين.

 

في 26 تموز – يوليو، عقد سمولينسكى ما وصفه بـ”لم الشمل الودي” مع إليوت أبرامز، المدان في قضية “إيران – كونترا” والمعيّن من قبل الرئيس الأميركي دونالد ترامب كمبعوث أميركي خاص لفنزويلا. اشتُهر أبرامز بالإشراف على السياسة الأميركية السرية لتسليح فرق الموت اليمينية خلال ثمانينيات القرن العشرين في نيكاراغوا والسلفادور وغواتيمالا. وقد أدى دوره القيادي في الانقلاب الفنزويلي إلى إثارة مخاوف من احتمال اندلاع حرب وكالة دموية أخرى.

 

قبل أربعة أيام، أطلقت ماتشادو تهديدًا عنيفًا آخر ضد مادورو، معلنة أنه إذا “أراد أن ينقذ حياته، فعليه أن يفهم أن وقته قد انتهى”.

 

أسباب صعود غوايدو

إن انهيار حزب “الإرادة الشعبية” تحت وطأة حملة العنف لزعزعة الاستقرار التي قادها الحزب، قد أبعدت قطاعات واسعة من الجمهور عنه وجعلت الكثير من قيادته في المنفى أو في الحجز. وظل غوايدو شخصية ثانوية نسبياً، بعد أن أمضى معظم حياته المهنية التي استمرت تسع سنوات في “الجمعية الوطنية” (البرلمان) نائباً بديلاً. آتياً من ولاية هي الأقل سكاناً في فنزويلا، جاء غوايدو في المرتبة الثانية خلال الانتخابات البرلمانية لعام 2015، حيث حصل على 26٪ فقط من الأصوات من أجل الحصول على مكانه في الجمعية الوطنية. في الواقع، ربما يكون قعره معروفًا أكثر من وجهه.

 

ومن المعروف أن غوايدو هو رئيس “الجمعية الوطنية” التي تهيمن عليها المعارضة، لكنه لم ينتخب لهذا المنصب. وقد قررت أحزاب المعارضة الأربعة التي تشكلت أجندة “الوحدة الديمقراطية في الجمعية” إقامة رئاسة متناوبة للبرلمان. كان دور حزب “الإرادة الشعبية” آتياً في الطريق، لكن مؤسسه لوبيز كان تحت الإقامة الجبرية. وفي هذه الأثناء، لجأ غيفارا، المسؤول الثاني في الحزب، إلى السفارة التشيلية. شخصية أخرى إسمه خوان أندريس ميجيا كان سيكون التالي في الصف، ولكن لأسباب ليست واضحة حتى الآن، تم اختيار خوان غوايدو لرئاسة البرلمان.

 

لاحظ المحلل الفنزويلي “سيكويرا” أن هناك تفسيراً طبقياً يفسّر صعود غوايدو. فـ”ميجيا هو من الدرجة العالية، درس في واحدة من أغلى الجامعات الخاصة في فنزويلا، ولا يمكن تسويقه بسهولة للجمهور كما كان بالإمكان تسويق غوايدو. فغوايدو لديه ميزات كونه مختلط العرق مثل معظم الفنزويليين، ويبدو أكثر كأي رجل من الناس. كما أنه لم يكن معرّضًا بشكل مفرط في وسائل الإعلام، لذا يمكن أن يتم إعداده في أي شيء تقريبًا”.

 

في كانون الأول – ديسمبر عام 2018، تسلل غوايدو عبر الحدود وهرع إلى واشنطن وكولومبيا والبرازيل لتنسيق خطة لتنظيم تظاهرات حاشدة خلال تنصيب الرئيس مادورو. وفي الليلة التي سبقت مراسم أداء مادورو، دعا كل من نائب الرئيس الأميركي مايك بينس ووزيرة الخارجية الكندية كريستيا فريلاند، غوايدو لتأكيد دعمهما له. وبعد أسبوع، انضم أعضاء الكونغرس الأميركي السيناتور ماركو روبيو، والسيناتور ريك سكوت والنائب ماريو دياز-بالارت، وجميعهم من قاعدة فلوريدا للوبي اليميني الكوبي في المنفى، إلى الرئيس ترامب ونائبه بينس في البيت الأبيض. وبناءً على طلبهم، وافق ترامب على أنه إذا أعلن غايدو نفسه رئيسًا، فسوف يدعمه.

 

التقى وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو شخصياً بغوايدو في 10 كانون الثاني – يناير الجاري، وفقاً لصحيفة وول ستريت جورنال. ومع ذلك، لم يستطع بومبيو نطق اسم غوايدو بشكل صحيح عندما ذكره في مؤتمر صحافي في 25 كانون الثاني – يناير، مشيرًا إليه باسم “خوان غيدو”.

 

بحلول 11 كانون الثاني – يناير 2019، تم تحرير صفحة غوايدو على ويكيبيديا 37 مرة، مما يبرز الجهد من أجل تشكيل صورة شخصية مجهولة سابقاً والتي هي الآن أداة لطموحات واشنطن لتغيير النظام. في النهاية، تم تسليم الإشراف التحريري لصفحته إلى مجلس نخبة ويكيبيديا من “أمناء المكتبات” الذين أعلنوا عنه رئيس فنزويلا “المتنازع عليه”.

 

قد يكون غوايدو شخصية غامضة، لكن مزجه بين الراديكالية والانتهازية يرضي احتياجات واشنطن. وقالت إدارة ترامب عن غوايدو: “هذه القطعة الداخلية كانت مفقودة. لقد كان الجزء الذي نحتاجه لاستراتيجيتنا لتكون متماسكة وكاملة”.

 

تكلم السفير الأميركي السابق لدى فنزويلا، براونفيلد، بحماس لصحيفة نيويورك تايمز، قائلاً: ” لأول مرة، لديكم زعيم المعارضة الذي يشير بوضوح إلى القوات المسلحة وقوات إنفاذ القانون بأنه يريد الاحتفاظ بها على جانب الملائكة ومع الرجال الأخيار”.

 

لكن حزب غويدو، “الإرادة الشعبية”، قد شكّل “قوات الصاعقة” في “غواريمباس” التي تسببت في مقتل ضباط شرطة ومواطنين عاديين على حد سواء. لقد تفاخر بمشاركته الخاصة في أعمال الشغب في الشوارع. والآن، كان على غوايدو أن يمحو هذا التاريخ الدموي من أجل أن يكسب قلوب وعقول رجال الجيش والشرطة.

 

في 21 كانون الثاني – يناير الجاري، وقبل يوم واحد من بدء الانقلاب بشكل جدي، بثّت زوجة غوايدو فيديو دعت فيه الجيش إلى الانتفاضة ضد مادورو. وكان أداؤها خشبيًا وغير ملهم، مما يبرز الاحتمالات السياسية المحدودة لزوجها. وبعد أربعة أيام، وفي مؤتمر صحافي أمام أنصاره، أعلن غوايدو عن حلّه للأزمة قائلاً: “أسمح بتدخل إنساني!”.

 

بينما ينتظر مساعدة مباشرة، يبقى غوايدو ما كان عليه دائماً- مشروع طفل مدلل لقوى خارجية ماكرة. وقال المحلل سكويرا عن الانقلاب الصوري: “لا يهم إذا حطم غوايدو وأحرق بعد كل هذه المغامرات. بالنسبة للأميركيين، إنه قابل للاستهلاك”.

 

 

 

كاتبا التحقيق هما: ماكس بلومنتال هو صحافي حائز على العديد من الجوائز ومؤلف العديد من الكتب، بما في ذلك “الجمهوري غومورا”، و”غولياث”، و”حرب الـ51 يوماً”، و”إدارة التوحش”. وقد نشر مقالات في مجموعة من المطبوعات، والعديد من تقارير الفيديو والأفلام الوثائقية، بما في ذلك “قتل غزة”. أسس بومنتال موقع “ذا غراي زون” The Grayzone في عام 2015 لتسليط الضوء الصحافي على حالة الحرب الدائمة لأميركا وانعكاساتها المحلية الخطيرة.

 

دان كوهين هو صحافي ومخرج. قام بإنتاج تقارير فيديو موزعة على نطاق واسع وكتابة مقالات، وهو مراسل في قناة “أر تي أميركا” RT America.

 

 

 

ترجمة: الميادين نت

قد يعجبك ايضا