عقولهم وعقولنا
موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية || العهد الاخباري: محمد محمود مرتضى
اطلق الامين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله في مقابلته الاخيرة مجموعة من المواقف، وكشف عددا من المعلومات. وقد لاقت هذه المقابلة اصداء واسعة، وتعرض مضمونها للكثير من التحليل والتشريح، لا سيما ما يرتبط بالعدو الاسرائيلي والصراع المفتوح معه، وبالخصوص عمليته التي اطلق عليها اسم “درع شمالي” والتي استهدفت الكشف عن انفاق على الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة.
ورغم التحليل الواسع لعظم مضمون المقابلة، الا ان ثمة عبارة وردت فيها لم يقف عندها أحد ( بالمقدار الذي اطلعت عليه) رغم اهميتها الشديدة والتي تلخص الصراع القائم بين المقاومة واسرائيل منذ ما يزيد عن اربعة وثلاثين عاماً.
ففي نهاية حديثه تقريبا عن العدو الاسرائيلي قال السيد نصر الله العبارة التالية: “عندهم عقول وعندنا عقول، وعقولنا اعظم من عقولهم”.
بالعودة الى بدايات انطلاق المقاومة الاسلامية في عملياتها ضد الاحتلال الاسرائيلي، خاضت المقاومة في البدايات معركة للتحرير بدأت بعمليات تقليدية في اطار ما يطلق عليه اسم حرب العصابات، وقد قلت انها تقليدية لأنها اعتمدت على الاسس المعروفة في هذا النوع من الحروب، أعني كمائن وهجمات على مواقع. الا أن العقل المقاوم في مراحل لاحقة قام بتطوير هذه العمليات، وقد لحق التطوير ليس ادخال اسلحة جديدة فحسب، بل اجراء تعديلات على بعض الاسلحة لاستعمالها في غير ما صنعت لأجله، فضلا عن القيام بنوع من المزج بين العمل العسكري والامني افضى الى توجيه ضربات قاتلة (نتيجة الاختراق الامني الكبير الذي حققته المقاومة) أدت في النهاية الى اندحار الاحتلال من الاراضي اللبنانية (باستثناء مزارع شبعا).
بعد التحرير كان التحدي الاكبر الذي يواجه المقاومة هو تطوير صيغة واستراتيجية عسكرية لأي مواجهة مقبلة، خاصة وان كل المعطيات كانت تشير الى نية العدو بشن حرب على لبنان يعيد من خلالها الاعتبار الى الهزيمة التي لحقت به جراء الانسحاب المذل من لبنان. كان التحدي الكبير يرتبط بتطوير استراتيجية عسكرية تستطيع ان تجمع بين المواجهة المباشرة وحرب العصابات. فالمقاومة تعلم جيدا، وهي لا تستخف بقدرات العدو العسكرية، أن ان مواجهة مباشرة على الطريقة التقليدية ستعني الانتصار الحتمي للعدو نظرا للفارق الكبير في الامكانيات لا سيما مع الهيمنة الجوية، كما ان حرب العصابات انما تنفع عند تمركز العدو على الارض لا في حالة الهجوم لا سيما مع غطاء جوي كثيف. وقد استطاع العقل المقاوم من تطوير استراتيجية تجمع بين حرب العصابات والمواجهة التقليدية، عبر التخطيط لسلسلة من الانفاق التي تسمح للمقاومة بالخروج والعودة واطلاق الصواريخ وتحضير الكمائن المبنية على التوقع لحركة العدو ومساراته الميدانية. وقد اثبتت هذه الاستراتيجية نجاعتها وافضت الى نصر كبير في حرب تموز عام 2006.
هذا على الصعيد العسكري، اما على الصعيد الامني، فان حرب الادمغة لم تتوقف يوما، لا قبل التحرير ولا بعده، صحيح ان العدو قد حقق بعض الاختراقات، الا أن العقل المقاوم قد منع الكثير من الاختراقات وفكك الكثير من الشبكات، ووجه الكثير من الضربات ايضا.
وفي اطار حرب العقول هذه كانت الحرب النفسية جزءاً منها، وقد حققت المقاومة في ذلك خطوات جبارة، يكفي ان المقاومة استطاعت تحصين بيئتها من نتائج أية حرب نفسية عليها، فتحولت التهديدات الصهيونية الى مادة للاستهزاء واطلاق الدعابات، وفي المقابل اخترق الامين العام في اطلالاته المجتمع الصهيوني وبات المستوطنون ينتظرون كلماته لمعرفة ما يدور داخل مجتمعهم بسبب الكم الهائل من الاكاذيب التي يطلقها المسؤولون عندهم.
وفي الجانب التكنولوجي، لا يزال العدو الصهيوني، عند كل منعطف يتحدث عن الاختراق الذي حققته المقاومة لطائرات التجسس ونصب كمين انصارية بناء على هذا الاختراق.
ما بين تطوير استراتيجيات عسكرية، واخرى أمنية، وثالثة نفسية، ورابعة تكنولوجية، الحقة هزائم متعددة بالعدو، وتنتظره لإحداث مفاجآت كبيرة في حال قرر المغامرة بحرب جديدة، من الواضح ان هذه الانجازات لم تكن لتحدث لولا وجود عقول فعالة، نشطة، مرنة، وعميقة تقف خلف هذه الانجازات.
وبالعودة الى المواقف التي اطلقها سماحة الامين العام في مقابلته الاخيرة حيث تلاعب بالمسؤولين الاسرائيليين، واعاد تشكيل وعي المستوطن بضعف كيانه بدل تفوقه بعكس ما كان سائدا سابقا، فان ما احتوته هذه المقابلة، لم يكن ليؤثر لولا تلك العقول التي راكمت الانجازات، ولذلك قلنا في البداية ان عبارة الامين العام: “عندهم عقول وعندنا عقول وعقولنا اعظم من عقولهم” تختصر تجربة المقاومة الاسلامية في لبنان كلها.