اجتماع #وارسو .. هروب الى الأمام وتطبيع مع العدو
موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية || موقع المنار: ذوالفقار ضاهر
قررت الادارة الاميركية جمع حلفائها وأدواتها في العالم والمنطقة في اجتماع يعقد في العاصمة البولندية وارسو في 13 و14 من شهر شباط/فبراير 2019، ويوجه بشكل اساسي ضد الجمهورية الاسلامية في ايران، في محاولة لاحتواء قدرات طهران المتعاظمة والعمل لمحاصرتها على مختلف الجبهات ورص عناصر الحلف المناهض لمحور المقاومة ضد ايران باعتبارها القلب النابض لهذا المحور، واللافت ان “اجتماع وارسو” ستحضره “اسرائيل” الى جانب بعض الانظمة الخليجية بما يحمله ذلك من تطبيع علني للعلاقات بين هذه الانظمة وتل ابيب.
ويطرح الاعلان عن هذا الاجتماع الكثير من التساؤلات التي تتمحور حول توقيته ومكانه والجهات التي ستحضره وجدول الاعمال الذي سيبحثه وصولا للنتائج التي قد تخرج عنه، في ظل مرحلة حساسة وانتقالية من حياة المنطقة بعد فشل الكثير من المخططات الاميركية والاسرائيلية والخليجية، كما ان المؤتمر في وارسو يعيد الى الذاكرة العديد من الاجتماعات واللقاءات الثنائية والجماعية التي كانت تعقد ضد ايران والمقاومة في خدمة المصالح الاميركية والاسرائيلية.
فهل الاجتماع في وارسو هو محاولة لاعادة الاذهان والتذكير بـ”حلف وارسو” الشهير الذي أسس من قبل اميركا والغرب لمواجهة الاتحاد السوفياتي ومن ما كان يسمى “المد الشيوعي” في الجوار الاوروبي والعالم، وهل اليوم يفيد الايحاء الاميركي بالعودة الى سياسة المحاور في العالم ضد بعض دول الاقليم والعالم؟ وأي مصلحة لبعض الدول العربية والخليجية بالمشاركة بمثل هذه التكتلات والاجتماعات ضد دولة جارة كإيران وبالتعاون مع كيان عدو غاصب لأرض فلسطين لم يقدم إلا الخراب لهذه المنطقة منذ عشرات السنين وحتى اليوم؟ وما هي المصلحة التي ستحصدها بعض الدول الاوروبية بالمشاركة في هذا الاجتماع؟ واي مصلحة ستحققها بولندا الدولة المضيفة؟
كما تطرح العديد من الاسئلة حول الدور الذي قد يؤديه هذا الاجتماع في وقت حققت ايران ومحور المقاومة بالتعاون مع الشريك الاساسي روسيا الاتحادية الانتصارات المتتالية على الارهاب(بمختلف أدواته وعلى رأسها تنظيم داعش)؟ وهل فعلا يمكن لمثل هذا الاجتماع تحقيق النتائج المرجوة منه بحصار ايران وفرض المزيد من العقوبات عليها؟ وهل يمكن لمثل هذه الاجراءات الاضافية المفترضة ان تؤثر على ايران وقدراتها المختلفة؟ أليس لدى ايران ومحور المقاومة الكثير من أوراق القوة والاسلحة المختلفة القادرة على مواجهة الحروب والحصار وتداعياتها على الرغم من الصعوبات التي تعتريها؟
تجدر الاشارة الى ان اللقاءات التي كانت تعقدها اميركا لحلفائها وأدواتها في المنطقة بتنسيق مع الكيان الاسرائيلي، لم تفلح في تحقيق النتائج المرجوة منها، وعلى سبيل المثال “الاجتماع العربي الاميركي” الذي عقد في الرياض خلال زيارة الرئيس الاميركي دونالد ترامب في شهر ايار/مايو 2017 لم يحقق اي نتائج عملية في دنيا الواقع، علما انه خلال نفس الزيارة لترامب تم عقد: اجتماعات سعودية اميركية واجتماعات سعودية خلجية اميركية واجتماعات اميركية مع قادة بعض الدول العربية والاسلامية، ولكن ماذا كانت النتيجة بعض اقل من سنتين على هذه القمم؟ الجواب واضح حيث تجلى انهزام وفشل السياسات السعودية الاميركية في المنطقة من اليمن الى لبنان مرورا بالعراق والسعودية وغيرها من الدول.
كما يمكن التذكير بـ”قمة شرم الشيخ” التي عقدت في العام 1996 وضمت بالاضافة الى ممثلين عن الادارة الاميركة، بحضور حشد من القادة العرب في محاولة للتآمر على المقاومة في لبنان والتمهيد لعدوان نيسان/ابريل من نفس العام الذي خرجت منه المقاومة ولبنان أقوى، حيث رسمت معادلات جديدة مع العدو الاسرائيلي أسست لمراحل لاحقة من الانتصارات التي توجت وقتها بطرد المحتل الصهيوني من غالبية الأرض اللبنانية في العام 2000.
وفي المواقف من “اجتماع وارسو”، اعتبرت روسيا على لسان مندوبها الدائم لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا أن “مؤتمر وارسو سيضر بأمن الشرق الأوسط”، ولفت الى ان “المحاولات لتشكيل تحالفات عسكرية سياسية معينة في المنطقة تعتبر غير بناءة وتعقّد إقامة صرح شامل حقيقي للأمن”، بينما أعلنت المفوضة العليا للأمن والسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني أنها “لن تشارك في مؤتمر وارسو حول الشرق الأوسط”، واضافت “في هذه الأيام سأكون خارج أوروبا”.
وكان الناطق باسم الرئيس البولندي كريستوف شرسكي قد أعلن أن “بلاده تستضيف المؤتمر بصفتها بلدا محايدا في قضايا الشرق الأوسط”، وتابع ان “بلاده لا تشارك في أي نزاع من النزاعات التي تشمل دولا في الشرق الأوسط”، وأكد ان “المؤتمر ليس موجها ضد أي شخص أو دولة”، يذكر أن نائب وزير الخارجية البولندي برزوميسلاف لانغ قام بزيارة رسمية إلى طهران مؤخرا حيث بحث مع نظيره الإيراني عباس عراقجي مؤتمر وارسو المرتقب، وكانت ايران قد انتقدت (على لسان اكثر من مسؤول) عقد الاجتماع في بولندا، واكدت انه “سينتهي بالفشل”، واعتبرت ان “رعاية واشنطن لمؤتمر ضد إيران تعني فشل سياسة العقوبات الأقسى في التاريخ وتدل علی العجز والفشل والیأس”.
حول كل ذلك قال الخبير في الشؤون الايرانية الدكتور محمد شمص إن “هدف اجتماع وارسو تأمين وتغطية الانسحاب الاميركي من سوريا وأفغانستان، بمعنى تأمين انسحاب آمن من خلال تطمين الحلفاء في المنطقة بأن اميركا لن تتخلى عنهم والقول إن هناك مؤتمرا من المنطقة والعالم لوضع استراتيجية لمواجهة ايران”، وتابع “اعتقد ان سقف الاجتماع اعلامي وسياسي لإظهار التعاون بين بعض دول المنطقة بمواجهة ايران على خلفية هذا الانسحاب الاميركي”، ولفت الى ان “توقيت المؤتمر يؤكد انه للتغطية على فشل المشروع الاميركي في ظل هذا الانتصار الكبير لمحور المقاومة وتقدم الحلف الايراني الروسي في مختلف الساحات”.
واشار شمص في حديث لموقع “قناة المنار” الالكتروني الى ان “المواقف الاخيرة للرئيس الاميركي دونالد ترامب تظهر ان اميركا تريد التوجه نحو شكل جديد من الحروب عبر سحب قواتها من الأرض واتباع سياسة الحروب بالوكالة والعقوبات الاقتصادية والحصار”، وأضاف “ترامب قال إن الدول العظيمة لا يمكن ان تستمر في حروب لا نهاية لها، لذلك اعتقد ان المؤتمر سيكون سياسيا اعلاميا بالدرجة الاولى، إضافة الى مجموعة من التعاون الأمني السيبيري بمواجهة ايران، بين حلفاء اميركا بالمنطقة (كالسعودية والبحرين والامارات واسرائيل)”، ولفت الى ان “من أهداف مؤتمر وارسو انه قد يعيد إحياء الحديث عن صفقة القرن لا سيما ان السعودية واسرائيل من أبرز الحاضرين”.
وهنا تجدر الاشارة الى ما نقلته وسائل اعلام اسرائيلية عن مصدر في البيت الأبيض قوله إن “جارد كوشنير صهر ومستشار الرئيس الأميركي، سيطرح خلال مؤتمر وارسو، رؤيته للخطة الأميركية للسلام في الشرق الأوسط”.
من جهة ثانية، ركّز الدكتور شمص على الموقف الاوروبي من اجتماع وارسو، ولفت الى ان “هناك دولا اوروبية مهمة عديدة موقفها واضح بمقاطعة الاجتماع”، وذكر “بكلام فيدريكا موغريني التي قالت إن أهداف المؤتمر غير واضحة وان الاتحاد الاوروبي غير جاهز للدخول بمواجهة مع ايران”، واوضح ان “ايران تحاول القول إن هناك فصلا بين الآلية المالية مع اوروبا وبين اي مؤتمر كاجتماع وارسو”، وتابع “ايران اعتبرت ان هذا المؤتمر ولد ميتا ولن يحقق اي شيء سوى مجرد بعض الضجيج الاعلامي”، وأكد ان “ما تفعله اوروبا في الآلية المالية هو حماية لمصالحها امام العقوبات الاميركية ضد ايران”.
ورأى شمص ان “المؤتمر يهدد الامن والاستقرار الاقليمي والعالمي لا سيما ان هناك انقساما واضحا في المواقف الدولية وخاصة الاوروبية”، واعتبر ان “مقاطعة الدول الاوروبية للمؤتمر تحدث شرخا في المنظومة الدولية خاصة ان دولا كبرى تقاطعه كروسيا والصين ومعها تركيا”، وتابع “لذلك يمكن القول إن هذا المؤتمر ولد ميتا ولا يمكن الرهان عليه ويشبه غيره من المؤتمرات التي عقدت بهذا السياق”، وأضاف “اعتقد ان اميركا اليوم في عزلة، ومن أهم أهداف المؤتمر هو محاولة اعادة هذا الدور الاميركي في المنطقة”.
يبقى ان الخيبات التي منيت بها الانظمة العربية والخليجية في المنطقة جراء عدم الصدق الاميركي معها وتحقيق ادارة ترامب للمصلحة الاميركية الخالصة وترك حلفائها في منتصف الطريق في اكثر من محطة او ملف، جعلت هؤلاء يضجون عن سوء الاحترام الاميركي لهم ، لذلك قد يكون الاجتماع في وارسو اليوم جزءا من الوعود الاميركية الفارغة للحلفاء وايهامهم انها مهتمة لامورهم عبر استعراض وهمي للعضلات ومواصلة سياسة الهروب الى الامام بالمزيد من المماطلة والخداع لهؤلاء من قبل ساكن البيت الابيض.