فلسفة المقاومة الغائبة عن الغرب الاستعماري
موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية || العهد الاخباري: إيهاب شوقي
هل الحاجة ام الاختراع في السياسة ايضاً؟ وهل لا تنبري القوى والافراد للمقاومة والتحدي والفعل الا تحت وطأة الخطر؟ ام ان هناك قوى ونفوسا لا يكون فعلها مربوطاً بذلك، ولا تكون هممها وعزائمها مجرد رد للفعل؟
في تحليل لافت وهام وربما يعكس رأي قواعد للفكر الغربي ولا يقتصر على صاحبه، يقول مراسل الحرب المخضرم “إيليا ج. ماجنير” في مقال حديث له بعنوان: “لماذا يجب على الغرب وقف تدخلاته”، ان هذه التدخلات الغربية على مرّ السنين في شؤون لبنان لا تترك مجالاً للشك انها جاءت بنتائج عكسية، وكانت إلى حدّ كبير لصالح حزب الله وحلفائه في إيران و”محور المقاومة”.
وقال: “كان من الأفضل بكثير ترك بلدان الشرق الأوسط تتطور بسرعة خاصة بها واختيار نظام حكمها دون تدخل خارجي. لا يمكن للولايات المتحدة وحلفائها التدخل بنجاح في لبنان أو أي بلد آخر، خاصة في الشرق الأوسط، ما لم يجدوا دعمًا محليًا وإرادة داخلية لاستيعاب واشنطن والسماح لتأثيرها بمصير البلد”.
وهو هنا يلمس ما نراه نصف الحقيقة!
والنصف الذي يلمسه الكاتب هنا يتعلق بالتحدي والصمود الذي تبرزه القوى كرد فعل على العدوان، كما يلمس الفراغ الذي ينبغي ان تملأه القوى والحركات بعد طرد قوى وحركات اخرى “منظمة التحرير بعد الغزو الصهيوني كمثال”.
ولكن النصف الاخر للحقيقة والذي لم يلمسه الكاتب، هو ان المقاومة ليست مجرد رد فعل، وليست مجرد ملء لفراغ.
ان المقاومة العربية والاسلامية تتميز بخصوصية كبيرة، يمكن ان نوردها بعد المثال التالي:
نظرية ملأ او “سد” الفراغ، بلورتها سياسة امريكية شهيرة، في اعقاب التراجع الاستعماري بنمطه الامبراطوري، وانسحاب القوى الكبرى من مستعمراتها، كي تحافظ على السيطرة عن طريق قوى تابعة ووكلاء في مواجهة قوى التحرر الوطني التي برزت.
ولكن هل برزت قوى التحرر الوطني عقب الانسحاب لمجرد شغل الفراغ، ام انها كانت تقاوم وتعجل بالانسحاب، وكانت سببا في هذا التراجع الامبراطوري.
التاريخ يجيب ان قوى التحرر والمقاومة برزت وطالبت وحاربت وعجلت بانسحاب الاستعمار، وبرزت المقاومة بمجرد حدوث وعي لدى الشعوب بتاريخها وإنسانيتها وحقوقها، فانبرت لتشكيل تنظيماتها ونقاباتها ومارست المقاومة بجميع الاشكال.
وهنا كان الوعي هو العلامة الفارقة.
وخصوصية محور المقاومة هنا هي انه ليس مجتمعا افريقيا عاش ضحية للعبودية مما غيب الوعي عن افراده، ولم يسترد قطاع كبير من الافارقة على سبيل المثال هذا الوعي الا عبر الاشتراك في الحرب العالمية تحت مظلة الاستعمار ليرى الفجوة بين تعامل الاستعمار مع مواطنيه وتعامله مع الافارقة، وكذلك بعد كسر الحاجز النفسي بعد رؤيتهم لجنود الاستعمار يقتلون ويذبحون كما يقتل ويذبح الافريقي على يد هؤلاء الجنود.
ان وعي محور المقاومة وعي سابق لم يغب وبالتالي لم يسترد، فهو وعي حضاري وعقيدي وليس مكتسبا، هو وعي برفض الذلة وبأن حياة في ظل الاستعمار والاستعباد لا خير فيها ولا حرص عليها.
هذا الجانب الحضاري والعقيدي، هو الغائب عن العقلية الاستعمارية، وهو الخطأ القاتل المتكرر الذي يمارسه الغرب، وربما لم تعِ مراكز الدراسات الاستراتيجية الغربية ومدارس الفكر ماهيته، فتتكرر اخطاء الغرب مرة تلو الاخرى.
وربما ساعد الغرب وتحديدا المشروع الصهيو امريكي، على تكرار الاخطاء، وجود انظمة وقوى سياسية وقطاعات انهزامية ومرتزقة في منطقتنا، فرطوا وما زالوا يقدمون المزيد من التفريط والخيانات، فأعمت حالة الخيانة هذه ابصار الغرب عن حقيقة المقاومة وانها قادرة على كنس هؤلاء وهؤلاء وكنس الاستعمار ذاته.
مرة اخرى نجد انفسنا مضطرين للتأكيد ان المقاومة ليست رد فعل وانها مشروع حضاري تنموي، وانها لا تقاوم الفعل العسكري المباشر المتعلق بالغزو والهيمنة فقط، وانما تقاوم كل اشكال الفقر والتخلف والفساد والاستبداد، اي انها مشروع حضاري متكامل وليست رد فعل عسكرياً او قوة سياسية تملأ الفراغات.
ربما ترى بعض العقول الغربية ان انسحابا شكليا سيقود الى بروز التناقضات ويضعف قوى المقاومة، لانه سيبطل حجتها ويفقدها شرعيتها باعتبارها تتغذى على الصراع!
ونقول لهؤلاء، ان المقاومة قوى بناء لا قوى حرب، وان لجوءها للحرب هو أكبر برهان على استعدادها للتضحية ووفائها لبلادها ومجتمعاتها، لأن التحرير هو الخطوة الاولى للبناء، وهذا البناء هو الاصل في فكر المقاومة وتوجهها، وإن المقاومة لا تحمل بذور تناقض مع مجتمعاتها ولا مع الاخرين لانها تبني وتتعاون وتتعايش، وتقاوم فقط عند العدوان وعند وجود اي خطر وتهديد للبناء.