أجندات التقسيم والتفتيت في واشنطن و”تل ابيب”

موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية || العهد الاخباري: عادل الجبوري

 

في آخر تغريدة له، دعا وزير الحرب الصهيوني المستقيل، أفيغدور ليبرمان، الى تقسيم العراق وسوريا، وفصل السنّة عن الشيعة، معتبراً أن ذلك يمثل الحل الأمثل للنزاعات والصراعات القائمة في المنطقة.

ولم تك هذه هي المرة الأولى التي يطلق فيها ليبرمان طرحاً من ذلك القبيل، بل إنه في أواخر عام 2016، كتب في مقال بموقع “ديفينس نيوز” الاميركي “إن الحل لمشاكل المنطقة يكمن في رسم حدود جديدة لبعض الدول، فتغيير الحدود بشكلها الحالي خاصة في العراق وسوريا، ووضع خطوط فاصلة بين مناطق الشيعة ومناطق السنة من شأنه أن يقضي على الفتنة الطائفية وفتح الطريق أمام قيام دول تتمتع بشرعية داخلية”.

ولا تنطوي مثل تلك الدعوات، سواء أطلقت الآن، أو قبل عام أو أكثر، على الكثير من الغرابة، لسبب بسيط، هو أن الكيان الصهيوني يعد المحور والمحرك والداعم الأساس لمختلف نزعات الانفصال والتقسيم والتفتيت في العالمين العربي والاسلامي.

وقد لا يخفى على الكثيرين أن “تل ابيب” ومن يرتبط معها في المصالح والاجندات، كانت وما زالت تدعم وتساند وتحرض الاقليات الدينية والقومية والمذهبية، في اطار مخططاتها القائمة على تفتيت وتقسيم الدول والمجتمعات الكبيرة والقوية والمؤثرة، ويبدو ذلك واضحاً في دول مثل مصر والسودان ولبنان والعراق وسوريا وايران. ولعل المثال الصارخ والقريب جداً منا، هو أن “تل ابيب” كانت الطرف الوحيد على الصعيدين الاقليمي والدولي، الذي أعلن تأييده ومساندته للاستفتاء على انفصال اقليم كردستان عن العراق، الذي أجري في الخامس والعشرين من شهر ايلول – سبتمبر من عام 2017، بنفس القدر الذي دعمت وأيدت فيه انفصال جنوب السودان ذي الاغلبية المسيحية واعلان استقلاله كدولة في التاسع من شهر تموز-يوليو من عام 2011 بعد صراعات دموية طاحنة.

ولا شك أن أفكار ونظريات ومؤامرات التقسيم والتفتيت، ليست وليدة اليوم ولا الأمس القريب، بل انها تعود الى بدايات القرن الماضي، عبر اتفاقية سايكس-بيكو، التي زرعت الكثير من الالغام الموقوتة على حدود الدول العربية-الاسلامية، لتبقى الخلافات والصراعات قائمة ومتواصلة دون انقطاع.

وعلى امتداد عقود طويلة، كانت النخب الفكرية والسياسية والاكاديمية الغربية، ومختلف مراكز الابحاث والدراسات في واشنطن وغيرها، تعمل على تكريس وترسيخ الافكار والتوجهات الانفصالية للاقليات، وكان المستشرق اليهودي-الصهيوني الشهير برنارد لويس، احد ابرز المنظرين في هذا الاتجاه.

وطبيعي أن كيانا طارئا وعدوانيا كالكيان الصهيوني، يتفاعل ويتحمس كثيرا لتلك الافكار والنظريات والتوجهات، لأن العمل عليها، يوفر له المزيد من عناصر ومقومات القوة، واضعافا وتشتيتا لخصومه، وللاسف فإن هذا ما حصل على امتداد سبعة عقود من الزمن.

ويبدو أن تداخل الأحداث والوقائع، والتقاء وتطابق المواقف بين “تل ابيب” وواشنطن، غالباً ما يوسع من مساحات الاضطراب والفوضى والارتباك والتأزم، ويقلص فرص الحلول الواقعية والعملية، ويبدد امكانية احتواء المشاكل والازمات.

وليس بعيداً عن تغريدات ليبرمان، أطلق صهر الرئيس الاميركي ومستشاره الاول جاريد كوشنير، خطوطاً عامة لخطة “سلام” بين الفلسطينيين والصهاينة، تقوم على اعطاء الأردن جزءا من أراضيه للفلسطينيين وفي المقابل يحصل على أراض من السعودية، وتقوم الاخيرة ومعها الإمارات العربية المتحدة بتقديم مساعدات اقتصادية للفلسطينيين وإنشاء خط أنابيب للنفط من السعودية إلى قطاع غزة!.

واذا كان ليبرمان قد تحدث مؤخراً وقبل عدة أعوام، عن ضرورة تقسيم العراق وسوريا الى دويلات شيعية وسنية وكردية، فإن كوشنير جاء من زاوية ثانية، ليوسع اطروحات التقسيم الى دول أخرى، وليؤكد اطروحات سابقة تداولتها وروجت لها مؤسسات بحثية اميركية قريبة جدا من دوائر مراكز القرار في واشنطن، مفادها أن أحد أهم السبل لمعالجة ازمات المنطقة، تتمثل في تفتيت عدد من دول المنطقة، الغارقة في الصراعات والنزاعات الداخلية، كالعراق ومصر وسوريا والاردن والسعودية واليمن، اي بعبارة  اخرى ايجاد سايكس ـ بيكو جديدة، لان القديمة لم تعد مجدية، وفقدت صلاحيتها وجدواها بعد اكثر من عام على ابرامها.

ولأن الحروب العسكرية المباشرة لم تعد الاداة الأنجع لاخضاع الدول واضعافها، كما كان معمولاً به في عقود وقرون سالفة، فقد راح أصحاب مشاريع التقسيم والتفتيت يبحثون ويتوسلون بوسائل وأساليب أخرى، من قبيل ايجاد الجماعات والتنظيمات الارهابية المسلحة، اذ إن هذه الاداة  بدت نافعة وفاعلة ومؤثرة في ظل الاضطرابات السياسية والفوضى المجتمعية، وضعف منظومات الحكم، بعد زوال السلطات الاستبدادية الديكتاتورية.

والأداة الأخرى التي وظفها أصحاب مشاريع التقسيم والتفتيت، هي مظاهر الاحباط واليأس والرفض لدى فئات وشرائح اجتماعية واسعة من انظمة الحكم القائمة، لتدفع بإخراجها وتسويقها بصورة ثورات وانتفاضات شعبية، اطلق عليها “ثورات الربيع العربي”. وبقدر ما كانت المطالب الشعبية منطقية ومشروعة ومقبولة، بقدر ما كانت الامور تتجه نحو المزيد من الفوضى، لانه بينما كان طموح الجماهير يتمثل باستبدال الانظمة الديكتاتورية بأخرى ديمقراطية تقوم على مبدأ التداول السلمي للسلطة، والمشاركة الاوسع فيها، كانت واشنطن وتل ابيب وعواصم اخرى، دولية واقليمية، تدفع بقوة نحو ذلك الاتجاه الذي تحدث به وروج له ليبرمان وكوشنير وقبلهما عشرات الساسة والمفكرين والباحثين.

وحتى الآن فإن ما حال دون نجاح المشاريع والمخططات والاجندات الصهيونية-الاميركية كما كانت تطمح واشنطن و”تل ابيب”، هو وجود محور رافض ومقاوم، شكلت الثورة الاسلامية الايرانية نواته الاولى قبل اربعين عاما، ليتنامى ذلك المحور ويتسع ويمتد وتتعدد عناوينه، ويغدو بالتالي رقما صعبا ومؤثرا الى حد كبير، وباتت عواصم مشاريع التقسيم والتفتيت تدرك تمام الادراك، انه ما لم تهزم ايران وحزب الله والحشد الشعبي، وانصار الله، وكل القوى والحكومات الداعمة والساندة، فإنها لن تصل الى مبتغاها ومرامها، وكل الحقائق والوقائع تثبت ذلك.

قد يعجبك ايضا