نتنياهو نحو ضم الضفة: رهان على التخاذل العربي والدعم الأميركي

|| مقالات || جهاد حيدر

لماذا أعلن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو في هذا التوقيت عزمه ضم مناطق من الضفة الغربية إلى الكيان الغاصب، وهل هو موقف انتخابي أم يعبر عن توجه أصيل، ينوي تنفيذه خلال ولايته المقبلة. وأي قراءة إسرائيلية يعكسها هذا التوجه للبيئة العربية؟.

 

أعلن نتنياهو خلال مقابلات مع وسائل الاعلام الإسرائيلية عن عزمه “فرض السيادة الإسرائيلية” على مناطق في الضفة الغربية المحتلة. موضحاً أنه سيقوم في المرحلة الاولى بذلك بفرضها على الكتل الاستيطانية والمستوطنات المعزولة ايضا. أتى ذلك، بعدما أعلن عن رفضه اخلاء أي مستوطنة وتقسيم القدس والابقاء على السيطرة الامنية على الحدود مع الاردن.

لوهلة، أول ما قد يتبادر إلى اذهان البعض أن موقف نتنياهو هو لحسابات انتخابية فقط، وبالتالي قد لا يعمد إلى محاولة تنفيذه على ارض الواقع. لكن هذا التقدير يخلط بين مضمون الموقف وعلاقته بالتطورات الدولية والاقليمية، ومعها الداخلية في “إسرائيل”، وبين توقيت الاعلان عن هذا الموقف ومحاولة توظيفه في السياق الانتخابي.

في التوقيت، قد يبعد هذا الموقف تأييد شرائح محددة من الجمهور الإسرائيلي، ممن يصح أن يطلق عليهم وسط اليمين. في المقابل، سيؤدي هذا الموقف إلى التفاف وثيق من الجمهور اليميني حول نتنياهو باعتبار أن تأييد رئيس الحكومة لهذا التوجه يجعله أقرب إلى التحقق. وهو ما قد يساهم في جذب شرائح مُحدَّدة لتأييد حزب الليكود.  ولا يخفى أن ذلك سيساهم ايضا في مزيد من الالتفاف الجماهيري اليميني حوله في مواجهة أي مسعى قضائي لمحاكمته بتهم الرشوة والخداع.

على خط مواز، يراهن نتنياهو على أن يساهم هذا الموقف في نيل قائمة الليكود عددا أكبر من المقاعد وهكذا يكون نتنياهو ضَمِن تسميته رئيساً للحكومة، سواء في حال نال توصية أغلبية 61 عضو كنيست، أو لكونه رئيس الكتلة الأكبر. وبذلك يكون ايضا، قد قطع الطريق على رئيس الدولة رؤوبين ريفلين تكليف شخصية غيره. (طبعاً في حال تحقق السيناريو الذي يأمله نتنياهو).

أما من حيث المضمون، يشكل هذا الموقف تصعيداً في الموقف السياسي، وانتقالا إلى المرحلة التالية من خطة اليمين الاسرائيلي فيما يتعلق بالضفة الغربية. في السابق، حرص نتنياهو على تكريس الوضع الراهن لسنوات، وسعى للحؤول دون أي تسوية نهائية مع السلطة الفلسطينية، تتضمن انسحاباً من اراضي الضفة أو إزالة مستوطنات ولو كانت معزولة. ونجح في مناوراته السياسية لمدة عقد إلى حين استجدت ظروف دولية واقليمية جديدة باتت تشكل ظرفاً مثالياً لهذا الموقف.

ينبع الموقف اليميني الداعي إلى ضم الضفة، من طموح ايديولوجي ينطلق من أن لها مكانة خاصة في الفكر الصهيوني، بل لها مكانة تفوق الاراضي التي تقوم عليها “إسرائيل” (فلسطين 48)، وذلك لاسباب تاريخية. خاصة وأنها كانت مهداً لما كان يطلق عليه “يهودا والسامرة”.  اضف إلى الابعاد الاستراتيجية التي تتمتع بها فهي على تماس مع الكيان الإسرائيلي في الوسط والشمال والجنوب. ومنطقة فاصلة عن الاردن والمحيط العربي. لكن فرض السيادة الإسرائيلية عليها يحتاج إلى ظروف سياسية اقليمية ودولية خاصة، وهو ما توفر الان من منظور يميني.

على المستوى الاقليمي، انتجت معاهدات السلام التي عقدتها العديد من الدول العربية فرصا تاريخية واستراتيجية لم يكن يحلم بها المؤسسون الاوائل للحركة الصهيونية وللكيان الإسرائيلي. وبدأ هذا المسار من معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية في العام 1979، ومرورا باتفاق اوسلو وصولا إلى معاهدة وادي عربة، وصولا إلى الاندفاعة الخليجية للتطبيع مع كيان العدو.

وأدركت تل أبيب ومعها واشنطن، بأن أكثر الانظمة العربية باتت تنظر إلى القضية الفلسطيني كعبء، ووجهت رسائل عملية بأنها على استعداد للتطبيع العلني مع “إسرائيل” من دون أي علاقة بتسوية يلبي فيها الفلسطينيون جزء من حقوقهم، ولو بصيغة الحد الادنى. ثم أتى تدمير العراق وسوريا واضعافهما ليوفر لـ”إسرائيل” فرصاً حاولت في السابق تثميرها على المستوى الاقليمي في لبنان وسوريا، لكن هذه المحاولة فشلت. وحاولت في السابق أن تُثمّر ذلك ايضا في الساحة الفلسطينية من خلال فرض صيغ محدَّدة للتسوية وفشلت. لكن يبدو الان أنها ترى فرصة ملائمة لتكريس احتلالها للمناطق التي احتلتها عام 1967 عبر شرعنتها وفرض السيادة الإسرائيلية عليها.

المعطى الاساسي في هذا التحول، يكمن بشكل رئيسي في وصول دونالد ترامب إلى الرئاسة في البيت الابيض، والمدعوم من التيار الانجيلي الاميركي الداعم للكيان الصهيوني على خلفيات ايديولوجية. خاصة وأنه أظهر استعداداً بالممارسة للذهاب بعيدا في تنفيذ مطالب “إسرائيل” وطموحاتها على مستوى الاراضي المحتلة. وهو ما بدأ باعترافه بالقدس عاصمة لها، وبالسيادة الإسرائيلية على الجولان. ويمكن القول أن ما رأته “إسرائيل” والولايات المتحدة من ردود فعل خجولة لا تتلاءم مع حجم التحدي ولا مع ما تمثله

القدس وفلسطين والجولان من أبعاد، شجع نتنياهو للاعلان الصريح عن توجهه بفرض السيادة الإسرائيلية على المستوطنات في الضفة الغربية. وهو يرى أنها لن تؤدي إلى أي تداعيات اقليمية عربية. بل يأمل أنه مع مرور الوقت سيتحول هذا السقف الجديد إلى جزء من الامر الواقع.

مع ذلك، تبقى وجهة ايجابية لكل ما يحصل، وهو أن العدو كشف عن حقيقة توجهاته، ولم يعد هناك مجال لمساحة رمادية، اما مع فلسطين وإما مع “إسرائيل”. اما مع الشعب الفلسطيني، واما مع الصهاينة في حربهم على فلسطين والمنطقة. ومن المؤكد أنه سيكون لذلك تداعياته على المستوى الفلسطيني، بعدما اتضح وهم الرهان على التسوية مع عدو كالعدو الصهيوني، وإن لم يكن في المدى المنظور فلن يكون هذا الامر بعيداً.

قد يعجبك ايضا