السعودية تحشد «المنشقّين» إلى سيئون: احتلال وادي حضرموت… بعد المهرة
موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية || الاخبار اللبنانية: رشيد الحداد
بعد محاولات متعددة استمرت قرابة عامين، دعا الرئيس المنتهية ولايته، عبد ربه منصور هادي، أخيراً، إلى عقد جلسة برلمانية في مدينة سيئون بمحافظة حضرموت. دعوة تُعدّ تتويجاً لمساعي السعودية إلى استلاب مجلس النواب، تمهيداً لتكريس احتلالها للمحافظات الشرقية، وإدخال وادي حضرموت، الآمن والمحايد، في دائرة هذا الاحتلال
صنعاء | ينتظر أن تنعقد، في خلال اليومين المقبلين (يدور الحديث عن السبت)، في مدينة سيئون بمحافظة حضرموت (شرق)، جلسة للبرلمان اليمني بنسخته الموالية للرئيس المنتهية ولايته، عبد ربه منصور هادي، بعد محاولات حثيثة في سبيل ذلك، تولّاها أخيراً السفير السعودي لدى اليمن، محمد آل جابر. محاولات استلاب البرلمان تستهدف من ورائها السعودية الانقضاض مسبقاً على أي مساعٍ مستقبلية لتحميلها التداعيات القانونية لجرائمها المرتكبة في هذا البلد، وأيضاً شرعنة وجودها في المحافظات الشرقية خصوصاً، حيث تعمل على تمرير مشاريع لها، على رأسها مدّ أنبوب نفطي عبر محافظة المهرة باتجاه بحر العرب، علماً أن رغبتها في الوصول إلى هذا المسطح المائي كانت حاضرة في كل مفاوضات ترسيم الحدود مع اليمن منذ عام 1943 وحتى التوقيع على معاهدة جدة عام 2000، إلا أن طلباتها كانت تواجَه في كل مرة بالرفض من قِبَل الجانب اليمني، حتى إبان حكم الرئيس الراحل علي عبد الله صالح.
منذ قرابة عامين، اجتهدت الرياض في استقطاب برلمانيّي صنعاء، لكنها لم تفلح إلا في استمالة 70 عضواً منهم، ليتكثّف إثر ذلك العمل على كسب الولاءات بإغراءات مالية ضخمة، توازياً مع مفاوضة الأحزاب السياسية المحسوبة على جبهة «التحالف»، كـ«المؤتمر الشعبي العام» و«التجمع اليمني للإصلاح» (إخوان مسلمون)، على إمكانية تشكيل هيئة رئاسية جديدة للبرلمان، بديلة من تلك الموجودة في صنعاء. هذا الاشتغال تكثّف منذ عام تقريباً، بمتابعة من ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، الذي دعا، عبر «التحالف»، العشرات من أعضاء مجلس النواب إلى أكثر من لقاء في مدينتَي الرياض وجدة، للوقوف على الترتيبات الجارية لعقد جلسة برلمانية. مع ذلك، لم يتجاوز عدد النواب المستقطبين حتى منتصف العام الماضي 100 عضو، في ظلّ استمرار الخلافات البينية على الهيئة الرئاسية. تعقيدات عزّزها اندلاع الحراك الشعبي المناهض للوجود السعودي ـــ الإماراتي في محافظتَي حضرموت والمهرة، الذي أدى إلى تجميد الأعمال الإنشائية لمشروع الأنبوب النفطي.
أغرت الرياض البرلمانيين بمبالغ طائلة تصل إلى 200 ألف ريال سعودي
اليوم، استطاعت الرياض، على ما يبدو، تجميع 142 نائباً (علماً أن العدد المطلوب لاكتمال النصاب القانوني هو 151، لذا سيُحتسَب في الجلسة المرتقبة المتوفّون البالغ عددهم 26 نائباً من بين الحاضرين)، وأيضاً لفلفة الخلافات المتصلة بالهيئة الرئاسية التي ظلّت حتى ما قبل اليومين الماضيين محلّ تجاذب بين هادي وحزبَي «المؤتمر» و«الإصلاح». لكن آل جابر تمكّن، من خلال المشاورات التي أجراها في العاصمة السعودية مع ممثلي تلك الأطراف، من تحقيق توافق على انتخاب هيئة رئاسية مكوّنة مِمّن تلي أسماؤهم: سلطان البركاني، رئيس كتلة «المؤتمر» في البرلمان، والمحسوب على الإمارات رئيساً، محمد الشدادي الموالي لهادي نائباً أول، محسن باصرة المحسوب على «الإصلاح» نائباً ثانياً، عبد العزيز جباري (مستقلّ مقرب من «الإصلاح») نائباً ثالثاً، وسالم بن طالب المحسوب على جناح حميد الأحمر في «الإصلاح» أميناً عاماً للمجلس. هكذا، جرى تثقيل حصة هادي و«الإصلاح» تحسباً لإمكانية انقلاب البركاني مستقبلاً، في وقت وُضع فيه مشروع التمديد للرئيس المنتهية ولايته سنتين إضافيتين والتي أثار خلافات مع الأحزاب الموالية لـ«التحالف» على جدول أعمال الجلسة، التي دعا إليها هادي أمس على أن يصل خلال الساعات المقبلة إلى سيئون على متن طائرة عسكرية سعودية. باختصار، هندست السعودية بنفسها صورة الندوة البرلمانية المنشقة، بعيداً من أي مراعاة ولو شكلية للدستور اليمني، الذي ينصّ مثلاً على أن انتخاب الهيئة الرئاسية إنما يكون بحضور ثلثي الأعضاء، وليس النصف زائداً واحداً، فما بالك بما دون؟ أما ما ستشهده سيئون ـــ في حال انعقاد الجلسة ـــ فلن يكون إلا «تخريجاً يمنياً» لتلك القرارات، بـ«شهادة زور» من سفراء دول عربية وأجنبية دُعوا إلى الحضور، وطُمئنوا إلى أن الترتيبات الأمنية والإجراءات اللوجستية قد استُكملت، فيما أُغري كلّ من البرلمانيين المتوزعين ما بين السعودية والإمارات وتركيا ومصر ببدل حضور يقارب 200 ألف ريال سعودي (54 ألف دولار أميركي)، علماً أن بدل الحضور في صنعاء لا يتجاوز 100 دولار، وقد خُفِّض أخيراً بفعل الأوضاع الاقتصادية الصعبة.
في خلاصة المشهد، وبمعزل عن تلك التفاصيل التي تعتريها جميعها مخالفات دستورية واضحة، ستَسِم أيضاً أي قرارات لاحقة ستصدر عن الندوة البرلمانية المنشقّة على اعتبار أن إمرار المسائل المرتبطة بقضايا وطنية مصيرية يتطلّب التصويت بالإجماع، يبقى الأساس في المشهد المتقدم أن السعودية تسعى إلى إكساب وجودها في المحافظات الشرقية نوعاً من «الشرعية» بمواجهة المزاج الشعبي المناهض لها، وإدخال وادي حضرموت رسمياً في دائرة احتلالها، بعدما ظلّ طوال سنوات الحرب في دائرة الحياد. ولعلّ ذلك هو ما يفسّر اختيار حاضرة الوادي، مدينة سيئون، لتحتضن الجلسة المنتظرة، إثر فشل عقدها في مدينة عدن حيث النفوذ الإماراتي الطاغي. وبهذا، يتكرّس عملياً تقاسم النفوذ ما بين «الشقيقتين» على طول جنوب اليمن وعرضه. نيّات الرياض هذه أنبأ بها بوضوح قيامها، مساء السبت الماضي، بالدفع بقوات عسكرية ضخمة، قوامها لواء متكامل مدعّم بالعتاد العسكري الثقيل، وكذلك حاملات لصواريخ «باتريوت»، إلى مقرّ المنطقة العسكرية الأولى شبه المحايدة، بدعوى حماية الجلسة البرلمانية. لكن شخصيات «حضرمية» ترى أن «السعودية تحاول أن تكرّر سيناريو التدخل العسكري في المهرة، لفرض سيطرتها على حضرموت تحت ذرائع مكشوفة ومخادعة لن تنطلي على أبناء المحافظة»، كما يقول لـ«الأخبار» محافظ حضرموت المُعيّن من قِبَل حكومة الإنقاذ اللواء لقمان باراس، واصفاً «التدخل العسكري السعودي في سيئون» بأنه «تدخل استعماري وانتهاك للسيادة الوطنية»، مؤكداً أن «أبناء حضرموت سيواجهونه بالرفض الشعبي».
ومن المتوقع أن تنفذ القوات السعودية التي تمركزت في مدينة سيئون، في الأيام المقبلة، عمليات عسكرية واسعة لفرض سيطرة الرياض على مناطق وادي حضرموت كافة تحت ذريعة «مكافحة الإرهاب»، مثلما فعلت الإمارات العام الماضي في شبوة، علماً أن عناصر «القاعدة» الموجودين في وادي الذهب غرب سيئون وفي المناطق الحدودية مع المملكة معظمهم سعوديون، ومعروفون بتلقيهم دعماً من الرياض. لكن ما بدا لافتاً فجر الاثنين الماضي، إغارة طائرة أميركية من دون طيار على عناصر تابعين للتنظيم في مدينة شبام في وادي حضرموت. وهو ما ردّ عليه التنظيم بتنفيذه كميناً مسلحاً ضد تعزيزات عسكرية سعودية على خطّ سيئون، أدى إلى تدمير جزء من الآليات وإصابة عدد من العسكريين بجروح مختلفة.
صنعاء: استنساخ البرلمان «خيانة عظمى»
على رغم إعلان عبد ربه منصور هادي، رسمياً، أمس، الدعوة إلى «دورة انعقاد غير اعتيادية لمجلس النواب» في محافظة حضرموت، إلا أن المساعي لعقد الجلسة لا تزال تواجَه بعقبات قد تؤدي إلى تأجيلها مرة أخرى. وفي هذا الإطار، بدأت القوى الجنوبية المناهضة لما تُسمّى «الشرعية» تنظيم تحركات شعبية في مدينة سيئون رفضاً لانعقاد البرلمان، بعدما سُجّلت عدة مواقف سياسية في الاتجاه نفسه. إذ هاجم نائب رئيس «المجلس الانتقالي الجنوبي»، المحسوب على أبو ظبي، هاني بن بريك، الخطوة السعودية، واصفاً ندوة سيئون بـ«مجلس الزور». أما الجناح «الحراكي» التابع للزعيم الجنوبي حسن باعوم، والمعارض لـ«التحالف»، فقد اعتبر ما يجري «إعادة إنتاج للقوى التي احتلت الجنوب عام 1994، وذريعة للاحتلال السعودي لوادي حضرموت». وعلى مقلب صنعاء، عدّ «المجلس السياسي الأعلى» اجتماع سيئون المرتقب «استنساخاً غير شرعي لمجلس النواب، بهدف تشريع احتلال اليمن»، ومشاركةَ عدد من البرلمانيين فيه «خيانة عظمى»، وقراراته «باطلة وساقطة»، موجّهاً الجهات المختصة بـ«اتخاذ الإجراءات اللازمة في حق كلّ من ثبتت مشاركته في التشريع لفرض الوصاية على الجمهورية اليمنية».