مراسلات «صفقة القرن»
|| صحافة عربية ودولية ||
يعيش الأردن هواجس جمّة لا ينفك يثيرها مسار ما يعرف بـ«صفقة القرن». مشروع الإجهاز على القضية الفلسطينية، المتجدّد في زمن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، يهدّد عمّان بجملة ملفات، تبدأ باللاجئين وتوطينهم ولا تنتهي بمحاولة سحب «الوصاية الهاشمية» على المقدسات الدينية في القدس. والصفقة، وفق مداخلة وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي، في اجتماع الوفد الوزاري العربي في العاصمة الأردنية العام الماضي «واضحة» لدى رام الله، وتتضمن: «القدس خارج، واللاجئون خارج، والمستوطنات واقع، ومناطق C يتم ضمّها».
عمّان ورام الله بوجه الغدر السعودي
يعيش الأردن هواجس جمّة لا ينفك يثيرها مسار ما يعرف بـ«صفقة القرن». مشروع الإجهاز على القضية الفلسطينية، المتجدّد في زمن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، يهدّد عمّان بجملة ملفات، تبدأ باللاجئين وتوطينهم ولا تنتهي بمحاولة سحب «الوصاية الهاشمية» على المقدسات الدينية في القدس. والصفقة، وفق مداخلة وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي، في اجتماع الوفد الوزاري العربي في العاصمة الأردنية العام الماضي «واضحة» لدى رام الله، وتتضمن: «القدس خارج، واللاجئون خارج، والمستوطنات واقع، ومناطق C يتم ضمّها». يجد الأردن نفسه مرمياً في عين عاصفة «الصفقة»، في موازاة خذلان وتآمر عربيين من الصعب التعبير عنهما علناً في الدبلوماسية الأردنية، وإن كانت إشارات ما تتضمنه محاضر الخارجية الأردنية جلية لاستشعار النظام الأردني حجم المخاطر. في هذا الملف، تنشر «الأخبار» مجموعة وثائق اطّلعت عليها، تمتد على مرحلة ما قبل وبعد القرار الأميركي إعلان القدس عاصمة للكيان الإسرائيلي، والذي كان بمثابة صفارة إنذار استنفرت رام الله وعمّان التي استضافت اجتماع الوفد الوزاري العربي آنذاك. الجانبان، الفلسطيني والأردني، لا يخفيان القلق من مواقف بعض الدول العربية تجاه ملفي القدس والصفقة. وإن حاول ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، لاحقاً، تعريف نفسه بأنه «ناقلٌ» فقط لبنود «الصفقة» من الجانب الأميركي إلى الجانب الفلسطيني، بطلب من واشنطن، فلم يعد خافياً ما تسرب جزء منه سابقاً حول اجتماع ابن سلمان مع الرئيس محمود عباس، وتبليغه أفكار إدارة ترامب كطرف «ضامن للصفقة» ومتورّط فيها، حين عرض عليه «10 مليارات دولار لتحسين الوضع الداخلي في أراضي الضفة الغربية»، كما ينقل رئيس مكتب تمثيل الأردن في رام الله، خالد الشوابكة، في تقاريره
ابن سلمان مغرياً «أبو مازن»: 10 مليارات دولار وسفارة في أبوديس
تُظهر التقارير المُرسلة من الممثلية الأردنية في رام الله، إلى وزارة الخارجية والمغتربين في عمّان، حجم القلق الأردني ممّا قد يصيب المملكة من تبعات «صفقة القرن»، التي ينوي الرئيس الأميركي الكشف عن بنودها في حزيران/ يونيو المقبل. التوجس الأردني مفهوم، خاصة بعد ما كشفه الإعلام الأميركي والعبري عن الضريبة الثقيلة التي ستدفعها المملكة الأردنية لجهة احتمال توطين الفلسطينيين الموجودين فوق أراضيها، وسحب الوصاية الهاشمية عن المسجد الأقصى والمقدسات في القدس منها ومنحها للمملكة السعودية، وإمكانية اقتطاع أراضٍ من حدودها الشرقية لمنحها للفلسطينيين مقابل تعويضها بأجزاء من شمال السعودية.
تُبيّن التقارير الأردنية التي حصلت «الأخبار» على نسخة منها، أن رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، طلب من «القيادات الفلسطينية عدم مواجهة الولايات المتحدة الأميركية تحت أي عذر، وإنما البحث عن راعٍ جديد لعملية السلام المتعثرة»، وذلك بعد اعتراف ترامب بالقدس عاصمة للعدو الإسرائيلي في كانون الأول/ ديسمبر 2017. وقال رئيس مكتب تمثيل المملكة الأردنية الهاشمية في رام الله، خالد الشوابكة، في تقرير أرسله للخارجية الأردنية بعد لقائه مستشار عباس وصهر عضو اللجنة التنفيذية لـ«منظمة التحرير» أحمد مجدلاني، بشارة العزة، في 20/12/2017، إن السلطة أرسلت مجدلاني إلى الصين ونبيل شعث إلى روسيا لإقناع بكين بتقديم طلب للانضمام إلى الرباعية الدولية، و«أن يكون الهدف هو عدم المواجهة مع الجانب الأميركي، بل تقوية الدائرة وتقديم الدعم للإدارة الأميركية لتقديم رزمة لعملية سلام مرضية وعادلة للأطراف كافة».
وحول العلاقات السعودية ــــ الفلسطينية، قال الشوابكة في تقرير آخر بتاريخ 26/12/2017، إنه «خلال حفل العشاء مساء أمس الإثنين الموافق لـ 25/ 12/ 2017 تحدثت مع المستشار الدبلوماسي للرئيس محمود عباس مجدي الخالدي، وعند استفساري منه حول زيارة عباس للسعودية، علمت منه ما يلي: اللقاء الأخير مع الأمير محمد بن سلمان كان لطيفاً وأفضل من اللقاء الأول الذي سبق مؤتمر اسطنبول». وبحسب التقرير، فإن «ابن سلمان أعلم عباس بأن الأميركيين مستعدون لمنح الفلسطينيين الأرض التي يعيشون عليها وستكون لهم، والمطلوب من السعودية ودول عربية أخرى توفير الدعم المالي لدعم الفلسطينيين وإنشاء مشاريع في أراضي الضفة الغربية ستؤدي إلى ازدهار اقتصادي وتوسع في مناطق (C , B)»، وأن «السعودية ستدعم السلطة بمبالغ تتجاوز 4 مليارات دولار مبدئياً». ونقل الشوابكة في تقريره أن «عباس شرح لمحمد بن سلمان الوضع القائم، وأنه لن يستطيع تقديم أي تنازلات في ما يتعلق بالمستوطنات وحلّ الدولتين والقدس، وأن لديهم تأكيدات بأن الأميركيين لن يقدموا أي مقترحات جدية (مكتوبة) لعرضها، بل سيتبعون التكتيك نفسه الذي طُبّق سابقاً (وعد بلفور)، وأن أي ضغوطات من أي جهة ستدفع السلطة إلى حل مؤسساتها وتحميل إسرائیل مسؤولية إدارة الأوضاع في الأراضي المحتلة». وبحسب التقرير الأردني، فإن الجانب الأميركي «أقنع محمد بن سلمان بأن هبّة القدس (بعد إعلان ترامب اعترافه بالقدس عاصمة لدولة الإحتلال) لن تستمر أكثر من شهر، وسيعود الوضع إلى ما كان عليه سابقاً، وسيتم تجاوزه بسهولة، خصوصاً إذا تناست الأردن ومصر ما جرى، حيث إن الدول العربية غير مهتمة كثيراً بموضوع القدس، وكذلك الدول الإسلامية الأخرى».
الجانب الأميركي أقنع ولي العهد السعودي بأن هبّة القدس لن تستمر أكثر من شهر
ونقل الشوابكة عن الخالدي قوله إن «السلطة لا تعوّل على لقاء وزراء الخارجية المزمع عقده في عمان قريباً، لأن وجود الإمارات العربية ضمن المجموعة يؤكد بلا شك أن الاجتماع لن يخرج بأي نتائج إيجابية (مبادرة ولدت ميتة)»، وإن «تأجيل الاجتماع الذي كان مزمعاً عقده يوم 23/ 12 / 2017 كان بإيعاز من الإمارات لمصر». وكرر الشوابكة تحذيرات مستشار عباس من أن «الذي سيدفع الثمن في النهاية هو الأردن وفلسطين»، لافتاً إلى أن وزيرة السياحة السابقة، لينا عناب، نقلت أيضاً عن عباس تأكيده مرتين، خلال التقائه بها، أن «القدس والمقدسات مسؤولية أردنية هاشمية وأن الذي سيدفع الثمن الأردن وفلسطين».
وفي ختام تقريره، وضع الممثل الأردني ملاحظاته، قائلاً إن «الخالدي يسعى إلى إيصال رسائل بأن القيادة الفلسطينية لن تتنازل عن أي حق من حقوق الفلسطينيين مهما كان الثمن، وإن لديهم شكوكاً في مواقف بعض الدول العربية غير الواضحة، حيث بيّن أن مصر ليس لديها اهتمام كبير، نظراً إلى بعدها الجغرافي عن القدس وإلى مصالحها (الثنائية) مع الولايات المتحدة الأميركية وبعض الدول العربية. وكرر عدة مرات مسؤولية الأردن عن القدس والمقدسات والتبعات المستقبلية على الوضع بشكل عام في الأردن وفلسطين».
أما في تقريره بتاريخ 4/1/2018، فقد كتب الشوابكة للخارجية الأردنية قائلاً: «علمنا من مدير مكتب أحمد مجدلاني ما يلي حول زيارة الرئيس محمود عباس الأخيرة إلى السعودية والتي تكتم على فحواها. تم العرض على الرئيس الفلسطيني بعض الأشياء التي رفض الحديث عنها ولكنها أزعجته. تم عرض عشرة مليارات دولار لتحسين الوضع الداخلي في أراضي الضفة الغربية، وترتيب وضع اللاجئين وتوطينهم، وستقوم السعودية بتحسين أوضاعهم المستقبلية، .سفارة لدولة فلسطين في أبوديس، ودعم غير محدود مالي وسياسي بعد اتخاذ القرار».
وبحسب معلومات حصلت عليها «الأخبار»، فإن ابن سلمان أبلغ عباس في هذا اللقاء تفاصيل «صفقة القرن»، طالباً منه قبولها والسير بها. ووفقاً للمعلومات، فإن «ابن سلمان سأل عباس ما هي ميزانية حاشيتك سنوياً، فردّ عباس لست أميراً ليكون لدي حاشية، فأوضح ابن سلمان: كم تحتاج السلطة ووزراؤها وموظفوها من مال؟»، فأجاب عباس: «مليار دولار»، فردّ ابن سلمان: «سأعطيك 10 مليارات دولار لعشر سنوات إذا وافقت على الصفقة». إلا أن «أبو مازن» اعترض على الطرح، معتبراً أن ذلك سيؤدي إلى نهاية حياته السياسية.
مستشار عباس: «المتغطّي بالأمريكان عريان»
يبدو أن مكتب تمثيل المملكة الأردنية في رام الله مكان مفضّل لقيادات السلطة للبوح بما يعتمل في نفوسهم. ففي 7/ 3 / 2018، التقى القائم بأعمال مكتب التمثيل الأردني نزار القيسي، قاضي القضاة ومستشار الرئيس محمود عباس للشؤون الدينية والعلاقات الإسلامية محمود الهباش. خلال اللقاء، أورد الهباش تفاصيل عن الوضع الداخلي لـ«المجلس الوطني» واللجنة التنفيذية لـ«منظمة التحرير»، قائلاً القيسي: «اجتمعت مع حركة حماس وجماعة (القيادي الفتحاوي المفصول محمد) دحلان في القاهرة ولكن من دون جدوى. نحن وحماس نعلم أن الوضع الحالي هو (إدارة أزمة) فقط لا غير». وانتقد الهباش النظام المصري الجديد، واصفاً إياه بـ«قلة الخبرة»، وبأنه «يضع ثقته بالأميركان والإمارات والسعودية بطريقة غير حكيمة، والمتغطّي بالأمريكان عريان». وأضاف الهباش: «ما وراء رسالة السعوديين إلى الرئيس أبو مازن هو الموافقة على الصفقة (صفقة القرن)، هذه قناعتنا». واعتبر أن «الصفقة (صفقة القرن) ستغير الأسس التي تقوم عليها دول الأردن ولبنان وسوريا وسيناء وحتى دول الخليج، وبالتالي يجب أن لا نغيب عمّا يقوم به الأميركيون وأدواتهم في المنطقة، وما يحدث في قناة السويس ما هو إلا المناخ الطبيعي لحماية مصر من الناحية الشرقية، وسيناء ستتحول لحل من الطروحات لإقامة الدولة الفلسطينية، وما تبقى من الضفة (كانتونات) يتبع إدارياً للأردن وأمنياً لإسرائيل، وهذا تدمير للأردن وفلسطين والعرب». ورأى الهباش أن «سياسة الأميركان حالياً کرست سياسة الخلاص الفردي لدول عربية، كما هو الحال في مصر والسعودية والإمارات».
رئيس السلطة الفلسطينية «محبَط»
بعد لقائه وزير الأشغال الفلسطيني مفيد الحساينة، رفع رئيس مكتب تمثيل المملكة الأردنية في رام الله خالد الشوابكة تقريره للخارجية الأردنية بتاريخ 24/1/2018. نقل الحساينة للممثل الأردني أن «(رئيس جهاز المخابرات العامة الفلسطينية) اللواء ماجد فرج لا يغادر منزله منذ أسبوعين ويعاني من حالة صحية سيئة، بعد مواجهته من قبل الرئيس (محمود) عباس بأنه والسفير الفلسطيني في واشنطن حسام زملط كانا على معرفة مسبقة بمجريات صفقة القرن، ونقل السفارة الأميركية إلى القدس، وإصرار زملط وفرج آنذاك على الرئيس عباس التوجه إلى واشنطن، ما كان سيؤدي إلى نسف تاريخ الرئيس عباس لولا تدخل رئيس الوزراء السابق سلام فياض وإقناع عباس بعدم الذهاب لواشنطن لأن هناك فخاً ينصب له». وقال الحساينة إن «تسريب قضية بيع الأراضي المملوكة لمنظمة التحرير الفلسطينية والتي تبلغ قيمتها 950 مليون دولار، جرى بإيعاز من اللواء ماجد فرج، رداً على تهديد الرئيس عباس له، والمتورطون في القضية هم طارق (نجل الرئيس عباس) واللواء شحادة (إسماعيل مسؤول الحرس الخاص لعباس) الذي أقيل قبل 3 أسابيع، ومحامي الرئاسة الفلسطينية كريم شحادة! هناك تسريبات بأن تغييرات كبيرة ستطال مواقع كبيرة في مفاصل السلطة الفلسطينية، بما فيها المحافظون الذين يتبعون مباشرة للرئيس عباس». ونقل الشوابكة عن الحساينة قوله إن «الرئيس عباس أصبح محبطاً، خصوصاً في الآونة الأخيرة، حيث تم خذلانه من قِبَل أقرب الموالين له، وهم اللواء شحادة، الذي تم الاستغناء عن خدماته بصمت، حتى لا تثار ضجة، نظراً إلى قربه من عباس منذ ما يزيد على عشرين عاماً، والآن اللواء ماجد فرج، والسفير حسام زملط الذي تحدى الرئيسُ لأجله الكثير من القيادات الفلسطينية والشعب الفلسطيني لتعيينه سفيراً في واشنطن».
شخصيات مقدسية ترفض الوصاية السعودية
في عام 1924، بايع الفلسطينيون الشريف حسين بن علي ملكاً عليهم ووليّاً لأمرهم، ومنحوه حق الوصاية على المقدسات في فلسطين المحتلة. منذ ذلك التاريخ، أدارت المملكة الأردنية شؤون المسجد الأقصى والقدس، واعتبرت نفسها وصية على المقدسات، وربطت مجلس الأوقاف في المدينة بنظيره الأردني. هذا الواقع هو ما يسعى عرّابو «صفقة القرن» إلى تغييره، ضمن الخريطة الجديدة المُعدّة للمنطقة، والتي ينوي الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الإعلان عنها في حزيران/ يونيو المقبل.
تدرك المملكة الأردنية أن سلبها الوصاية على القدس والمسجد الأقصى، ومنحها للمملكة السعودية، أمر جديّ. إذ، بحسب مصادر سياسية فلسطينية، «تسعى الرياض إلى الحصول على الوصاية على القدس والمسجد الأقصى، مقابل دعمها لعملية التسوية وتطبيعها العلاقات كلياً مع الاحتلال الإسرائيلي، وذلك بهدف الترويج أمام شعبها بأنها أصبحت الوصيّة على كل المقدسات الإسلامية في مكة المكرمة والمدينة المنورة والقدس».
في 19 تموز/ يوليو 2018، كشفت صحيفة «إسرائيل اليوم» أن «السعودية طلبت لنفسها موطئ قدم ومكانة في الأماكن الإسلامية المقدسة في القدس (المسجد الأقصى)». وقال الكاتب الإسرائيلي، نداف شرغاي، حينها، إن «إدارة ترامب، ترى في السعودية الحجر الأساس في محور الدول العربية المعتدلة، والتي بدونها لن تقوم تسوية، (وعليه فهي) لن ترفض الطلب السعودي». وأشار شرغاي إلى أن «المملكة الأردنية توجّهت إلى إسرائيل التي حاولت تهدئة روعها، إلا أن الملك عبد الله الثاني رفض أن يهدأ، وطلب من الإسرائيليين أن يتحدثوا مع الأميركيين». وأضاف الكاتب إن «إسرائيل تحدثت مع واشنطن، إلا أن الأجوبة التي جاءت من ترامب لم تُرض عبد الله، الذي أراد تعهداً لا لبس فيه بأن مكانته كوصي على الأقصى لن تتضرر». وأكدت الصحيفة أن «تلميح عبد الله للأميركيين بأن الأردن لا يوجد في جيب ترامب، وهو ليس شريكاً تلقائياً للمحور العربي المعتدل، أوصل الرسالة، وكانت النتيجة أن السعودية خفضت على عدة مستويات الحديث عن وصايتها على الأقصى، وتخلّت عن الفكرة مؤقتاً كجزء من صفقة القرن».
يدرك الأردن أن سلبه الوصاية على المقدسات ومنحها للسعودية أمر جديّ
وبحسب وثيقة حصلت عليها «الأخبار»، فقد أرسل رئيس مكتب تمثيل المملكة الأردنية في رام الله، خالد الشوابكة، بتاريخ الـ 31 من كانون الثاني/ يناير 2018، تقريراً إلى الخارجية الأردنية حول نية عدد من المقدسيين إعداد عريضة وتوقيعها من بعض المقيمين في مدينة القدس، تطالب (برفض) نقل الوصاية على المقدسات إلى السعودية. وقال الشوابكة في نص الرسالة: «أرجو التكرم بالعلم بأنني استقبلت في مكتبي السيد أحمد مشهور السواحرة (الذي يقدّم نفسه كشيخ مشايخ عرب السواحرة)، والذي أفادني بما يأتي:
ــــ يقوم عدد من المقدسيين بتحضير عريضة ينوون توقيعها من بعض المقيمين في مدينة القدس مفادها (رفض) نقل الوصاية على المقدسات إلى السعودية.
ــــ أُعلمنا بأن كلّاً من السيد حازم البكري، والسيد مازن أهرام، على علم بأسماء من يقوم بالعمل على تحضير العريضة مدار البحث.
ــــ مرفق أيضاً صورة عن العريضة الموقعة من السيد أحمد مشهور، وعدد من رجالات القدس، والتي تؤكد على اعتزازهم وتمسكهم بالوصاية الهاشمية على المقدسات».
الجبير يقترح إنهاء السلطة الفلسطينية… والمالكي يردّ
تنشر «الأخبار» في ما يلي محضر اجتماع الوفد الوزاري العربي في عمّان بتاريخ 6 / 1 / 2018، لبحث تداعيات القرار الأميركي الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل. اجتماع بدا فيه العرب خائفين من الولايات المتحدة، وظهر كلّ من وزيرَي الرياض وأبوظبي مهتمَّين بتمييع أي قرار يصطدم بالولايات المتحدة، في حين كشف أحمد أبو الغيط أن لا دولة عربية انضمت للجنتين شكلتهما الجامعة العربية للتصدي لنفوذ تل أبيب. وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، رمى بمقترح «الصدمة» عبر حل الدولة الواحدة وإنهاء سلطة رام الله. موقفٌ استدعى رد فعل من نظيره الفلسطيني، سأل فيه الجبير: «أين مصداقيتنا وأخلاقنا؟». وفي ما يلي مداخلات الاجتماع وفق ما وردت في المحضر الأردني المسرّب:
وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي
أشار معالي الوزير أيمن الصفدي إلى أن هذا الاجتماع تشاوري يهدف إلى تقييم الوضع الراهن في ظل الاتصالات التي أجريت عقب القرار (الأميركي بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل)، ومعرفة أين يقف العالم من ذلك، وتحديد أولويات عمل وتوصيات تعمل بها، وتحليل اجتماع المجلس الوزاري. أكد معالي الوزير أن القرار رقم 8221 الصادر عن مجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري، أناط بالوفد مهمة الحد من التبعات السلبية لقرار الولايات المتحدة الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ومواجهة آثاره. أشار معالي الوزير إلى التطورات الأخيرة، من تصويت الكنيست الإسرائيلي على قانون معدل لقانون ما يسمى «أساس القدس» وقرار الحزب الحاكم في إسرائيل والأنباء حول قطع المساعدات الأميركية عن «الأونروا» والأزمة التي سيسببها لكل هذا القرار في مناطق العمليات الخمسة في الأردن وسوريا ولبنان والضفة الغربية وغزة، فهناك آلاف الطلبة الذين يدرسون في مدارسها والمرضى الذين يتعالجون في مراكزها الصحية.
وزير الخارجية المصري سامح شكري
أعرب شکري عن اتفاقه مع الأهداف ومنهجية العمل التي ذكرها معالي الوزير الصفدي. وبين أن موقف الاتحاد الأوروبي إيجابي. أشار إلى التصويت على القرار المتعلق بالقدس في مجلس الأمن، ووصف نتيجة تصويت الجمعية العامة على القرار الأخير بالنتيجة المشرفة. قال إنّا كنا نتوقع دعماً أكبر من الدول الأفريقية كونها عانت من الاستعمار سابقاً. شدّد على أن هذا الاجتماع ذو طبيعة تشاورية.
وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي
منذ قدوم الإدارة الأميركية وهي تحاول الابتعاد عن أسس السلام المتفق عليها، بدءاً بموضوع شرعنة الاستيطان، ثم التنكر لحل الدولتين، والابتعاد عن المرجعيات الدولية، منوهاً إلى أن تلك الخطوات الأميركية مؤشرات على أن إدارة ترامب اختارت الابتعاد عن عملية السلام. الإعلان الأميركي بالنسبة لنا شكل ضربة قوية جداً لعملية السلام ومعسكر السلام الذي نمثله جميعاً، ويخدم إسرائيل وقوى التطرف فيها، وخدمة للإرهاب في المنطقة من خلال الانتقال من صراع سياسي إلى دیني. خلال العام 2017 اقتحم 25000 متطرّف المسجد الأقصى المبارك، وكل هذه خطوات تصعيدية شجعت الولايات المتحدة إسرائيل عليها، وهي انتهاك لحقوق الفلسطينيين، فضلاً عن التزايد في وتيرة الاستيطان، وهناك أخبار عن مليون وحدة استيطانية جديدة، بالإضافة لقانون إعدام الفلسطينيين، واقتلاع الأحياء العربية في القدس بهدف تغيير ديموغرافيتها وتهويدها. كل هذه الإجراءات التصعيدية نمت من خلال تشجيع (مستشار الرئيس الأميركي جاريد) كوشنير، (المبعوث الأميركي في الشرق الأوسط جيسون) غرينبلات، و(السفير الأمريكي لدى إسرائيل ديفيد) فريدمان، وهؤلاء الثلاثة لهم بيوت في المستوطنات وجزء منهم عاش فيها، ويشعرون بأن حركة الاستيطان مقدّسة.
الجبير: نحن بحاجة «To Think out of the box» والتفكير في شيء «Dramatic»
وقد بيّن كتاب «Fire & Fury» أنهم أخذوا كل هذه القرارات منذ الأيام الأولى لوصول ترامب إلى الرئاسة. شدّد على أن قرارات الولايات المتحدة الأخيرة تضرب قضيتي القدس واللاجئين اللتين تشكلان عصب القضية الفلسطينية. قد قالها ترامب: القدس أصبحت «Off Table» (لم تعد على الطاولة)، وبالنسبة للأونروا فقد طرح الإسرائيليون الموضوع في البداية ثم تبنت (المندوبة الأميركية في مجلس الأمن) نیکي هایلي هذه الفكرة بهدف شلّ الأونروا، ثم يقولون «تحملوا يا أردن ولبنان، وسوريا والعراق لإخراج موضوع اللاجئين Off Table». أما بالنسبة للحدود والمستوطنات، فلم تبق هنالك فرصة لدولة فلسطينية متصلة، حيث أن مشروع «E1» قسّم الضفة الغربية إلى قسمين: قسم شمالي منعزل تماماً عن جنوبها. نحن قلقون من هذه الخطوات، وتحدثنا بأن الإدارة الأميركية هي من فرضت المواجهة ونحن لم نكن يوماً نريد المواجهة. لا نقبل بأي دور للولايات المتحدة الأميركية في العملية السياسية، ونحن بحاجة لأفق جديد ورؤية جديدة، ورؤية سياسية جدّية. لا نقبل الانتظار لحين رؤية ما ستقدمه أميركا، حيث من الواضح لدينا أن صفقة القرن تتضمن: القدس خارج، اللاجئين خارج، المستوطنات واقع، ومناطق «C» يتم ضمها، وهذا أمر مستحيل حدوثه. نعتقد بضرورة مواجهة القرار وإبطاله، ومواجهة ومنع أي دولة من أن تقوم بنفس ما قامت به الولايات المتحدة الأميركية. ضرورة تفعيل قرارات الجامعة العربية عام 1980 في عمان والتي تدعو لقطع العلاقات مع أي دولة تعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل، والتي تم التأكيد عليها في قمة عام 1983 وقمة عام 2002. ضرورة تفعيل قرارات القمم العربية السابقة، وتفعيل شبكة أمان اجتماعي للشعب الفلسطيني. الشعب الفلسطيني والعربي ينتظر موقفاً عربياً واضحاً وآليات للتحرك. بالنسبة لزيارات العواصم يمكن أن تقوم بها كل دولة لوحدها فكل منا يحمل عبء ومسؤولية أو تكليف كل دولة بزيارة مجموعة من الدول. بالنسبة لغواتيمالا فهي الدولة الوحيدة التي أعلنت عن نقل سفارتها إلى القدس مع أن الأنباء تتحدث أن إسرائيل تتوقع أن تقوم عشر دول بهذه الخطوة ولكن إسرائيل فشلت في ذلك حتى مع رومانيا وبولندا والتشيك. قالت وزيرة خارجية غواتيمالا إن العرب لن يتجرأوا على اتخاذ أي خطوة تجاه غواتيمالا سواء سياسية أو اقتصادية مضيفة أن غواتيمالا ستعمل لإقناع الدول بنقل سفاراتها للقدس. أسس نتنياهو صندوقاً بقيمة 50 مليون دولار لدعم الدول النامية بهدف شراء ذمم تلك الدول وتسهيل نقل سفاراتها إلى القدس. ضرورة خروج رسالة «تجارية» إلى غواتيمالا، فهي تقوم بتصدير 90 % من حب الهال إلى الدول العربية. كما أن منظمة مصدري حب الهال في غواتيمالا بدأت بالحراك والضغط على الحكومة لتغيير موقفها. ولهذا يجب التلويح بقطع شراء الهال منها . رئیس غواتيمالا هو من الـ«Evangelical» (إنجيلي)، وابنه معتقل، وأخوه معتقل أيضاً بتهم فساد، ويمكن التحرك ضمن المعارضة في غواتيمالا للضغط على الحكومة الغواتيمالية.
وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش
الوضع صعب والموقف الأوروبي جيد، يجب أن يوجد لدينا موقف بنّاء – أي عرض معين. الوفود المشتركة في الزيارات يجب أن تكون فقط في أقل الحالات لأنه موضوع غير عملي من ناحية تجمع الوزراء. وضع الخطط واتخاذ المواقف يحتاج لوقت وهذه اللجنة يجب أن تكون المحرك لموضوع القدس، وأن لا يكون رد العالم العربي «متطرف وتتحكم به ترکیا و إیران».
وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة
الموقف الأميركي له سياقه، ويقلقنا الموقف الأفريقي الذي يعكس حقيقة التوغل الإسرائيلي في القارة الأفريقية. (هنا قام الوزير الفلسطیني ریاض المالکي بمداخلة أشار فيها إلى أن نتنياهو طلب من الرئيس الزامبي ترتيب قمة أفريقية – إسرائيلية وقد قبل الرئيس الزامبي هذا الطلب). أشار بوريطة إلى أن هناك 25 دولة أفريقية أعطت المواققة لإسرائيل على ترشيحها لمجلس الأمن. نمط التصويت في الجمعية العامة على قرار القدس يؤكد المخاوف من الموقف الأفريقي. يجب طلب مساعدة الأوروبيين في موضوع الأونروا من خلال الإشارة لأهمية الوكالة وطلب تقديم دعم مادي إضافي لها. لا يجوز أن نترك الولايات المتحدة وتدير ظهرنا لها، بل يجب التواصل معها وتوضيح خطورة القرار.
وزير الخارجية السعودي عادل الجبير
نتفق على كل ما ذكر، ونعم نتحرك في الأمم المتحدة ونحتج ونستنكر ولكن ما البدائل؟ هل حل السلطة الوطنية الفلسطينية هو خيار مطروح؟ وترك إسرائيل مسؤولة عن التعليم والصحة والخدمات… إلخ. هل حل الدولة الواحدة مطروح؟ بحيث نقول «استلمي المسؤولية يا إسرائيل». قطع العلاقات مع أميركا غير وارد، الاحتجاج ليس له أثر، قد نعزل أميركا ولكن في النهاية لن يعدل ترامب عن قراره. يمكن أن نعمل على موضوع غواتيمالا. يمكن أن نعمل على موضوع أفريقيا ولكن نفوذ إسرائيل و أمیرکا هناك أكبر. ماذا يوجد لدينا غير الاحتجاج؟ نحن بحاجة «To Think out of the box» (التفكير من خارج الصندوق) والتفكير في شيء «Dramatic» (دراماتيكي) مثل حل السلطة الفلسطينية وعمل صدمة بحيث يأتي الناس ويقولوا وين رايح؟ نستطيع تغطية عجز الأونروا ولكن التحرك بسرعة في مصلحة أميركا: هي العرب دفعوا ووفرت على نفسي.
أمين عام جامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط
هذا الاجتماع مهم، وعلى اللجنة تقديم توصياتها لمجلس الجامعة لتبنيها ثم الانطلاق لتنفيذها. الوضع صعب، صحیح 128 دولة صوتوا لصالح القرار، ولكنا فقدنا 65 دولة. أميركا اللاتينية تخلت عن موقفها، أفريقيا 15 – 16 دولة ضاعت منا. التعاون العربي الأفريقي ضاع خلال الفترة الماضية، ونحتاج للتركيز على أفريقيا. دعونا في الجامعة العربية لتشكيل لجنتين، الأولى للتصدي لترشيح إسرائيل لمجلس الأمن، ولجنة التصدي للتأثير الإسرائيلي في أفريقيا، ولكن لا أحد يريد الانضمام لهما. الهدف من هذا الاجتماع: أولاً- تقليل خصائر الفلسطينيين، والعرب، والمسلمين والمسيحيين. ثانياً- نساعد الفلسطينيين في تحركاتهم في المنظمات الدولية، صحيح سنضايق الأميركيين ولكن علينا أن نكون دقيقين لعدم استشارة ردود أفعال أخرى.
داخلة رقم 2 لوزير الخارجية الفلسطيني (رد على الجبير)
أتفق مع الأمين العام إذا تبنينا موقفاً يجب التمسك به، فكيف إذا ما تبنينا قرارات؟ أتفهم موقف عادل الجبیر بأننا لا نستطيع قطع العلاقات مع أميركا ولكن أين مصداقيتنا وأخلاقنا؟ فأما نبلع القرارات أو نلتزم موقفنا، هل القرارات فقط تصدر ولكن نعلم أننا غير قادرين على تطبيقها. غواتيمالا لا تزن شيئاً ولكنها أصبحت عنواناً للتحدي، وهي ما زالت تتحدى وتريد إقناع مزيد من الدول بنقل سفارتها إلى القدس بغض النظر عن حجمها. هناك تحد كبير، يجب أن نعرف إذا كنا على مستوى التحدي، إذا كنا لا نستطيع التعامل مع توغو وغواتيمالا، فكيف أرفع سقفي إلى الولايات المتحدة؟ أمیرکا ما زالت تصعد ويجب أن تسمع صوتنا واحتجاجاتنا، إذا لم يكن هناك مظاهرات واحتجاجات ستقول أمريكا لماذا أهتم؟ لا ندعو للدفع بالسرعة للأونروا، ولكن هذا موضوع يتعلق باللاجئين الذي هو من مواضيع الحل النهائي، وبالتالي يجب أن يكون هنالك جدية. هناك تصعيد من الفصائل والشعب الفلسطيني إزاء أوسلو والسلطة الفلسطينية، ولكن في الوقت الذي نتخذ مثل هذه الخطوات (إشارة إلى تساؤل الجبير عن خيار حل السلطة الوطنية الفلسطينية) بدون دعم عربي ماذا سيحدث؟ من الضروري وجود دعم وإسناد ودفء عربي للقيادة الفلسطينية.
مداخلة رقم (۲) لوزير الخارجية الأردني
إذاً نتقق أن نقاط التقائنا هي: – الوضع صعب ولا نريد أن نصعبه أكثر. – نريد التعامل لإدارة الوضع الصعب وتقليل الخسائر.
قطع العلاقات مع أميركا لن يحدث فلماذا نلوح به؟ ما هي الخطوات التي علينا اتخاذها: تأكيد موقف الجامعة العربية ببطلان القرار . كيف نحد من تبعاته؟ الانخراط الإيجابي والهجوم الإيجابي أفضل من الهجوم السلبي.
لا نريد وضع كل خياراتنا الآن على الطاولة. على فرض قامت أميركا بالتصعيد مستقبلاً ماذا سنفعل؟ أما بالنسبة لمطالبنا: الاتفاق على بطلان وعدم شرعية القرار الأميركي. التأكيد على السلام خياراً استراتيجياً يرتكز على حل الدولتين. (هنا قام الوزير رياض المالكي بمداخلة: لا نستطيع التعامل مع أميركا ولا نتوقع تقديم شيء مفيد، إذا لم قرارها لا يجب ولا يمكن التعامل معها. ولوحظ بأن الوزير المالكي قد وجه حديثه کاملاً للوزير السعودي – من باب الرد – حينما تكلم لأكثر من مرة وبدا منفعلاً).
مداخلة رقم 3 للوزير الصفدي
أشار معالي الوزير إلى ضرورة الاتفاق على خطوات عملية للتعامل مع تداعيات القرار الأميركي، مثل: التأكيد على القرار رقم 8221 الصادر عن مجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري. الانخراط مع المجتمع الدولي للاعتراف بالدولة الفلسطينية على خطوط الرابع من حزيران 1997 وعاصمتها القدس الشرقية. تم الاتفاق على الدعوة لاجتماع مجلس الجامعة على المستوى الوزاري بتاريخ 31/ 1 / 2018.
سفارة عمّان لدى الرياض: لقاء كوليس وابن سلمان… وقلق إماراتي من السعودية!
يفيد السفير الأردني لدى الرياض، علي الكايد، في تقرير رفعه إلى سلطات بلاده بتاريخ 18/ 1/ 2018، بتفاصيل نشاطه الدبلوماسي في العاصمة السعودية. لقاءان مليئان بالأخبار المثيرة والنميمة الدبلوماسية، جمعا، في اليوم نفسه لكتابة التقرير، السفير الكايد بكلّ من السفيرين لدى الرياض، البريطاني سايمون كوليس، والإماراتي شخبوط بن نهيان.
يسرد الكايد ما سمعه من السفير البريطاني في الجلسة التي خيّمت عليها المناقشات في شأن ملف «صفقة القرن» وقرار إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل. يكشف السفير كوليس للكايد أنه التقى أخيراً بولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، وأن الأخير أبدى أمامه امتعاضاً من الضجة الدولية المثارة حول السعودية وصفقة القرن، في إشارة إلى الأجواء التي أشاعها الإعلام حول دور السعودية في الصفقة. وبحسب ما ينقل كوليس عن ابن سلمان من مبررات وتوضيحات (تصبّ في خانة التنصّل من تورّط الرياض في ملفَّي القدس وصفقة القرن)، فإن الإدارة الأميركية طلبت نقل بنود «الصفقة» إلى الجانب الفلسطيني «ولا تستطيع السعودية (بحسب ابن سلمان) رفض الطلب الأميركي وهي الحليف والداعم الأكبر لمصالحها»، في إشارة على ما يبدو إلى الاجتماع الشهير بين رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس وابن سلمان، حين نقل الأخير إلى عباس الطرح الأميركي.
أكد بن نهيان صحّة الكلام المتداول حول إعطاء الملك سلمان إجازة لولي العهد (الأناضول)
ينتقل كوليس إلى الحديث مع الكايد عن قرار نقل السفارة إلى القدس، فيستشهد بانعكاساته لتقييم موقف واشنطن في إطار «صفقة القرن»، أو ما يسمّيها هو «مبادرة سلام جديدة». يكشف أن الجانب الأميركي تواصل مع لندن «لطلب دعم مبادرة جديدة للسلام ستُعلَن ربما نهاية الشهر». لكن الرد البريطاني أتى برفض دعم «أي مبادرة من دون معرفة بنودها». ويستنتج كوليس من لجوء واشنطن إلى بلاده طلباً للدعم ليقول إن «الموقف الصلب، الأردني والفلسطيني والأوروبي والإجماع الدولي عبر الجمعية العامة للأمم المتحدة ضد قرار ترامب المتعلق بالقدس، ساعد في إقناع الرئيس ترامب بخطأ قراره الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ويعزّز ضرورة الحصول على دعم أوروبي قبل أن يطرح أي مبادرة سلام جديدة». ويعني التقدير البريطاني هذا أن محور جاريد كوشنير ـــ محمد بن سلمان تعرّض إثر قرار الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، للإحراج، ويحتاج إلى فرلمة هجومه، ما يفسّر ربما تأجيل الإعلان عن «المبادرة» الأميركية العام الماضي وترحيلها إلى 2019.
وفي شقّ آخر، ينتقل الحديث إلى الشأن السعودي الداخلي، حيث يشرح السفير البريطاني أن «السياسة السعودية حالياً هي نتاج نقص خبرة ولي العهد المحاط بالمشاكل داخلياً وخارجياً». ولم يكتف كوليس بإبداء تصوّره الآنف لواقع دائرة صنع القرار في المملكة، بل رجّح المعلومات التي تم تداولها حينها حول العلاقة بين الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز ونجله المعيّن حديثاً ولياً للعهد، فيقول: «يبدو أن هناك اختلافاً في الرؤى تجاه بعض القضايا بين الملك سلمان وولي عهده، ما دفع الملك إلى التدخّل أخيراً لتغطية بعض الثغرات ومساعدته»، متوقعاً أنه «قد يدفع هذ التدخل ولي العهد إلى تغيير سلوكه في الفترة المقبلة». لا يشير الكايد لدى حديثه عن كلام السفير كوليس حول الداخل السعودي إلى أكثر من ذلك، ولا يوضح الأسباب، لكن المرجّح، بالعودة إلى تلك المرحلة، أن المقصود هو عمل الملك سلمان على إصلاح تبعات حملة اعتقالات «الريتز كارلتون» واحتجاز رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري، إلى جانب كبح الاندفاعة الكبيرة لديه تجاه ملف «صفقة القرن» بالتنسيق مع مستشار الرئيس ترامب وصهره جاريد كوشنير.
ولي العهد: الإدارة الأميركية طلبت نقل بنود «الصفقة» إلى الجانب الفلسطيني
في اليوم نفسه، يلتقي السفير الكايد بشخبوط بن نهيان، السفير الإماراتي لدى السعودية. لقاء تضمّن تصريحات مفاجئة من الأخير تجاه السعودية، تناقض مواقفه وبلاده في العلن بحق المملكة ومتانة العلاقات بين البلدين الخليجيين، وتعتبر أن علاقة أبوظبي بعمّان «أهمّ» من علاقتها بالرياض. وحرص الكايد على أن يشير في تقريره إلى أن لقاءه مع السفير الإماراتي تمّ بناءً على طلب «الشيخ شخبوط». الإفادة المختصرة في التقرير تشي بمحاولة الإمارات تطمين الأردن، في وقت كان فيه الأخير قلقاً من الضغوط الأميركية والخليجية عليه، السياسية والاقتصادية، في إطار مشروع «صفقة القرن»، والتي يتنصّل السفير الإماراتي من مسؤولية بلاده عنها، ويرميها بصورة غير مباشرة على السعودية.
في تفاصيل اللقاء، يفيد التقرير الدبلوماسي بأن ابن نهيان تطرّق إلى العلاقات بين أبوظبي والرياض، ليعبّر عن «قلقه من علاقة بلاده مع السعودية»، إذ إن الأخيرة «باتت تؤثّر سلوكياتها سلبياً على الإمارات». ومن ثم أضاف: «ما يربط السعودية والإمارات هو الحرب في اليمن»، كاشفاً عن أن الإمارات تسعى للخروج من هذه الحرب «بأي طريقة». أما العلاقات بين الإمارات والأردن، فهي بحسب ما ينقل الكايد عن ابن نهيان «أهمّ لبلاده وإن أصابها فتور في بعض الأحيان، لكن القيادة الإماراتية تعي جيداً وتحترم الثقل الدولي لجلالة الملك (الأردني عبد الله الثاني)». ويتابع السفير الإماراتي بالقول: «الأردن تحمّل وتلقّى الكثير من الضربات، لكنه حافظ على أمن دول الخليج، وبينها الإمارات، وإنه يجب أن تسعى الدول لتقوية علاقاتها معه»، واعداً بأن أبوظبي «ستعمل على تقوية علاقاتها مع الأردن».
وقد أكد ابن نهيان في اللقاء بعبارات واثقة «صحّة الكلام المتداول حول إعطاء الملك سلمان إجازة لولي العهد إلى حين أن تخف الضغوط المتتالية عليه»، في تقاطع مع معلومات نظيره البريطاني حول تدخّل الملك «لتغطية بعض الثغرات ومساعدته». ويكشف السفير للكايد أن ابن سلمان موجود حالياً في مدينة جدة (الجدير ذكره أنه في الفترة تلك سرت شائعات وتكهنات بشأن اختفاء ولي العهد وانسحابه من المشهد).