خفايا الخلاف بين المحتجين والمجلس العسكري الانتقالي بالسودان
موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية || الوقت التحليلي
لم تستطع قوى إعلان الحرية والتغيير والمجلس العسكري الانتقالي بالسودان الوصول إلى حلول بشأن قيادة المجلس السيادي، وذلك بعد جلستين من المحادثات عُقدتا الأحد والاثنين، وبينما تطالب قوى إعلان الحرية والتغيير بأن تكون لها أغلبية أعضاء المجلس السيادي، يضغط المجلس العسكري بأن تكون الأغلبية له في هذا المجلس.
وسط هذه الظروف السياسية والاقتصادية القاسية التي تعيشها السودان، لا يزال المحتجون يواصلون اعتصامهم أمام مقرّ الجيش، وهم يعلمون جيداً أن تراجعهم يعني إعلان استسلامهم وتسليم البلاد مجاناً للمجلس العسكري وإعادة عهد البشير بعد أربعة أشهر من مظاهرات مستمرة وعشرات القتلى والجرحى.
وبعد فشل المفاوضات طالب تجمّع المهنيين والحزب الشيوعي في السودان بإسقاط الحكم العسكري وتنفيذ سلسلة من الاعتصامات والإضرابات في عموم البلاد، لفرض مطلب المحتجين بنقل السلطة للمدنيين.
وقد دعا تجمع المهنيين يوم الثلاثاء لإسقاط المجلس العسكري الانتقالي واتهمه بعرقلة انتقال السلطة للمدنيين وبمحاولة إفراغ الثورة السودانية من جوهرها وتبديد أهدافها.
المجلس الذي لم يتم الاتفاق على تشكيله حتى اللحظة من المقرر أن يقود البلاد لفترة انتقالية تبلغ ثلاث سنوات، لذلك فإن السماح للمجلس العسكري بأن تكون له أغلبية أعضاء المجلس يعدّ أمراً خطيراً، ولاسيما أن البلاد ذاقت الأمرّين تحت حكم العسكر، ولا يبدو أن الشعب السوداني يريد أن يعيد تلك الأيام التي تدهورت فيها حياتهم وانقسمت بلادهم وفرضت عليهم عقوبات اقتصادية حتى دون أن يحصلوا على أي ميزات سوى الفقر وارتفاع الدين العام الخارجي للسودان إلى حوالي 51 مليار دولار.
حاولت الدول الخليجية الدخول على خط الأزمة وتقديم مساعدات مالية تبيّن فيما بعد أنها لأغراض سياسية ولذلك وجدنا أن المحتجين يعترضون على هذه الأموال ويرون أنها فقط لشراء الذمم وإعادة البلاد إلى ما كانت عليه، حيث تعهّدت كل من الإمارات والسعودية الشهر الماضي بتقديم مساعدات قيمتها ثلاثة مليارات دولار، ويرى الخبراء الاقتصاديون أن هذا المبلغ لن يتيح سوى متنفساً قصير الأمد.
ومن الأمور الأخرى التي تجعل المحتجين يصرّون على أن تكون لهم أغلبية المقاعد في المجلس السيادي، تتمثل في كون أمريكا تضع السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب، ما جعل حصول السودان على قروض ومنح جديدة أمراً مستحيلاً، وبقاء العسكر في السلطة يعني استمرار الوضع على ما هو عليه، وهذا ما أكدته واشنطن عندما قالت: إنها ” لن ترفع السودان من قائمة الإرهاب، مادام العسكريون يتولّون زمام السلطة”.
إلا أن المشكلة تكمن بأن المجلس العسكري يصرّ على أن يترأس المجلس السيادي، وأفاد عضو في وفد التفاوض عن “قوى إعلان الحرية والتغيير”، في تصريح لقناة “RT”، بأن المجلس العسكري السوداني رفض بشكل قاطع أن يرأس المجلس السيادي مدني، وذلك بعد إعلان فشل المفاوضات.
ويتهم “تجمع المهنيين السودانيين”، الذي قاد الاحتجاجات ضد حكم البشير ويرأس تحالف “قوى إعلان الحرية والتغيير”، المجلس العسكري الانتقالي بالتلكؤ في المحادثات، كما حمّله مسؤولية العنف الذي دار في الشوارع الأسبوع الماضي.
هذا ولا تزال الاحتجاجات في الشوارع مستمرة وكذلك الاعتصام أمام مجمّع وزارة الدفاع، للمطالبة بانتقال سريع للحكم المدني والقصاص للعشرات الذين قُتلوا منذ أن عمّت الاحتجاجات أرجاء السودان في 19 ديسمبر الماضي.
الأوضاع الاقتصادية
تمرّ السودان بأزمة اقتصادية خانقة كانت السبب الرئيس في خروج التظاهرات، وما أجّج هذه الاحتجاجات أن الحكومة بدلاً من البحث عن حلول جذرية للأزمات كانت تفكّر في رفع الدعم عن المواطنين.
يخشى المحتجون أن يستمر الوضع الاقتصادي على ما هو عليه في حال ترأس العسكر حكم البلاد، ففي السابق كانت جميع الموارد موجهة لعناصر دعم النظام للاستمرار في السلطة، وهذا أدّى إلى خلل كبير في تخصيص الموارد، فبدلاً من وصولها لقطاعات الإنتاج تتحوّل إلى دعم القوات النظامية المختلفة، وبالتالي فإن قطاع الإنتاج لا يأخذ حظه من التمويل، ولذلك فإن أي محاولة اليوم لإصلاح الاقتصاد لا يمكن أن تحدث إلا بعد إعادة ترتيب الأوضاع على المستوى السياسي، والقضاء على إمبراطوريات النهب والفساد المنظّمة، والرئيس يعلم هذا وتم وعد الشعب بمحاكمتهم ولكن كانت هناك تسويات خفية بين الفاسدين والحكومة.
وتعدّ السودان من أغنى دول العالم من حيث الموارد، خاصة بعد اكتشاف النفط والذهب خلال العقدين الماضيين، وفيه أرض شاسعة خصبة صالحة للزراعة (200 مليون فدان مربع)، وثروة حيوانية (أكثر من 150 مليون رأس)، إلا أن غرق العقل السياسي في المصالح الحزبية والذاتية، والفساد والإقصاء والظلم، وغياب دولة القانون، جعل السودان دولة فقيرة تستجدي المنح والقروض والمعونات.
حالياً الأمور وصلت إلى طريق مسدود بعد تعنّت الطرفين برئاسة المجلس السيادي ونظراً لذلك أعلن تجمع المهنيين -وهو أحد مكونات قوى الحرية والتغيير- بدء التصعيد مع المجلس العسكري وتحديد ساعة الصفر لتنفيذ العصيان المدني والإضراب الشامل، مشدداً على مدنية السلطة بالكامل.
وقال التجمع إنه “لا مناص من إزاحة المجلس العسكري لتتقدم الثورة لخط النهاية”، مؤكداً أن تمسّك المجلس العسكري بالأغلبية في مجلس السيادة وبرئاسته، لا يوفي بشرط التغيير ولا يعبّر عن المحتوى السياسي والاجتماعي للثورة.