نص كلمة قائد الثورة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي بمناسبة يوم القدس العالمي

موقع أنصار الله  – صنعاء– 26 رمضان 1440هـ

 

أَعُوذُ بِاللّهِ مِن الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمِن الرَّحِيمِ

الحَمْدُ لله رَبِّ العالمين، وأَشهَـدُ أنْ لَا إلهَ إلَّا اللهُ المَلِكُ الحَقِّ المُبين، وأشهَدُ أنَّ سيدَنا مُحَمَّــداً عَبْدُه ورَسُوله خاتمُ النبيين.

اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــدٍ، وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــدٍ، كما صَلَّيْتَ وباركت على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ إنك حميدٌ مجيدٌ، وارض اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المُنتجبين، وعن سائر عبادك الصالحين.

أيها الأخوة والأخوات، السَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه

وتقبّلَ اللهُ مِنّا ومِنكم الصِيامَ والقِيامَ وصَالِحَ الأعمال، اللهم اهدنا وتقبّلْ مِنّا إنكَ أنتَ السميعُ العليم، وتُبْ علينا إنكَ أنتَ التوابُ الرحيم.

أعلن الإمامُ الخُمينيُّ رِضوانُ اللهِ عليه آخِرَ جُمعةٍ مِن شهرِ رَمَضَانَ المُبَارَك يَومَاً عالمياً للقُدْس، وكان هذا مَوقِفاً حكيماً ومُهماً، ومَوقِفاً الأمَّةُ في أمسِّ الحاجةِ إليه، وتِجاهَ قضيةٍ في غايةِ الأهمية بِالنسبةِ للأمَّةِ، في مَوقعِ هذه القضيةِ مِن عقيدتِها الدينيةِ، مِن التزاماتِها الإيمانية، وكانَ الاختيارُ مُوفقاً بِالنسبةِ للزَمَن آخرُ جُمعةٍ مِن شهرِ رَمَضَانَ المُبَارَك مِن العشرِ الأواخِرِ مِنه، فيما يُعبِّرُ عنه هذا التوقيتُ مِن قُدسيةِ القضيةِ وأهميتِها بالاعتبارِ الديني والأخلاقي بِالنسبةِ للأمَّةِ.

وهذه المُناسَبةُ مثَّلتْ أهميةً كبيرةً ـ مِن يَومِها، مِن يَومِ الإعلانِ عنها والدعوةِ إليها وإلى اليَوم ـ في ترسيخِ وتثبيتِ هذه القضيةِ المُهِمَةِ جداً بِالنسبةِ للأمَّةِ في وجدان الأمَّة، وفي ذاكرةِ الأمَّة، وفي الواقِعِ العَمَلي بِالنسبةِ للأمَّةِ، كما مثَّلتْ فُرصةً مُهِمَةً للالتفاتةِ إلى هذه القضيةِ التفاتةً عَمَليَة، بدلاً مِن الانتظارِ، والجُمودِ، والتفرّجِ، والتعاملِ معَ الموضوعِ وكأنَّهُ لا يَعني الأمَّةَ إلا مِن وَاقِع التعاطف، أن تدخلَ الأمَّة في إطارِ المَوقِف، في إطارِ المَسؤوليةِ والفِعل، والتعبيرِ والتحركِ الجَاد، ومثَّلَ أيضاً فرصةً كبيرةً لتدارسِ هذه القضية، وتدارسِ ماذا تعنيهِ بِالنسبةِ لنا كأمَّةٍ مُسْلِمة، وفي الوقتِ نَفْسِهِ ما هي الحلولُ والخطواتُ العَمَليَةُ المُناسِبةُ والصَحِيحةُ والحكيمةُ تِجاهَ هذه القضية، فوائدُ كثيرة، وجوانبُ متعددةٌ اتصلتْ بهذه المُناسَبةِ وأعطتْهَا أهميةً مُتزايدةً شَهِدَتْ لها التطوراتُ في الواقِعِ العَربي، والواقِعِ الإسلامي، والواقِعِ العالمي، وأثبتتْ أهميتَها الأحداثُ والزَمَن.

القضيةُ الفِلَسْطِينيةُ بِالنسبةِ لنا كأمَّةٍ مُسْلِمةٍ، وبِالنسبةِ قبلَ ذلكَ للأحرارِ في العالَم، لكن بِالنسبةِ لنا كأمَّةٍ مُسْلِمة، بِالنسبةِ لنا كمُسْلِمين، مَوقِفُنا الطبيعيُ والمُفتَرَضُ تِجاهَها معروفٌ وواضِح، يُفترضُ بنا كأمةٍ مُسْلِمةٍ وكمُسْلِمين أن تُمثِّلَ هذه القضيةُ بِالنسبةِ لنا قَاسَماً مشتركاً، وقضيةً جامِعةً نلتفُ حَولَها جميعاً، وتُمثِّلُ عاملاً مُهماً مِن عواملِ الوحدةِ والاتفاقِ والتعاون، وأن ننهضَ بواجبِنا الجَماعي كأمَّةٍ مُسْلِمة، باعتبارِ فِلَسْطِين “مُقَدَّساتٍ وإنساناً وأرضاً ” جزءٌ مِنا كأمَّةٍ مُسْلِمة، وأمرٌ يعنينا كمُسْلِمين بِحَسبِ واجباتِنا الدينيةِ والإيمانيةِ والشرعية، التي تقضي بالواجبِ على كلِ المُسْلِمين في دَفعِ الخَطَرِ عن أنَفْسِهم كأمةٍ مُسْلِمة، وعن أي قُطرٍ مِن أقطارِهم، أو مِنطقةٍ مِن مِناطقهم يقتطعُها الأعداءُ، وعن دَفعِ الظُلمِ عن أي شَعْبٍ مِن شعوبِهم، عن أي فئةٍ أو مُجتَمَعٍ مِن مُجتَمَعاتِهم يستهدفُه أعداءُ الأمَّة، وأن يكونَ المَوقِفُ بالمقدارِ الذي يدفعُ هذا الخَطَرَ، وبالقدرِ الذي يتصدّى لهذا الشرّ، وبالنظرِ أيضاً إلى المُقَدَّساتِ في فِلَسْطِين، بِكُلِ ما تعنيهِ المُقَدَّساتُ للأمَّةِ مِن أهميةٍ كبيرةٍ في عقيدتِها الدينية، وفي التزاماتِها الإيمانية، ومِن أهميةٍ جوهريةٍ في تماسكِ كِيانِ الأمَّةِ طالمَا بقيتْ مرتبطةً بمبادئِها، ومُهتمةً ومُتمحورةً حَولَ مُقَدَّساتِها ومبادئِها المُهِمَةِ والأساسية.

فالحَالُ الطبيعي والمَوقِفُ الطبيعي والمُفتَرَضُ بالأمَّةِ هو الالتفافُ حَولَ هذه القضيةِ مُنذُ البداية، والتعاونُ، وأن تُمثِّلَ قضيةً جامعةً مِن جَانِب، وحافزاً مُهماً للنهوضِ في واقِع الأمَّةِ لتكونَ بمُستوى التصدي لهذا الخَطَر، ومُواجَهَةِ هذا التهديد، هذا هو المَوقِفُ الطبيعي، فما هو المَوقِفُ السائدُ في واقِع الأمَّة؟

الذي حَصَلَ في واقِع الأمَّةِ مِن مَرْحَلَةٍ مُبكرة، ما بَعدَ مَرْحَلَةِ نُشوءِ الكِيانِ الإسرائيلي واغتصابِه لأرضِ فِلَسْطِين وللمُقَدَّساتِ في فِلَسْطِين، ما عَدَا مَرْحَلَةٍ مُعَيّنَةٍ كانَ فيها لا بأسْ بعضُ المَواقِفِ والمُواجَهات، وبالذات عندَما سَعى العدو الإسرائيليُ للتوسعِ في البلدانِ الأخرى، ولكن مِن مَرْحَلَةٍ مُبكرةٍ انقسمَ واختلفَ المَوقِفُ في ساحتِنا العربيةِ والإسلامية، ويُمكِنُ أن نُصنّفَ هذه الحَالةَ مِن الانقسامِ والتباينِ تِجاهَ القضيةِ إلى ثلاثةِ اتِجاهَات:

الاتِجاهُ الأول: الاتِجاهُ المُقاوِم، والمتمثلُ بالمُقاومَة الفِلَسْطِينية، والمُقاومَة اللبنانية، وهذا الاتِجاهُ هو الاتِجاهُ الذي استمرَ بفاعليةٍ في التصدي للخَطَرِ الإسرائيلي، والتهديدِ الإسرائيلي، والذي حدَّ مِن توسعِ هذا التهديدِ نحوَ البلدانِ الأخرى، والذي مثَّلَ خندقاً أمامياً ومُباشراً في وجهِ العدو، وحظيَ بدعمٍ مِن دُولٍ مَحدودة، أي مِن إيرانَ كداعمٍ رئيسيٍ للمقاومَةِ الفِلَسْطِينيةِ والمُقاومَة اللبنانية، ودعماً في الوسطِ العربي يُمكِنُ أن نقولَ مِن سُوريا في مُستوى مُعيّن، ودعماً هامشياً أو بسيطاً مِن دولٍ هنا وهناك، لكنه لا يَرقى إلى المُستوى المَطلوب، ولا يرقى إلى مُستوى المسؤوليةِ التي على هذه الأمَّة، ومثَّل هذا الاتِجاهُ أهميةً كبيرةً جداً في الدفاعِ عن الأمَّةِ بِكُلِها، والتقليصِ مِن هذا التهديدِ في ما يشكِّلهُ مِن خُطورةٍ على الأمَّةِ جميعاً، على المُسْلِمين جميعاً، على العربِ جميعاً، لولا هذه المُقاومَة الفِلَسْطِينيةُ واللبنانيةُ التي انشغلَ بها العدو، وغَرِقَ معَها العدو إلى حدٍ كبيرٍ في المُواجَهَةِ والصراع، ولو كانَ العدو مُتفرِّغاً ليسَ أمامه هذا السدُّ المَنيعُ لكانَ واقِع المِنطقة اليَومَ مُختلفاً إلى حدٍ كبير، لكانت إسرائيلُ تمكَّنتْ بالفعلِ مِن التوسعِ في السيطرةِ المُبَاشرةِ والاحتلالِ المُباشِر إلى أقطارٍ أخرى، ولكانَ نفوذُها وسيطرتُها في العالَمِ العربي في المُقدمةِ على نحوٍ خطيرٍ جداً، ومُختلفٍ عمّا عليهِ الحَالُ اليَومَ.

الاتِجاهُ الثاني الآخَرُ في واقِع هذه الأمَّةِ كان هو اتِجاهُ الخذلانِ والجُمود، وشملَ شُعوباً مُتعددة، ومِسَاحَةً واسعةً مِن جماهيرِ الأمَّةِ وأبنائِها، مِمن هُم إمّا يعيشون حَالةَ التكبيل والقيود، مُكبَّلِين ومُقيّدين مِن أنظمتِهم وحكوماتِهم وزَعاماتهِم التي تبنّتْ هذا المَوقِفَ مَوقِفَ  الخُذلانِ تِجاهَ القضيةِ الفِلَسْطِينية، ما عدا إطلاق مَواقِفَ شكليةٍ بين الحِينِ والآخَر، ومَواقِفَ أشبهَ ما تكونُ بالعَمَلياتِ التجميليةِ في مراحلَ مُعَيّنَة، مثلَ بياناتِ إدانةٍ في بعضِ الأحيان، أو تقديمِ مساعداتٍ بسيطةٍ جداً، أو نحوٍ مِن هذه المَواقِفِ الشكليةِ التي تعوَّدنا أن نسمَعها في قِمَّةٍ هنا أو قِمَّةٍ هناك، أو مُناسَبةٍ بينَ الحِينِ والآخر، ولكن لا تتجاوز كونَها مَواقِفَ شكليةً جداً، وبسيطةً للغاية، ولا ترقى إلى مُستوى المَوقِفِ الداعِمِ والمُسانِدِ بما تعنيهِ الكلمة، ونشاهدُ هذا مثلاً في دولِ الخليجِ وفي دولٍ أخرى مِمَن تعيشُ شعوبُهم حَالةً مِن التكبيلِ والتقييدِ والصَمتِ العام، الطابعُ العامُ على المَوقِفِ هو هذا صمتٌ شاملٌ وكاملٌ تِجاهَ ما يَجري، لا يَجرؤون على أن يكونَ لهُم مَوقِف، أو أن يُعْلِنوا مَوقِفاً.

الاتِجاهُ الثالثُ الآخَرُ هو التواطؤ مع العدِو الصهيوني، تطوَّر مَوقِفُ الخُذلانِ والجُمودِ في بعضٍ مِن الدولِ إلى مَسارٍ ثالث هو التواطؤُ، حَالةُ الخذلانِ وحَالةُ الجُمودِ والركودِ هي مُنتشرة، وتشملُ قطاعاتٍ واسعةً مِن أبناءِ الأمَّة، البَعضُ بفعلِ أنّهم وصَلوا إلى حَالةٍ مِن الضَعفِ الإيماني ماتَتْ فيهم روحُ الشعورِ بالمسؤولية، والبَعضُ خوفاً مِن حكوماتِهم وأنظمتِهم، ويُعانون مِن حَالةِ الاستبدادِ والقَمْعِ والإذلال، ولا يجرؤون على أن يتخذوا أيَ مَوقِفٍ خارجَ إطارِ المَوقِفِ الرَسمي، ولكن – كما قلنا – تطوَّرَ اتِجاهٌ ومَسارٌ ثالثٌ هو مسارُ التواطؤِ مع العدو الصهيوني، وهذا المَسارُ بَرزَ في المَرْحَلَةِ الأخيرة، وتطوَّرَ ليكونَ أكثرَ مِن التواطؤِ في المَرْحَلَةِ هذه، ليصلَ إلى درجةِ التحَالفِ مع إسرائيل، والتعاونِ مع إسرائيل، وإعلانِ مَواقِفَ سلبيةٍ مِن المُقاومَةِ في فِلَسْطِين، والمُقاومَةِ في لبنان، مَوقِفٍ يُشابِهُ المَوقِفَ الإسرائيلي في إدانةِ المُقاومَة، وفي اعتبارِها ارهابية، وفي التحريضِ عليها، وفي التأليبِ عليها، وفي مُحاولةِ المؤامرةِ عليها، والتضييقِ عليها بأشكالٍ متعددةٍ، وشنِّ حَرْبٍ إعلاميةٍ كبيرةٍ عليها.

فنحنُ اليَومَ أمامَ ثلاثةِ مَساراتٍ في داخلِ الأمَّة، مسارٌ يقاومُ ويحظى بالمُسانَدَةِ مِمَن يحملُ هذا التَوجّه، ومَسارُ خُذلانٍ وجُمودٍ وركود، ومَسارُ تواطؤٍ ارتقى أو تنامى إلى مُستوى التحَالفِ مع العدو، والتعاونِ مع العدو، وهذا له آثارٌ كبيرةٌ وسلبيةٌ في واقِعِ الأمَّةِ مِن ناحية، ومِن ناحيةٍ يُمثِّلُ إيجابيةً مُهِمَة، سنّةُ الله سُبحانَه وتعالى في واقِعنا كمُسْلِمين هي أن يَميزَ الخبيثَ مِن الطيّب، هي أن يُظهرَ الحَقِّائقَ، وأن يُبيّنَ ما هو مَكنونٌ في النفوسِ يتجلّى في الواقِع، المَظلَمةُ الكبيرةُ للشَعْبِ الفِلَسْطِيني وهو جزءٌ مِن الأمَّة، وعلى مَدى طويل مِن الزَمَنِ لعقودٍ مِن الزَمَن، والأمَّةُ مِن حَولِهِ تتفرجُ على المأساةِ التي تتكررُ كلَ يَومَ، وتتفرجُ على المُقَدَّساتِ التي يتزايدُ عليها التهديدُ يَومَاً إثرَ يَومَ، يُشكِّلُ خطورةً كبيرةً على الأمَّة، لأننا أمّةٌ مسؤولةٌ أمامَ اللهِ سُبحانَه وتعالى، جَانِبٌ أساسيٌ مِن التزاماتِنا الإيمانيةِ والدينيةِ ـ التي عَمِلَ الكثيرُ مِن دُعاةِ الضَلالِ على أن يُنسونا إياها، وأن يَشطبوها مِن واقِعِ اهتماماتِنا الإيمانيةِ والتزاماتِنا الدينية، ووَعينا، وفَهمِنا، وخطابِنا الديني ـ هي المسؤوليةُ، المسؤولية، نحنُ الأمَّة التي يقولُ عنها الرَسُولُ صلواتُ اللهِ عليهِ وعلى آلِهِ “مَن أصبحَ لا يهتمُ بأمرِ المُسْلِمين فليسَ مِنهُم” و “مَن سَمِعَ مُنادياً يُنادي يا للمُسْلِمين، فلم يُجبْه، فليسَ بمُسْلِم”، في بعضِ الروايات “فليسَ مِن المُسْلِمين”، نحنُ هذه الأمَّةُ التي نحملُ الهَمَّ تِجاهَ بعضِنا البَعض، نحنُ الأمَّة التي مِن فرائضِها الدينيةِ أن تكونَ مُتوحِدَةً، ومتآخيةً، ومُتعاونةً على البِرِّ والتقوى، ومُجاهِدةً في سبيلِ اللهِ سُبحانَه وتعالى لتُواجِهَ هذا النوعَ مِن التهديد، إن لمْ تمثِّل إسرائيلُ خَطَراً وشرّاً وتهديداً يتوجّبُ علينا الجِهادُ في سبيلِ اللهِ للتصدي له، فأيُ تهديدٍ وأيُ خَطَرٍ يُمكِنُ أن نقولَ “وقتَ الجِهادِ” عندما يأتي، وقيمةُ فريضةِ الجِهادِ هي لمُواجَهَة تهديدٍ كهذا، وخَطَرٍ كهذا، أيُ تهديدٍ بَعدَ التهديدِ الإسرائيلي، وبَعدَ الخَطَرِ الإسرائيلي مِمّا يُمثلُ خَطَراً وتهديداً حقيقياً للأمَّةِ يمكنُ أن نقولَ عنه “الآنَ حانَ وقتُ الجِهادِ” الفريضةُ الإلهيةُ العظيمةُ التي هي وسيلةٌ لحمايةِ الأمَّة، وللدفاعِ عن الأمَّة، ولدفعِ الخَطَرِ عن الأمَّةِ في أرضِها، وعِرضِها، ومُقَدَّساتِها، وكَرَامتِها، وحُرّيَتِها، واستقلالِها.

الجِهادُ في سبيلِ اللهِ ليسَ وسيلةً للدفاعِ عن اللهِ سُبحانَه وتعالى، هو الغنيُ جلَّ شأنُه هو القويُ العزيزُ هو القاهرُ والمُهيمنُ فوقَ العِباد، هو وسيلةٌ لحمايةِ الأمَّة، الجِهادُ في سبيلِ اللهِ بما يعنيهِ مِن تحركٍ لمُواجَهَةِ التهديدِ على كلِ المستويات، بالمَالِ والنَفْسِ والسلاحِ والكلمةِ وبالتحركِ الاقتصادي، بالتحركِ الإعلامي، بالتحركِ الثقافي، بالتحرك الشامل، وهذا الذي تحتاجُ إليهِ الأمَّةُ لمُواجَهَةِ هذا النوعِ مِن التهديد.

التهديدُ الصهيونيُ اليهوديُ هو تهديدٌ للأمَّةِ في كلِ مجالٍ مِن مجالاتِ الحياة، وهو يتحرّكُ في كلِ مَيدانٍ مِن الميادين والمجالاتِ المُهِمَة، ولهذا نجحَ في التأثيرِ على كثيرٍ مِن أبناءِ الأمَّة، وحققَ اختراقاً في التأثيرِ على مَوقِفِ قِطاعٍ واسعٍ مِن أبناءِ الأمَّة، لأنه يتحركُ على المُستوى السياسي، على المُستوى الإعلامي، على المُستوى الثقافي، ويتحرّكُ على المُستوى العسكري والاقتصادي، يتحركُ في كلِ المجالاتِ في سَعيهِ لإضعافِ الأمَّة، وفي الوصولِ بِها إلى مُستوى الانهيار، وفي تفكيكِها وضَربِها مِن الداخلِ ضربةً قاضية.

ولهذا نحنُ أمامَ هذا الواقِعِ مَعنيّون وتِجاهَ هذا الوضعِ الراهنِ مَعنيّون بأن نَعيَ طبيعةَ هذا التهديد، وطبيعةَ هذا الخَطَر، وما هي مسؤوليتُنا في المُقابل، وبالذات وقد تحَوّلَ الواقِعُ الداخليُ للأمَّةِ إلى واقِع انقسام، وأهمُ مسألةٍ وأكبرُ قضيةٍ في هذا الانقسامِ هي في حقيقةِ الأمرِ المَوقِفُ تِجاهَ هذا التهديد، وتِجاهَ هذا الخَطَر، تِجاهَ التهديدِ الإسرائيلي، تِجاهَ الخَطَرِ الإسرائيلي، وطبيعةُ المَوقِفِ الذي علينا لنُصرَةِ الشَعْبِ الفِلَسْطِيني كجُزءٍ مِنا، ولِما يَعنيهِ الأمرُ بِالنسبةِ لنا باعتبارِ الكيانِ الإسرائيلي عدواً يشكِّلُ خَطَراً على الأمَّةِ بِكُلِها، في كلِ أقطارِها، وفي كلِ بُلدانِها.

نحنُ مَعنيّون بأن نكونَ على درجةٍ عاليةٍ مِن الوعي، واليقظةِ، والانتباهِ، والإحساسِ بالمسؤولية، وأن نتصدَّى لكلِ أشكالِ التآمرِ في الداخلِ في السَاحَةِ الداخلية لنا كأمّةٍ مُسْلِمة، كلِ المساعي الراميةِ إلى تكبيلِنا، وإلى تجميدِنا، وإلى ما هو أكثرُ مِن ذلك إلى حَرفِ بُوصلةِ العِدَاءِ عن العدو الإسرائيلي إلى الداخلِ الإسلامي، ومَساعي التطبيعِ والتحَالفِ مع العدو الإسرائيلي، ومَساعي القضاءِ على القضيةِ الفِلَسْطِينية، والتصفيةِ للقضيةِ الفِلَسْطِينية، لأنَّ هناك في داخلِ الأمَّةِ مَن يَسعى لهذا – وللأسفِ الشديد – وبوضوح، وباتتْ ما يُسمى بـ “صفقة ترامب” تَعتمِدُ أساساً على أدوارٍ لجِهاتٍ مِن داخلِ الأمَّة، لجِهاتٍ تتحركُ بوضوح، ما “مؤتمرُ البحرين” الذي يَوونَ إقامتَهُ كأولِ خطوةٍ عَمَليَةٍ ضمنَ خطواتِ “صفقةِ ترامب” إلَّا سلسلةٌ مِن سِلسلاتِ الخطواتِ العَمَليَةِ المَنوطةِ بأطرافٍ مِن داخلِ الأمَّة، بأنظمةٍ عربيةٍ وبحُكامٍ عَربٍ يتحركون في هذا الاتِجاهَ، في المقدِّمةِ النِظَامُ السُعُودي، النِظَامُ السُعُودي هو يجعلُ مِن “آل خليفة” في البحرين قُفّازاً يحاولُ أن يبدأَ بِهم بعضَ الخطواتِ المُحرِجة، والمُخزية، والمُسيئة، والمُشينة، ليتقلَّدُوا هذا العارَ أولاً، وليَكسِرَ بهم الحاجزَ في اتخاذِ خطواتٍ مُشينةٍ ومُخزيةٍ تمثِّلُ عاراً وخيانةً للأمَّةِ وللشَعْبِ الفِلَسْطِيني وللمُقَدَّساتِ وللإسلام، خيانةً للإسلام.

اليَومَ نرى النِظَامَ السُعُودي يتجهُ إلى استغلالِ “مَكَّةَ المُكَرَّمَة”، بِكُلِ ما تُمثِّلهُ للمُسْلِمين، وبمَوقعِها المُهمِ في السَاحَةِ الإسلاميةِ فيما تعنيهِ لنا كمُسْلِمين، والاستغلالُ السياسي لمَكَّةَ المُكَرَّمَة للانطلاقةِ مِنها في تبنّي مَواقِفَ يُريدُ أن يَفرِضَها على الجميع، وكلُها تَصبُّ في إطارِ حَرفِ بُوصلةِ العِدَاءِ إلى الداخلِ الإسلامي، والتمهيدِ للتطبيعِ مع العدو الإسرائيلي، والدخولِ في الخطواتِ العَمَليَةِ بهدفِ التصفيةِ للقضيةِ الفِلَسْطِينية.

نحنُ أمامَ مَرْحَلَةٍ تاريخيةٍ مُهِمَةٍ تَعظمُ فيها المسؤوليةُ، ويكبُرُ فيها الواجبُ، ويتطلبُ الوضعُ الراهنُ المزيدَ مِن حَالةِ التعبئةِ في داخلِ الأمَّة، التعبئةِ التوعويةِ والثقافية، وترسيخِ الشعورِ بالمسؤولية، وتحصينِ السَاحَةِ الداخليةِ للأمَّةِ مِن التأثرِ بِكُلِ هذا العَمَلِ الكبيرِ مِن قِبَلِ تلك الأنظِمَةِ التي اتجهتْ هذا الاتِجاهَ الخاطئَ الذي يُشكِّلُ خطورةً على القضيةِ الفِلَسْطِينيةِ في نَفْسِها وعلى الأمَّةِ بشكلٍ عام.

عندما نتأملُ في القرآنِ الكريم نجدُ أنَّ اللهَ سُبحانَه وتعالى بيَّنَ لنا مَن هو العدو الحَقِّيقيُ للأمَّةِ {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا}(المائدة ـ مِن الآية 82]، اليهودُ الصهاينةُ هُم العدو الأولُ للأمَّةِ، همُ الذين يمثِّلون خَطَراً كبيراً على الأمَّة، وباحتلالِهم لفِلَسْطِين، وتهديدِهم للمُقَدَّسات، وسَعيهم لأن تكونَ فِلَسْطِين مُنطلَقاً للتَوجّهِ نحو السيطرةِ على الأمَّةِ بِكُلِها، وأن يتبوءوا الموقعَ المُهمَ في هذه الرقعةِ الجغرافيةِ في واقِعِ الأمَّةِ والعالَمِ لتعزيزِ نفوذِهم العالَمي، هذا الخَطَرُ وهذا التهديدُ واجبُنا أن نبقى دائماً على وعيٍ بأنّه العدو الحَقِّيقي للأمَّةِ، وأنَّ الذي يأتي ليقولَ لنا “إسرائيلُ هي الحليف، وهي الصديق، وهي، وهي”، ويقدِّمُ التبريراتِ السياسية، وحتَّى يُضيفَ إلى ذلك التزييفِ والافتراءِ بالكَذِبِ على الدينِ الإسلامي ليتكلمَ أحياناً باسمِ الدينِ الإسلامي وباسمِ الشريعةِ الإسلامية، ويُحرِّفَ مَفاهيمَ في خِدمَةِ إسرائيل، أن نكونَ على درجةٍ مِن الوعي، نتحصّنَ مِن كلِ هذه المَساعي الشيطانيةِ والتضليليةِ والنِفَاقيةِ الخطيرةِ على الأمَّة.

القرآنُ الكريمُ يتَوجّهُ إلى السَاحَةِ الداخليةِ للأمَّةِ حينما يتحدثُ عن خَطَرِ العدو، وأولُ ما يركِّزُ عليهِ هو تحريمُ الوَلاء {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنكُمْ فَإِنَّهُ مِنهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}(المائدة ـ 51)، القرآنُ حينما يتَوجّهُ إلى ساحتِنا الداخليةِ كمُسْلِمين، ويجعلُ جُزءاً كبيراً مِن البرنامجِ الذي قدَّمَهُ لبناءِ الأمَّةِ للتصدي لهذا الخَطَرِ ولهذا التهديدِ برنامجاً يتجهُ نحو السَاحَةِ الداخليةِ للأمَّةِ، برنامجاً يُحصِّنُ الأمَّةَ مِن حَالةِ الوَلاء، لأنَّ أولَ عَمَليَةٍ للاختراقِ في داخلِ الأمَّةِ وللتأثيرِ على الأمَّةِ هو يتجهُ مِن هذه النافذةِ مِن نافذةِ الوَلاء، لأنّ هناك مَن سمَّاهم القرآنُ “الذين في قلوبِهم مَرَض” {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ}(المائدة ـ مِن الآية 52)، مَن يتجهُ مِن داخلِ هذه الأمَّةِ وبمسارَعةٍ، يتجهُ بخطواتٍ فيها مُسارَعةٌ وانطلاقةٌ غريبةٌ جداً وشاذةٌ {يُسَارِعُونَ فِيهِمْ} مُسارَعةً في العدو لتقديمِ خَدماتٍ واتخاذِ مَواقِفَ مُخلِصةٍ للعدو، ومَواقِفَ غريبةٍ جداً، لأنّ عبارةَ “فِيهِمْ” تعبِّرُ عن هذا الإخلاصِ العجيب، عن إطلاقِ مَواقِفَ سلبيةٍ للغاية، ليسَ لها ما يُبررُها إطلاقاً، فالقرآنُ يُقدِّمُ ما يُحصّنُ السَاحَةَ الداخلية، السَاحَةَ الداخليةَ للأمَّةِ يَجبُ أن تكونَ فيها حَالةٌ واسعةٌ مِن النشاطِ التثقيفي والتوعوي، ويترافقُ مَعَهُ إطلاقُ مَواقِفَ تعبِّرُ عن العِدَاءِ لهذا العدو، لماذا سَعتْ كثيرٌ مِن الأنظِمَةِ إلى أن تكونَ هذه السَاحَةُ الداخليةُ لنا كمُسْلِمين سَاحَةً غيّبُوا عن مِناهجِها الدراسيةِ وعن خِطابِها الديني والتثقيفي والتوعوي العِدَاءَ لإسرائيل، الحديثَ عن إسرائيلَ كعدو، كخَطَرٍ، كتهديدٍ؟، غُيِّبَ كلُ هذا، غُيِّب إلى حدٍّ كبيرٍ مِن المَناهجِ الدراسيةِ في المَدارسِ والجامعات، غُيِّبَ عن النشاطِ التثقيفي والتوعوي، وغُيِّبَ عن الخطابِ الديني إلى حدٍّ كبيرٍ في مَناطقَ كثيرةٍ لدى قطاعاتٍ واسعةٍ مِن أبناءِ الأمَّة، وحَلَّ محلّه بتخطيطٍ مِن قوى النِفَاق والعَمالة،ِ النشاطُ الهادفُ إلى شقِّ صَفِّ الأمَّةِ، النشاطُ التكفيريُ، الذي اتجهَ نحو إثارةِ الفُرقةِ والخلافِ بينَ أبناءِ الأمَّة، إثارةِ الانقسامِ والعَداوةِ والبَغضاءِ بينَ أبناءِ الأمَّة، التحريضِ ضِدَ مَن يُعادي إسرائيلَ بشكلٍ صَحِيحٍ وبتَوجّهٍ جاد، والاستنزافِ لطاقاتِ الأمَّةِ وقدراتِ الأمَّةِ في ضَرْبِ بَعضِها بَعضاً، هذا هو التَوجّهُ التكفيريُ الذي رَعَتْهُ أنظمةٌ عربيةٌ، وهو تَوجّهٌ مُشترَكٌ بينَ تلك الأنظِمَةِ العربيةِ والقوى التكفيرية، وكلّهُ يَصبُّ في مَصلحةِ إسرائيل، وهذا مِن أوضحِ الواضِحات، وما كانَ المَوقِفُ الإسرائيلي دائماً تِجاهَ مَا يجري مثلاً في سوريا إلَّا واضِحاً في مُساندتِه لكلِ تلك القوى التكفيريةِ التي تحرّكتْ في السَاحَةِ السورية، ثم هو صريحٌ في أنه يَعتبرُها تصبُّ في مَصلحتِه، وتعَمَلُ ما يخدمُه.

اليَومَ نحنُ مَعنيِّون بأن نتحرَّكَ في ساحتِنا الداخليةِ في حَالةٍ مِن التوعيةِ والتحصينِ للأمَّةِ مِن حَالةِ الولاءِ لليهودِ الصهاينة، لإسرائيل ولأمريكا، لأنّ أمريكا وإسرائيل وَجهانِ لعُملَةٍ واحدةٍ، وتهديدٌ مُشترَك، ونجدُ في “صفقةِ ترامب” ما يشهدُ بذلك، الدعمُ الأمريكي لإسرائيل كانَ في كلِ المراحلِ الماضيةِ دعماً مفتوحاً، ومساندةً كاملةً وتامة، ولكن اليَومَ المسألةَ أوضحُ مِن ذي قَبْل لأنّ الأمريكي يدخلُ بشكلٍ مباشرٍ كجُزءٍ مِن هذهِ العَمَليَةِ التي تمثِّلُ تهديداً على الأمَّة، وتمثِّلُ خَطَراً على الشَعْبِ الفِلَسْطِيني.

نحنُ علينا أن نثقَ أنَّ التحرُكَ الجادَ في وَاقِعِ الأمَّةِ، والنهوضَ بالمسؤولية، والتحرُكَ في كلِ المجالاتِ على المُستوى الثقافي والإعلامي، والتحرُكَ الشَعْبي الواسع، ومِن ضِمنهُ الإحياءُ الواسعُ والكبيرُ ليَومِ القُدسِ العالَمي له أهميةٌ، له ثمرةٌ، له قيمةٌ في خِدمَةِ هذه القضيةِ وفي إفشالِ المؤامراتِ، لأنّه تحركٌ بالحَقِّ، ويستندُ إلى مَعونةِ اللهِ سُبحانَه وتعالى، وإلى قضيةٍ عادلة، وفي الوقتِ نَفْسِهِ قد رأينا جميعاً الجَدوى والقوةَ والثمَرةَ والإيجابيةَ الكبيرةَ للمقاومَةِ في فِلَسْطِين، المُقاومَةُ الفِلَسْطِينيةُ والمُقاومَةُ اللبنانية بالرَغمِ مِما عانتهُ مِن خُذلانِ كثيرٍ مِن الدولِ والأنظِمَة، ومِن مَواقِفِ التواطؤِ والتآمرِ ضِدَها مِن كثيرٍ مِن الأنظِمَةِ العربيةِ لكنّها كانتْ مُجديَةً وفعَّالةً وقويةً ومتقدِّمة، وحققتْ انتصاراتٍ كبيرةً جداً، وعَجِزَ العدو الإسرائيليُ عن السيطرةِ مِن جَدِيدٍ على قِطاعِ غَزَّة، أو الدخولِ إلى لبنان والاحتلالِ للبنان والسيطرةِ على لبنانَ مِن جَدِيد، فمَا بالُك إذا توسعتْ دائرةُ الوقوفِ إلى جَانِبِ هذه المُقاومَة، وإلى جَانِبِ الشَعْبِ الفِلَسْطِيني والمُساندةِ مِن الجميع، وتحرّك الجميعُ بمسؤوليتِهم.

الشيئُ الخطيرُ علينا عندَما نتركُ السَاحَةَ فاضيةً، فارغةً، لا نشاطَ فيها كحَالةٍ تعبويةٍ ضِدَ إسرائيل، وبالهُتافِ بالعِدَاءِ لإسرائيل، بالتحركِ الواسعِ لِمُقاطَعةِ البضائعِ الأمريكيةِ والإسرائيلية، لأنَّ هذا التحركَ الواسعَ الذي يتجهُ إلى مُختلَفِ المجالاتِ في خطواتٍ عَمَليَةٍ هو فعَّالٌ هو مُؤثِّرٌ وله قيمتُهُ ولهُ تأثيرُهُ حتَّى في الحِفاظِ على الأمَّةِ، الحفاظِ على الأمَّةِ وأبنائِها حتَّى لا تسقطَ تحتَ رايةِ النِفَاقِ التي تُريدُ أن تَفرِضَ حَالةَ الوَلاءِ لأمريكا وإسرائيلَ في المِنطقة، وأن تُعمِّمَ حَالةَ الولاءِ لإسرائيلَ ولأمريكا في المِنطقة.

نحنُ كشَعْب يمِني نعرفُ بوضوحٍ أنَّ مشكلةَ الآخرين مَعنا ـ وفي المقدِّمةِ النِظَامُ السُعُودي ـ هو هذا التَوجّهُ في مَوقِفِنا المَبْدَئِي والأخلاقي والإنساني والديني تِجاهَ القضيةِ الفِلَسْطِينية، ولمُناصرَةِ الشَعْبِ الفِلَسْطِيني، وبالعِدَاءِ لإسرائيل، وبالمِناهضةِ للهَيمَنةِ الأمريكيةِ والسياساتِ الأمريكيةِ المُعاديةِ لنا كأمّةٍ مُسْلِمة، والمُستهدِفةِ لنا كشعوبٍ في هذه المِنطقة، نحنُ نعرفُ أنَّ هذا يمثِّلُ نُقطَة الخِلافِ الجوهريةَ، والسَبَبَ الرئيسيَ في المَوقِفِ مِن جَانِبِ النِظَامِ السُعُودي تِجاهَنا كشَعْبٍ يمِني، هو ومَن مَعَهُ مِن الأنظِمَةِ كالنِظَامِ الإماراتي، لأنّهم يُريدون أن يَفرِضُوا على المِنطقةِ بِكُلِها حَالةَ التَبَعيّةِ لأمريكا والولاءِ لأمريكا، والتطبيعِ مع إسرائيل، وهذه سياسةٌ واضِحةٌ بِالنسبةِ لهم.

ولهذا رأينا ماذا عَملوا هُم والخَونةُ مِن بَلدِنا، ألم يذهبوا بِهم في هذا المَسارِ نَفْسِه؟، ألم يتجهوا بِهم في حفلةِ “وارسو” ليُعْلِنوا هذا المَوقِفَ، وليكونوا في هذا الخطِ وهذا الاتِجاهِ الذي يتنافى مع ما عليهِ شَعْبُنا العزيزُ مِن مبادئَ وقِيَمٍ وأخلاقٍ، مِن انتماءٍ أساسي وأصيلٍ للإسلام؟، هذا الشَعْبُ الذي يقولُ عنه الرَسُول صلواتُ اللهِ عليهِ وعلى آلِه “الإيمانُ يمان، والحكمةُ يمانية”، هذا الشَعْبُ لن تكونَ مَواقِفُهُ إلا إيمانيةً، والمَوقِفُ الإيمانيُ واضِحٌ هو العِدَاءُ لإسرائيل، هو المُناهضةُ لأمريكا، هو المُناصَرةُ للشَعْبِ الفِلَسْطِيني المَظلوم، هو التحصينُ لساحتِنا الداخليةِ مِن الولاءِ لأمريكا وإسرائيل، ومِن التَبَعيّةِ لأمريكا والتطبيعِ مع إسرائيل، هذا هو المَوقِفُ الإيماني، هو التعبيرُ عن هذا العِدَاء، التعبيرُ عنه كلاماً ومَوقِفاً وخطواتٍ عَمَليَة.

ولذلك علينا جميعاً أن نَصمُدَ في هذا المَسارِ وفي هذا التَوجّه، وهو المَسارُ الصَحِيحُ الذي لن يُجديَ إلا هو في واقِعِ الأمَّةِ بِكُلِها، وهو المَسارُ المُنتصِرُ بإذنِ اللهِ سُبحانَه وتعالى، إنَّ الاتِجاهَ الآخرَ المُتمثلَ بالولاءِ لأمريكا وإسرائيل والتَبَعيّةِ لأمريكا والتطبيعِ مع إسرائيل هو المَوعودُ في القرآنِ الكريمِ بأنْ تكونَ عاقبتُه الندمَ والخُسرانَ، أن يُصبِحوا نادمين، وأن يُصبِحوا خاسرين، وإنَّ التَوجّهَ المَبْدَئِيَ والإيمانيَ والصَادِقَ والصَحِيحَ هو الموعودُ مِن اللهِ بالنصر، وهو الموعودُ بالغَلَبَة، ونحنُ أمّةٌ سنعتمدُ على الله، وانطلقنا مِن الأساسِ نَعتمِدُ على اللهِ ونَثقُ بهِ ونَتوكلُ عليهِ ونَثقُ بنَصرِه، وهو القائل {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ}(محمد ـ مِن الآية 7)، بانطلاقتِنا المَبْدَئِيةِ التي نتحرَّكُ فيها على أساسٍ مِن التزامِنا الإيماني للاستجابةِ لتوجيهاتِ اللهِ سُبحانَه وتعالى، بهذا نحنُ نؤمِّلُ النَصرَ مِن الله، والمَعونةَ مِن اللهِ سُبحانَه وتعالى.

المَساعي التي يشتغلُ عليها الآخرون الذين حَولَوا كلَّ جُهدِهم، وكلَّ طاقاتِهم، وكلَّ أنشطتِهم لتَصبَّ في خِدمَةِ إسرائيل، هي اتِجاهَاتٌ خَاطئِةٌ وخاسرةٌ ومُسيئة، وإذا كانوا في سبيلِ ذلك يُضحون، ويَخسرون، ويَجهَدون، ويَبذلون في سَبيلِ ذلك الغاليَ والرخيصَ ويقدِّمونَ المِليارات ويتكبَّدون الخسائرَ في كلِ المجالاتِ، فنحنُ أولى في مَوقِفِنا المَبْدَئِي والإنساني والأخلاقي والصَحِيح الذي نُصِرُّ فيه على تبني المَواقِف الصَحِيحة والمُستَقِلة، ونُصِرُّ فيه على التَحرُّرِ مِن التَبَعيّةِ لأعداءِ الأمَّة، لأمريكا ولإسرائيل، نحنُ أولَى أن نضحّيَ في هذا الاتِجاهِ الصَحِيحِ والسليم، في هذا المَسارِ المُستَقِلِ والمُشرّفِ الذي يُرضي اللهَ سُبحانَه وتعالى، والذي فيهِ المصلحةُ الحَقِّيقيةُ لشعوبِنا وأمتِنا، وفيهِ المستقبلُ الحرُّ والمُستَقِلُ لشعوبِنا، نحنُ أولَى بالتضحية، أولَى بأن نبذلَ الجُهدَ، أولَى بأن نَصبِرَ، أولَى بأن نُصِرَّ على الخطواتِ الصَحِيحة، أن نَثبُتَ مَهمَا كانَ حَجْمُ التضحيات، ومَهمَا كانَ مُستوى التحديات.

أنا أتَوجّهُ إلى شَعْبِنا العزيز، وهو شَعْبٌ عظيم، شَعْبٌ عظيمٌ في ثباتِه وفي صُمودِه، في تَمَسُّكِه بالحَقِّ، في تَمَسُّكِه بالمَوقِفِ الحَقِّ، أتَوجّهٌ إليهِ أن يخرُجَ يَومَ الغدِ إنْ شاءَ اللهُ يَومَ الجُمعةِ التي هي آخِرُ جُمعةٍ مِن هذا الشهرِ المُبَارَك في يَومِ القدسِ العالَمي خُروجاً مُشرّفاً، وخُروجاً كبيراً، وخُروجاً مُعبِّراً عن انتمائِه الإيماني الأصيل، عن تَمَسُّكِه بالمَواقِفِ الحَقِّ النابعةِ مِن انتمائِه الإيماني، مِن مَوقِفِه المشرّف، مِن إنسانيتِه، مِن حُرّيَتِه، مِن استقلالِه، ليقولَ للعالَمِ جميعاً أنَه شَعْبٌ يقفُ دائماً مع الحَقِّ، ويتمسكُ بالحَقِّ، وأنَه مُستَقِلٌ في قراراتِه ومَواقِفِه، وأنّه لن يتجهَ أبداً في اتِجاهِ النِفَاق وأصحابِ النِفَاق ومَواقِفِ النِفَاق، خروجاً عظيماً إنْ شاءَ اللهُ في صنعاءَ في الأمانة، وفي المُحافَظات.

شَعْبُنا العزيزُ كانَ في العامِ الماضي ـ وبالرغمِ مما يُعانيه مِن العُدوانِ والحِصارِ الشديدِ ـ كان مُتَصدِّرَاً في السَاحَةِ العربية، فكانَ هو الأول، وهذا هو مَوقِعُهُ اللائقُ به، أنتَ يا شَعْبَنا العزيز اللائقُ بكَ أن تكونَ مُتَصدِّراً للسَاحَةِ في عالَمِك العربي، لأنك تصدَّرتَ السَاحَةَ يَومَ حَملتَ رايةَ الإسلامِ نُصرَةً لرَسُولِ اللهِ صلواتُ اللهِ عليهِ وعلى آلِه، كُنتَ مُتَصدِّراً للسَاحَةِ يَومَ تحرّكتَ واستجابت الأوسُ والخزرجُ يَومَ كانَ “أبو سفيان” ويَومَ كان “أبو جهل” يتحرّكُ مِن “مَكَّةَ” ليتخذَ القراراتِ بالحَرْبِ على رَسُولِ اللهِ وعلى الإسلام، وليُحرِّكَ جُيوشَهُ باتِجاهِ الاستهدافِ لرَسُولِ اللهِ وللمُسْلِمين، كُنتَ أنتَ يا شَعْبَنا العزيزَ بالأوسُ والخزرجُ ـ آنذاك – بالأنصارِ الذين سمَّاهُم اللهُ بهذهِ التسمية، لأنّهم كانوا بالفِعلِ أنصاراً للحقِ، وحَمَلةً لرايةِ الإسلام.

أنتَ إنْ شاءَ اللهُ، بإذنِ اللهِ، ولن يَخيبَ أملي فيكُم أيها الأعزاء، ستكونون إنْ شاءَ اللهُ يَومَ الغدِ المُتصدرين في السَاحَةِ العربيةِ مِن حَيثُ الحضورِ الجماهيري الواسع، الذي سيهتفُ أمامَ كلِ العالَمِ بـ “المَوتِ لإسرائيل، ولا لِصَفقةِ ترامب، وبالنُصرَةِ للشَعْبِ الفِلَسْطِيني المَظلوم”.

أسألُ اللهَ سُبحانَه وتعالى أنْ يُوفقَنا وإياكم لما يُرضيهِ عنّا، وأن يَرحمَ شهداءَنا الأبرارَ، وأن يَشفيَ جرحانا، وأن يُفرِّجَ عن أسْرانا، وأن يَنصرِنا بنَصْرِه، إنه سميعُ الدعاء.

وَالسَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه

قد يعجبك ايضا