قراءة في خطاب القائد في ذكرى الصرخة في وجه المستكبرين 1440هـ
|| مقالات || محمد القعمي
في الخطاب الذي ألقاه قائد الثورة الحكيم (يحفظه الله) في يوم الجمعة بمناسبة ذكرى (الصرخة في وجه المستكبرين) تناول الكثير من العناوين الهامة المتعلقة بواقع الأمة في حاضرها، ويوم انطلقت الصرخة مترافقة مع المشروع النهضوي والتحرري الذي نهض به الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي (رضوان الله عليه) وهو مشروع توعوي وتعبوي شامل ومتكامل. وضمن ذلك الخطاب المبارك ومما جاء فيه هو قوله (حفظه الله): “الأعداء يسعون لصناعة رأي أبناء الأمة وتحديد عداواته وهذا أخطر أسلوب شيطاني”.
بالطبع السيد عبد الملك (يحفظه الله) تحدث عن هذا السعي لأعداء الأمة في إطار وسياق حديثه عن الصراع القائم اليوم، وكونه سعيا مستمرًا مرافقًا للهجمة الشرسة والخطرة التي يسير فيها الأعداء بخطىً حثيثة ومتسارعة باتجاه توجيه الضربات القاضية لأبناء الأمة من خلال الخطوات التي يتحرك فيها أعداء الأمة باستخدام أدواتهم من أبناء هذه الأمة، حيث إنهم ينتقلون من مرحلة إلى أخرى، ويسيرون في مخطط مشروعهم التسلطي والاستعماري للسيطرة الكاملة والهيمنة الشاملة على كل واقع حياة ووجود الأمة وكيانها. وما تلك الورش والمؤتمرات واللقاءات على كافة المستويات بين الأعداء والأدوات الخائنة والعميلة إلا توجّهات عملية نحو أهداف أمريكا وإسرائيل والغرب الاستعماري، ولكنها لا تزال بحاجة إلى صناعة رأي في أوساط أبناء الأمة يؤدي بمن يقعون في شباكهم إلى أن ينظروا إليهم على أنهم الصديق، وينظرون إلى ذلك الفريق من المسلمين الذي يناهض المشاريع الصهيونية على أنه هو العدو. وهم عبر مراحل سابقة قد حققوا الكثير من مخططاتهم عبر تلك الأدوات المتصهينة حتى تمكنوا من اختراق الأمة بطرق عديدة ومختلفة، وحتى صار البعض في أمتنا كما قال قائد الثورة الحكيم (يحفظه الله): “بعض أبناء الأمة يتقبل تدخل الأمريكي في قضاياه ولا يتقبل أخاه المسلم وابن وطنه”.
وهذا واحد من الشواهد الكثيرة الدالة على الاختراق الخطير -بل والاختراقات- التي تمكن الأعداء من خلالها إلى بلوغ هذه المرحلة الخطيرة التي صار لهم فيها داخل هذه الأمة من يتبنى مشاريعهم الخبيثة والهدامة التي تستهدف الأمة الاستهداف الشامل والكامل في كل ما للأمة من خصوصيات ومقدرات، وما تمتلكه من رصيد تاريخي وإنساني وحضاري وثقافي، بل وحتى استهداف للأمة في وجودها وكرامتها وحريتها واستقلالها، ومصادرة كل ما هو لها ومن حقها، وتجريدها من كل ما يدل عليها كأمة على امتداد وجودها وتاريخها وهويتها الإيمانية. ولأن العدو يحرص كل الحرص على ألا يظهر كعدو كما تحدث الشهيد القائد في دروسه ومحاضراته وهو يوضح هذه القضية، ويكشف هذه السياسة التي يمارسها الأمريكي وغايته من وراء ذلك وعلة لجؤه إلى هذه السياسة؛ لأنه يريد ألا يثير ضده أي حالة سخط بل هو يستخدم أداوته لتكون هي التي تتلقى بدلا عنه كل أنواع السخط، وهو من خلال صناعة الرأي داخل هذه الأمة يسعى إلى أكثر من ذلك وهو أن يعمل على إثارة السخط في أوساط أبناء الأمة فيتنافرون ويتعادون ويتخاصمون ويتصارعون، فيصبح كل فريق يعادي الآخرين من أبناء أمته وأبناء جلدته ولا يقبل به بينما يقبل بالأمريكي والأجنبي وهو ما وصل إلى هذا المستوى إلا عبر أدواته، عبر النظام السعودي وبقية الأنظمة والجماعات والأحزاب، التي يدفعها لنشر ثقافة الكراهية والعداوة والبغضاء بين أبناء الأمة الواحدة والشعب الواحد.
وهذا ما اشتغلوا عليه خلال الفترة الماضية منذ زرع الاستعمار النظام السعودي وبقية الأنظمة والجماعات والكيانات التي تنتهي في روابطها وعلاقاتها بالاتصال بهذا العدو الخطير، لكنه كان في الفترة الماضية غير ظاهر، بل كان اتصال في الزوايا المظلمة والغرف المغلقة البعيدة عن عدسات الكاميرات وكانت تحت الطاولة وسرية للغاية، لكن تلك الأنظمة كانت هي المنفذ المباشر وكانت هي الممول والمحرك والمسهل للأحزاب والجماعات والمنظمات والكيانات والأفكار والثقافات أن تنخر في جدار الأمة ووعيها، وتعبث في داخلها ،وتعيث فسادًا وتتجه بها نحو مزيد من الفرقة والانقسام، وربط كل فئة وتوجه وفريق بممول وداعم ودافع هو الموجّه والمحرك لأولئك الذين ارتبطوا تحت عناوين الديمقراطية والحرية والحقوق وغيرها من العناوين التي كانت من وسائل وأساليب وطرق الاختراق التي اخترقوا بها الشعوب والدول. وهو ما تحدث عنه سيدي علم الهدى حين تكلم عن استغلالهم لأي عنوان من العنوان الديني إلى السياسي إلى الاقتصادي والرياضي وغيرها من العناوين والألقاب، وتحريك العنوان الطائفي عبر تحريك التكفيريين.
كل التفاصيل في خطابه الواضح ركزت على توضيح كل أشكال الاستهداف التي تتعرض لها الأمة، وأن الأعداء يحرصون على استغلال كل عنوان مهما كان مادام سيخدم مصالحهم، وذكر مثالا له استغلالهم لعنوان الجهاد الذي حركوا له التكفيريين الذين ظهروا في الأخير محاربين في سبيل اليهود، وظهر (نتن ياهو) وهو يقوم بزيارة بعض جرحى الجماعات التكفيرية الذين تتم معالجتهم داخل المستشفيات الإسرائيلية. وهذا المستوى الذي يصل فيه بعض أبناء الأمة ضمن العنوان الديني إلى القبول بأخطر أعداء الأمة، وهو العدو الذي أخبر الله الأمة عنه ووصفه بما وصفه لتكون على أشد الحذر منه، وأشد اليقظة لوسائله وأساليبه، ولتكون أشد عداوة له معاملة بالمثل، قال الله تعالى Lلَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا) [سورة المائدة]. والذين أشركوا هنا هم على صلة باليهود، لأنهم حين أخبرهم الله بأن اليهود هم أشد الناس عداوة للذين آمنوا تجاهلوا ذلك الإخبار التحذيري الإلهي، وراحوا ليرسموا لأنفسهم خطًا في ولاءاتهم وعداواتهم غير الذي هدى الله إليه في قوله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ ۘ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)، فتجاهلوا هذا النهي الإلهي الواضح والصريح وارتبطوا باليهود والنصارى بأمريكا وإسرائيل حتى لو كان الذي هددهم هو الله، وحتى لو كان تهديده هو بما حكم به عليهم بقوله: (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ). ومعنى أنه منهم أي أنه لم يعد من المؤمنين، بل من الذين أشركوا، ولهذا حذر الله وتوعد وتهدد هذا الصنف من الناس، قال تعالى: (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (١١٥) إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ۚ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (١١٦)).
وهذا الفريق من المؤمنين الذي يقبل بفتح علاقة مع اليهود، وأن تكون المشتركات والمصالح التي تجمعهم هي ما يحملونه من عداوة شديدة تجاه بعض المؤمنين تصل إلى حد المواجهة العسكرية التي تكون نتائجها لمصلحة اليهود؛ يعني بدلا من أن تكون إسرائيل هي التي تقاتل حزب الله في لبنان وتقاتل سوريا، يأتي هؤلاء ويتولون هم بالنيابة الدخول في هذه المواجهة العسكرية وتمويلها تحت العنوان الطائفي وغيره من العناوين الخادعة والمضللة. ولولا أن العدو استطاع اختراق الأمة عبر النظام السعودي الوهابي لما كان هناك مسلم يقبل أن يكون في الفسطاط الذي يوجد فيه اليهود، لكن لأن المنهج الوهابي التكفيري إنما لملمه الاستعمار البريطاني الذي زرع اليهود في فلسطين وآل سعود وآل الشيخ ابن عبد الوهاب في شمال شبه الجزيرة ليكونوا هم الحامي الأول لليهود والأدوات التي يستخدمها ضد الأمة لتفريقها وتمزيقها، ولتشويه الإسلام وضربه من الداخل. ومن هنا نجد أن التركيبة الوهابية تتنافر وتتصارع مع كل أحد إلا مع اليهود، بل تتنافر وتتصارع حتى فيما بينها ولا تتنافر ولا تتصارع مع اليهود!!! وهذا ما هو واضح لكل من يتابع الأحداث في المنطقة والمهتم بواقع هذه الجماعات والعناصر.
ونجد أن الأعداء يشتغلون أيضا على صناعة مثل هذا مع مختلف التوجهات: سياسية كانت أو قومية، أو مناطقية، أو عرقية، أو ..إلخ.
يصنعون التناقضات والتباينات داخل المكونات التي تتبعهم وتتصل بهم سواء كانت صلتها بهم بصورة مباشرة أو بصورة غير مباشرة. هذه الكيانات هي التي تكون قابلة للاختراق الذي يسعى الأعداء من خلاله إلى إيجاد حالات الانقسام والتشرذم والتنافر والتباغض في الأمة، وهي التي تكون قابلة لأن تُدفع نحو الدخول في الصراع والعداء والاقتتال مع الآخر استجابة للراعي والممول الذي ترتبط به كما هو حال المرتزقة والأدوات اليوم. وفعلا إن ما وصفه السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي (يحفظه الله) وأشار إليه بأنه أخطر أسلوب شيطاني وهو صناعة رأي الأمة، وتحديد عداواته؛ بالفعل هذا أخطر أسلوب شيطاني لأنه:
١- تمكن من فصل ذلك المسلم أو ذلك الفريق عن الله.
٢- جعله يغفل عن آياته وينساه.
٣- وبطريقة أو بأخرى وبوسائل وأساليب عديدة ومختلفة تمكن من اختراق وعيه وغزوه بثقافات جعلته يتبنى ما يريده العدو. وهكذا بدون أن تشعر أنت أنك واقع تحت تأثير غزوه لك، حتى أصبحت تقول ما تقول وتقدم أفكار وآراء وأنت تعتقد أنك تعبر عن قناعاتك وتوجهاتك التي ترى أن من يختلف معك فيها على أنه العدو، دون أن تدرك أن ذلك أتاك عبر برامج ووسائل وأساليب متنوعة ومتعددة وما أكثرها، والتي من ضمنها حتى مناهج المدرسة والجامعة، أو كتاب تقرأه هنا أو هناك، أو فليم، أو مسلسل، أو صديق متأثر بهم، أو حتى مجرد انبهارك بالتقدم والتطور الذي وصلوا إليه وأحيانا الواقع المتردي والسلبيات والتخلف الذي أوقعوا الأمة فيه عبر الأنظمة التي صنعوها. والإنسان عندما يكون منعزلا عن هدى الله يصبح لديه القابلية للاختراق والغزو والتأثر بالآراء والأفكار والتوجهات مهما كانت منحرفة وتخدم الأعداء، ويتعصب للباطل وهو يظن أنه على الحق والصواب. ومن هنا قال السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي (يحفظه الله): “المشروع القرآني اتجه بشكل رئيسي لتحصين الأمة من الداخل”. وقال: “نحتاج كأمة مسلمة للوعي الكبير المدعوم في العملية التثقيفية ليكون عنوانًا في الأنشطة الإعلامية والثقافية لمواجهة الهجمة على الأمة”.
والخلاصة هي:
– أن المسلم الذي لا يرى حرجًا في المجاهرة بعدائه لبعض المسلمين بينما يصمت ويسكت أمام أمريكا وإسرائيل ويتحرج من المجاهرة بالعداء لهم، هذا هو المخترق المسيطر عليه.
– المسلم الذي يقبل أن يدخل في تحالف تكون أمريكا وإسرائيل فيه، يتورط في النفاق والتولي للذين نهى الله عن توليهم.
– من تكون بوصلة عدائه متجهة بذات الاتجاه لبوصلة العداء الأمريكي الإسرائيلي، أي أن عدوه الذي يحمل العداء له هو ذاته العدو الذي تعاديه أمريكا وإسرائيل، فهذا هو المؤمن الذي يعاني من خلل كبير في إيمانه، وهو الذي حكم الله عليه بأنه منهم في قوله” (ومن يتولهم منكم فإنه منهم).
– الذي أيدوا التحالف وارتبطوا بسلمان وولده وابن زايد تحت أي عنوان أو أي مسمى أو ذريعة، ارتبط ( بوارسوا، وأوسلو، وكامب ديفيد، وكل الورش والمؤتمرات واللقاءات التآمرية على الأمة ومقدساتها)، وغرق معهم في دماء الأبرياء، وشاركهم في فسادهم وانحرافهم وإجرامهم، حتى لو صار اليوم ينتقدهم، ويقول هو لا يقبل بأفعالهم، لأنه من البداية عدوانهم واضح، وإجرامهم واضح، وفسادهم واضح، وخيانتهم للأمة واضحة، وتآمرهم على فلسطين واضح، وعداؤهم للعرب واليمنيين أيضا واضح، لكنه مع ذلك تجاهل كل تلك “الواضحات” وانساق وراء أهوائه ومصالحه الضيقة، وعداوته القائمة على العصبية. وعندما نسمع بعض المرتزقة يوجه انتقادات للتحالف ليس ذلك انطلاقا من مبدأ الحق والعدل، بل بسبب اختلاف المصالح والصراع عليها، وأن التحالف لم يحقق لهم رغبتهم في الوصول إلى السلطة التي من أجلها أيدوا وشكروا قتلة الأطفال والنساء والأبرياء، وساهموا وشاركوا في الجرائم والمجازر والآلام والأحزان التي حلت باليمنيين. إذن الانتقادات على وسائل الإعلام ليست إلا لأجل المصالح الضيقة، وانظر كيف أن قاداتهم وعلماءهم لا يزالون في فنادق دول التحالف الأمريكي السعودي الإماراتي الإسرائيلي، وعدو التحالف هو عدوهم وعدو أمريكا وإسرائيل، هو عدوهم. وأخيرا صدق قائد الثورة الحكيم فيما أشار إليه حين قال: “الأعداء يسعون لصناعة رأي أبناء الأمة وتحديد عداواته؛ وهذا أخطر أسلوب شيطاني”.