الهروب إلى الأمام” وإهداء السعودية “أرض مدين” للصهاينة

موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية || العهد الاخباري: إيهاب شوقي

 

يبدو العالم اليوم أمام عدة مشاهد يمكن وصفها بأنها نوع من “الهروب إلى الأمام” وهي سياسة تعكس الفشل في التقدير سواء للقوة الذاتية أو للخصم وبشكل عام للتغيرات التي طرأت على التوازنات.

ولا نقول هنا أن هذه السياسة تمارس بوجهها الانتحاري ولكنها تمارس بشكل أقرب للتغطية على الفشل وحفظ ما تبقى من ماء الوجه.

ولمزيد من التوضيح يمكننا ذكر بعض أمثلة ومحاولة قراءتها من هذا المنظور لعل ذلك يفيد في تفسيرها:

1ـ تركيا:

فهناك إشارات تفيد بأن هناك هروب تركي الى الامام بعد فشل مشروع أردوغان وحلم توسعه العثماني، فنرى تصعيدا كلاميا مع سوريا وتلويح باشتباك عسكري وفي ذات الوقت نراه يلوح بالقوة في ليبيا ومع قبرص ومصر بخصوص ترسيم الحدود النفطية، ومؤخرا نرى لأردوغان تصريحات تخص صفقة القرن ومواجهتها رغم ابتعاده عن الملف وعن الصراع، وكأن هذه التصريحات والتلويحات بمثابة تغطية على وضع مأزوم له داخليا بتراجع شعبيته وشعبية حزبه  والتي تسببت في نتيجة مرعبة في الانتخابات الأخيرة، وخارجيا بفشل الرهانات في سوريا والطموحات الإقليمية الأخرى.

2ـ أمريكا:

نلمح سياسات الهروب الأمريكي الى الامام في مختلف بقاع العالم، حيث تفتعل أمريكا المشكلات تزامنا مع افتعال انجازات وهمية، وبعد فشل أمريكا في إقناع العالم بأنها لا تزال القوة الكبرى الأولى والتي لم تفقد القدرة على التخويف والإخضاع، بفشلها مع إيران وفنزويلا وفشل رهاناتها في سوريا والعراق واليمن، فنراها تلوح بجرائم الحرب بتهديدات فارغة بمحو إيران والتدخل العسكري في فنزويلا وتحاول التمويه بإنجازات وهمية بلقاءات خاوية من الانجاز مع زعيم كوريا الشمالية باعتبارها سابقة تاريخية، وبالنظر لمضمون الترهيب والترغيب، فإن المتأمل يلمح عجزا وفشلا امريكيا غير مسبوقين.

3ـ العدو الإسرائيلي:

ولا يختلف حال العدو الإسرائيلي عن الأوضاع البائسة السابق ذكرها، فهو مأزوم داخليا بفشله في تشكيل حكومة وإقباله على مزيد من الأزمات السياسية، وخارجيا هو في ورطة كبرى بعد تغير الموازين الاستراتيجية وفقدان الهيبة والقدرة على الردع.

ونلمح سياسة الهروب للأمام لدى العدو بغاراته المتكررة على سوريا وتلويحه المستمر باجتياح غزة، وإصراره الكلامي على تصفية القضية وفرض أمر واقع بتسوية يبتلع فيها كل الحقوق، والمتأمل لا يرى إمكانية لهذه التصفية ما دامت هناك مقاوم، بل ومادام هناك مجرد رفض وحد أدنى من الإجماع على هذا الرفض.

4ـ الخليج:

والخليج حاليا يعاني مما يمكن وصفه بأنه “انكشاف استراتيجي”، حيث وضع كل أوراقه منذ زمن في السلة الأمريكية، ووجد نفسه حاليا أمام إدارة تقلصت مطامعها الاستراتيجية في المنطقة وربما تكون اختزلت في أمن العدو الإسرائيلي، وبالتالي لم يجد الخليج أمامه من حماية إلا الارتماء في الحضن الإسرائيلي كمدخل ربما وحيد لنيل الحماية الأمريكية!

وهنا نرى سياسات العداء الغير مبرر لإيران واليمن والمقاومة بشكل عام، والهرولة الغير مسبوقة في الإعلان نحو العدو والتطبيع معه.

ولعل الهروب الاخطر في كل هذه الحزمة من سياسات الهروب إلى الأمام، هو الهروب السعودي، فبعد فقدان كل ماء الوجه في اليمن، وبعد الفضائح الدولية للنظام سواء بجرائم الحرب في اليمن دون أدنى إنجاز، وقتل الصحفي جمال خاشقجي بهذه الطريقة، وبعد فضح ترامب للنظام علنا بأنه ليس إلا بقرة حلوب لأمريكا، وبعد فشل جميع الرهانات رغم كل هذه التفريطات والخسائر سواء من الاقتصاد أو السمعة، فإن السعودية لا تزال تمارس القتل وجرائم الحرب وتنفخ في نار الحرب الإقليمية المتدحرجة لحرب عالمية، وتمارس تطبيعا علنيا وتفريطا غير مسبوق في الحقوق العربية متخلية عن كل الضوابط التي الزمت نفسها بها لتقنع العامة أنها صاحبة أهلية في قيادة العالم الإسلامي!

ومؤخرا ووسط هذه الكوارث والنكبات نرى السعودية تهرب إلى الأمام بافتتاح مطار خليج نيوم الواقع منطقة شرما في منطقة شمال المملكة، للحديث عن المستقبل الباهر لولي العهد وللإقليم على يده، وكأنها تتجاهل معرفة الشعوب بعلاقة مشروع نيوم بكارثتين أحدهما مادية والأخرى عقائدية، وهما:

المادية: أنه جزء من أفكار شيمون بيريز في مشروعه للشرق الأوسط الجديد.

العقائدية: أنه يتطابق مع حدود “إسرائيل الكبرى” واستيلاء العدو على أرض مدين بناء على تفسيرات من التوراة تشير لكونها الأرض التي هرب إليها بنو إسرائيل من مصر، وعاشوا فيها بعد نجاتهم من فرعون، حيث تسود تفسيرات راهنة ترفض الرواية السائدة بأن الهروب كان إلى سيناء حيث يوجد جبل موسى وصحراء التيه وعيون موسى، وترى أن العبور لم يكن من خليج السويس، وإنما العبور من خليج العقبة والهروب إلى أرض مدين.

وقد رصد باحثون معتبرون أن الحدود الجغرافية التي قررها بن سلمان لمشروعه هي حدود أرض مدين القديمة، حيث يزعم اليهود أنها أرض يهودية ويريدون استعادتها وضمها للكيان الذي يعملون على تشكيله بناء على المزاعم التوراتية.

إنها سياسات تعكس الفشل الذي يقود إلى مزيد من الفشل، ولكن لا يجب الاستهانة بها لأنها قد تتدحرج إلى سياسات انتحارية، لأن الهروب إلى الأمام لا يخلو من هذا الوجه الانتحاري.

قد يعجبك ايضا