الدعم الغربي للإرهاب.. خطأ أم استراتيجية مدروسة ؟

هل تعني الهجمات الإرهابية التي تنفَّذ في بلدان الغرب أن معسكر الهيمنة قد أخطأ في صنع الإرهاب ومن الممكن له أن يدخل في حرب فعلية ضد الإرهاب؟ الطعنات في الظهر هي دليل على عدم صحة هذه المقولة.

لا أحد تقريباً إلا ويردد الأطروحة القائلة بأن معسكر الهيمنة هو من صنع الإرهاب، أي هذا الإرهاب المسمى بـ “الإسلامي” و “التكفيري”. ومعظم الذين يرددون هذه الأطروحة يضيفون أن هذا الإرهاب انقلب على صانعيه. ويسوقون على ذلك أمثلة في طليعتها أحداث 11 أيلول / سبتمبر وما لحق بها من أعمال إرهابية استهدفت بلداناً أو مصالح غربية.

11 أيلول ومسؤولية بوش

لا أحد تقريباً إلا ويردد، في الوقت نفسه، مقولات تنمُّ عن علم المسؤولين الغربيين المسبق بما تعرضت له بلدانهم من عمليات إرهابية. وعن عدم قيامهم بأي عمل يحول دون تنفيذ هذه العمليات. ما يعني، في النهاية، أنهم هم الإرهابيون الفعليون، أو أنهم صنائع للجهة المصنعة للإرهاب، وأن الإرهابيين الذين يتحركون على الأرض، هم مجرد أدوات.

وهناك مراقبون كثيرون يقولون، بالاستناد إلى وثائق دامغة، أن بوش الابن لم يكن على علم بهجمات 11/9 وحسب، بل إنه كان يريد لها أن تنفذ. لماذا؟ لأن نقطة البدء في المشروع الجهنمي الذي كان المحافظون الجدد يسعون لتنفيذه يقتضي سقوط آلاف القتلى والجرحى الأميركيين…

لأن هذا العدد الكبير من القتلى والجرحى هو المبرر المناسب للشروع في العمل من أجل تحقيق الهدف المتمثل بغزو أفغانستان والعراق كخطوة أولى على طريق إخضاع بقية العالم وإقامة الإمبراطورية الأميركية العالمية.

إذن لم يعد هناك أي مجال للتردد في القول بأن معسكر الهيمنة هو الذي صنع الظاهرة الإرهابية، وأن وظيفة الإرهاب لا تقتصر على استهداف معارضي مشاريع الهيمنة في العالم، بل تمر أيضاً بضرب أهداف “صديقة” من أجل استخدام ذلك كذريعة من أجل شن حروب العدوان تحت غطاء معاقبة الإرهابيين الجناة.

والحقيقة أن اعتماد هذا النوع من الذراعية ليس مستغرباً من قبل معسكر الهيمنة الذي يقوده الأميركي البشع والصهيوني الأشد بشاعة. فهو يمد جذوره، بين وقائع أخرى، إلى خلايا غلاديو التي شكلت، بإشراف حلف الناتو، بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، بهدف تنفيذ أعمال إرهابية في بلدان الغرب وتوجيه تهمة القيام بها إلى الاتحاد السوفياتي.

إن تحليلاً يصل إلى مثل هذه النتيجة، أي إلى الرؤية الصحيحة والواضحة لحقيقة الإرهاب وللقوى الحقيقية التي تصنعه وتقوم باستخدامه مهم جداً من أجل فاعلية المعركة وسلامة حركة النضال ضد مشاريع الهيمنة.

لكن، وبدلاً من الانطلاق الواضح من هذه الرؤية، هناك من يقف عند حدود الفكرة القائلة بأن الغرب قد أخطأ في صناعة الإرهاب ولم يدرك أن هذا الإرهاب قد يرتد عليه.

طعنات في الظهر

وبالطبع، فإن رؤية كهذه تفتح الباب واسعاً أمام الرهان على قيام الغرب بتصحيح خطئه والدخول في حرب فعلية ضد الإرهاب؛ من هنا، نفهم الاهتمام الروسي الملحوظ بتوجيه دعوات للغربيين من أجل إقامة تحالف دولي “جدي” ضد الإرهاب، كما نلاحظ أن تقارباً ما قد تحقق بين بوتين وهولاند على مستوى التنسيق في بعض جوانب الحرب “المشتركة” على الإرهاب.

وعلى افتراض أن بلداناً غربية أخرى قد تحذو حذو فرنسا، وأن التقارب سيتعمق ويؤدي إلى تشكيل التحاف الدولي المنشود، فمَ الذي يضمن، في هذه الحالة، وطالما أن الإرهاب هو أهم الأوراق التي يعول عليها معسكر الهيمنة في حروبه الراهنة، ألا يتحول قسم من الضربات التي ستستهدف الإرهاب إلى “طعنات في الظهر” تصب في مجرى تمكين الإرهاب من تحقيق المزيد من التقدم ؟

أليس من المعبر أن يقف وزير الخارجية الفرنسي، لوران فابيوس، بعد لحظات قليلة من الإعلان عن التقارب المتحقق بين بوتين وهولاند، ليدلي بتصريحات تتنافى مع روح التقارب الهادف إلى ضرب الإرهاب.

وفي هذه التصريحات التي قوبلت بالترحيب هنا وهناك، كرر فابيوس المعزوفة المتكررة عن تنحي الأسد، وإن كان قد ارتكب “عذراً أقبح من ذنب” عندما تفضل ووعد بالنظر، وكأنه صاحب الحل والربط في المسألة السورية، في إمكانية إشراك الجيش السوري في محاربة داعش…جنباً إلى جنب مع ما يسمى بالجيش الحر, والأكراد وما أسماه بـ “قوى عربية سنية” (المقصود هو جبهة النصرة وأضرابها).

في أحسن الحالات، قد يكون من الممكن للنهج الذي يراهن على دور إيجابي لمعسكر الهيمنة في محاربة الإرهاب أن يحقق مكاسب كبيرة أو صغيرة. لكن مثل هذه المكاسب تظل عديمة القيمة أو، على الأصح، غنائم مسمومة لأنها تسمح بتلميع صورة الغرب الاستعماري وحلفائه الإقليميين في عيون شعوب المنطقة. في وقت تكمن فيه قوة شعوب المنطقة في اعتقادها الراسخ بأن معسكر الهيمنة لا يهادن إلا ليراوغ أو ليطعن في الظهر .

* عقيل الشيخ حسين – العهد الإخباري

قد يعجبك ايضا