خطورة عدم التعامل مع هدى الله بإيجابية

 

أسئلة قبلية:
– توعد الله سبحانه من يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض، ويتخيرون من الدين ما يناسب هواهم بالخزي في الحياة الدنيا، فماذا تعني هذه العقوبة؟
– بعد كل ما ظهر من عناد بني إسرائيل مع نبي الله موسى إلا أن الله تعالى أتبعه بعديد من الرسل إليهم، فعلام يدل ذلك؟
– هناك خطورة كبيرة فيمن يأتيه من الله هدى، ولكنه لا يتعامل معه بإيجابية، ففيم تتمثل تلك الخطورة؟
– في سورة البقرة هناك آيتان يبدو من خلالها الاندماج الكامل ما بين الكتاب والرسول، فما هما؟
– مشروعية اللعنة على اليهود مستمدة من القرآن الكريم، فأين تجدها في سورة البقرة؟
– هل صحيح يمكن أن يقال عن اليهود: “كان بالإمكان أن يستجيبوا لو أنه جاء الرسول منهم”؟ ولماذا؟

من هدي القرآن الكريم ، سورة البقرة ، من الآية (67) إلى الآية (103) [الدرس الخامس]
ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي ، بتاريخ: 5/ رمضان 1424هـ ، الموافق:29/ 10/2003م ، اليمن ـ صعدة

إذًا فنأخذ عبرة من هذه أنه إذا كان المسألة خطيرة إلى هذه الدرجة: {فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} (البقرة: من الآية85) كلمة خزي معناها: ذلة، عذاب، مختلف الأنواع، كلمة شاملة مثل كلمة: مرض في قوله الله تعالى: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} (البقرة: من الآية10) الخزي يعني: عذاب مخزي، حالة مخزية، وضعية مخزية وكم أصناف الأشياء التي يصبح الناس معها في وضعية تعتبر عذاب مخزي: {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ} (البقرة:86) هكذا أخيرًا تأتي النتيجة.
أيضًا يبدل الهدى بأثمان قليلة كما يقول في الآية: {اشْتَرَوْا بِآياتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا} (التوبة: من الآية9) استبدال للآخرة بالدنيا، يعني: تكون كلها تصرفات بالمقلوب، تصرفات كلها سيئة، ووبال كلها، تمثل خسارة فادحة، تعتبر خسارة فادحة.
{أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ} (البقرة:86) عندما تستبدل بدين الله مصالح معينة، أنت هنا اشتريت بآيات الله ثمنًا قليلًا أو استبدلت بهدى الله أشياء أخرى باطلة معناه أنك تخليت عن نصيبك في الجنة، تخليت عن الجنة، تخليت عن رضوان الله! أليست هذه خسارة كبيرة؟! أي: نتيجة استبدالهم بدين الله ثمنًا قليلًا، مصالح معينة هو أنهم جعلوا هذه الدنيا التي سيعيشون فيها في وضعية مخزية بديلا عن الجنة التي هي مقامات عالية، ونعيم عالي ورضوان من الله أكبر {فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ}.

كيف مواقفهم أيضًا مع الرسل الذين يأتونهم كمجددين، هل تفترض أنهم عاشوا هذه الفترة مع نبي من الأنبياء كانوا بهذا الشكل؟. لا. أيضًا ظهر من مساوئهم كيف يتعاملون مع الأنبياء الذين يأتونهم من بعد، ومهمة النبي هو: أن يهديهم من جديد، ويعيدهم من جديد إلى طريق الصواب، وإلى السير على هدى الله. وهذا أيضًا مما يبين أن الله سبحانه وتعالى يقيم حججه بشكل كامل، وهي مظهر من مظاهر رحمته. يقول لك على الرغم مما تراهم على هذا النحو السيء فليس هناك تقصير من جانب الله، هو آتا موسى الكتاب الذي فيه هدى لهم، وأيضًا أتبعه برسل من بعده: {وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ} (البقرة: من الآية87) لم يعودوا يستفيدون حتى ولا من الرسل الجدد الذين يأتون في مرحلة هم أحوج ما يكونون إلى الاهتداء بهديهم، وإلى الإصغاء لتوجيهاتهم. لكن لا، وصل بهم الحال إلى أنه إذا جاء رسول لا يتأقلم معهم، يقتلونه، أو يكذبون به، ويموت ولا يكون قد أثر فيهم بأي أثر.

{أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ} (البقرة: من الآية87) فريقًا من الرسل تكذبونهم، وفريقًا تصل بكم الحال إلى أن تقتلوهم مثلما قال سابقًا: {وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ} (النساء: من الآية155) وصلت سخريتهم من منطق الهدى على ألسن الأنبياء منهم، وعلى لسان رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) أن يقولوا في الأخير: نحن قلوبنا هذه مغطاة لا يدخل كلامك إليها، لا تتقبل.{وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ} (فصلت: من الآية5) في آية أخرى يحكي عن المشركين: قلوبنا هي مغطاة وآذاننا لا تسمعك فيها وقر: {قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ} (فصلت: من الآية5) يعني: مغطاة مخبية{وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَ هُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ} (البقرة:88).
{وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} (البقرة:89) هذه الحالات لا تتصورها خاصة ببني إسرائيل، الإنسان إذا لم ينتبه لنفسه من البداية لا يتوقع بأنه ربما في مرحلة أخرى سيهتدي أو ربما شخص آخر سيهتدي به أو.. من الأشياء هذه، متى ما ضل الإنسان فقد تأتي أشياء جديدة وفيها هدى له لا يتقبل، يأتي هداة آخرون لا يعد يتقبل.

{وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ} (البقرة: من الآية89) ألم يكن الموقف من هذا الكتاب المصدق لما معهم من هذا النبي الذي جاء بهذا الكتاب نفس الموقف الذي كان منهم مع أنبيائهم؟ هذا يعطيك أيضًا بأنه عندما تجدهم كافرين برسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) ما كانت القضية فقط مجرد ردة فعل، لماذا لم يكن منهم، لماذا لم يكن من بني إسرائيل؟ لا، هذا هو امتداد لما كانوا عليه حتى مع أنبياء منهم، رسل منهم{فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ} (المائدة: من الآية70).
ما القضية أنه لو كان جاء محمد من بني إسرائيل أنهم كان سيسلمِّون، لا. هؤلاء مع رسل منهم مستكبرون، أعني قد عندهم قضية ثابتة أبرز ما تكون هذه الحالة، هذه القضية يجب أن نركز عليها، من هم الذين يكونون على هذا النحو بشكل بارز؟ هم واجهة المجتمع الذي هو على هذا النحو، منهم؟ أحبارهم، ورهبانهم، الطبقة المثقفة فيهم، عمّار الكنائس، أصحاب المكتبات من تراثهم هم الذين يكونون على هذا النحو! العامة يكونون تبع فقط هم لا يعرفون، هم تبع لهم.

{أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ} (البقرة: من الآية87) من الذي يعرف بأن هذا الرسول يأتي بما لا تهواه نفسه؟ كثير من عامة الناس الذين ما يزالون على فطرتهم، أو قريبين من فطرتهم، ما يأتي به الرسل يكون بالشكل الذي يمكن يكون مقبولًا لديهم بشكل كبير، لكن تنطلق الفئة الأخرى، الطبقة الأخرى المثقفة، الأحبار، الرهبان، العلماء، هم ينطلقون يضللون على هذا المجتمع بشكل كبير، ويقفون في وجهه هم.{فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ} (البقرة: من الآية87) {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ} (البقرة: من الآية89) ويعرفون أنه مصدق لما معهم {وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا} (البقرة: من الآية89).
لاحظ يوجد آيتان في خلال ورقة جاءت بهذا الشكل الذي يبدو من خلالها الاندماج الكامل ما بين الكتاب والرسول، الوحدة، وحدة ما بين القرآن ومحمد (صلوات الله عليه وعلى آله) هنا يقول: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} (البقرة: من الآية89) ـ وبعده ـ {وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا} (البقرة: من الآية89) ـ يستفتحون بمن؟ بمحمد (صلوات الله عليه وعلى آله) ـ الآية الأخرى فيها: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ} (البقرة: من الآية101) ألم يأت هنا بالكتاب؟ بعد ذكر الرسول جاء هنا بالكتاب وبعده موقف بالرسول، الكتاب والرسول شيء واحد، وحدة لا تتجزأ.

{وَلَمَّا جَاءَهُمْ} أعني وهم في نفس الوقت هو جاء في مرحلة كانوا قبل يقولون للعرب عندما يدخلون معهم في صراع: [سيأتي نبي وسنقاتلكم معه ونحن منتظرين ذلك النبي نقاتلكم معه] يستنصرون به على الذين كفروا عندما يأتي{فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} (البقرة: من الآية89) إذًا أليس النبي جاء في مرحلة هم بحاجة إليه، أعني: هم يرون في هذا النبي الذي يأتي مخلص منتظرين لشخص هم يعتبرونه مخلصًا من وضعية، هم كانوا متى ما هزموا أمام الآخرين يقولون: عندما يأتي هذا النبي.
أي: أن عندهم الفكرة هذه هم يعرفون من البداية أن موضوع الخلاص يأتي على أيدي أعلام يصطفيهم الله، هذه ثقافة ثابتة عندهم، لكن هناك خلل عندهم في ثقافتهم، في منهجيتهم، أصبحت بهذا الشكل {جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ} (البقرة: من الآية89) وكان المفروض أن يكونوا هم أول مؤمن به، ألم يقل هناك: {وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ} (البقرة: من الآية41) {فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} (البقرة: من الآية89).

إذًا عندما نقول نحن: [اللعنة على اليهود] أليس اليهود على هذه الحالة؟ أليسوا كافرين بمحمد (صلوات الله عليه وعلى آله)؟ أليسوا مستمرين على ما كان عليه سلفهم الذين كانوا يستفتحون على الذين كفروا؟ هم كافرين، فلعنة الله على الكافرين.
لأن الخطورة في المسألة، أي أنت قد تلخص القضية في الأخير هي ثقافة تكوَّنت، تبلورت ـ كما يقول البعض ـ تكونت تبلورت حتى أصبحت بهذا الشكل، بشكل تشكل عوائق كبيرة؛ لأن الثقافة هي تصنع نفوسًا، الثقافة هي تقوم عليها الانطلاقة، انطلاقة الناس، مواقف الناس، تصبح هي مقاييس معينة حتى لم يعد يوجد بذرات من هدى الله تجعل النفس فيها نوع تسليم لله، يأتي الشيء الذي قد صار معروفًا تمامًا يعرفونه وهم بحاجة إليه من قبل أن يأتي ثم ماذا؟ يكفرون {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} (البقرة: من الآية89). هل تستطيع أن تتصور أي مبرر منطقي لهم بأن يكفروا به؟ لا يوجد حتى ولا هذه أن يقول واحد: ربما لو كان جاء محمد من بني إسرائيل لكانوا آمنوا ومستبعد أن يكفروا، وينتشر الإسلام. هنا قدم لك المسألة بأنهم: {أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ} (البقرة: من الآية87). جاءكم رسول منكم {وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ}.

{بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ} (البقرة: من الآية90) لاحظ كيف النتيجة تأتي في الأخير: استبدال عن مستقبلك، عن الجنة مثلما ذكر هناك في الآية الأولى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ} (البقرة: من الآية86). في الأخير هو يعني: بيع نفس، يعني: بعت أنت نفسك تمامًا بالخسارة، بالسوء، بالعاقبة السيئة، بالخزي، بجهنم، ليس هناك خسارة أكبر من هذه، ولا [دبور] أشد من هذا.

{بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا} (البقرة: من الآية90) بغيًا، بدوافع بغي. لا يأتي البغي إلا في مقابل ماذا؟ بينات واضحة، طرق واضحة، تسهيلات بأن يستجيبوا، وتكون في الأخير انطلاقة كلها بغي، عداوة، تطلُّب لماذا؟ للكفر، وللخروج على هذا الشيء ورفضه: {أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} (البقرة: من الآية90) تصبح مجرد مقولة.
ومع هذا تجد أنه مع هذا أي هي في الواقع لا تقول: [أنه فعلًا كانوا ممكن أناسًا طيبين كان بالإمكان أن يستجيبوا لو أنه جاء الرسول منهم] لا، بيّن بأنه حتى ولو جاء الرسول منهم أنه هكذا أسلوبهم لكنها مقولة قدموها، وقد يكون في داخلهم ولأنهم قد هيئوا لها بثقافة انزوائية تقوم على تمجيدهم هم كفئة من الناس، وأنه: [إذًا كيف ينزل الله فضله على آخرين؟! كيف يعطي هذا الفضل العظيم آخرين؟!] يعرفون أن النبوة فضل عظيم، والدين فضل عظيم [فكيف ينزله على آخرين ولا ينزله علينا!] هذا لا يصح معه أن تقول أن هذا منطق واقعي، مقولة داخلهم يوجد في ثقافتهم ما يجعل عامتهم قابلين أن يعمم هذا في وسطهم [لو كان جاء منا كان يمكن نتقبل].{أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} (البقرة: من الآية90)، مع أن القضية إذا كانوا مسلمين لله، يجب أن تسلِّم لله، ولا يكون بشروط أن يبعث النبي منا، أن يبعث منهم، من بني إسرائيل. إذا هم مؤمنين بالله، عارفين بأنهم عبيد لله، فيجب أن يسلموا، الحكم هو لله، الأمر هو لله، الاختيار هو إلى الله، الاصطفاء هو إلى الله سبحانه وتعالى.
{فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ} (البقرة: من الآية90) غضب متراكم يعني: أشياء يعرفها هنا تمثل خسارة رهيبة، تصرفات كلها خاطئة، عواقب سيئة. ضرب أمثلة تهديدًا لهم من نتائج ما هم فيه، كيف هذا يمثل بيع لآخرتهم، بيع لأنفسهم؛ قضية تؤدي إلى أن يتراكم الغضب عليهم، غضب على غضب {فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ} (البقرة: من الآية90). ونحن باستمرار نقول في القضية هذه مثلًا عندما نمر بكلمة غضب، كلمة رحمة، كلمة حب، أتركها على أصلها في مشاعرك {فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ} ألست هنا تتصور تهويلا للمسألة؟ تهويلا للمسألة فعلًا.
{وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ} أحيانًا في كلمة: {عَذَابٌ مُهِينٌ} في بعض العبارات يأتي بكلمة عذاب، لا يكون بالشكل الذي يبين لك بأن معناه: عذاب جهنم، هي عذاب بشكل عام من الدنيا إلى الآخرة، عذاب في الدنيا، وعذاب في الآخرة ذكر في آيات أخرى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ} (الأعراف: من الآية167) أليست هذه واحدة؟ يكون عذاب مهين، مهين، ماذا يعني مهين؟ يعني يجعلك تحتقر نفسك عذاب يحقرك. لاحظ الأعمال التي تأتي من جانب [حزب الله] و[حركة حماس] و [الجهاد] والحركات المجاهدة، إسرائيل ترى نفسها كبيرة، ومؤثرة، ويأتي هؤلاء يزعجونها إزعاجًا يجعلونها تبدو صغيرة! يُقَزِمُونَها أمام الآخرين! أليس هذا عذابا مهينا؟! مهين، هذا مهين.
أعني: قد يأتي مثلًا هزيمة مع طرف هو نِد باعتبار طاقاته، باعتبار قوته، قد لا يكون مهين، أحيانًا يكون طبيعي في الصراع، أنه جهة مع جهة هناك تكافؤ كبير هذا طبيعي، الحرب سجال {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} (آل عمران: من الآية140). لكن هذا كبير جدًا، وفي المقابل، هذا ضعيف جدًا، ووسائل تعتبر بدائية بالنسبة لما معه هو، ويزعجونهم إزعاجًا رهيبًا يقلقونهم ويبرهنون أمام العالم بأنه: إسرائيل هذه ممكن أن تضرب، إهانة، عذاب مهين. هذا مظهر من مظاهر عذاب مهين، وفي الأخير جهنم، أما جهنم فالله قد جعلها عذابًا مهينًا لكل من دخلها، وقد يكون هناك عذاب مهين لهم خاص، نعوذ بالله.
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} (البقرة: من الآية91) هناك قال: {فَبَاءُوا بِغَضَبٍ} يعني غضب من الله {عَلَى غَضَبٍ} غضب شديد من الله، نعوذ بالله من غضبه، {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} (البقرة: من الآية91) أعني: لاحظ الخسارة العجيبة في انصرافهم عن هدي الله وعمل هذه السيئات، هم ومن يكونون على هذا النحو فالنتيجة: غضب على غضب. بينما يذكر فيمن يسيرون على هديه تكون النتائج ماذا؟ رحمة، وحب من جهة الله سبحانه وتعالى، ورعاية، وتكريم، ورضوان.

قد يعجبك ايضا