هل تتسبب الإمارات بنهاية مجلس التعاون الخليجي؟

|| صحافة عربية ودولية ||

يمر مجلس التعاون الخليجي بخلافات كبيرة بين أعضائه قد تعصف بالمنطقة؛ ما قد يُهَدِّد العمل الخليجي المشترك، ويُؤَثِّر سلبيّاً على منظومة دول مجلس التعاون ويتسبب في اختلالها.

ولعل السياسة الخارجية الإماراتية كانت السبب الرئيسي والأبرز فيما يواجه مجلس التعاون الخليجي، حيث تمر سياسة ولي عهد أبوظبي بحالة من الصدام والتخبط والتجاهل لسياسة الاحتواء، وانتهاجها على مدار السنوات الماضية التآمر والخيانات وتكوين العداوات داخل المجلس ومع دول عربية وإقليمية.

ومن خلاف أبوظبي مع سلطنة عُمان، إلى الإصرار على عداوة قطر، وتنغيص العلاقات مع الكويت، تشهد العلاقات مع السعودية مؤخراً حالة من عدم الثقة، وصلت إلى حد شعور الرياض بتلقيها طعنة في ظهرها من قبل الإمارات، بعد التقارب الإيراني الإماراتي، واتخاذ قرار معاكس للسعودية في اليمن، قد يصل حد التصادم فيما بينهما.

خلافات مع عُمان

لم يسلم أعضاء مجلس التعاون الخليجي من سياسات الإمارات المتخبطة، فقد طال العداء الإماراتي سلطنة عمان خلال السنوات الماضية، وصولاً إلى الصراع الإماراتي العماني في اليمن، إثر محاولة أبو ظبي السيطرة على مدينة المهرة اليمنية الحدودية مع عُمان، ومنافسة الاستثمارات التي تمولها الصين في مشروع الميناء العماني “بالدقم”.

ودوماً ما تحاول الإمارات استفزاز العمانين من خلال إثارة التساؤل عن موقف مجلس التعاون الخليجي دون سلطنة عمان، في انتقاد غير مباشر للسياسة التي تتبعها السلطنة بعدم التدخل في شؤون الآخرين، كما أعلنت سلطات عمان الكشف عن شبكات تجسس إماراتية قالت إنها عملت على قلب نظام الحكم.

وسبق أن غرد مستشار ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، عبد الخالق عبد الله، المقرب من دوائر صنع القرار في الإمارات، قائلاً: “في ظل تباعد المواقف من اليمن وعدة ملفات إقليمية يدور في الأروقة سؤال هل مجلس التعاون أفضل حالاً بدون عمان؟ وهل عمان أفضل حالاً خارج مجلس التعاون؟”.

وبخلاف النزاعات الحدودية التي تجاوزها الطرفان بالهدوء، فالإمارات لها وقائع تاريخية سيئة مع السلطنة، إلا أن سعي أبوظبي إلى تدبير محاولة للانقلاب على السلطان قابوس بن سعيد في 2011، وإلقاء القبض على خلية تجسس حينها، أشعل توتراً بين البلدين لا يزال مستمراً حتى اليوم.

والكويت لم تسلم

ورغم الدور الذي سبق أن اضطلعت به الكويت عام 2011 في إنهاء خلاف بين الإمارات وسلطنة عمان فإنها لم تسلم من أفعال الإمارات، حيث نشرت جريدة العرب اللندنية التابعة لأبوظبي، والتي تدار مباشرة من بن زايد، تقريراً في نوفمبر 2017، عن الخلافات داخل أسرة آل صباح بعد مرض الأمير وولي العهد الكويتي.

ولفت مراقبون حينها إلى أن المخابرات الإماراتية تلعب على الخلافات داخل الأسرة الخليجية للحيلولة دون وقوف الكويت مع قطر لإنهاء الحصار المفروض عليها، خصوصاً بعد الموقف الكويتي المتعاطف مع قطر وضد السعودية والإمارات.

وشهد البلدان خلافاً آخر بعدما حجزت دبي أموالاً كويتية تقدر بـ500 مليون دولار بحجة غسل الأموال، مع أن دبي- حسب تقارير دولية- هي مركز غسل الأموال والفساد في العالم.

وكشفت وكالة “رويترز”، في ديسمبر 2018، عن توتر كبير في العلاقات بين الإمارات والكويت، على خلفية تجاهل حاكم دبي، الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، طلباً كويتياً للإفراج عن الأموال المجمدة.

 وانتهى الخلاف بين البلدين في 5 فبراير 2019، حيث وافق مصرف الإمارات العربية المتحدة المركزي على صرف مبلغ قدره 496 مليون دولار، كان مجمَّداً لدى بنك نور، المملوك للحكومة في دبي، منذ أواخر عام 2017.

الإمارات وراء حصار قطر

وكشفت الأحداث خلال العامين الماضيين عن الأسباب التي أدت إلى تفجير الأزمة الخليجية، والتي بدأت بعدما تقدمت قطر، في عام 2015 وتحديداً في شهر مايو، بطلب إلى الإمارات بتسليم مطلوبين يعملون ضد أمنها واستقرارها موجودين في الإمارات، لكن الأخيرة رفضت ذلك.

وبعد مرور عام طلبت الإمارات من قطر تسليم أحد المطلوبين متذرعة بأنه ينتمي لتنظيم الإخوان، فردّت قطر على الطلب الإماراتي بنفس الرد.

وأشار مراقبون حينها إلى أن هذا الأمر أصاب محمد بن زايد بالجنون، وقرر الانتقام من قطر، معتبراً أنها خرقت الاتفاق الخليجي الموقع عام 2014، الذي يقضي بتسليم المطلوبين.

واتهمت صحيفة “واشنطن بوست”، خلال شهر يوليو 2017، الإمارات بالتخطيط لحادثة الاختراق التي وقعت في مايو من نفس العام لوكالة الأنباء القطرية، وهي التي كانت سبباً للخلاف المستمر حتى اليوم، والحصار المفروض على الدوحة، وأن الأسباب الأخرى التي تذرعت بها دول الحصار كانت مكملة للخلافات السابقة.

وعملت الإمارات خلال العامين الماضيين على محاربة قطر في المحافل الدولية، كان آخرها رفع دعوى قضائية ضد الدوحة في يناير الماضي، زاعمة اتخاذ الأخيرة إجراءات تمييزية تجاه السلع القادمة من الإمارات وموزعيها، وهو ما تنفيه قطر، والتي كسبت القضية بعد سحب أبوظبي الشكوى.

السعودية آخر الضحايا

ووجهت أبوظبي طعنات متلاحقة في ظهر الرياض مؤخراً، بدءاً بتعزيز علاقتها مع طهران، بعدما أرسلت وفداً من خفر السواحل الإماراتية إلى إيران نهاية يوليو الماضي، والتي تعتبرها السعودية العدو الأكبر، مروراً بإعلان سحب معظم قواتها من اليمن، ووصولاً إلى انقلابها في عدن على حكومة الفار هادي  التي تمولها الرياض.

وهبت رياح الحرب الإعلامية بين البلدين بعد تراشق تجاوز كل الخطوط الحمر، ولا يُعرف إلى أن يتجه، بعد أن دعمت الإمارات انقلاباً جديداً على ما يسمى ” الشرعية اليمنية”، وهاجمت في الوقت ذاته من يقف معها في إشارة إلى الرياض.

وأسهم نائب رئيس شرطة دبي، ضاحي خلفان، في كشف الأزمة بين البلدين، بعدما كتب على صفحته بـ”تويتر”، قائلاً: “الذي يقاتل بجانب هادي يقاتل مع رجل غدر وخيانة”، وهو ما أثار سخطاً واسعاً بين مغردين سعوديين، إذ اعتبروا أن نائب قائد شرطة دبي يغرد بتوجيهات من حكومة بلاده.

وتحاول الإمارات تصدّر المشهد و”التربع على عرش الشرق الأوسط”، على الرغم من الخلافات مع السعودية، التي تسيطر على نحو 70% من شبه الجزيرة العربية.

كيان جديد للخليج

ويرى النائب السابق في مجلس الأمة الكويتي، ناصر الدويلة، أن مجلس التعاون الخليجي على وضعه الحالي لم يعد له معنى، مشيراً إلى أنه “لولا الكويت وعمان لتفكك المجلس منذ الأزمة الخليجية”.

وأضاف الدويلة، في تصريح لـ”الخليج أونلاين”، أن الأزمة التي يشهدها المجلس “لم يعد يحتملها الجميع”، مشيراً إلى أن استمراره بهذا الشكل قد يدفع دولة غير قطر للخروج منه.

تابع: “إما أن يكون هناك حل جذري قائم على احترام سيادة الدول، أو ستكون نهاية المجلس حتمية”.

من جانبه قال المحلل السياسي المصري ياسر عبد العزيز، إن الدعوات لتشكيل مجلس جديد لدول الخليج ليست وليدة اللحظة بل بدأت منذ الساعات الأولى لإعلان الحصار على قطر، موضحاً أن  “الكويت وعمان أفشلا ذلك المخطط خشية حدوث تصدع في المجلس”.

الإمارات وخلق العداوات بالمجلس

وأوضح عبد العزيز، في حديثه لـ”الخليج أونلاين”، أنه “في ظل كل هذه الخلافات، هناك من يرى أن مجلس التعاون الخليجي أصبح بلا جدوى، لا سيما بعد القمة الخليجية الاستثنائية في مايو الماضي، التي لم تخرج بشيء ملموس سوى بعض الإدانات للنظام في طهران، على الرغم من وجود بنود في النظام الأساسي للمنظمة يتيح لدول المجلس استخدام درع الجزيرة لردع إيران، وهو ما يعني بالنتيجة أن المجلس فقد فاعليته”.

وأضاف: “نار الإمارات بدأت تأكل طرف ثوب الخليج نفسه، فدعمت الإمارات القلاقل في كل من عمان والكويت، ويكفي أن خلية تجسس إماراتية قُبض عليها في نوفمبر من العام الماضي، لتتأكد تحركات الإمارات في هذا الاتجاه”.

وأوضح أن بن زايد “يعلم أن دولته صغيرة ولا تقوى على أن تقود المنطقة، فاتخذ من السعودية ستاراً مرحلياً لتنفيذ خطته، لكن سرعان ما طالت نار الإمارات السعودية نفسها في اليمن، وانكشف مخططها بعد أن أخذت ما تريد من اليمن (الموانئ) وصنعت لها حلفاء في الجنوب يحمون مصالحها، حتى وصل الأمر إلى أن يصفها المسؤول السابق في إدارة ترامب وضابط المخابرات روبرت باير، بالدولة المارقة”.

وأكد أن مجلس التعاون يمكن الاستفادة منه “بعد إزالة أسباب الاحتقان المتمثلة في سياسات حاكمي أبوظبي والرياض، وإعادتهما إلى جادة العمل الخليجي المتعقل”.

الخليج اونلاين

قد يعجبك ايضا