«الدرونز» بعد الصواريخ والأنفاق: قلق متجدّد للاحتلال
موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية || الأخبار اللبنانية
خلّفت عملية الطائرة بلا طيار (درون) التي نفذتها المقاومة الفلسطينية من قطاع غزة، واستهدفت فيها مركبة عسكرية إسرائيلية بإلقاء عبوة ناسفة عليها، أصداء سياسية وإعلامية في تل أبيب. على المستوى السياسي، حضر الاعتداء الإسرائيلي في القطاع على لسان بنيامين نتنياهو، وذلك خلال جلسة الحكومة التي تأتي قبل أقلّ من عشرة أيام على موعد الانتخابات، الاستحقاق الذي يحشد نتنياهو من أجله خبراته ونشاطاته السياسية والأمنية والإعلامية كافة. ووضع رئيس حكومة العدو الاعتداء المتجدد لسلاح الجو الإسرائيلي في سياق الرد على عملية المقاومة.
وتناول وزير خارجيته، إسرائيل كاتس، بدوره، العملية وفق منطق دعائي يهدف إلى رفع مستوى التهويل بوجه الغزّيين، ويندرج في إطار محاولة تطويق المقاومة سياسياً وشعبياً بوصفها «أداة بيد إيران»، إذ يستغل العدو حقيقة أن الشعب الفلسطيني مطوّق من الأنظمة العربية على المستويات الأمنية والسياسية والاقتصادية لإضعافه في مواجهة الاحتلال، فيما يتلقى الدعم الإيراني السياسي والمادي والعسكري بما يُمكنّه من الدفاع عن وجوده وأمنه وأصلاً تحرير أرضه. ومع أن طهران لا تخفي دعمها للمقاومة، ولا تنكر الأخيرة هذا الدعم، إلا أن كاتس رأى في استخدام طائرة ضد آلية إسرائيلية جزءاً من بصمات قائد «قوة القدس» في الحرس الثوري، قاسم سليماني، والمحور الإيراني.
يأتي هذا ترجمة لسياسة دعائية إسرائيلية تهدف إلى سلخ المقاومة الفلسطينية من أبعادها الوطنية، وتقديمها كأنها تعمل لحسابات دول إقليمية على حساب شعبها وقضيتها. وتتناغم مع هذا الخط الدعائي أنظمة ووسائل إعلام ومؤسسات وشخصيات تسعى إلى تبرير خيارها الانهزامي إزاء الكيان العبري. كذلك، يعمد قادة العدو إلى رفع منسوب التهويل، من أجل ثني المقاومة عن مواصلة عملها ضد الاحتلال والحصار. وفي هذا الإطار، رأى كاتس أن هذه العمليات «تقرّبنا جداً إلى معركة شاملة لإسرائيل ضد المنظمات الإرهابية في غزة، على أن تجري في التوقيت والظروف التي نقررها. في هذه المعركة واضح أن قيادة الإرهاب ستُصفّى، وإمكاناتها ستدمر».
تكشف العملية مع ما سبقها عن مسار تطوري في قدرات المقاومة
ويعود الصدى السياسي والإعلامي الذي شهدته تل أبيب نتيجة العملية، أيضاً، إلى الأخطار الكامنة في هذا التكتيك الجديد وسياقه وتوقيته. فبالدرجة الأولى، تكشف هذه العملية، مع ما سبقها، عن مسار تطوري تسجّله قدرات المقاومة وتكتيكاتها على رغم الحصار على القطاع، وهو أمر ينطوي على رسائل مقلقة لتل أبيب، وأيضاً لمستوطني جنوب الكيان الإسرائيلي. أما عملياتياً، فأشار معلقون عسكريون في إسرائيل إلى بعض الجوانب المتصلة بهذا التكتيك، ومنهم يوسي يهوشواع، في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، حيث قال إن إسرائيل وضعت رداً للقذائف الصاروخية التي تطلقها الفصائل بواسطة منظومة «القبة الحديدية»، وكذلك وضعت رداً على الأنفاق الهجومية ببناء جدار تحت سطح الأرض بتكلفة ثلاث مليارات شيكل، «والآن تنتقل حماس إلى عالم الدرونات التي تتجاوز الجدار الجديد الجاري بناؤه، وستشكل تهديداً كبيراً على قوات الجيش في هذا الحيز وعلى بلدات غلاف غزة». وتابع يهوشواع: «رغم أن الجيش يعمل على وضع حل للدرونات أيضاً، لكننا أدركنا أن هذا ليس حلاً كاملاً».
مع ذلك، ينبع الاهتمام في تل أبيب بالعملية الأخيرة من كونها أتت على مسافة أيام من الانتخابات، إذ يخشى نتنياهو وطاقمه السياسي من مفاعيل مثل هذه العمليات على صورته كزعيم يقود إسرائيل في مواجهة التحديات الأمنية، وأيضاً من أن يدفع هذا السياق فصائل المقاومة إلى تعزيز ضغوطها، وهو ما لمح إليه المعلق العسكري في صحيفة «يسرائيل هيوم»، يوآف ليمور، بالقول إن السبب الأساسي وراء ما يجري «الانتخابات القريبة… والشعور في غزة هو أن إسرائيل تمتنع عن الدخول في مواجهة في التوقيت الحالي، ما يجعلها قابلة أكثر للضغوط». وأضاف: «داست التنظيمات عشية الانتخابات الماضية في أبريل (نيسان) على دواسة العمليات، ويبدو أن هذا ما يحدث الآن أيضاً».
خلاصة المشهد في تل أبيب أنه على رغم الجهود التي تبذلها إسرائيل وأنظمة عربية للحؤول دون تزود المقاومة بأسباب القوة، ومع أن العدو نجح في الحدّ من امتلاكها قدرات نوعية معينة، إلا أن الفصائل استطاعت حيازة مستوى محدّد من القدرات يهدد العمق الاستراتيجي لإسرائيل، ويعزز إمكانية الرد والدفاع ضد أي عدوان إسرائيلي. هذا الواقع دفع بعض المعلقين إلى الدعوة مجدداً للعودة إلى الرهان على الردع، على أمل التمكن من الحدّ من استخدام تلك الإمكانيات، وهو ما يعني عملياً تعزيز الاعتداءات الإسرائيلية.