ماذا وراء الإخفاء القسري للفلسطينيين في السعودية؟
|| صحافة عربية ودولية ||
أن تعتقل “إسرائيل” قادة فلسطينيين أو مقاومين أو حتى مواطنين عاديين قد يكون أمراً مستهجناً لكنه ليس مستغرباً على اعتبار أننا أمام كيان معتدٍ وغاصب، كما أن “إسرائيل” دأبت على هذه التصرفات منذ تأسيسها لإخافة الفلسطينيين وتهجيرهم، ولكن أن تعتقل السعودية الفلسطينيين حتى دون توجيه أي تهمة لهم فهذا يعتبر أمراً خطيراً وتطوّراً غير مسبوق سيكون له تبعات لا محالة على العلاقة بين حماس والسعودية.
ويبقى السؤال لماذا تقدم السعودية على اعتقال الفلسطينيين دون توجيه اتهامات لهم، هل هو نوع من الضغط على القيادات الفلسطينية للرضوخ لشروط صفقة القرن التي تتعاون كل من أمريكا و”إسرائيل” على تنفيذها بضوء أخضر سعودي، أم هو نوع من استعراض سعودي غايته التقدّم خطوة نحو التطبيع والقول للأمريكي قبل الإسرائيلي إن مشروع التطبيع مستمر ونحن نتقدم خطوات في هذا المجال؟.
من المعتقلون وما هي ظروف الاعتقال؟
منذ حوالي 5 أشهر اعتقلت السلطات الفلسطينية الدكتور الفلسطيني محمد الخضري “أحد قياديي حماس” ونجله وعشرات الفلسطينيين الأخرين، ولم تطلق سراحهم حتى اللحظة، ولم توجّه لهم السلطات أي تهمة، كما أنهم يعيشون بحسب أقرباء وأصدقاء المعتقلين ظروفاً صعبة داخل السجن، ويتعرّضون لأبشع أنواع التعذيب.
قيادة “حماس” طالبت السعودية بإطلاق سراح الفلسطيني محمد الخضري ونجله، والمعتقلين الفلسطينيين كافة، ونشرت بياناً يوم الاثنين، جاء فيه إن سلطات الرياض اعتقلت الخضري في أبريل الماضي، إلا أن الحركة لم تكشف سابقاً عن الأمر لإفساح المجال للاتصالات الدبلوماسية، ومساعي الوسطاء، “لكنها لم تسفر عن أي نتائج حتى الآن”.
وأضاف بيان الحركة: “أقدم جهاز (مباحث أمن الدولة) السعودي، يوم الخميس 4 أبريل 2019، على اعتقال الأخ د.محمد صالح الخضري (أبو هاني)، المقيم في جدّة منذ نحو ثلاثة عقود، في خطوة غريبة ومستهجنة، حيث إنه كان مسؤولاً عن إدارة العلاقة مع السعودية على مدى عقدين من الزمان، كما تقلّد مواقع قيادية عليا في الحركة”.
وأوضح البيان أن الخضري “لم يشفع له سِنّه، الذي بلغ (81) عاماً، ولا وضعه الصحي، حيث يعاني من مرض عضال، ولا مكانته العلمية، كونه أحد أبرز الأطباء الاستشاريين في مجال (الأنف والأذن والحنجرة)، ولا مكانته النضالية التي عُرف فيها بخدماته الجليلة التي قدّمها للشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية، داخل فلسطين وخارجها”.
وأكد البيان أنه “لم يقتصر الأمر على اعتقاله، وإنّما تم اعتقال نجله الأكبر (د. هاني) من دون أي مبرّر، ضمن حملة طالت العديد من أبناء الشعب الفلسطيني المقيمين في السعودية”.
وقالت حماس إنها “تجد نفسها مضطرّة للإعلان عن ذلك”، مطالبة السلطات السعودية بإطلاق سراح الأخ الخضري ونجله، والمعتقلين الفلسطينيين كافة.
من جانبها دعت مؤسسة “شاهد” الحقوقية في تقرير لها “المنظمات الدولية إلى التحرك العاجل للضغط على السلطات السعودية للإفراج عنهم”.
وطالبت المؤسسة، كلّاً من رئيس السلطة الفلسطينية الرئيس محمود عباس والملك الأردني عبد الله الثاني بالتدخل العاجل لدى السلطات السعودية “لإيقاف هذه المعاناة الإنسانية والإفراج عن الموقوفين”.
وقالت المؤسسة إن عشرات الموقوفين “يعانون ظروفاً إنسانية بالغة السوء”.
كما ذكرت المؤسسة في تقريرها- نقلاً عن ذوي الموقوفين – أن حملة التوقيفات الواسعة يقوم بها جهاز أمن الدولة السعودي على خلفية قيام بعضهم بـ”تقديم مساعدات مالية لعائلات شهداء وأسرى في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس المحتلة”.
من جهته عدّ المرصد الأورومتوسطي ممارسات السلطات السعودية انتهاكاً صارخاً لمقتضيات العدالة التي كفلت لكل فرد الحق في المحاكمة العادلة ومعرفة التهم الموجهة له وحق الدفاع والالتقاء بمحاميه، وهذا ما لم ترعه السلطات، إذ اعتقلت عشرات الأشخاص دون إسناد أيّ تهم رسمية أو عرضهم على النيابة وهي السلطة المختصة بالتوقيف والتحقيق.
المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان” (مقره جنيف)، قال في بيان أصدره يوم 6 أيلول الحالي إن السعودية تخفي قسرياً 60 فلسطينياً.
وطالب المرصد الحقوقي الدولي الملك السعودي بالتصدي للأساليب الوحشية التي تستخدمها قوات الأمن ضد المختفين قسرياً وغيرها من ضروب المعاملة السيئة، داعياً في الوقت ذاته المجتمع الدولي والدول الغربية الحليفة للسعودية إلى الضغط على صناع القرار في السعودية من أجل تجنيب المواطنين السعوديين والوافدين الأجانب ويلات الاحتجاز السري، وإنهاء الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في البلاد.
وقالت مسؤولة الاتصال والإعلام لدى المرصد الأورومتوسطي “سيلين يشار” إنّ حملة الاعتقالات التي تستهدف الفلسطينيين في السعودية ليست سوى حلقة من سلسلة طويلة من انتهاكات حقوق الإنسان في البلاد”.
وكشف معتقل يحمل الجنسية الجزائرية -أُطلق سراحه مؤخراً- للمرصد الأورومتوسطي عن جانب من الممارسات والانتهاكات وأساليب التعذيب التي يتعرّض لها المعتقلون – وخصوصاً الفلسطينيون- من المحققين والسجانين في سجن “ذهبان” السعودي.
وقال المعتقل السابق الذي غادر الأراضي السعودية الأسبوع الماضي إن السجانين كانوا يحرمون المعتقلين من النوم أو الحصول على أي علاج طبي رغم أن بعضهم من كبار السن ويحتاجون إلى رعاية خاصة.
وأضاف إنّ الطعام داخل السجن يقدّم بطريقة مهينة وأحياناً في أكياس، كما يحرص السجانون على إبقاء المعتقلين مقيدين حتى داخل زنازين السجن.
ويقع سجن “ذهبان” في قرية صغيرة ومنعزلة ومطلّة على الساحل على بعد 20 كيلو متراً خارج حدود مدينة جدة الساحلية، حيث تحتجز السلطات الحكومية هناك آلافاً من السجناء في القضايا السياسية والحقوقية وقضايا الإرهاب والعنف.
وأشار المرصد الحقوقي الدولي إلى أن عائلة المهندس A5 (رمز تعبيري) -ويقطن إحدى مدن الضفة الغربية المحتلة- واحدة من تلك العائلات التي فقدت الاتصال مع نجلها مطلع الشهر الماضي، خلال مراجعته دائرة الجوازات في العاصمة السعودية الرياض.
ووفق إفادة العائلة فإنه تم منعها وأصدقاء نجلها الذي يعمل في إحدى الشركات السعودية من السؤال أو الاستفسار عن مصيره أو مكان احتجازه.
وقالت زوجة A5: إنّ أشد ما يؤلمني هو عدم معرفة أي شيء عن زوجي حي أم ميت أم معافى أم يتعرّض للتعذيب… هذا الأمر زاد أوجاع أطفالي وكذلك والديه وأشقائه وشقيقاته.
وذكر المرصد الأورومتوسطي أن عائلة الفلسطيني B7 ( رمز تعبيري) نموذج آخر لعمليات الإخفاء القسري في السعودية، إذ فقدت تلك العائلة الاتصال مع نجلها في تموز الماضي، ومنذ ذلك الوقت لا تعرف شيئاً عنه رغم مناشداتها المتكررة للسطات بالكشف عن مصيره أو مكان احتجازه.
وبحسب إفادة العائلة فإن نجلها أسير سابق في السجون الإسرائيلية، ومُبعد بشكل قسري إلى الأردن حيث استكمل تعليمه الجامعي وتزوّج هناك ومن ثم انتقل إلى العمل في إحدى الشركات في السعودية.
وبيّن الأورومتوسطي أن السلطات السعودية اعتقلت رجل أعمال فلسطيني مقيم في جدة منذ عقود ويبلغ من العمر (60 عاماً) في تموز الماضي.
ونقل المرصد الحقوقي الدولي عن أحد أبنائه قوله إن السلطات صادرت أمواله وهدّدت أفراد العائلة بالصمت ومنعتهم من مغادرة الأراضي السعودية خشية فضح عملية اعتقال والدهم.
المصدر: الوقت