النهج البرجماتي الروسي الجديد
موقع أنصار الله || مقالات || أنس القاضي
تكاد تتقارب الرؤية الروسية من الرؤية الصينية في العلاقات السياسية الدولية، أي إعادة الاعتبار للمصلحة الاقتصادية البرجماتية كمحدد رئيسي في العلاقات الدولية، على عكس العهد الايديولوجي السوفياتي، فآخر المواقف السياسية الروسية التي بُنيت على الموقف السياسي والعسكري المتصلب هو الموقف من الحرب في سوريا، ومع تحلحل الوضع في سوريا لمصلحة روسيا فهي تنتهج نهجاً سياسياً جديداً ابتدأته من زيارة الرياض والإمارات الأسبوع الماضي. وتعمل روسيا على توسيع شراكاتها الاقتصادية حيث وقعت اتفاقيات مع دول متعادية ومتصارعة مثل اسرائيل وإيران وجعلت منها “أعضاء” في منظمات اقتصادية واحدةِ منظمة “أوراسيا”.
كما تطمح روسيا إلى توطين اسلحتها في السعودية، سيؤدي أي تقدم لتنفيذ خطط تدرسها السعودية منذ 2017م لشراء نظام الدفاع الجوي الصاروخي أس-400 إلى استياء واشنطن التي أعلنت الاسبوع الماضي أنها سترسل نحو 3000 جندي ونظم دفاع جوي إضافية إلى السعودية، ويتضح من مقابلة الرئيس بوتين وجود قدر كبير من العلاقات مع الأمير بن سلمان المبادر للعلاقات مع روسيا، وكانت روسيا مؤخراً قد دافعت على حق بن سلمان في الملك بعد أبيه، على خلفية الضغط العالمي ضد بن سلمان بعد مقتل خاشقجي.
هذه الحقائق تجعل من روسيا أكثر قرباً من الامارات والسعودية، منها إلى اليمن، حتى لو كان هناك في صنعاء حكومة معترف بها من قبل “الشرعية الدولية”، وروسيا في ذات الوقت لا تريد ان تظل خارج اليمن ولا تعتبر السعودية بديلاً عن ايران أو اليمن، فهي كما أكد بوتين: لا تقيم صداقاتها على شكل تحالفات مع وضد، وتبرر موسكو موقفها في روسيا في قضية الحفاظ على أمنها القومي من الإرهاب. حيث أكد بوتين إن التعاون السعودي الروسي في “اوبك بلاس” شأن وقضايا الأمن والاستقرار في المنطقة شأن آخر. وقد دافع الرئيس بوتين عن العلاقة مع ايران وعن الحضور الحضاري والتاريخي العميق لإيران والفرس في المنطقة ومصالحهم فيها في إطار “الشرعية القانونية”، ورفض منطق “اذا اُكتشف ان طهران هي من قصفت ارامكو فيجب على موسكو معاقبتها”.
تم استقبال بوتين في السعودية والإمارات على أعلى المستويات؛ وزيارة بوتين لحليفة واشنطن السعودية دليل على زيادة نفوذ الرئيس الروسي في الشرق الأوسط. فعشية زيارة بوتين كانت القوات الأمريكية تنسحب من شمال سوريا وكان الحليف اليميني الكُردي لأمريكا ” قسد” يجري اتفاقيات مع الدولة السورية المدعوم من روسيا تمهد لدخول الجيش العربي السوري تلك المناطق.
رغم ان الزيارة هي رداً على زيارة الملك سلمان الى موسكو في عام 2017م إلا أن فلادمير بوتين اختار الوقت الاستراتيجي الملائم وهو الوضع الراهن الذي تجد السعودية في نفسها في أضعف حالاتها، مهدده بخطر يمني تتوهمه إيرانيا، ومخذولة أمريكيا. وشكلت السياسات المتردّدة للرئيس الأميركي ترامب قلقاً سعودياً وإماراتياً على مستقبل بلديهما في مقابل تصلب موقف محور المقاومة، وهوَ ما يجعل من الوقت ملائما لروسيا لتعزز من نفسها كخيار مجدي للملكة السعودية. التي تريد من روسيا الحماية السياسية وإيقاف الانهيار السعودي الراهن، و توطين التقنية العسكرية الروسية، والتأثير على إيران واليمن.
وتقدم روسيا نفسها وسيطاً وصديقا موثوقاً يملك علاقات واسعة مع مختلف الاطراف المتنازعة في المنطقة والأطراف الداخلية في اليمن، وقد أشاد بوتين بالدور الذي لعبته السعودية في حلحلة الازمة في سورية وبأنه لولا الدور السعودي ما اثمر الجهد الايراني الروسي التركي المشترك، وقد كرر هذا المضمون ما يقارب 5 مرات في مقابلته مع “قناة الحدث” الاسبوع الماضي، وهو بذلك يقوم بدور تحفيزي للسعودية لتقبل بالتعاون في ملف اليمن.