اليمن 2016م.. والنصر النظيف
بقلم / حمود عبدالله الأهنومي
خلت الموازَنةُ السعوديةُ لعام 2016 م من مواردَ هائلةٍ ومنصرفات أشد هَولاً كان يجب أن تذكر، وذلك بالإضافة إلى أسباب أخرى يجعل من الصعب الوثوق بما ورد فيها، ومع ذلك يمكن الاستئناس ببعض ما ورد فيها كمؤشر للحالة المالية التي تعتبر مصدر قوة وضعف النظام السعودي، ومن ذلك العجز المالي للعام المنصرم المقدّر بـ98 مليار دولار، والعجز المتوقع للعام الجاري والمقدر بأكثر من 80 مليار دولار، وإذا قارنا العجز المذكور بالخسائر المقدَّرة من بعض المراكز العالمية التي افترضت التكاليف اليومية للعدوان على اليمن نجد أنها أخفت الكثير والكثير تجملا وخوفا.
النزيفُ المالي السعودي يتعاظم يوماً بعد آخر، ولا يزال الحبل على جَرَّار خساراتهم الفادحة مادياً وبشرياً بصورة متصاعدة، وخلو الموازنة عن الشفافية يبرهن أن فساداً خطيراً يعشعش في مفاصل الدولة وأجهزتها، وكثرة الأمراء المتنفذين ومن يتمسح بأركانهم وكثرة طلباتهم وطموحاتهم المادية ستغرق مركب السعودية المبحِر في مكان خطِر وموبوء تفتك به إعاقات داخلية وأعاصير خارجية، هذا النزيف زاد طينتَه بلةً انخفاضُ أسعار النفط في العالم، وسبق للسعودية نفسها أن اتخذت النفط سلاحاً سياسياً في وجه خصوم أمريكا بطلب منها، وقد آن الأوان لأن يرد الصاع بصاعَين، لا سيما بعد عودة إيران إلى أسواق النفط من بوابة الأمم المتحدة كجزء من استحقاقات الاتفاق النووي، وهذا كله ما جعل كثيراً من خبراء الاقتصاد بل وحتى السعوديين والخليجيين يطلقون على السنوات القادمة من تأريخهم بـ(السنوات العجاف).
إن لعنةَ العدوان على اليمن ستصيب هؤلاء المتوحشين المترفين الذين فسقوا في الأرض، وتجاوزوا الحدود، وأصبح اليمن كُلّ اليمن يدين لهم بالثأر والحقد الذي لن تمحوه عشرات السنين، لا سيما واليمنيون يدركون عبثية هذا العدوان الغاشم وهمجيته غير المسبوقة، وهم الأمة التي شهد العالم على حيويتها وانطلاقتها القرآنية، فأخذت بمنهاج العزة والكرامة سبيلا، هذه الأمة الحية التي تزغرد للشهداء، وتقدِّس المجاهدين، وترى فيهم رسل الكرامة، وأدلة العزة، لا يمكنها ولو طال السرى أن تنسى الاقتصاص من قتلة إخوانها وأطفالها ونسائها ومدمري بناها التحتية، ومتى نسي اليمني ثأره وثقافتُه الاجتماعية تصفُ من يقتص من عدوه بعد سنة بـ(المستعجِل)، وهي التي تصف من يتلكأ عن القصاص من الظالمين بالمقصر الذي لم يعرف الإسلام، ألا نرى أنه كلما علت روح شهيد إلى بارئها انطلق من أقاربه آخرون بالعشرات، وكأنما باستشهاده أحياهم بروح الجهاد وحرّك فيهم ضمير المسؤولية.
ادّعت السعودية أنها بعدوانها تحمي الأمنَ العربي والخليجي، ولكنها الآن بعد عشرة شهور تطلب ممن زعمت حمايتهم أن يحموها، وتجل المرتزقة، وتشتري الشذاذ، وهذا هو الفارقُ الذي يجب أن ندركَه بين بداية العدوان وبلوغه الشهر العاشر، وكلما أمعن في غلواء عدوانه وإهدار أمواله كلما زاد نزيف أمواله وسهّل تحركَها نحو البنوك الغربية وخزائن شركات السلاح العالمية، ونطّ الغربيون أكثرَ لمص حليب هذه (البقرة الحلوب) بشراهة واستنفار، هذا النظام السعودي هو النظام الذي يعرّف نفسه بأنه كتلة من مال، فإذا ذهبت هذه الكتلة أتاهم ما يوعدون من أمر الله.
وفي الوقت الذي علت فيه أصوات المنظمات الحقوقية – التي تستيقظ ين الفينة والأخرى من تغافلها المدفوع ثمنه مسبقا – بالاستنكار وإيراد الأرقام المهولة من جرائم هذا العدوان، نجد أصواتاً ودولاً تعبر عن قلقها من التهور السعودي نحو توتير المنطقة وسوقها إلى حافة الحروب الشاملة، وهو ما يستدعي التوقع أن الوقت لن يكون أبداً في صالح العدوان.
لم يقتصر عدوان قرن الشيطان على اليمن، بل بلغت شرارته بلدان العالم جميعا، ويدرك الجميع أن العقيدة الوهابية هي المحدِّد الإيديولوجي الذي يجتمع شمل الحركات السلفية العنفية اليوم معه، ويدرك العالم أن النظام السعودي وأمواله الكثيرة هي التي توظف هذا الإرهاب التكفيري وتحركه بطريقة أو بأخرى كما يشاء المخرج الأمريكي والصهيوني؛ وهذا ما استثار ويستثير أحرار العالم، وحين ينخفض منسوب المال الخليجي والسعودي فإنه سترتفع التغطية العالمية السياسية والمالية لهذا الإجرام، وسيصوِّب الجميع بنانهم إلى مكمن الخطر وبيت الداء.
عشرة شهور من الإعدامات الجماعية ومئات المجازر الوحشية مارسها تحالف الشذاذ العالمي ضد اليمن، ثم اليوم وبفعل تنافسات الأمراء (المهافيف) على لقب التوحش وصفات اللامسؤولية تعدِم السعودية العشرات من مواطنيها، ومنهم المجاهد الفقيه والثائر العالم الشهيد نمر النمر ورفاقه، وبالإضافة إلى آخرين يتهمون بالانتماء للحركات العنفية؛ وهي بذلك تريد إثبات قوتها واستعادة هيبتها التي داسها المقاتل اليمني البطل تحت قدمه الحافية، مع أن العبرة التأريخية تقول: إن جرائم من هذا القبيل من دولة مترهلة وفاسدة لا يمكن أن تعيد لها نوعا من الهيبة؛ بل ستزيد النقمة عليها، وتؤجج سعار الثأر، في محيطٍ حرصت السعودية على تفخيخه وإشعاله بنار الفتن وسعير الحركات السلفية التكفيرية المنقلبِ سحرُها على ساحرها؛ الأمر الذي يجعلها في مرمى الاستهداف من الجميع في وقت واحد.
أما اليمنيون فهم في روحيتهم العالية التي ينطلقون من خلالها إلى ساحات الشرف والمواجهة والتي تتصاعد بقدر تصاعد قدراتهم العسكرية والصاروخية، وكان ذلك عنصر المفاجأة والتطور وأحد متغيراتها المدهشة، بل يمكن القول بأن استبصار اليمنيين وتنامي وعيهم بخطر العدوان وأهمية مواجهته هو عنصر القوة الصاخب والعالي الذي تحكّم إلى حدٍّ كبير في موازين المعركة على الأرض، في الوقت الذي استنفد العدوان كُلّ خياراته وآخرها جلب مرتزقة بلاك ووتر من كُلّ حدب وصوب، لكن اليمني الذي حطّم أسطورة هؤلاء المرتزقة الشذاذ بسحقهم في ضربات متكررة هو من سيحلهم (دار البوار) ويجعل العالم جميعاً في حِلٍّ من خدماتهم.
اليمني هذا الذي أصبح وأمسى فقيراً من كثير من العتاد لكنه غني بالله الواحد القهار – هو الذي واجه ويواجه هذا العدوان الكونية حيث تجمع تحت لوائه شذاذ الآفاق وشواذ الحركات والدول، وأحدث الأسلحة وأشدها ضراوة. اليمني هو الذي طبّع أحواله وكيّفها على ظروف الحرب لمدة عشرة شهور، هو الذي بقلبه من الشوق للقاء العدو والتنكيل به ما يمكن أن يحلّق بطائرة ضخمة في سماء العزة وفضاء الحرية، هو الذي هجم عليه الكثير، وخذله الجميع، لكنه يتقدم يوما بعد آخر، ويحقق النصر تلو النصر، ويرسم المشهد بعد المشهد. صحيحٌ هو من يغرقه العالم اليوم بطوفان الصمت، وينساه بأكوام الأكاذيب، لكنه يخرج كُلّ مرة من بين ركام الخراب، ويأتي من عمق آهات الضحايا، ويقفز من ضجيج أنات المكلومين، بركاناً أقوى من ذي قبل، وعاصفة تدمر كُلّ باغ، يتجدد أكثر ألقا، ويبدو كُلّ يوم أنصع محيا، ويتبين للعالم أن هذا اليمني المتجعِّد بصروف دهر (المهافيف)، والمنتعل بترهات (أكاذيبهم)، لم تنصره طائرات (روسيا)، ولا غواصات (إيران)، ولم يلجأ إلى غدر الدواعش، ولم يعول على خسة القواعد، ونذالة (الإخوان)، ولم يحاول أبداً أبداً أن ينتصر من خلال أشلاء المدنيين.
سينتصر اليمن عما قريب، فظروف النصر تأخذ مكانها يوما بعد آخر خلال هذا العام 2016م، وهو وعد الله لعباده الصابرين. سينتصر اليمنيون بإذن الله ولكن ليس كأي نصر، بل: (النصر النظيف).