… ولا تغيير في الموازين مع صنعاء

 

حسم «اتفاق الرياض» الجدل حول الصراع الإماراتي ــــ السعودي على توزيع المغانم التي حقّقها تحالفهما للحرب على اليمن، وذلك بتمكين نفوذ أبو ظبي في جنوب اليمن وفق الشروط والأهداف والرعاية السعودية. أعطى الاتفاق المذكور حصة وازنة للإمارات عبر إدخال أدواتها إلى «الشرعية» (حكومة الرئيس المنتهية ولايته، عبد ربه منصور هادي)، وذلك بعد صراع طويل ودامٍ مع تلك «الشرعية» حاولت أبو ظبي خلاله الاستفراد بقرار المحافظات الجنوبية من خارج الوصاية السعودية. لم تكن الإمارات لتنال تلك الحصة في الاتفاق لولا معارك الصيف الماضي التي دارت مع قوات «الشرعية» المدعومة من السعودية، وكان فيها لتدخّل الطيران الإماراتي الدور الحاسم في طرد «الشرعية» من عدن ولحج وأبين والضالع، الأمر الذي أحدث توازناً في النفوذ مع فريق هادي الذي احتفظ بجزء من أبين وحضرموت وشبوة والمهرة. ومع أن الطموح الإماراتي هو السيطرة الكاملة على جنوب اليمن، فإن رجحان كفة الحرب لحركة «أنصار الله»، والخشية من تعرّض الإمارات (مدنها ومنشآتها) للاستهداف، عجّلا خطواتها في الانسحاب التدريجي في إطار اتفاق مسبق على حفظ دورها في التركيبة الحكومية المقبلة، وبرعاية من النظام السعودي (عبر الأدوات)، مقابل وعد من أبو ظبي بإبقائها في «التحالف» تحت أي ظرف. معظم بنود الاتفاق هي لتنظيم العلاقات الشائكة والملتبسة بين مكوّنات «العدوان». وتتيح المذكرة إدماج «المجلس الانتقالي الجنوبي» في ما يسمى «الشرعية». وقد صيغت مفردات الاتفاق على نحو يراعي مصالح الأطراف الموقّعة عليه في إطار واحد تحت مسمّى «الشرعية»، وفي النتيجة التناحر من داخل السلطة بدلاً من التناحر من مواقع مختلفة. كما حقق الاتفاق «إنجازات» لكل طرف، لكنه ألحق بها خسائر يمكن إيجازها على النحو الآتي:

1 ــــ التنازلات التي قدمها «الانتقالي»:

ــــ الخضوع للدستور اليمني والعمل تحت راية الجمهورية والموافقة على أن يكون المجلس شريكاً في حكومة طالما وصفها وتعامل معها بأنها سلطة احتلال. وبذلك، يكون الأخير أسقط من رأسه وهم الانفصال والدولة المستقلة التي صعد على رفع شعاراتها.

ــــ الشراكة السياسية مع ألدّ أعدائه، أي «التجمع الوطني للإصلاح» («الإخوان المسلمون» في اليمن) وخصوم الجنوب التاريخيين في «المؤتمر الشعبي العام» ــــ جناح الرياض.

ــــ الاعتراف رسمياً بالمبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني بما يتضمنه من تقسيم اليمن إلى ستة أقاليم.

ــــ دمج وإلحاق الفصائل التابعة للمجلس، والمموّلة من الإمارات، بالجيش الذي يقوده هادي.

ــــ الخضوع للهيمنة السعودية فضلاً عن الوصاية الإماراتية.

2 ــــ في المقابل:

ــــ اعترفت «الشرعية» بـ«المجلس الانتقالي» الذي وسمته سابقاً بـ«الانقلاب والتمرّد»، وقبلته ضمن نظام المحاصصة الجديد وأعطته حصة وازنة برعاية سعودية، فضلاً عن الاعتراف الرسمي به كممثل مع (آخرين لم يحدّدوا بعد) عن المحافظات الجنوبية وفي أي مفاوضات بشأن الحل النهائي، وهو أمر لم يكن ليحدث لولا الاتفاق السعودي ــــ الإماراتي على معالم المرحلة المقبلة.

أياً يكن، طُرحت في الساعات الماضية أسئلة حول تأثير الاتفاق في الحرب الدائرة في الشمال: هل هو مقدمة لوقف الحرب والذهاب في مسار سياسي عبر طاولة المفاوضات؟ وهل واشنطن وحلفاؤها في الخليج سيدخلون المسار السياسي بالاستناد إلى ما تم تحقيقه بعد رأب الصدع بين الأدوات. في هذا الإطار، نقلت وكالة «رويترز» عن مصدر سعودي أن هناك مفاوضات تجريها الرياض مع «أنصار الله»، مدعياً أن تلك المفاوضات تجري منذ عام 2016. لكن الاحتمال الثاني أن الاتفاق مقدّمة لإعادة الرهان على إحياء الخيار العسكري في محاولة لترجيح كفّة «التحالف» عبر انتصار عسكري كامل بعد جمع أوراق القوة لديه، بما فيها توحيد الأدوات الداخلية عبر «اتفاق الرياض». وفي المعلومات النظام السعودي ليس جاهزاً حتى هذه اللحظة للدخول في المسار السياسي، والمفاوضات التي تجري عبر الحدود بين ضباط مسرح من الطرفين عبر «التواصل بالفيديو» لا تناقش فيها أمور جوهرية، بل يسعى الجانب السعودي إلى كسب الوقت والمراوغة لاستمرار الهدنة الحالية التي طرحتها صنعاء من دون أن يُقدم على تراجع في ما يخص رفع الحصار لا سيما عن مطار صنعاء وميناء الحديدة.

في المقابل، ركّز الموقعون على الاتفاق والعديد من الناشطين السياسيين والإعلاميين الذين يعملون في فلك «التحالف» على أن الاتفاق يجب أن يكون ثمرة في إطار توحيد الجهود كافة لفتح جبهات القتال في الشمال مع «أنصار الله» وحلفائها. وهذا ما أكده رئيس المجلس عيدروس الزبيدي، بالقول: «من اليوم، سيتم توجيه وتركيز الجهود العسكرية نحو صنعاء لمحاربة ميليشيات الحوثي، ولا شك أن تنفيذ اتفاق الرياض سيمكّننا من تحقيق انتصارات جديدة ضد التمدد الإيراني». كذلك، وضع مستشار هادي، عبد الملك المخلافي، الاتفاق في السياق نفسه، قائلاً إنه يهدف إلى «تعزيز وحدة الصف» في مواجهة «أنصار الله» و«المشروع الإيراني». الجدير ذكره أن المعركة الأخيرة التي خاضها «التحالف» في الساحل الغربي كانت في إطار موحّد بين الفصائل التي تقاتل مع ما يسمى «جيش الشرعية»، وتلك التي تقاتل مع «الانتقالي».

 

قد يعجبك ايضا