USAID اليد الأميركية لتطويع الدول
|| صحافة عربية ودولية ||
وجدت الولايات المتحدة الأميركية في المساعدات الخارجية سبيلاً لتحقيق أهدافها التوسعية في العالم، وقدرت بشكل دقيق أن شراء الحلفاء يكون من خلال مساعدتهم على الخروج من الكوارث التي حلت بهم بعد الحربين العالميتين، وخاصةً بعد الحرب العالمية الثانية. بعد عام 1945، قامت الحكومة الأميركية بإضفاء الطابع المؤسسي على مساعداتها الخارجية وذلك بتأسيس إدارة التعاون الاقتصادي (ECA). وقامت إدارة التعاون الاقتصادي بتنفيذ برنامج الانتعاش الأوروبي الذي رعاه وزير الخارجية جورج مارشال (صاحب خطة مارشال للمساعدة في بناء أوروبا الغربية التي مزقتها الحرب). اختُصرت خطة مارشال في 30 حزيران/ يونيو 1951 وذلك لإعادة توجيه المساعدات الخارجية في ضوء الحرب الكورية. في 31 تشرين الأول/ اكتوبر 1951، أقرّ الكونغرس قانون الأمن المشترك الأول وأنشأ بموجبه وكالة الأمن المشترك (MSA) لإدارة المساعدات الخارجية. وفي عام 1953، في نهاية الحرب الكورية، أسست إدارة العمليات الخارجية في الولايات المتحدة كوكالة حكومية مستقلة عن وزارة الخارجية لتعمل على دعم المساعدات الاقتصادية والتقنية على مستوى العالم. بعد إنشائها بعام أدرجت مسؤوليات هذه الوكالة تحت إدارة التعاون الدولي، وبعد ذلك وجدت الإدارة الأميركية أن هناك ضرورة لتوحيد هذه البرامج.
الإنتقال إلى “USAID“
تحت عناوين وعبارات رنانة تعمل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية “USAID” على تغيير موازين القوى في مختلف الدول. تعمل المنظمة المنتشرة في عدد كبير من الدول وخاصةً النامية منها، تحت غطاء، “الإغاثة في حالة الكوارث، الإغاثة في حالات الفقر، التعاون التقني في قضايا عالمية، مصالح الولايات المتحدة الثنائية، التنمية الاقتصادية والاجتماعية، البيئة”، من أجل تغيير الحكومات التي تناهض السياسة الأميركية أو تختلف معها. وهي تعرّف عن نفسها بأنها الوكالة الدولية الأولى للتنمية في العالم وهدفها الذي تنطلق منه هو تعزيز الأمن القومي الأمريكي والازدهار الاقتصادي، كما يقول “مارك جرين” رئيس الوكالة، فإنها تقدم المساعدة الإنمائية لمساعدة الدول الشريكة في رحلتها التنموية إلى الاعتماد على الذات. وهنا مربط الفرس حيث تنطلق الوكالة من المساعدات المالية إلى السيطرة السياسية.
تأسست الوكالة في عهد الرئيس جون كينيدي، الذي كان يرى أن أفضل أداة لتطويع الحلفاء في السياسة الخارجية هي المساعدات الاقتصادية. وكان يعمل على تثبيت حكم حلفائه في منطقة الشرق الأوسط تحديداً عبر هذه المساعدات وإقرار برامج للإصلاحات. وهذا ما قام به في عهد الشاه محمد رضا بهلوي في عام 1963. وقد تأسست الوكالة بمبادرة من كيندي وبموجب قانون المساعدات الخارجية الذي أقره الكونغرس الأميركي عام 1961. ولمعرفة كيف تعمل في تعزيز الأمن القومي الأميركي، وتغيير سياسات الدول المناهضة وتثبيت سلطة الدول الحليفة لواشنطن، يكفي أن نعرف أنها على الرغم من كونها إحدى وكالات الحكومة الأمريكية المستقلة من الناحية الفنية، إلا أنها تخضع لتوجيهات السياسة الخارجية لرئيس الولايات المتحدة الأمريكية ووزير خارجية الولايات المتحدة ومجلس الأمن القومي، ويعمل مديرها ضمن توجيهات السياسة الخارجية وصلاحيات وزير الخارجية.
دائماً ما يكون خطاب هذه الوكالة قائماً على شعارات تدغدغ مشاعر الشعوب من أجل كي وعيها، وإظهار الولايات المتحدة الأميركية على أنها الملاك الذي سينقذ الوطن والعالم، وحيث تتمحور سياساتها نحو تعزيز الشفافية ومساعدة الشعوب على الانتقال إلى دول ديمقراطية، وتعزيز الإنماء عبر تقديم مساعدات لتحسين ظروف معيشتهم وللتعافي من الكوارث. وقد حددت الوكالة أهدافها والتي تتضمن توفير المساعدة الاقتصادية والتنموية والإنسانية حول العالم لدعم تنفيذ السياسات الخارجية للولايات المتحدة، وهي تعمل في أفريقيا وآسيا والشرق الأدنى وأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي وأوروبا وأوراسيا، وهي تحصل على تمويل مباشر من الحكومة الأمريكية، وتصل ميزانيتها إلى أكثر من 30 مليار دولار.
كيف تعمل “USAID“
من أجل الوصول إلى أهدافها تعتمد هذه الوكالة على عدد كبير من الموظفين وخاصةً من البلدان المستهدفة في البرنامج. ويتنوع موظفو الوكالة المعينون مباشرة بموجب عقود في العديد من الدول، فمنهم موظفو الخدمات المدنية العاملون في واشنطن، ومنهم موظفو الخدمات الخارجية. ووصل عدد هؤلاء الموظفين عام 2012 إلى 3900 موظف. وقد شكل موظفو الوكالة الذين تستضيفهم الدول المستضيفة والذين يعينون بموجب عقود عمل سنوية تجدد سنوياً، ما نسبته 57% من إجمالي القوى العاملة في الوكالة. ومنذ صدور قانون توطيد الشؤون الخارجية عام 1998 وحدوث تفجيرات السفارة الأمريكية عام 1998 في كل من دار السلام (تانزانيا) ونيروبي (كينيا) نقلت بعثات USAID بالتدريج إلى مجمعات جنباً إلى جنب مع مكاتب ومباني السفارات.
وتعمل هذه الوكالة إلى جانب القوات العسكرية الأمريكية في الميدان، حيث تتابع برامج الشؤون المدنية التي تقوم بها القوات العسكرية لكسب صداقة السكان المحليين وبالتالي تقويض الدعم لاعداء اميركا كما حدث في باكستان وأفغانستان والعراق خاصةً من خلال إعادة الإعمار أو مثلاً المساعدة في الكوارث كما حصل في زلزال هايتي أو للتحول نحو الديمقراطية كما في بوليفيا. وتتنوع المساعدات التي تقدمها: المالية والتقنية والمشورة والتدريب والمنح الدراسية والبناء وتوفير السلع المتعاقد عليها أو المشتراة بواسطة USAID والتي تقدمها كعينات للمستفيدين. وتستكمل المساعدات التقنية المقدمة لجامعات الدول النامية بمنح دراسية في الجامعات الأمريكية بما فيها تأسيس شراكة مع الجامعات الأمريكية وذلك لتعزيز التدريب المهني في الخارج، وهنا تكمن الخطورة حيث يتم تخريج جيل كبير من الشباب يعمل لمصلحة واشنطن لتغيير سياسات الدول التي تتلقى المساعدة.أما المساعدة المالية فتتضمن توفير النقد لمنظمات الدول النامية لدعم ميزانياتها. كما توفر وكالة USAID المساعدة المالية للمنظمات غير الحكومية المحلية والدولية التي تقدم بدورها الدعم التقني للدول النامية. وفي السنوات الأخيرة، زادت الحكومة الأمريكية تركيزها على المساعدات المالية بدلاً من المساعدات التقنية.
وإذا أخذنا الأردن أنموذجاً للدول العربية، نرى أن الإدارة الأميركية تعمل على برنامج تنمية للأردن منذ عام 1957، وإذا ما قرأنا أبعادها السياسية كون الأدرن بلداً يجاور فلسطين المحتلة ويقيم سلاماً مع “إسرائيل” سنرى أهمية هذه البرامج في الرؤية الأميركية لكي يتم تطويع الأردن بشكل دائم. وكما ينشر الموقع الرسمي للوكالة، فإن الإستراتيجية التنموية للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية تشمل في الأردن برامج في مجالات التعليم، والمياه، والتنمية الاقتصادية والطاقة، والديمقراطية والحوكمة، والصحة، والمساواة بين الجنسين، وتمكين المرأة. وتدعم الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية أيضا جهود الأردن في مواجهة التحديات المتنامية الناجمة عن التدفق المستمر للاجئين.
هكذا نرى كيف تعمل واشنطن على استمالة الشعوب وتطويع الدول، من خلال هذه البرامج التي تحاول عبرها تنفيذ سياساتها الخارجية في العالم، وتحقيق تطلعاتها وأهدافها في السيطرة القائمة على رؤية المفكرين الأميركيين الذين نظّروا حيناً للإمبراطورية الأميركية وحيناً آخر للهيمنة على العالم لمدة قرن من الزمن على أقل تقدير.
علي إبراهيم مطر* / موقع العهد