من يسارع إلي الأعداء (خاسر) وسيندم، ويُكشف واقعه

|| من هدي القرآن ||

فهو يقول لهم على فرض أنكم تقولون: {نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ} (المائدة: من الآية52) اخشوا من يمكن أن يضربكم بسرعة، الدائرة معناها [ربما يرجع يلف الشريط علينا .. ربما .. هم قالوا: اليمن من ضمن البلدان التي قالت أمريكا أن فيها إرهابيين، وقالوا مصر وقالوا مدري فين وقالوا .. ربما .. ] لكن الله يقول: إذا كنتم تخشون دائرة وتقولون هكذا فافهموا بأنكم ستتعرضون لغضب سريع، انتقام عاجل، (الفاء) في {فَعَسَى} يفيد التعاقب وتعاقب الأحداث بسرعة {فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا} (المائدة: من الآية52) ما كأنها إلا عشية أو ضحاها، {فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ} (المائدة: من الآية52) على ما كان في واقع قلوبهم، تلك القلوب المريضة من أشياء، هي الحقائق التي على أساسها ينطلقون نحو المسارعة.

{عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ} (المائدة: من الآية52) يقول لهم – وهو العالم بذات الصدور – قولكم: {نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ}، مجرد كلام لكن هناك شيء أنتم تسرونه ستصبحون على ما أسريتم في أنفسكم نادمين.

وحينها تتجلى الحقائق، وعندما تتعاقب الأحداث تتجلى الحقائق وتكشف الحقائق بشكل يجعل الناس يندهشون {وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ} (المائدة: من الآية53) إذا كشفت التقارير، كشفت الأوراق، كشفت الحقائق أنهم كانوا عملاء، وكانوا على تواطؤ مع كذا وكانوا على لقاء مع فلان، وكانوا .. وكانوا.

 

حصل مثل هذا في إيران بنحوٍ عجيب، ملك إيران أصبح من النادمين، بعد أن اقتحم الشباب المسلم في إيران السفارة الأمريكية كم اكتشفوا من التقارير، كم اكتشفوا من الأسرار التي كشفت حقائق كثيرة، جعلت الناس يرون أولئك الذين كانوا يقدمون أنفسهم وطنيين، ومخلصين وأنهم أحياناً ينطلقون بعبارات قاسية ضد تلك الدولة أو تلك، ضد أمريكا وإسرائيل {أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ} (المائدة: من الآية53) كيف انكشفوا عملاء، كيف انكشفوا خونة، كيف انكشفوا متآمرين، كيف كشفتهم الوثائق والأسرار، كيف انكشفت بطريقة مدهشة.

كانت وثائق مهمة اكتشفوها في السفارة الأمريكية في طهران ترجموها باللغة العربية وطبعوها ونشروها، وكم داخلها من مؤامرات. وكم داخلها من العملاء يتآمرن على شعوبهم، وهم يقدمون أنفسهم بأنهم وطنيين ومخلصين، وأنهم أحياناً يَتَنَمَّرُون بعبارات ضد تلك الدولة أو تلك الدولة.

لاحظ من الذي سيقول هذا من الذي سيفرح بهذا؟. هم الذين آمنوا؛ لأنهم من سيزدادون إيماناً، ومن يزدادون وعياً، من يزدادون فهماً، عندما ينطلقون فيرسخوا في أنفسهم إيماناً واعياً على ضوء ما يحكيه القرآن الكريم، فهم في واقعهم وكأنهم مؤمنين بغيب، لكن عندما يرون الأحداث تتجلى فيرون أن ذلك الإيمان الذي هو شبه إيمان بغيب يصبح حقائق يشاهد أمامهم. يبادرون إلى أن يفرحوا فيترسخ الإيمان بشكل أكثر وأكثر ويزداد وعيهم أكثر وأكثر.

أليس الإنسان يزداد فهماً، ويزداد وعياً عندما يجد الحقائق تتكشف على وفق ما هو يعتقد؟. على وفق ما يرى؟. بلى. {وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ} (المائدة:53).

 

أصبحوا خاسرين حقيقة. شاه إيران أصبح خاسراً، أصبح إنساناً مرفوضاً عالمياً، مرفوض من كل الأمم، استقبلته مصر فقط، وذهب إلى مصر وبقي فترة يتجرع مرارة القهر والذل، مرارة القهر والذل كيف تخلى عنه من ظل عمره يخدمهم، القهر والذل على أيدي ذلك الشعب الفاتح الذي قهر ذلك العميل فمات كمداً وغيظاً، ودفن هناك في مصر.

{وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ} (المائدة:53). ولأن القضية مع أهل الكتاب هي قضية مواجهة حقيقية في شتى ميادين الصراع عسكري، اقتصادي، سياسي، ثقافي، إعلامي؛ ولأن الآيات كلها تسير في إطار أو في سياق خلق وعي لدى المؤمنين، هدى من الله يسيرون عليه، حقائق تتكشف أمامهم، لتؤهلهم لأن يكونوا هم من يهاجم أولئك، من يضرب أولئك الذين يسعون لأن نكون بطاعتنا لهم كافرين بعد إيماننا، إلى أن نتولاهم فنصبح ظالمين كما أصبحوا هم ظالمين، فنشاركهم في ظلمهم في العالم كله.

عندما نتخلى، عندما نتوانى، الله يهدد، يصف من يحصل منه هذا بأنه مرتد {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ} (المائدة: من الآية54) أليس المقام مقام جهاد؟؟ مقام حركة؟. إذاً فالتواني التفريط هو نفسه يكشف أن في القلب مرض، القلب المريض هو معرض لخطورة بالغة أن يتولى اليهود والنصارى، إذاً فهو سيرتد سيصبح مطيعاً لهم فيرتد عن إيمانه، فيصبح كافراً.

 

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ}. تأتي الآية هذه مصدرة بهذا النداء، النداء الذي يصل إلى أعماق النفوس التي تدعي أنها مؤمنة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ}. الآية هذه تأتي في إطار الحديث عن بني إسرائيل وفي إطار السياق من بداية الآيات فهي لا تأتي تتحدث عن موضوع آخر {مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ} ماذا يعني يرتد عن دينه؟. يصبح كافراً يصبح يهودياً، يصبح نصرانياً.

فكما قلنا سابقاً من يتوانى، من يفرط، من يقصر، من تنطلي على نفسه عبارات الجمود، عبارات التضليل، فليحذر، وليعلم أن في قلبه مرض، فالله قد حذر في البداية بأن أولئك الذين يسارعون إنما لأن في قلوبهم مرض.

وسواء كانت المسارعة أفقياً أو عمودياً, عمودياً فوق، أو مسارعة تحت كلها واحدة، أنت تخدمهم. أسارع فيهم، أقدم خدمة لهم، أنفذ مؤامرة معينة، أو أسارع نحو التخلي عن مواجهتهم، ونحو التثبيط عن مواجهتهم، هي كلها واحدة، هنا يختلف المرض. ولهذا جاءت بعبارة عامة {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} ما كلمة {مَرَضٌ} في الدنيا تطلق وتحتها أنواع كثيرة؟. أنواع كثيرة جداً، وما أكثر أمراض القلوب، وما أكثر أمراض القلوب.

بل نحن البسطاء، نحن المساكين يحصل في قلوبنا مرض فيجعلنا نسارع باتجاه تحت نَجْمُد ونُجمِّد من حولنا. طيب إن هذا هو خدمة عالية، خدمة مهمة لليهود والنصارى، التثبيط خدمة مهمة لليهود والنصارى، ولهذا هم يحاولون بكل وسيلة أن يتفادوا انبعاث الأمة، يتفادوها بأي وسيلة.

يتركون الآخرين هم يضربون، ويتلقون الجفاء، يتركون هذا هو الذي يزحف ليتلقى الجفاء ويتلقى الخسارة؛ لأنهم يريدون أن نبقى ماذا؟ قاعدين، وأن يثبط بعضنا بعضاً؛ لأن هذا هو نفسه يوفر عليهم الشيء الكثير، يسهل مرور ونفاذ مؤامراتهم.

 

إذاً فأنت قد يكون في قلبك مرض – ونعوذ بالله من أن يكون في قلوبنا مرض من هذا النوع – فتسارع فيهم، ولكن بأسلوب آخر هو أسلوب القعود عن مواجهتهم، التثبيط عن مواجهتهم، هو نفس الشيء، كما يقول أولئك الذين يسارعون باتجاه عمودي فوق بتنفيذ مؤامرات وأعمال {يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ} (المائدة: من الآية52) تقول أنت نفس العبارة وأنت تدس رأسك في التراب {نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ} وكما يقدمون أنفسهم للآخرين ليُبجِّلوهم على ذلك الموقف، أنت في الداخل قد ترى بأنك إنسان حكيم، وأن هذا هو الرأي، وهذا هو التصرف الواعي، لكن لا. الحكمة، الهدى، الوعي هو أن تنطلق انطلاقة القرآن، لا تسارع لا باتجاه عمودي ولا باتجاه تحت تسارع في خدمتهم.

 

[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]

دروس من هدي القرآن الكريم

 

 

السيد / حسين بدرالدين الحوثي / رضوان الله عليه .

آيات من سورة المائدة – الدرس الأول / ص 11 .

 

 

قد يعجبك ايضا