الابتلاءات الإلهية لنا من الناحية المادية والمعنوية

موقع أنصار الله | من هدي القرآن |

وبالطبع تأتي الابتلاءات في مجالين: فيما نحب من الناحية المادية، وابتلاءات فيما يتعارض مع مطامعنا من الناحية المعنوية، ومع شعورنا وحب الاستعلاء لدينا من الناحية المعنوية.

لو كان التشريع، لو كان الابتلاء الإلهي لا يتناول هذه المجالات التي هي محك حقيقي، ودليل حقيقي على الصدق من الكذب، لكان كل الناس يدَّعون الإيمان ويدعون العبودية لله. لكن لا {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ} (آل عمران: من الآية179) لا بد من الابتلاء {اَلَمْ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} (العنكبوت:2-3).

[ابتلانا الله سبحانه وتعالى فيما يتعلق بالجانب المالي بابتلاءات كثيرة] ما أوسع إطار التشريع في الجانب المالي بدءاً من الزكاة وانتهاء بالإنفاق في سبيل الله، وكم ارتبط بالمال من تشريعات وكم اتجه إلى قضية المال من آيات تحث على الإنفاق، وتعد بالأجر المضاعف على الإنفاق وتتحدث عن الإنفاق بأنه دليل مصداقية المؤمن، تتحدث عن بذل المال بأنه وسيلة من وسائل تزكية الروح وسموِّها {ألم ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} (البقرة:1 -3) ومما رزقناهم ينفقون، {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ} (آل عمران: من الآية134).

وهكذا يسير القرآن يتحدث عن قضية المال، لأنه من الممكن أن يبتليك الله بالصلاة مثلاً، وإن كانت الصلاة لها مقام سامي عند الله سبحانه وتعالى فيما إذا أُدِّيَت بالشكل المطلوب، وبالتوجه الكامل تترك أثراً كبيراً، لكن لو نأتي إلى عمل استبيان لنا كمسلمين كم نسبة المصلين، وكم نسبة المنفقين من بين المصلين؟ سنجد المصلين بنسبة ربما 70%، المنفقين ربما لا يكونون بنسبة 10%؛ لأن الصلاة لا تكلفنا في مالنا شيئاً، الصلاة ست دقائق، وأنا أديت أربع ركعات كاملة بدون أن أخسر شيئاً، لكن المال؛ لأنني أحبه حباً شديداً يمكن أن أتلكأ، يمكن أن أتنكر، كثير من الناس حتى الزكاة المفروضة يلف ويدور ويصول ويجول حتى يلتهمها ومصارفها موجودة بين يديه.

فريضة من أعظم الفرائض، فريضة هي ركن من أركان الإسلام اتجهت نحو المال هي الزكاة، واجب من أهم الواجبات هو نصر دين الله مرتبط بالمال أيضاً، واجب من أهم الواجبات هو العمل على نشر دين الله والدعوة إلى إصلاح عباده مرتبط بالمال أيضاً لدرجة أن الله سبحانه وتعالى قال عن صفات المؤمنين فيما يتعلق بالجانب المالي وفيما يتعلق بالجانب النفسي: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} بأن لهم الجنة {يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}(التوبة: من الآية111) يقاتل بنفسه وماله.

المؤمن الصادق في إيمانه يصل به الحال إلى هذه الدرجة: أن يبذل نفسه، ويبذل ماله مهما كان عزيزاً لديه، مهما كان محبوباً لديه، يبذله في سبيل الله، لماذا؟ الله طلب منا أن ننفق وله خزائن السموات والأرض، وهو القادر على أن يمول ما يريد بدون أن يطلب منا نحن أن ننفق؛ لأن القضية هي مرتبطة بنا، قضية ابتلاء، وليست قضية استعانة منه سبحانه وتعالى بنا، قضية ابتلاء لنا: هل نحن صادقون في إيماننا، هل نحن صادقون في عبوديتنا لله؟ إذاً سنطبق ما يريد منا حتى وإن كان فيما يعز علينا سنمتثل، سنطبق، سننفذ.

ابتلانا أيضاً فيما يتعلق بالجانب المعنوي باعتبار الإنسان يحب التعالي، والسمو، والرفعة، ولا يريد أن يرى فوقه من هو أعلى منه، لا يريد أن يرى فوقه من هو أعلى منه، ولا يريد أن يبصر فوقه من يمكن أن يدين له بالفضل عليه، أو بأنه أفضل منه، هذه تناولتها ابتلاءات كثيرة جداً، هذا المجال تركيعي، تركيعي كعبد لله سبحانه وتعالى، أحطم كل هذا الكبرياء ابتلاءات كثيرة منها الحج، الحج ماذا يعني؟ أليس هناك بيت من أحجار، في مكان محدد؟ أحجار، وهناك مواقف أخرى، عرفات، منى، مزدلفة، مواقع محددة، أماكن ترمي فيها أحجار، أماكن لازم أن تبيت فيها، بيت لابد أن تطوف حوله، مسعى لابد أن تتحرك فيه، من هذه الصخرة إلى هذه الصخرة.

أيضاً هذا ابتلاء يتجلى مدى صدق ادعائي العبودية لله، أنا لا يمكن أن أقول: لماذا يأمرني أن أطوف حول هذه الأحجار؟ ما قيمتها؟ ما فائدتها؟ ما أهميتها؟.. وهكذا.. إلى مجالات أوسع فيما يتعلق بهذا الجانب، جانب تحطيم الكبرياء التي تتعارض مع ما تتطلبه العبودية من تسليم لله سبحانه وتعالى. مع ما يقتضيه الإقرار بالعبودية لله من تسليم كامل لله سبحانه وتعالى.

إذا فعندما تقول: ربنا الله، ربنا الله، يجب أن أفهم بأن معنى هذا: أنني عبد له، وأنا أعلم أنه سيبتليني في مالي، وفي الأشياء المعنويات لدي، سيبتليني بالأشياء المعنويات لدي.

عالم من علماء بني إسرائيل ابتلي وسقط في الامتحان، واهتز، وضرب الله له مثلاً سيئاً: {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ}(لأعراف: من الآية176) لأنه لم يرتاح لموسى، أو يدين بالفضل لهذا الشخص، فهو معتز بأنه عالم، بأنه كذا..

عبد الله بن أُبي، لماذا تحول إلى منافق، وزعيم للمنافقين أيضاً لماذا؟ ابتلي من هذا النوع من الابتلاء، كان قبل أن يَصِلَ رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، ويتفق مع مجموعة كبيرة من سكان المدينة ممن أسلموا على أن يهاجر لديهم – كانوا قد اتفقوا قبل وفي وقت من الأوقات على أن يتوِّجُوه ملكاً عليهم، على الأوس والخزرج، جاء محمد بن عبد الله (صلوات الله عليه وعلى آله) وأخذ الوجاهة كلها، واتجه الناس نحوه، نبي يوحى إليه تجب طاعته، طاعته من طاعة الله.

هذا الشخص كان قد أحب الكبرياء والملك والعظمة، وأن يتوج كملك على قبيلتين كبيرتين: الأوس والخزرج، ماذا عمل؟ لو أنه أدرك المسألة، واستسلم لله، وآمن؛ لأنه ما قيمة هذا الـمُلك الذي كنت أطمع فيه، وهذا التاج الذي كنت أرغب فيه، وهذه الكبرياء التي كنت أريد أن أصل إليها، ما قيمتها مع نعمة بين يديَّ نبي أعيش معه، نبي أطيعه، نبي ألتزم بأوامره، يوحى إليه مباشرة من الله سبحانه وتعالى، لكنه أيضاً سقط في الامتحان، ونسي أنه عبدٌ لله، وتحول إلى شخص يكيد، ويمكر، ويعمل بكل وسيلة لمحاربة رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) والدعوة الإسلامية، فاعتبر منافقاً بل كبير المنافقين، وأصبح مذموماً عند المسلمين جميعاً.

إبليس نفس الشيء تعرض لامتحان من هذا النوع، من هذا النوع، تجد أنه كان في صفوف الملائكة نحو من ستة آلاف سنة، يعبد الله سبحانه وتعالى، لكن حتى الملائكة أنفسهم يتعرضون إلى ابتلاء من هذا النوع، وحتى الأنبياء أنفسهم يتعرضون إلى ابتلاء من هذا النوع، الابتلاء الذي ينسف التعالي، ينسف التعالي، استسلام كامل لله سبحانه وتعالى، الله لما خلق آدم أمر الملائكة كلهم أجمعين بالسجود لآدم، الملائكة يحملون عقولاً كبيرة، ووعياً، وفهماً، ويعرفون معنى عبوديتهم لله سبحانه وتعالى، استجابوا، استجابوا، لم يقولوا هذا خلق من تراب ونحن خلقنا من نور، والنور أفضل من التراب، ولا يمكن، و..و..لا، إبليس وحده استكبر، استكبر، ورفض أن يسجد لآدم بعد أمر الله سبحانه وتعالى {إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} (صّ:74).

سقط في الامتحان أيضاً وكذب في ادعائه العبودية لله التي ضل عليها ستة آلاف سنة، فترة ليست قصيرة، ليست بسيطة، تفلسف لنفسه بما يعزز لديه الشعور بالتعالي، الاحتفاظ بشعور التعالي لديه! {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ}(الأعراف: من الآية12) لا يمكن، واقتنع بهذا المبرر!.

الإنسان نفسه قد يصل إلى هذه الحالة، قد تقف أمام تشريع إلهي، أو ابتلاء إلهي من هذا النوع، فتأتي لتتفلسف لنفسك، وتخترع مبرراً معيناً تكرره على ذهنيتك، وتقنع به اقتناعاً سطحياً؛ لتحتفظ بما، توجه الابتلاء الإلهي إلى ضربه.

 

دروس من هدي القرآن الكريم

إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا

ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي

اليمن – صعدة

الله أكبر

الموت لأمريكا

الموت لإسرائيل

اللعنة على اليهود

النصر للإسلام

قد يعجبك ايضا