الحربُ الناعمةُ في الاستراتيجيات الأمريكية.. وآثارُها المدمّرة على الشعوب وَاليمن بالمقدّمة.. وكيفية مواجهتها
موقع أنصار الله || مقالات || زين العابدين عثمان
في الاستراتيجياتِ الأمريكية الحديثة تُعتبر الحروبُ العسكريّةُ أَو الصلبةُ غيرَ كافية أَو مجدية إلى حَـدٍّ كبيرٍ بأن تحقّق الغايات والطموحات الاستراتيجية والعسكريّة التي تسعى لها أمريكا كتطبيق الهيمنة على الدول الأُخرى وتوسيع دائرة النفوذ والسيطرة على النطاقِ الإقليمي والعالمي والقضاءِ على الخصوم والأعداء الذين يُمثّلون تهديدات قومية على الأمن والمصالح الأمريكية بالمستقبل..
فطالما وأن الحروبَ الأمريكيةَ المباشرةَ أصبحت تُمثّل خياراً ثقيلاً له تكاليفه وتداعياته الباهظة التي تثكل كاهلَ الاقتصاد الأمريكي دون أية نتيجة عدا الخسائر الضخمة التي يتلقاها الجيشُ والاقتصادُ الأمريكيُّ كما حصل في حرب فيتنام وغيرها سابقاً والعراق وأفغانستان لاحقاً، إضافةً إلى كونها تثير حالات السخط والغضب العالمي عموماً والإسلامي على وجه الخصوص على أمريكا كما حصل في حربها على أفغانستان والعراق والتي لم تحصد سوى الفشل ونشر الدمار والدماء وارتكاب جرائم الحرب والإبادات الجماعية لملايين العراقيين والأفغان.
بالتالي ومن هذا الصعيدين بالتحديد كان لزاماً على طبقة المنظرين العسكريّين وفلاسفة الاستراتيجيات العسكريّة الأمريكية أن يقوموا بإعادة النظر في استراتيجية أمريكا تجاه دول العالم وفي مقدمهم خصومها وَالتي ترى “أن استخدام القوة والحروب الصلبة هي الطريقة المثالية لتوسيع دائرة الهيمنة وتثبيتها والقضاء على التهديدات “، حيث بدأوا العمل على ايجاد وسائل أكثر فاعلية تحقّق للولايات المتحدة غاياتها وطموحاتها بتكاليف اقل ودون الرجوع للقوة والتدخلات المباشرة، وكان البروفيسور المعروف جوزيف ناي والذي كان يشغر منصب نائب وزير الدفاع بالبنتاغون الاسبق، ومدير مجلس المخبرات الوطني الأمريكي، ومستشار الأمن القومي، استطاع بعد عدة دراسات أن يضع مفهوما جديدا في الاستراتيجية الأمريكية وهو نمط من الحروب اللاعسكريّة واللامباشرة المعروفة “بالحرب أَو القوة الناعمة” التي تَرتكز أَسَاسياتها على نقل المعركة مع الخصم من الميدان العسكريّ الصلب، حيث المواجهات والحروب العسكريّة المكلفة والباهظة، إلى الميدان الناعم الذي يعتمد على التكنولوجيا ووسائل الاتصال والتواصل الاجتماعي والإعلامي قليل الكلفة والذي يستطيع أن يحقّق أهداف مهمة قد لا تحقّقها القوة العسكريّة منها تدمير الخصم من الداخل وفكفكة صموده ونسيجه الاجتماعي وضرب أفكار وعقائد وهُـوِيَّة البيئة الشعبيّة المقاومة والمتلاحمة واستبدالها بأفكار وتوجّـهات ومواقف بينية متناحرة خالية من المبادئ والأخلاق والقيم ونزعة المقاومة..
للعلم أن أمريكا منذُ أن أنشأت مفهومَ هذه الحرب طبقتها واعتمدها بشكلٍ كبير جِـدًّا في الشرق الأوسط وبالتحديد الدول الإسلامية والعربية، فقد ركزت أمريكا على أن تصنع مناخا جديدا في العالم الإسلامي وطمس هُـوِيَّته ومبادئه وقيمه وتوجّـهاته المعادية والمناهضة للمشاريع الاستعمارية الأمريكية بشكل دراماتيكي خصوصاً بعد عام 2008. حيث بدأ الإدراك والوعي الأمريكي لواقع المنطقة والبلدان الإسلامية وضرورة التغيير من الداخل وليس من الخارج، فبدأ التحول الأمريكي في تحقيق هذه الأهداف وهذا ما نعيشه في مختلف الدول الإسلامية فقد ظهر التأجيج الإعلامي الخالق والفوضى الإعلامية المدروسة والمغذية للتناحر المذهبي والعرقي بين القوميات والمذاهب ودعم طرف على حساب طرف آخر وجعل الكل يخوضون في صراعات بينية طاحنة تدفعهم وخُصُوصاً الأنظمة والطبقات السياسيّة إلى التمسك بأمريكا وبنظرياتها والارتماء إلى أحضانها.
العدوان على اليمن.. مظاهر وخطورة (الحرب الناعمة) الذي يعتمدها العدوُّ الأمريكي وحلفاؤه.
بالنسبة للعدوان والحرب على اليمن والذي يشنها تحالف أمريكا والسعوديّة والإمارات منذُ 5 سنوات فهي لا تتوقف عند الحرب العسكريّة أَو حَـتَّى الاقتصادية والاستخبارية والنفسية فقط، إنما اعتمد هذا التحالفُ على وسيلة (الحرب الناعمة) التي تُمثّل ثلاثة أرباع اهتمامه وأولوياته في إطار عدوانه ككل والذي اعتمدها منذُ اليوم الأول الذي بدأ فيها عدوانَه وحربَه على اليمن، حيثُ اعتمدت الأدمغةُ الاستراتيجيةُ الأمريكيةُ والتي تقود العدوانَ على تفعيل الحرب الناعمة جوار الحرب العسكريّة على اليمن وتعزيز الأولى بالتكنولوجيا والترسانات الإعلامية اللازمة والمتعدّدة الوظائف لإنجاحها وتحقيق أكبر مستوى من التأثير في سلوكيات وقيم ومبادئ وهُـوِيَّة الشعب اليمني، حيث كان لوسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي وكذلك أَيْـضاً المنظمات الدولية والخلايا النائمة دورٌ محوريٌّ ورئيسيٌّ في إطار الحرب الناعمة المركزة على الشعب اليمني، فقد كان أبرز أهدافها ومساراتها هو:
1- تركيز وسائل الإعلام للخوض في القضايا الداخلية والطائفية والعرقية والقومية وإشعال الفتن والنعرات، وأماتت الروحَ المقاومةَ والقضايا الاستراتيجية.
2- نشر الرذائل والمفاسد غير الأخلاقية والدفع بالمجتمعات اليمنية إلى حالات من الفوضى والانفتاحية المتعارضة مع القيم والمبادئ.
3- زيادة تأثير مواقع التواصل الإلكترونية في صناعة وتوجيه الرأي العام بما يتماها مع التوجّـهات الأمريكية واستراتيجياتها.
4- توجيه وتحفيز الإعلام بأشكاله المتعدّدة في التركيز على الأفكار السطحية والابتعاد عن الأفكار التي تتيحُ اليقظةَ والاندفاعَ نحو ميادين التعبئة الجهادية ونشر التوعية المقاومة للعدوان..
5- ضرب وهدم المنظومة الأمنية والجبهة الداخلية للشعب اليمني وكسر صموده وتماسكه الاستراتيجي بصورةٍ عامة، ومحاولة ضرب وتفريغ البيئات الشعبيّة المقاومة من وحدة الموقف الواحد والتحَرّك الصلب المقاوم للعدوان..
سُبُلُ مواجهة الحرب الناعمة وإفشالها:
خطورةُ الحرب الناعمة وما تمثل من تداعيات وآثار تعتبر كارثية على واقع الشعب اليمني ومستقبله كشعب مسلم بالدرجة الأولى الذي يتميز بهُـوِيَّته الإيمانية وَالرصيد الكبير من القيم والمبادئ والأخلاق عن باقي الشعوب الإسلامية وكذلك كعشب مقاوم لحرب كونية عدوانية تشن عليه، بالتالي فقد اشار قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي يحفظه الله خُصُوصاً في خطابه الأخير إلى خطورة المرحلة وَأن العدوّ وخُصُوصاً بعد فشله واخفاقه في الحرب العسكريّة على مدار المراحل الماضية انتقل إلى ميدان “الحرب الناعمة ” التي يلقي فيها اليوم كُـلّ ثقله وطاقاته لتحقيق غاياتها الهادفة إلى تدمير المجتمع اليمني وتفكيكه وطمس هُـوِيَّته الإيمانية ومبادئه وأخلاقه وكسر صموده الاستراتيجي وقوته المعنوية أمام عجلة الحرب والحصار.
لذا فالحربُ الملحةُ والتي يفترض أن يندفع اليها اليمنيون اليومَ دون استثناء، هي حربُ الوعي والتعبئة الثقافية العامة على جميع الصعد والمسارات، ومواكبة كُـلّ تحَرّكات العدوّ الأمريكي ووكلائه السعوديّ والإماراتي وما يضمره من مؤامرات وسيناريوهات هدامة حالية ومستقبلية ومواجهتها بنشر الوعي العميق بحجم الأحداث ونشر الثقافة وخصوصاً الثقافة القرآنية التي تعتبر هي المفتاحَ الوحيدَ والرئيسي لإفشال هذه المؤامرات وإسقاط كُـلّ الهجمات الخبيثة للعدو، فالوعيُ القرآنيُّ إذَا ما تحقّق في المجتمع والفرد فهو سيكون المنعةَ وَالحصنَ الحصينَ الذي لا يمكن اختراقُه بأية وسيلة وأي شكل من الأشكال..