العراق: اسرائيل تضرب بيد أميركية
اميركا تفتح باب المواجهة المباشرة مع محور المقاومة: غارات مدمرة على مواقع عند القائم والفصائل تتوعّد بالرد
|| صحافة ||
في خطوة غير مسبوقة، تنذر بفتح المنطقة أمام مواجهة عسكرية مباشرة بين التحالف الأميركي – الإسرائيلي وقوى ودول محور المقاومة، أشهرت الولايات المتحدة الأميركية رغبتها بتثبيت احتلالها للعراق، وتحقيق مصالح العدو الإسرائيلي، من خلال عدوان جوي دموي استهدف مراكز تتبع لكتائب حزب الله ــــ العراق، قرب معبر القائم عند الحدود مع سوريا.
العدوان الأميركي الذي أسقط عشرات الشهداء والجرحي، ودمر مقارّ يعرف الاحتلال الأميركي أهميتها في عمل محور المقاومة، جاء في لحظة عراقية داخلية شديدة الحساسية، وفي ظل ارتفاع منسوب القلق الإسرائيلي من تعاظم القوة الصاروخية النوعية لقوى ودول محور المقاومة بقيادة إيران. وقد بدت الرسالة الأميركية أكثر من رد موضعي على ضربة تعرضت لها قاعدة أميركية في العراق، لتشكل نقطة تحول سيكون لها ما بعدها، وخصوصاً أن فصائل المقاومة العراقية، وتحديداً كتائب حزب الله، أعلنت بدء العمل على رد مؤلم على قوات الاحتلال.
صحيح أن الرسالة الأميركية تشي باستعداد واشنطن للدخول في مواجهة شاملة مع حلفاء إيران، إلا أنها عكست أيضاً التدخل الأميركي المباشر لخدمة الأهداف الإسرائيلية الخاصة، ولا سيما أنه كان في مقدور الأميركيين توجيه ضربة لخصومها العراقيين في مواقع أخرى على طول مساحة العراق. إلا أن اختيار نقطة القائم يشير الى رسائل تتجاوز الرد الموضعي، علماً بأن الرد لم يكن تناسبياً على الإطلاق. وهو ما يقود الى استنتاج بدخول مرحلة تحوّل استراتيجي للمواجهة القائمة بين المحورين.
الاحتفالات الإسرائيلية بالضربة، وصَمْتُ حلفاء أميركا العرب عن إدانة العدوان، ترافقت مع ردود سياسية عراقية لا تعكس القلق المفترض أن يشكله العدوان. وبانتظار موقف المرجعية الدينية في النجف من الهجوم، فإن معظم المواقف أدانت الهجوم، لكن اللافت كان موقف عمّار الحكيم، الذي أراد تحقيق «توازن» في موقفه، جاعلاً المُستهدِف والمُستهدَف في مقام واحد. وهي خطوة مستهجنة، علماً بأن قيادة الحشد دعيت الى اجتماعات مفتوحة ليل أمس، ولم تصدر إلا بياناً وصفياً لما حصل، بانتظار بيانها العاكس للموقف. بينما دعت الحكومة المستقيلة الى عدم اللعب بالساحة العراقية، مقابل مواقف غير واضحة للرئيس برهم صالح. وهو ما يشي بأن الساحة الداخلية العراقية ستشهد سجالات عنيفة حول كيفية التعامل مع الاحتلال الأميركي من الآن فصاعداً. ويراقب كثيرون نوعية وحجم المشاركة في التشييع المقرر اليوم لشهداء العدوان والذي سيجري في ساحة التحرير في بغداد، لما لها من رمزية ربطاً بالتطورات الداخلية.
25 شهيداً و51 جريحاً، معظمهم بحالة حرجة، هي حصيلةٌ غير نهائية للعدوان الأميركي غير المسبوق ضد مقارّ لكتائب حزب الله العاملة في صفوف الحشد الشعبي والواقعة عند الحدود العراقية ــــ السورية. القصف الجوّي الذي تبنّته الولايات المتحدة الأميركية علانية، يُدخل العراق (والمنطقة) في مرحلةٍ جديدةٍ من المواجهة القائمة، في ظل مشهدٍ أمنيٍّ شديد التعقيد، وشغورٍ حكومي عراقي يعكس عجز المسؤولين في بغداد عن الإمساك بزمام الأمور.
مصادر قيادية في «الحشد» تؤكّد أن مرحلة «اللعب وراء الستار ولّى زمانها»
عدوان أمس يفرض مطالعة مسار المواجهة القائمة، وتحديداً منذ كانون الأوّل/ ديسمبر 2017، يوم إعلان رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، «النصر العظيم» على تنظيم «داعش». في شباط/ فبرار 2018، نقلت «الأخبار»، عن قائدٍ كبيرٍ في المقاومة العراقية، «أن احتمالات الصدام بين القوات الأميركية و«الحشد» باتت أكبر من أي وقت مضى. المواجهة لا تتطلب أكثر من «احتكاك»، سرعان ما سيتحوّل إلى اشتباك موضعي، من شأنه التأسيس لمرحلة جديدة، تكون عودةً إلى «حقبة 2003»، إبّان انطلاق المقاومة ضد الاحتلال». هذه الفرضيّة عُزّزت بحديثٍ عن «تحشيدٍ ما»، أرادت منه واشنطن وتل أبيب (وبعض الدول الخليجية) جرّ بغداد إلى «مواجهةٍ غير واضحة المعالم»، وخاصّةً أنها تزامنت مع الرسائل الإقليمية «المتبادلة» بين طهران وواشنطن، كان للعراق «حصّة الأسد» منها، بسقوط صواريخ «مجهولة المصدر» ــــ بصورة متكررة ــــ على نقاط انتشار القوات الأميركية، على طول خريطته.
واشنطن قادت حراكاً إعلاميّاً هيّأت من خلاله «أرضية» استهداف «الحشد»، وتحديداً منذ «اتصاله» بقوات الجيش السوري، في المنطقة الحدودية. وقد عملت الماكينة الإعلامية الغربية على تصوير المعبر ودور الحشد هناك بأن هدفه فتح «ممرٍّ استراتيجي للصواريخ الباليستية والدقيقة من إيران والعراق ونشرها في سوريا ولبنان». وترافقت الحملة مع عدة استهدافات «مجهولة» لمخازن أسلحة لـ«الحشد»، مقابل صمت الحكومة العراقية وعدم اتهامها أحداً، برغم أن النشاط الاستخباري العراقي وصل الى اقتناع بأن العدو الإسرائيلي يقف خلف هذه الغارات. وسط تخبّطٍ سياسي بين الحريص على كشف الجهة الفاعلة، والمتكتّم لحساباتٍ سياسية، أبرزها الحفاظ على قواعد الاشتباك المعمول بها منذ كانون الأوّل/ ديسمبر 2011 (تاريخ انسحاب الاحتلال الأميركي، قبل أن يعود إليه بقوّة مع سقوط الموصل بيد «داعش» في حزيران/ يونيو 2014).
موقع الهدف، وطبيعة العدوان غير المتناسب مع مبرر الانتقام لمقتل متعاقد مدني أميركي في استهداف صاروخي لقاعدة عسكرية في كركوك قبل يومين، يعطي إشارة الى أن الأميركيين يستهدفون ما لا يتصل حصراً بحسابات عراقية. وجاء الموقف الإسرائيلي على لسان وزير الخارجية يسرائيل كاتس، ليعكس حقيقة الأمر، إذ وصف ما حصل بأنه «نقطة تحوّلٍ في الواقع الإقليمي».
وكان بارزاً أيضاً، طوال الصيف الماضي، تلميحات تل أبيب إلى وقوفها وراء استهداف مقار «الحشد». قيادة الأخير، أدركت أن تل أبيب تريد استدراجه إلى «مواجهةٍ ما»، لجرّه لاحقاً إلى مواجهةٍ أكبر، تخدم ــــ في نهاية المطاف ــــ «مشروع» تأليب الشارع العراقي عليه، على قاعدة «عدم انصياع الحشد لأوامر الدولة». خيارات بغداد و«الحشد» كانت محدودةً جدّاً، مقابل مسعى تل أبيب لشراء «مواجهةٍ» تحظى «نوعاً ما» برضى واشنطن، التي انزعجت من حراكٍ نيابيّ جدّي، بهدف إقرار قانون إخراج القوات الأميركية المنتشرة في البلاد، الربيع الماضي.
وكانت واشنطن، قد استبقت الضربة، منذ منتصف الشهر الجاري، بالتحضير السياسي. وقال يومها وزير الخارجية مايك بومبيو ن بلاده «ستردّ بشكلٍ حاسم إذا تعرضت مصالحها للأذى في العراق»، وذلك عقب سلسلة من الهجمات الصاروخية على قواعد عسكرية أميركية. تصريحات أتت بعد سلسلة هجمات صاروخية ارتفعت وتيرتها مع اندلاع الحراك الشعبي في تشرين الأوّل/ أكتوبر الماضي؛ إذ تتهم فصائل المقاومة واشنطن بحرفه عن مطالبه المحقّة، واستثماره لتأليب الشارع عليها.
«الرسائل» المتبادلة طوال العام الماضي بلغت أكثر من 20 استهدافاً «مدروساً»، إلا أن الهجوم الصاروخي، ليل الجمعة الماضي، أسفر عن مقتل متعاقد أميركي وإصابة آخرين؛ قال «التحالف الدولي» (بقيادة واشنطن) إن «مدنيّاً أميركيّاً قُتل، وأصيب العديد من العسكريين الأميركيين والعراقيين في هجوم صاروخي على قاعدة عسكرية عراقية في كركوك». مرّ يومان حتى ردّ الأميركيون. وفق بيان «الحشد»، فقد «استهدفت طائرات أميركية مسيّرة، مواقع للواء 45 في منطقة المزرعة، في طريق عكاشات ضمن قاطع عمليات الجزيرة ــــ البادية، في قضاء القائم، غرب محافظة الأنبار». وبذلك، فُتحت صفحة جديدة من المواجهة الميدانية والسياسية، ستبدأ تداعياتها بالظهور في الأيام القليلة المقبلة.
ماذا تريد واشنطن؟
مصادر قيادية في «الحشد» تؤكّد أن مرحلة «اللعب وراء الستار ولّى زمانها»، وقد دخل العراق مطلع تشرين الأول الماضي مرحلةً جديدة على جميع الصعد. وباتت «المواجهة المكشوفة ضرورةً، لذا كان التهديد الأميركي واضحاً في كل مرّة. كون واشنطن ترفض أي تغييرٍ في قواعد الاشتباك، وتريد الإمساك بالمناطق التي تراها مناسبة وتخدم مشاريعها». وتلفت المصادر الى «أن الأميركيين غير مرتاحين لتراجع نفوذهم مقابل تقدم النفوذ الإيراني».
ويبدو أن فصائل المقاومة العراقية ليست في وارد السكوت على الضربة، وتقول المصادر نفسها إن «الأميركيين أخطأوا في التقدير، أرادوا إرساء قاعدة الدم مقابل الدم، لكنّ ردّهم لم يكن تناسبيّاً (لناحية الخسائر)» وهذا ما يوجب «أن يكون الردّ غير عادي، بل مناسباً جدّاً لحجم العدوان الأميركي».
على أن الأمر لن يقتصر على الميدان، إذ أكدت مصادر برلمانية عراقية لـ«الأخبار»، أن «حراك إقرار قانون إعادة انتشار القوات الأميركية سيُفعّل مطلع العام المقبل».
لماذا «القائم» دائماً؟
ثمة من يرى أن انتقاء منطقة القائم الحدودية (غرب العراق)، تحديداً ليس أمراً عبثيّاً، وخاصّةً أن «اللواء 45» في «الحشد الشعبي» سبق أن استُهدف بغارةٍ «مجهولةٍ» الصيف الماضي، أسفرت عن استشهاد القيادي أبو علي الدبّي. تجيب مصادر قياديّة في «الحشد»، عن السؤال وفق السياق الآتي:
1- ترفض واشنطن أي وجودٍ لـ«الحشد» في تلك المنطقة، وهذه هي المرة الثالثة التي يتم فيها استهدافه هناك. ذلك أن طريق القائم ــــ البوكمال، يثير حساسيّة تل أبيب، التي تعتقد أنّه طريق طهران «الآمن» إلى بيروت، وبالتالي محاولات قطع هذا الطريق مستمرة، وقد كان لافتاً تمسّك رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي بإعادة افتتاح معبر القائم ــــ البوكمال مجدّداً، وقد أدرك الرجل لاحقاً أنّه «دفع ثمن» هذا القرار لأنّه «كسر خطوطاً أميركيّةً حمراء».
2- تعدّ منطقة القائم، الأقرب إلى قاعدة عين الأسد، مركز «الثقل» لناحية وجود القوات الأميركية في العراق؛ إذ تشرف القاعدة الواقعة غرب محافظة الأنبار، على مسالك حركة القوات الأميركية بين العراق وسوريا، وانتشار «الحشد» على طول تلك المنطقة يعيق تلك الحركة، ويجعلها تحت مرمى النيران.
3- تحمّل واشنطن «كتائب حزب الله ــــ العراق»، مسؤولية «الصواريخ المجهولة»، لذا كان الردّ باستهداف «اللواء 45» تحديداً، علماً بأن القوات الأميركية قادرة على استهداف منطقة جرف الصخر (جنوبي بغداد)، التي تعدّ معقل «الكتائب» الرئيسي، إلا أن انتقاء «اللواء» والمنطقة، دليلٌ على وضع الإدارة الأميركية «الحشد» في خانة الفصائل التي تصنّفها إرهابية، رغم انتماء الأوّل إلى الدولة العراقية. أرادت واشنطن بذلك إظهار توجّسها من دور «الحشد» وقيادته، ميدانيّاً وسياسيّاً، واستعدادها لخوض معركة مفتوحة معه، ومن دون «خطوطٍ حمراء». أما انتقاؤها لهذا الفصيل بعينه فلأنه من الأقوى تكتيكياً ولوجستيّاً، في تحذيرٍ للألوية والفصائل الأخرى، من أن «الردّ» سيكون وفق هذا المستوى.
واشنطن: الضربات ستُضعف قدرة كتائب حزب الله
أكّدت القيادة المركزية الأميركية، في بيان، أمس، أن القوات الأميركية شنّت هجوماً على خمس منشآت في العراق وسوريا. وأشار البيان إلى أن الهجمات جاءت «رداً على هجمات كتائب حزب الله المتكرّرة على القواعد العراقية التي تستضيف قوات التحالف لعملية العزم المتأصل»، معتبرة أنها «ستؤدي إلى إضعاف قدرة الكتائب على تنفيذ هجمات ضد قوات التحالف». ووفق البيان، فإن الأهداف الخمسة «تشمل ثلاثة مواقع للكتائب في العراق واثنين في سوريا»، موضحاً أن من بين هذه المواقع «مرافق تخزين الأسلحة ومواقع القيادة والسيطرة التي تستخدمها الكتائب للتخطيط وتنفيذ الهجمات على قوات التحالف». في السياق ذاته، أفاد مسؤول أميركي بأن الضربات نُفذت بطائرات مقاتلة من طراز «إف-15».
الأخبار للبنانية