الشهادة هوية إيمانية وقيمة إنسانية

|| مقالات || يحيى محمد الربيعي

الاستشهاد ثقافة حياة تعبر عن العطاء بلا حدود وهو حالة تمنح الترقي في معنى الحياة والوجود.. إن الشهادة بطولة واعية، وإيمان بقضية تسري في شرايين الحر دم طاهر شفاف نفاذ كالضوء.

إنها فعلُ إيمان بحجم أمة وأهمية وجود، فهي إرادة الأقوياء تنطلق من سمو الغايات وتمضي إلى سمو النهايات.. هي فعلُ الإيمان المؤيّد بصحة القضية، ومشروعية المظلومية المؤيدة بحق الوجود والدفاع عنه.. الشهادة هوية إيمانية وقيمة إنسانية.

الشهادة هي جمال التضحية وإنكار الذات إكراماً لقيم الحياة وفلسفتها، متى كانت الحياة طريقاً إلى عز المجتمع وشرف الأمة ومجد راياتها، لذلك، الشهيد يختصر كل معاناة شعبه في وقفة عز جليلة.

وهي; أي: الشهادة مخزون الطاقة الهائل لدى الإنسان اليمني الذي يؤكد بعزيمة وثبات أن عيشة الذلة وإن كانت رغيدة بالماديات فإنها لا تساوي العزة الذي حباها الله للإنسان في عيش حر وكريم.. ان الشهادة مخزون إيماني يحقق عائداً وفيرا من كل معاني الكرامة والعزة للمجتمع.. وهي للشهيد حياة أخرى أكثر بهاء وإشراقاً وجمالاً وعدلاً وإنصافاً; عند ربه حيٌّ يزرق.

إن الأقلام قد سطرت على أنصع صفحات التاريخ حقيقة مفادها: أن أرواح الشهداء دفاعا عن العرض والأرض والوطن ومقدساتها.. سجل التاريخ أنهم شهداء ناضلوا نضالا مستميتاً بكل عزم وقوة وتضحية؛ وقدموا أرواحهم فداء لمبادئ آمنوا وعملوا لتحقيقها.. عملوا لتحقيق أمن اليمن وحريتها وأهدافها في حق تقرير المصير والحرية، فهذا العطاء جدير لأن يصبح لشهداء اليمن يوم يخلد في قلوب أبنائها وهم في امتنان وفخر واعتزاز بأرواح شهدائهم الطاهرة بما قدموه من بطولات وتضحيات وما أجادوا من صولات وجولات في ساحات الحرب والقتال من أجل بقاء راية اليمن تخفق شامخة بحرية وانتصار يبقى ذخرا لليمن ووجودها.

ذكرى الشهيد هو يوم نتذكر فيه كل شهيد استشهد وهو يؤدي واجباته دفاعا عن حياض الوطن وشرف الأمة.. نتذكر شهداء وهبوا أرواحهم فداء للأرض والعرض ولتبقى راية اليمن خفاقة عالية.. أبطال استشهدوا ليبرهنوا لكل شعوب الأرض استعداد الإنسان اليمني كتابة أحرف حريته واستقلال بلاده بدمه النقي.. وباستشهاده يكتب تاريخا جديدا.

إن دماء الشهداء التي سالت وهم يؤدون واجباتهم دفاعا عن حقوق ومكتسبات الحرية والشموخ؛ هي دماء تمثل معنى الطهارة والشموخ والوفاء لمبادئ العدالة والمساواة والحرية.. ونجدة الأرض والإنسان من الظلم والطغيان؛ ولهذا تعد قطرات دمائهم رسالة عنوانها الكرامة والحرية.. إنهم فتية آمنوا بمعاني حب الإنسان والوطن والحرية والأمان والاستقرار والتضحية وغوث المضطهدين وقيام دولة النظام والقانون؛ دولة الحكم الرشيد ليس لليمن فحسب وإنما نموذج يحتذي به أحرار العالم.

مسؤولية الأمة تجاه شهدائها أمر مهم في قيم التضحية، وباب عظيم في مهام التكليف، فهناك وجوب إعالة ذوي الشهداء، وتيسير أسباب العيش لهم، ومشاركتهم مصابهم الجلل، وبلغة اليوم يجب على الدولة وعلى المجتمع أن يخلفوا الشهيد في أهله وأيتامه بأحسن الخلافة، وأن يطعموهم، ويسقوهم، ويربوهم التربية الحسنة، ويخففوا عنهم لوعة فراق عائلهم ووالدهم، وهذا أحد حقوق الشهيد على أمته التي تنازل هو أصلا لها عن حياته الشخصية من أجل أن تتمتع بحياة على أرضية من السعادة والعزة والكرامة.

ولا تتوقف المسؤولية عند هذا الحد وكفى, فالواجب هو المضي نحو البناء الحضاري وإعلاء موازين العدالة والمساواة والحرية وتنكيس اعلام ثقافة الكراهية والظلم والقمع.. تثبيت أساسات التنمية وإحياء ثقافة الإخاء وترسيخ دعائم المواطنة الحقة.

إن راحة وسكون روح الشهيد في رحاب الجنان أمر متوقف على واقع الأمة التي بذلت الدماء رخيصة من أجل عزتها.. الواقع الذي يستوجب على كل حر وشريف أن يتقمص الدور الذي كان الشهيد يناضل ويقاتل من أجل الاضطلاع به وغرس بذوره في أرضية خصبة هي دولة المؤسسات التي تهتم بمظلومية الإنسان وتنصفه بيسر وأمان وعزة وكرامة.. دولة تنظر إلى مظلومية الإنسان كمواطن من واجبها حمايته وتوفير فرص الإرتقاء بمستواه التربوي والعلمي والعملي والصحي وإنصافه بكل حقوق المواطنة بشروط ومعايير الاستحقاق بدون الالتفاف إلى عرقه أو لونه أو لغته أو طائفته أو ميوله الفكري وعاداته وتقاليده.. دولة تطالب الإنسان بواجباته كمواطن وفي حدود المعدلات والقيم الافتراضية المنصوص عليها في قانون عادل ومنصف يراعي كل مهنة وكل جزئية من شؤون الحياة في ظروفها الذاتية والموضوعية ولا تكلف الأشياء فوق طاقتها.

قد يعجبك ايضا